المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة ق (50) : الآيات 28 إلى 29] - التحرير والتنوير - جـ ٢٦

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌46- سُورَةُ الْأَحْقَافِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 29 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 35]

- ‌47- سُورَةُ مُحَمَّدٍ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 4 الى 6]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 20 الى 21]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 38]

- ‌48- سُورَةُ الْفَتْحِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 29]

- ‌49- سُورَةُ الْحُجُرَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 7 الى 8]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 18]

- ‌50- سُورَةُ ق

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 1 الى 3]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 31 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 41 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 45]

- ‌51- سُورَةُ الذَّارِيَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةُ

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 1 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 7 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 24 إِلَى 30]

الفصل: ‌[سورة ق (50) : الآيات 28 إلى 29]

وَالطُّغْيَانُ: تَجَاوُزُ الْحَدِّ فِي التَّعَاظُمِ وَالظُّلْمِ وَالْكُفْرِ، وَفِعْلُهُ يَائِيٌّ وَوَاوِيٌّ، يُقَالُ: طَغِيَ يَطْغَى كَرَضِيَ، وَطَغَا يَطْغُو كَدَعَا. فَمَعْنَى مَا أَطْغَيْتُهُ مَا جَعَلْتُهُ طَاغِيًا، أَيْ مَا أَمَرْتُهُ بِالطُّغْيَانِ وَلَا زَيَّنْتُهُ لَهُ. والاستدراك ناشىء عَنْ شِدَّةِ الْمُقَارَنَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَرِينِهِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْقَرِينِ شَيْطَانَهُ الْمُقَيَّضَ لَهُ فَإِنَّهُ قُرِنَ بِهِ مِنْ وَقْتِ إِدْرَاكِهِ، فَالِاسْتِدْرَاكُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ الْمُقَارَنَةَ بَيْنَهُمَا تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا بِهِ مِنَ الطُّغْيَانِ بِتَلْقِينِ الْقَرِينِ فَهُوَ يَنْفِي ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ أَتْبَعَ الِاسْتِدْرَاكَ بِجُمْلَةِ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ فَأَخْبَرَ الْقَرِينُ بِأَنَّ صَاحِبَهُ ضَالٌّ مِنْ قَبْلُ فَلَمْ يَكُنِ اقْتِرَانُهُ مَعَهُ فِي التَّقْيِيضِ أَوْ فِي الصُّحْبَةِ بِزَائِدِ إِيَّاهُ إِضْلَالًا، وَهَذَا نَظِيرُ مَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنِ الْفَرِيقَيْنِ فِي قَوْلِهِ: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [الْبَقَرَة:

166] . وَفِعْلُ كانَ لِإِفَادَةِ أَنَّ الضَّلَالَ ثَابِتٌ لَهُ بِالْأَصَالَةِ مُلَازِمٌ لِتَكْوِينِهِ.

وَالْبَعِيدُ: مُسْتَعَارٌ لِلْبَالِغِ فِي قُوَّةِ النَّوْعِ حَدًّا لَا يَبْلُغُ إِلَيْهِ إِدْرَاكُ الْعَاقِلِ بِسُهُولَةٍ كَمَا لَا يَبْلُغُ سَيْرُ السَّائِرِ إِلَى الْمَكَانِ الْبَعِيدِ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ أَوْ بَعِيدُ الزَّمَانِ، أَيْ قَدِيمٌ أَصِيلٌ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا لِمُفَادِ فِعْلِ كانَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [116] .

وَالْمَعْنَى: أَنَّ تَمَكُّنَ الضَّلَالِ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بِتَابِعٍ لِمَا يُمْلِيهِ غَيْرُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ شَأْنَ التَّابِعِ فِي شَيْءٍ أَنْ لَا يَكُونَ مَكِينًا فِيهِ مِثْلَ عِلْمِ الْمُقَلَّدِ وَعلم النظّار.

[28، 29]

[سُورَة ق (50) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

قالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَاّمٍ لِلْعَبِيدِ (29)

هَذَا حِكَايَةُ كَلَامٍ يَصْدُرُ يَوْمَئِذٍ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْفَرِيقَيْنِ الَّذِي اتَّبَعُوا وَالَّذِينَ اتُّبِعُوا، فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ فِي الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ [ق: 22] .

