الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سُورَة ق (50) : آيَة 5]
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)
إِضْرَابٌ ثَانٍ تَابِعٌ لِلْإِضْرَابِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ [ق:
2] عَلَى طَرِيقَةِ تَكْرِيرِ الْجُمْلَةِ فِي مَقَامِ التَّنْدِيدِ وَالْإِبْطَالِ، أَوْ بَدَلٌ مِنْ جُمْلَةِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ الْعَجَبَ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّكْذِيبِ، وَكِلَا الِاعْتِبَارَيْنِ يَقْتَضِيَانِ فَصْلَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِدُونِ عَاطِفٍ. وَالْمَقْصِدُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ: أَنَّهُمْ أَتَوْا بِأَفْظَعَ مِنْ إِحَالَتِهِمُ الْبَعْثَ وَذَلِكَ هُوَ التَّكْذِيبُ بِالْحَقِّ.
وَالْمُرَادُ بِالْحَقِّ هُنَا الْقُرْآنُ لِأَنَّ فِعْلَ التَّكْذِيبِ إِذَا عُدِّيَ بِالْبَاءِ عُدِّيَ إِلَى الْخَبَرِ وَإِذَا عُدِّيَ بِنَفْسِهِ كَانَ لِتَكْذِيبِ الْمُخْبِرِ.
ولَمَّا حَرْفُ تَوْقِيتٍ فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى رَبْطِ حُصُولِ جَوَابِهَا بِوَقْتِ حُصُولِ شَرْطِهَا فَهِيَ مُؤْذِنَةٌ بِمُبَادَرَةِ حُصُولِ الْجَوَابِ عِنْدَ حُصُولِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا أَضاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ [الْبَقَرَة: 17]، وَقَوْلِهِ فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [الْبَقَرَة: 89] وَقَدْ مَضَيَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَمَعْنَى جاءَهُمْ بَلَغَهُمْ وَأُعْلِمُوا بِهِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ بَادَرُوا بِالتَّكْذِيبِ دُونَ تَأَمُّلٍ وَلَا نَظَرٍ فِيمَا حَوَاهُ مِنَ الْحَقِّ بَلْ كَذَّبُوا بِهِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ فَكَذَّبُوا بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، وَهُوَ أَوَّلُ حَقٍّ جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَلِذَلِكَ عَقَّبَ بِقَوْلِهِ:
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها إِلَى قَوْلِهِ: وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً [ق: 6- 11] . فَالتَّكْذِيبُ بِمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ يَعُمُّ التَّكْذِيبَ بِالْبَعْثِ وَغَيْرِهِ.
وَفُرِّعَ عَلَى الْخَبَرِ الْمُنْتَقَلِ إِلَيْهِ بِالْإِضْرَابِ وَصَفُ حَالِهِمُ النَّاشِئَةِ عَنِ الْمُبَادَرَةِ بِالتَّكْذِيبِ قَبْلَ التَّأَمُّلِ بِأَنَّهَا أَمْرٌ مَرِيجٌ أَحَاطَ بِهِمْ وَتَجَلْجَلُوا فِيهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَرْفُ الظَّرْفِيَّةِ.
وأَمْرٍ اسْمٌ مُبْهَمٌ مِثْلُ شَيْءٍ، وَلَمَّا وَقَعَ هُنَا بَعْدَ حَرْفِ فِي الْمُسْتَعْمَلِ فِي الظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْحَالَ الْمُتَلَبِّسُونَ هُمْ بِهِ تَلَبُّسَ الْمَظْرُوفِ بِظَرْفِهِ وَهُوَ تَلَبُّسُ الْمَحُوطِ بِمَا أَحَاطَ بِهِ فَاسْتِعْمَالُ فِي اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ.