الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجِيءَ بِفِعْلِ كَانُوا لِدَلَالَتِهَا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَحَقِّيَّةَ رَاسِخَةٌ فِيهِمْ حَاصِلَةٌ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، أَيْ فِي قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ نُفُوسَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ مُتَهَيِّئَةً لِقَبُولِ كَلِمَةِ التَّقْوَى وَالْتِزَامِهَا بِمَا أَرْشَدَهَا اللَّهُ إِلَيْهِ. وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ مُقَدَّرٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ، أَيْ أَحَقَّ بِهَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَالَّذِينَ جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ لِأَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ لَهُمُ الِاسْتِعْدَادَ لِلْإِيمَان دُونَ الَّذِينَ أَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ.
وَأَهْلُ الشَّيْءِ مُسْتَحِقُّهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ كَلِمَةِ التَّقْوَى لِأَنَّهَا تُنَاسِبُ ضَمَائِرَهُمْ وَمَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُهُمْ. وَهَذِهِ الْأَهْلِيَّةُ مِثْلُ الْأَحَقِّيَّةِ مُتَفَاوِتَةٌ فِي النَّاسِ وَكُلَّمَا اهْتَدَى أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ دَلَّ اهْتِدَاؤُهُ عَلَى أَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ الْأَهْلِيَّةُ لِلْإِسْلَامِ.
وَجُمْلَةُ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً تَذْيِيلٌ، أَيْ وَسَبْقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ ذَلِكَ فِي عُمُومِ مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُ اللَّهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ مَجْرَى تَكْوِينِهِ عَلَى نَحْو علمه.
[27]
[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 27]
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27)
اسْتِئْنَاف بياني ناشىء عَنْ قَوْلِهِ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [الْفَتْح: 26] وَدَحْضُ مَا خَامَرَ نُفُوسَ فَرِيقٍ مِنَ الْفَشَلِ أَوِ الشَّكِّ أَوِ التَّحَيُّرِ وَتَبْيِينُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ مِنْ ثَوَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَى كَشْفِ شُبْهَةٍ عَرَضَتْ لِلْقَوْمِ فِي رُؤْيَا رَآهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. ذَلِكَ أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَأَى رُؤْيَا قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ، أَوْ وَهُوَ
فِي الْحُدَيْبِيَةِ: كَأَنَّهُ وَأَصْحَابَهُ قَدْ دَخَلُوا مَكَّةَ آمِنِينَ وَحَلَقُوا وَقَصَّرُوا. هَكَذَا كَانَتِ الرُّؤْيَا مُجْمَلَةً لَيْسَ فِيهَا وُقُوعُ حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ، وَالْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ مُنَاسِبٌ لِكِلَيْهِمَا.
وَقَصَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رُؤْيَاهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فَاسْتَبْشَرُوا بِهَا وَعَبَرُوهَا أَنَّهُمْ دَاخِلُونَ إِلَى مَكَّةَ بِعُمْرَتِهِمُ الَّتِي خَرَجُوا لِأَجْلِهَا، فَلَمَّا جَرَى الصُّلْحُ وَتَأَهَّبَ النَّاسُ إِلَى الْقُفُولِ أَثَارَ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ ذِكْرَ الرُّؤْيَا فَقَالُوا: فَأَيْنَ الرُّؤْيَا فو الله مَا دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَلَا حَلَقْنَا وَقَصَّرْنَا؟
فَقَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: إِنَّ الْمَنَامَ لَمْ يَكُنْ مُوَقَّتًا بِوَقْتٍ وَأَنَّهُ سَيُدْخَلُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَالْمَعْنَى أَنْ رُؤْيَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَقٌّ وَأَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ بِهَا وَأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَقَعْ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ فَسَتُحَقَّقُ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي إِرَاءَةِ الله رَسُوله صلى الله عليه وسلم لَك الرُّؤْيَا أَيَامَئِذٍ وَفِي إِخْبَار الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ بِهَا: أَنَّ اللَّهَ أَدْخَلَ بِذَلِكَ عَلَى قُلُوبِهِمُ الثِّقَةَ بِقُوَّتِهِمْ وَتَرْبِيَةَ الْجَرَاءَةِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي دِيَارِهِمْ فَتَسْلَمُ قُلُوبُهُمْ مِنْ مَاءِ الْجُبْنِ فَإِنَّ الْأَمْرَاضَ النَّفْسِيَّةَ إِذَا اعْتَرَتِ النُّفُوسَ لَا تَلْبَثُ أَنْ تَتْرُكَ فِيهَا بَقَايَا الدَّاءِ زَمَانًا كَمَا تَبْقَى آثَارُ الْمَرَضِ فِي الْعُضْوِ الْمَرِيضِ بَعْدَ النَّقَاهَةِ زَمَانًا حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى الْعُضْوِ قُوَّتُهُ الْأُولَى بَعْدَ مُدَّةِ مُنَاسِبَةٍ.