وَعَدَمُ عَطْفِ فِعْلِ قالَ عَلَى مَا قَبْلَهُ لِوُقُوعِهِ فِي مَعْرِضِ الْمُقَاوَلَةِ، وَالتَّعْبِيرِ بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ فَقَدْ صَارَتِ المقاولة بَين ثَلَاثَة جَوَانِبَ.

ص: 314

وَالِاخْتِصَامُ: الْمُخَاصَمَةُ وَهُوَ مَصْدَرٌ بِصِيغَةِ الِافْتِعَالِ الَّتِي الْأَصْلُ فِيهَا أَنَّهَا لِمُطَاوَعَةِ بَعْضِ الْأَفْعَالِ فَاسْتُعْمِلَتْ لِلتَّفَاعُلِ مَثَلَ: اجْتَوَرُوا وَاعْتَوَرُوا وَاخْتَصَمُوا.

وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُخَاصَمَةِ بَيْنَهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ النُّفُوسَ الْكَافِرَةَ ادَّعَتْ أَنَّ قُرَنَاءَهَا أَطْغَوْهَا، وَأَنَّ الْقُرَنَاءَ تَنَصَّلُوا مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّ النُّفُوسَ أَعَادَتْ رَمْيَ قُرَنَائِهَا بِذَلِكَ فَصَارَ خِصَامًا فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَطُوِيَ ذِكْرُهُ لِدَلَالَةِ لَا تَخْتَصِمُوا عَلَيْهِ إِيثَارًا لِحَقِّ الْإِيجَازِ فِي الْكَلَامِ. وَالنَّهْيُ عَنِ الِاخْتِصَامِ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِتَأْوِيلِ النَّهْيِ عَنِ الدَّوَامِ عَلَيْهِ، أَيْ كَفُّوا عَنِ الْخِصَامِ.

وَمَعْنَى النَّهْيُ أَنَّ الْخِصَامَ فِي ذَلِكَ لَا جَدْوَى لَهُ لِأَنَّ اسْتِوَاءَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْكُفْرِ كَافٍ فِي مُؤَاخَذَةِ كِلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لَا تَعْلَمُونَ [الْأَعْرَاف: 38] ، وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قَدْ تَقَرَّرَ فَلَا يُفِيدُهُمُ التَّخَاصُمُ لِإِلْقَاءِ التَّبِعَةِ عَلَى أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ.

وَوَجْهُ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْعَذَابِ أَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى إِضْلَالِهِ قَائِمٌ بِمَا اشْتَهَتْهُ نَفْسُهُ مِنْ تَرْوِيجِ الْبَاطِلِ دُونَ نَظَرٍ فِي الدَّلَائِلِ الْوِزَاعَةِ عَنْهُ وَأَنَّ مُتَلَقِّيَ الْبَاطِلِ مِمَّنْ دَعَاهُ إِلَيْهِ قَائِمٌ بِمَا اشْتَهَتْهُ نَفْسُهُ من الطَّاعَة لأيمة الضَّلَالِ فَاسْتَوَيَا فِي الدَّاعِي وَتَرَتُّبِ أَثَرِهِ.

وَالْوَاوُ فِي وَقَدْ قَدَّمْتُ وَاوُ الْحَالِ. وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ تَخْتَصِمُوا وَهِيَ حَالٌ مُعَلِّلَةٌ لِلنَّهْيِ عَنِ الِاخْتِصَامِ.

وَالْمَعْنَى: لَا تَطْمَعُوا فِي أَنَّ تَدَافُعَكُمْ فِي إِلْقَاءِ التَّبِعَةِ يُنْجِيكُمْ مِنَ الْعِقَابِ بَعْدَ حَالِ إِنْذَارِكُمْ بِالْوَعِيدِ مِنْ وَقْتِ حَيَاتِكُمْ فَمَا اكْتَرَثْتُمْ بِالْوَعِيدِ فَلَا تَلُومُوا إِلَّا أَنْفُسَكُمْ لِأَنَّ مَنْ أَنْذَرَ

فَقَدْ أَعْذَرَ.

