المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الحجرات (49) : آية 10] - التحرير والتنوير - جـ ٢٦

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌46- سُورَةُ الْأَحْقَافِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 29 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 35]

- ‌47- سُورَةُ مُحَمَّدٍ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 4 الى 6]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 20 الى 21]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 38]

- ‌48- سُورَةُ الْفَتْحِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 29]

- ‌49- سُورَةُ الْحُجُرَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 7 الى 8]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 18]

- ‌50- سُورَةُ ق

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 1 الى 3]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 31 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 41 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 45]

- ‌51- سُورَةُ الذَّارِيَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةُ

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 1 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 7 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 24 إِلَى 30]

الفصل: ‌[سورة الحجرات (49) : آية 10]

كَلَامُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَى نَوْعَيِ الْبَاغِيَةِ أَوْ هُوَ خَاصٌّ بِالْبَاغِيَةِ عَلَى الْخَلِيفَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ.

فَأَمَّا حُكْمُ تَصَرُّفِ الْجَيْشِ الْمُقَاتِلِ لِلْبُغَاةِ فَكَأَحْوَالِ الْجِهَادِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ وَلَا يُتَّبَعُ مُدَبَّرَهُمْ وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَلَا تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ وَلَا تُسْتَرَقُّ أَسْرَاهُمْ. وَلِلْفُقَهَاءِ تَفَاصِيلُ فِي أَحْوَالِ جَبْرِ الْأَضْرَارِ اللَّاحِقَةِ بِالْفِئَةِ الْمُعْتَدَى عَلَيْهَا وَالْأَضْرَارِ اللَّاحِقَةِ بِالْجَمَاعَةِ الَّتِي تَتَوَلَّى قِتَالَ الْبُغَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ مَجْمُوعِ أَقْوَالِهِمْ مَا يَرَى أُولُو الْأَمْرِ الْمَصْلَحَةَ فِي الْحَمْلِ عَلَيْهَا جَرْيًا عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.

[10]

[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 10]

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)

تَعْلِيلٌ لِإِقَامَةِ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا اسْتَشْرَى الْحَالُ بَيْنَهُمْ، فَالْجُمْلَةُ مَوْقِعُهَا مَوْقِعُ الْعِلَّةِ، وَقَدْ بُنِيَ هَذَا التَّعْلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ حَالِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ كَحَالِ الْإِخْوَةِ.

وَجِيءَ بِصِيغَةِ الْقَصْرِ الْمُفِيدَةِ لِحَصْرِ حَالِهِمْ فِي حَالِ الْإِخْوَةِ مُبَالَغَةً فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ أَوْ هُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ لِلرَّدِّ عَلَى أَصْحَابِ الْحَالَةِ الْمَفْرُوضَةِ الَّذِينَ يَبْغُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَخْبَرَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ إِخْوَةٌ مَجَازًا عَلَى وَجْهِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ زِيَادَةً لِتَقْرِيرِ مَعْنَى الْأُخُوَّةِ بَيْنَهُمْ حَتَّى لَا يَحِقَّ أَنْ يُقْرَنَ بِحَرْفِ التَّشْبِيهِ الْمُشْعِرِ بِضَعْفِ صِفَتِهِمْ عَنْ حَقِيقَةِ الْأُخُوَّةِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى تَقَرُّرِ وُجُوبِ الْأُخُوَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ شَأْنَ إِنَّمَا أَنْ تَجِيءَ لِخَبَرٍ لَا يَجْهَلُهُ الْمُخَاطَبُ وَلَا يَدْفَعُ صِحَّتَهُ أَوْ لِمَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ فِي «دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ» فِي الْفَصْلِ الثَّانِيَ عَشَرَ وَسَاقَ عَلَيْهِ شَوَاهِدَ كَثِيرَةً مِنَ الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ فَلِذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ مُفِيدَ أَنَّ مَعْنَى الْأُخُوَّةِ بَيْنَهُمْ مَعْلُومٌ مُقَرَّرٌ. وَقَدْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي تَضَاعِيفِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَام

ص: 243

رَسُوله صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ [10] ، وَهِيَ سَابِقَةٌ فِي النُّزُولِ عَلَى هَذِهِ السُّورَةِ فَإِنَّهَا مَعْدُودَةٌ الثَّانِيَةَ وَالْمِائَةَ، وَسُورَةُ الْحُجُرَاتِ مَعْدُودَةٌ الثَّامِنَةَ وَالْمِائَةَ مِنَ السُّورِ. وآخى النبيء صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ حِينَ وُرُودِهِ الْمَدِينَةَ وَذَلِكَ مَبْدَأُ الْإِخَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.

وَفِي الْحَدِيثِ «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غير رَبِّي لَا تخذت أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنَّ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ»

. وَفِي بَابِ تَزْوِيجِ الصِّغَارِ مِنَ الْكِبَارِ

مِنْ «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» «أَن النبيء صلى الله عليه وسلم خَطَبَ عَائِشَةَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا أَنَا أَخُوكَ فَقَالَ: أَنْتَ أَخِي فِي دِينِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَهِيَ لِي حَلَالٌ» .

وَفِي حَدِيثِ «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ» .

وَفِي الْحَدِيثِ «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»

أَيْ يُحِبَّ لِلْمُسْلِمِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ.