وَتَوْكِيدُ الْخَبَرِ بِحَرْفِ (قَدْ) لِإِبْطَالِ شُبْهَةِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالُوا: فَأَيْنَ الرُّؤْيَا؟
وَمَعْنَى صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا أَنَّهُ أَرَاهُ رُؤْيَا صَادِقَةً لِأَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ فَآلَتْ إِلَى مَعْنَى الْخَبَرِ فَوُصِفَتْ بِالصِّدْقِ لِذَلِكَ. وَهَذَا تَطْمِينٌ لَهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ فِي حِينِ نُزُولِ الْآيَةِ لَمَّا يَحْصُلْ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: إِنْ شاءَ اللَّهُ.
وَتَعْدِيَةُ صَدَقَ إِلَى مَنْصُوبٍ ثَانٍ بَعْدَ مَفْعُولِهِ مِنَ النَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ الْمُسَمَّى بِالْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، أَيْ حَذْفِ الْجَارِّ وَإِيصَالِ الْفِعْلِ إِلَى الْمَجْرُورِ بِالْعَمَلِ فِيهِ النَّصْبَ.
وَأَصْلُ الْكَلَامِ: صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ فِي الرُّؤْيَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الْأَحْزَاب: 23] .
وَالْبَاءُ فِي بِالْحَقِّ لِلْمُلَابَسَةِ وَهُوَ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ وَقَعَ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ صِدْقًا مُلَابِسًا الْحَقَّ، أَوْ وُقُوعٍ حَالًا صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ صِدْقًا مُلَابِسًا وَقَعَ حَالًا مِنَ الرُّؤْيَا.
وَالْحَقُّ: الْغَرَضُ الصَّحِيحُ وَالْحِكْمَةُ، أَيْ كَانَتْ رُؤْيَا صَادِقَةً وَكَانَتْ مَجْعُولَةً مُحْكَمَةً وَهِيَ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا.
وَجُمْلَةُ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِلَى آخِرِهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِجُمْلَةِ صَدَقَ
اللَّهُ لِأَنَّ مَعْنَى لَتَدْخُلُنَّ تَحْقِيقُ دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الرُّؤْيَا إِخْبَارٌ بِدُخُولٍ لَمْ يُعَيَّنْ زَمَنُهُ فَهِيَ صَادِقَةٌ فِيمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَهَذَا تَنْبِيهٌ لِلَّذِينَ لَمْ يَتَفَطَّنُوا لِذَلِكَ فَجَزَمُوا بِأَنَّ رُؤْيَا دُخُولِ الْمَسْجِدِ تَقْتَضِي دُخُولَهُمْ إِلَيْهِ أَيَّامَئِذٍ وَمَا ذَلِكَ بِمَفْهُومٍ مِنَ الرُّؤْيَا وَكَانَ حَقَّهُمْ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهَا وَعْدٌ لَمْ يُعَيَّنْ إِبَّانَ مَوْعُودِهِ وَقَدْ فَهِمَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ إِذْ قَالَ لَهُمْ: إِنَّ الْمَنَامَ لَمْ يَكُنْ مُوَقَّتًا بِوَقْتٍ وَأَنَّهُ سَيَدْخُلُ. وَقَدْ جَاءَ فِي سُورَةِ يُوسُفَ [100] وَقالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ. وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ بَيَانًا لِلرُّؤْيَا لِأَنَّ صِيغَةَ الْقَسَمِ لَا تُلَائِمُ ذَلِكَ.
وَالْأَحْسَنُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا عَنْ جُمْلَةِ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَيْ سَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا مَحَالَةَ فَيَنْبَغِي الْوَقْفُ عِنْدَ قَوْلِهِ:
بِالْحَقِّ لِيَظْهَرَ مَعْنَى الِاسْتِئْنَافِ.
وَقَوْلُهُ: إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُذَيَّلَ بِهِ الْخَبَرُ الْمُسْتَقْبَلُ إِذَا كَانَ حُصُولُهُ مُتَرَاخِيًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: افْعَلْ كَذَا، فَيَقُولُ: أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْقَرِيبِ بَلْ يَفْعَلُهُ بَعْدَ زَمَنٍ وَلَكِنْ مَعَ تَحْقِيقِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ.
وَلِذَلِكَ تَأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُوسُفَ [99] وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ أَنَّ إِنْ شاءَ اللَّهُ لِلدُّخُولِ مَعَ تَقْدِيرِ الْأَمْنِ لِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ حِينَ قَدْ دَخَلُوا مِصْرَ.