فَقَوْلُهُ: وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِالْخِصَامِ كَوْنَ الْعِقَابِ عَدْلًا مِنَ اللَّهِ. وَالْبَاءُ فِي بِالْوَعِيدِ مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِه: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [الْمَائِدَة:

6] . وَالْمَعْنَى: وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمُ الْوَعِيدَ قَبْلَ الْيَوْمِ.

ص: 315

وَالتَّقْدِيمُ: جَعْلُ الشَّيْءِ قُدَّامَ غَيْرِهِ.

وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا: كَوْنُهُ سَابِقًا عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِالشِّرْكِ لِأَنَّ اللَّهَ تَوَعَّدَهُمْ بِوَاسِطَة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم. فَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ الْمُكَنَّى عَنْهُ بُيِّنَ بِجُمْلَةِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، أَيْ لَسْتُ مُبْطِلًا ذَلِكَ الْوَعِيدَ، وَهُوَ الْقَوْلُ، إِذِ الْوَعِيدُ مِنْ نَوْعِ الْقَوْلِ، وَالتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ، أَيْ فَمَا أَوْعَدْتُكُمْ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَهَّدَ أَنْ لَا يَغْفِرَ لِمَنْ يُشْرِكُ بِهِ وَيَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ.

وَالْمَعْنَى الثَّانِي الْمُكَنَّى عَنْهُ بُيِّنَ بِجُمْلَةِ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، أَيْ فَلِذَلِكَ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمُ الْوَعِيدَ.

وَالْمُبَالَغَةُ الَّتِي فِي وصف بِظَلَّامٍ رَاجِعَةٌ إِلَى تَأْكِيدِ النَّفْيِ. وَالْمُرَادُ: لَا أَظْلِمُ شَيْئًا مِنَ الظُّلْمِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى: مَا أَنَا بِشَدِيدِ الظُّلْمِ كَمَا قَدْ يُسْتَفَادُ مِنْ تَوَجُّهِ النَّفْيِ إِلَى الْمُقَيَّدِ يُفِيدُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى الْقَيْدِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَغْلَبِيٌّ. وَالْأَكْثَرُ فِي نَفْيِ أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ أَنْ يُقْصَدَ بِالْمُبَالَغَةِ مُبَالَغَةُ النَّفْيِ، قَالَ طَرَفَةُ:

وَلَسْتُ بِحَلَّالِ التِّلَاعِ مَخَافَةً

وَلَكِنْ مَتَى يَسْتَرْفِدِ الْقَوْمُ أَرْفِدِ

فَإِنَّهُ لَا يُرِيدُ نَفْيَ كَثْرَةِ حُلُولِهِ التِّلَاعَ وَإِنَّمَا أَرَادَ كَثْرَةَ النَّفْيِ.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي «دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ» تَوَجُّهَ نَفْيِ الشَّيْءِ الْمُقَيَّدِ إِلَى خُصُوصِ الْقَيْدِ كَتَوَجُّهِ الْإِثْبَاتِ سَوَاءً، وَلَكِن كَلَام التفتازانيّ فِي كِتَابِ «الْمَقَاصِدِ فِي أُصُولِ الدِّينِ» فِي مَبْحَثِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَشَارَ إِلَى اسْتِعْمَالَيْنِ فِي ذَلِكَ، فَالْأَكْثَرُ أَنَّ النَّفْيَ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْقَيْدِ فَيَكُونُ الْمَنْفِيُّ الْقَيْدَ، وَقَدْ يُعْتَبَرُ الْقَيْدُ قَيْدًا لِلنَّفْيِ وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ. عَلَى أَنِّي أَرَى أَنَّ عَدَّ مِثْلِ صِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي عِدَادِ الْقُيُودِ مَحَلَّ نَظَرٍ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنَ الْقُيُودِ هُوَ مَا كَانَ لَفْظًا زَائِدًا عَلَى اللَّفْظِ الْمَنْفِيِّ مِنْ صِفَةٍ أَوْ حَالٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: لَسْتُ ظَلَّامًا، وَلَكِنْ أَظْلِمُ، وَيَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لَا آتِيكَ مُحَارِبًا وَلَكِنْ مُسَالِمًا.

وَقَدْ أَشَارَ فِي «الْكَشَّافِ» إِلَى أَنَّ إِيثَار وصف بِظَلَّامٍ هُنَا إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْمَنْفِيَّ

ص: 316