فَأَشَارَتْ جُمْلَةُ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ إِلَى وَجْهِ وُجُوبِ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ الْمُتَبَاغِيَتَيْنِ مِنْهُمْ بِبَيَانِ أَنَّ الْإِيمَانَ قَدْ عَقَدَ بَيْنَ أَهْلِهِ مِنَ النَّسَبِ الْمُوحَى مَا لَا يَنْقُصُ عَنْ نِسَبِ الْأُخُوَّةِ الْجَسَدِيَّةِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي شَكَتْ إِلَيْهِ حَاجَةَ أَوْلَادِهَا وَقَالَتْ: أَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ أَيْمَاءَ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ الْحُدَيْبِيَةَ فَقَالَ عُمَرُ «مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ» . وَلَمَّا كَانَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُ إِذَا نَشِبَتْ مُشَاقَّةٌ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ لَزِمَ بَقِيَّةَ الْإِخْوَةِ أَنْ يَتَنَاهَضُوا فِي إِزَاحَتِهَا مَشْيًا بِالصُّلْحِ بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ شَأْنُ الْمُسْلِمِينَ إِذَا حَدَثَ شِقَاقٌ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنْهُمْ أَنْ يَنْهَضَ سَائِرُهُمْ بِالسَّعْيِ بِالصُّلْحِ بَيْنَهُمَا وَبَثِّ السُّفَرَاءِ إِلَى أَنْ يُرَقِّعُوا مَا وَهَى، وَيَرْفَعُوا مَا أَصَابَ وَدَهَى.

وَتَفْرِيعُ الْأَمْرِ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ، عَلَى تَحْقِيقِ كَوْنِ الْمُؤْمِنِينَ إِخْوَةً تَأْكِيدٌ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ إِنَّمَا مِنَ التَّعْلِيلِ فَصَارَ الْأَمْرُ بِالْإِصْلَاحِ الْوَاقِعِ ابْتِدَاءً دُونَ تَعْلِيلٍ فِي

ص: 244

قَوْلِهِ:

فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما، وَقَوْلِهِ: فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ [الحجرات: 9] قَدْ أُرْدِفَ بِالتَّعْلِيلِ فَحَصَلَ تَقْرِيرُهُ، ثُمَّ عُقِّبَ بِالتَّفْرِيعِ فَزَادَهُ تَقْرِيرًا.

وَقَدْ حَصَلَ مِنْ هَذَا النَّظْمِ مَا يُشْبِهُ الدَّعْوَى وَهِيَ كَمَطْلُوبِ الْقِيَاسِ، ثُمَّ مَا يُشْبِهُ الِاسْتِدْلَالَ بِالْقِيَاسِ، ثُمَّ مَا يُشْبِهُ النَّتِيجَةَ.

وَلَمَّا تَقَرَّرَ مَعْنَى الْأُخُوَّةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ كَمَالَ التَّقَرُّرِ عَدَلَ عَنْ أَنْ يَقُولَ: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ، إِلَى قَوْلِهِ: بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ فَهُوَ وَصْفٌ جَدِيدٌ نَشَأَ عَنْ قَوْلِهِ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، فَتَعَيَّنَ إِطْلَاقُهُ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ فَتَأَمَّلْ.

وَأُوثِرَتْ صِيغَةُ التَّثْنِيَةِ فِي قَوْلِهِ: أَخَوَيْكُمْ مُرَاعَاةً لِكَوْنِ الْكَلَامِ جَارٍ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَجُعِلَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ كَالْأَخِ لِلْأُخْرَى. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ بِلَفْظِ تَثْنِيَةِ الْأَخِ، أَيْ بَيْنَ الطَّائِفَةِ وَالْأُخْرَى مُرَاعَاةً لِجَرَيَانِ الْحَدِيثِ عَلَى اقْتِتَالِ طَائِفَتَيْنِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ بِلَفْظِ تَثْنِيَةِ الْأَخِ عَلَى تَشْبِيهِ كُلِّ طَائِفَةٍ بِأَخٍ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ إِخْوَتِكُمْ بِتَاءٍ فَوْقِيَّةٍ بَعْدَ الْوَاوِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ أَخٍ بِاعْتِبَارِ كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ كَالْأَخِ.

وَالْمُخَاطَبُ بِقَوْلِهِ: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ فَيَشْمَلُ الطَّائِفَتَيْنِ الْبَاغِيَةَ وَالْمَبْغِيَّ عَلَيْهَا، وَيَشْمَلُ غَيْرَهُمَا مِمَّنْ أمروا بالإصلاح بَيْنَمَا وَمُقَاتَلَةِ الْبَاغِيَةِ، فَتَقْوَى كُلٌّ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ كُلًّا مِمَّا يَخُصُّهُ، وَهَذَا يُشْبِهُ التَّذْيِيلَ. وَمَعْنَى لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ: تُرْجَى لَكُمُ الرَّحْمَةُ مِنَ اللَّهِ فَتَجْرِي أَحْوَالُكُمْ عَلَى اسْتِقَامَةٍ وَصَلَاحٍ. وَإِنَّمَا اخْتِيرَتِ الرَّحْمَةُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّقْوَى وَاقِعٌ إِثْرَ تَقْرِيرِ حَقِيقَةِ الْأُخُوَّةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَشَأْنُ تَعَامُلِ الْإِخْوَةِ الرَّحْمَةُ فَيَكُونُ الْجَزَاءُ عَلَيْهَا مِنْ جِنْسِهَا

ص: 245