أَمَّا مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَهُوَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ فَلَا يُنَاسِبُهُ هَذَا الْمَحْمَلُ. وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّنَصُّلَ مِنِ الْتِزَامِ الْوَعْدِ، وَهَذَا مِنِ اسْتِعْمَالَاتِ كَلِمَةِ إِنْ شاءَ اللَّهُ. فَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْيَمِينِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لِلثُّنْيَا لِأَنَّهَا فِي مَوْضِعِ قَوْلِهِمْ: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، لِأَنَّ مَعْنَى: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ: عَدَمُ الْفِعْلِ، وَأَمَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، الَّتِي تَقَعُ مَوْقِعَ: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، فَمَعْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْفِعْلَ.
وَالْمَوْعُودُ بِهِ صَادِقٌ بِدُخُولِهِمْ مَكَّةَ بِالْعُمْرَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَهِيَ عُمْرَةُ الْقَضِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ دَخَلُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ آمِنِينَ وَحَلَقَ بَعْضُهُمْ وَقَصَّرَ بَعْضٌ غَيْرَ خَائِفِينَ إِذْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ، وَذَلِكَ أَقْرَبُ دُخُولٍ بَعْدَ هَذَا الْوَعْدِ، وَصَادِقٌ بِدُخُولِهِمُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ، وَعَدَمُ الْخَوْفِ فِيهِ أَظْهَرُ. وَأَمَّا دُخُولُهُمْ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَلَمْ يَكُونُوا فِيهِ مُحْرِمِينَ.
قَالَ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» بَعْدَ أَنْ سَاقَ حَدِيثَ قَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ يَوْمَ الْفَتْحِ (وَلَمْ يَكُنْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا وَاللَّهُ أعلم) .
ومُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ آمِنِينَ وَعَطَفَ عَلَيْهِ وَمُقَصِّرِينَ وَالتَّحْلِيقُ وَالتَّقْصِيرُ كِنَايَةٌ عَنِ التَّمَكُّنِ مِنْ إِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَذَلِكَ مِنِ اسْتِمْرَارِ الْأَمْنِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ حَكَتْ مَا رَآهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي رُؤْيَاهُ، أَيْ يَحْلِقُ مَنْ رَامَ الْحَلْقَ وَيُقَصِّرُ مَنْ رَامَ التَّقْصِيرَ، أَيْ لَا يُعْجِلُهُمُ الْخَوْفُ عَنِ الْحَلْقِ فَيَقْتَصِرُوا عَلَى التَّقْصِيرِ.
وَجُمْلَةُ لَا تَخافُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُؤَكِّدَةً لِ آمِنِينَ تَأْكِيدًا بِالْمُرَادِفِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْأَمْنَ كَامِلٌ مُحَقَّقٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مُؤَسَّسَةً عَلَى أَنَّ آمِنِينَ مَعْمُولٌ لِفِعْلِ تَدْخُلُّنَ وَأَنَّ لَا تَخافُونَ مَعْمُولٌ لِ آمِنِينَ، أَيْ آمَنِينَ أَمْنَ مَنْ لَا يَخَافُ، أَيْ لَا تَخَافُونَ غَدْرًا. وَذَلِكَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُمْ يَكُونُونَ أَشَدَّ قُوَّةً مِنْ عَدُوِّهِمُ الَّذِي أَمنهم، وَهَذَا يومىء إِلَى حِكْمَةِ تَأْخِيرِ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ إِلَى عَامٍ قَابِلٍ حَيْثُ يَزْدَادُونَ قُوَّةً وَاسْتِعْدَادًا وَهُوَ أَظْهَرُ فِي دُخُولِهِمْ عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ.
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا لِتَفْرِيعِ الْأَخْبَارِ لَا لِتَفْرِيعِ الْمُخْبَرِ بِهِ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ سَابِقٌ عَلَى دُخُولِهِمْ وَعَلَى الرُّؤْيَا الْمُؤْذِنَةِ بِدُخُولِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ [الْفَتْح: 18] .
وَفِي إِيثَارِ فِعْلِ جَعَلَ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ دُونَ أَنْ يَقُولَ: فَتَحَ لَكُمْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا أَوْ نَحْوَهُ إِفَادَةُ أَنَّ هَذَا الْفَتْحَ أَمْرُهُ عَجِيبٌ مَا كَانَ لِيَحْصُلَ مِثْلُهُ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ كَوَّنَهُ.
وَصِيغَةُ الْمَاضِي فِي جَعَلَ لِتَنْزِيلِ الْمُسْتَقْبَلِ الْمُحَقَّقِ مَنْزِلَةَ الْمَاضِي، أَوْ لِأَنَّ جَعَلَ بِمَعْنَى قَدَّرَ. وَدون هُنَا بِمَعْنَى غير، وَمن (م) ابْتِدَائِيَّةٌ أَوْ