الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَأْتِي وَهُمْ ظَنُّوهُ تَمَالُؤًا مِنْ جَيْشِ الْحُدَيْبِيَةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا حِكْمَتَهُ وَسَبَبَهُمْ. وَإِنَّمَا نَفَى اللَّهُ عَنْهُمُ الْفَهْمَ دُونَ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا جَاهِلِينَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَنُظُمِهِ.
وَأَفَادَ قَوْلُهُ: لَا يَفْقَهُونَ انْتِفَاءَ الْفَهْمِ عَنْهُمْ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ كَالنَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ يَعُمُّ، فَلِذَلِكَ اسْتَثْنَى مِنْهُ بِقَوْلِهِ: إِلَّا قَلِيلًا أَيْ إِلَّا فَهْمًا قَلِيلًا وَإِنَّمَا قَلَّلَهُ لِكَوْنِ فَهْمِهِمْ مُقْتَصِرًا عَلَى الْأُمُورِ الْوَاضِحَةِ مِنَ الْعَادِيَّاتِ لَا يَنْفُذُ إِلَى الْمُهِمَّاتِ وَدَقَائِقِ الْمَعَانِي، وَمِنْ ذَلِكَ ظَنُّهُمْ حِرْمَانَهُمْ مِنْ الِالْتِحَاقِ بِجَيْشِ غَزْوَةِ خَيْبَرَ مُنْبَعِثًا عَلَى الْحَسَدِ. وَقَدْ جَرَوْا فِي ظَنِّهِمْ هَذَا عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ أَهْلِ الْأَنْظَارِ الْقَاصِرَةِ وَالنُّفُوسِ الضَّئِيلَةِ مِنَ التَّوَسُّمِ فِي أَعْمَالِ أَهِلِ الْكَمَالِ بِمِنْظَارِ مَا يَجِدُونَ مِنْ دَوَاعِي أَعْمَالِهِمْ وَأَعْمَالِ خُلَطَائِهِمْ.
وقَلِيلًا وَصْفٌ لِلْمُسْتَثْنَى الْمَحْذُوفِ، وَالتَّقْدِيرُ: إِلَّا فقها قَلِيلا.
[16]
[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 16]
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (16)
انْتِقَالٌ إِلَى طَمْأَنَةِ الْمُخَلَّفِينَ بِأَنَّهُمْ سَيَنَالُونَ مَغَانِمَ فِي غَزَوَاتٍ آتِيَةٍ لِيَعْلَمُوا أَنَّ حِرْمَانَهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى خَيْبَرَ مَعَ جَيْشِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ لِانْسِلَاخِ الْإِسْلَامِ عَنْهُمْ وَلَكِنَّهُ لِحِكْمَةِ نَوْطِ
الْمُسَبِّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا عَلَى طَرِيقَةِ حِكْمَةِ الشَّرِيعَةِ فَهُوَ حِرْمَانٌ خَاصٌّ بِوَقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، وَأَنَّهُمْ سَيُدْعَوْنَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى قِتَالِ قَوْمٍ كَافِرِينَ كَمَا تُدْعَى طَوَائِفُ الْمُسْلِمِينَ، فَذِكْرُ هَذَا فِي هَذَا الْمَقَامِ إِدْخَالٌ لِلْمَسَرَّةِ بَعْدَ الْحُزْنِ لِيُزِيلَ عَنْهُمُ انْكِسَارَ خَوَاطِرِهِمْ مِنْ جَرَّاءِ الْحِرْمَانِ.
وَفِي هَذِهِ الْبِشَارَةِ فُرْصَةٌ لَهُمْ لِيَسْتَدْرِكُوا مَا جَنَوْهُ مِنَ التَّخَلُّفِ عَنِ الْحُدَيْبِيَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَنْسَلِخُوا عَنِ الْإِيمَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُعَامِلِ الْمُنَافِقِينَ الْمُبْطِنِينَ لِلْكُفْرِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ [التَّوْبَة: 83] .
وَكَرَّرَ وَصْفَ مِنَ الْأَعْرابِ هُنَا لِيُظْهِرَ أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ قُصِدَ بِهَا الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِمْ قَوْلُهُ: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا [الْفَتْح: 11] فَلَا يَتَوَهَّمُ السَّامِعُونَ أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِالْمُخَلَّفِينَ كُلُّ مَنْ يَقَعُ مِنْهُ التَّخَلُّف.
وَأسْندَ سَتُدْعَوْنَ إِلَى الْمَجْهُولِ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَمْرُ بِامْتِثَالِ الدَّاعِي وَهُوَ وَلِيُّ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدُ فِي تَذْيِيلِهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الْفَتْح: 17] وَدَعْوَةُ خلفاء الرّسول صلى الله عليه وسلم مِنْ بَعْدِهِ تَرْجِعُ إِلَى دَعْوَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
لِقَوْلِهِ: (وَمَنْ أَطَاعَ أَمْرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي)
. وَعُدِّيَ فَعْلُ سَتُدْعَوْنَ بِحَرْفِ إِلى لِإِفَادَةِ أَنَّهَا مُضَمَّنَةٌ مَعْنَى الْمَشْيِ، وَهَذَا فَرْقٌ دَقِيقٌ بَيْنَ تَعْدِيَةِ فِعْلِ الدَّعْوَةِ بِحَرْفِ إِلى وَبَيْنَ تَعْدِيَتِهِ بِاللَّامِ نَحْوُ قَوْلِكَ: دَعَوْتُ فَلَانًا لِمَا نَابَنِي، قَالَ طَرَفَةُ:
وَإِنْ أُدْعَ لِلْجُلَّى أَكُنْ مِنْ حُمَاتِهَا وَقَدْ يَتَعَاقَبُ الِاسْتِعْمَالَانِ بِضَرْبٍ مِنَ الْمَجَازِ وَالتَّسَامُحِ.
وَالْقَوْمُ أُولُو الْبَأْسِ الشَّدِيدِ يَتَعَيَّنُ أَنَّهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْعَرَبِ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْقِتَالَ لَا يُرْفَعُ عَنْهُمْ إِلَّا إِذَا أَسْلَمُوا، وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا حُكْمًا فِي قِتَالِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ إِذْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هَوَازِنَ وَثَقِيفَ. وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ، وَذَلِكَ غَزْوَةُ حُنَيْنٍ وَهِيَ بَعْدَ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، وَأَمَّا فَتْحُ مَكَّةَ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ قِتَالٌ. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ وَمُقَاتِلٍ: أَنَّهُمْ أَهْلُ الرِّدَّةِ لِأَنَّهُمْ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْبَأْسِ، وَكَانَ ذَلِكَ صَدْرَ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ قَالَ:
وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَلَا نَعْلَمُ مِنْ هُمْ حَتَّى
دَعَانَا أَبُو بَكْرٍ إِلَى قِتَالِ بَنِي حَنِيفَةَ فَعَلِمْنَا أَنَّهُمْ هُمْ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَالْحَسَنِ هُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ.
وَجُمْلَةُ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ إِمَّا حَالٌ من ضمير سَتُدْعَوْنَ، وَإِمَّا بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ مَضْمُونِ تُدْعَوْنَ.