المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الفتح (48) : آية 11] - التحرير والتنوير - جـ ٢٦

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌46- سُورَةُ الْأَحْقَافِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 29 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 35]

- ‌47- سُورَةُ مُحَمَّدٍ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 4 الى 6]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 20 الى 21]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 38]

- ‌48- سُورَةُ الْفَتْحِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 29]

- ‌49- سُورَةُ الْحُجُرَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 7 الى 8]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 18]

- ‌50- سُورَةُ ق

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 1 الى 3]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 31 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 41 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 45]

- ‌51- سُورَةُ الذَّارِيَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةُ

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 1 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 7 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 24 إِلَى 30]

الفصل: ‌[سورة الفتح (48) : آية 11]

وَغَلَبَ النَّكْثُ فِي مَعْنَى النَّقْضِ الْمَعْنَوِيِّ كَإِبْطَالِ الْعَهْدِ.

وَالْكَلَامُ تَحْذِيرٌ مَنْ نَكْثِ هَذِهِ الْبَيْعَةِ وَتَفْظِيعٌ لَهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ. وَمُضَارِعُ يَنْكُثُ بِضَمِّ الْكَافِ فِي الْمَشْهُورِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقُرَّاءُ. وَمَعْنَى فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ:

أَنَّ نَكْثَهُ عَائِدٌ عَلَيْهِ بِالضُّرِّ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَرْفُ عَلَى.

وإِنَّما لِلْقَصْرِ وَهُوَ لِقَصْرِ النَّكْثِ عَلَى مَدْلُولِ عَلى نَفْسِهِ لِيُرَادَ لَا يَضُرُّ بِنَكْثِهِ إِلَّا نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا فَإِنَّ نَكْثَ الْعَهْدِ لَا يَخْلُو مِنْ قَصْدِ إِضْرَارٍ بِالْمَنْكُوثِ، فَجِيءَ بِقَصْرِ الْقَلْبِ لِقَلْبِ قَصْدِ النَّاكِثِ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ على النبيء صلى الله عليه وسلم. وَيُقَالُ: أَوْفَى بِالْعَهْدِ وَهِيَ لُغَةُ تِهَامَةَ، وَيُقَالُ: وَفَّى بِدُونِ هَمْزٍ وَهِيَ لُغَةُ عَامَّةُ الْعَرَب، وَلم تَجِيء فِي الْقُرْآنِ إِلَّا الْأُولَى.

قَالُوا: وَلَمْ يَنْكُثْ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ.

وَالظَّاهِرُ عِنْدِي: أَنَّ سَبَبَ الْمُبَايَعَةِ قَدِ انْعَدَمَ بِالصُّلْحِ الْوَاقِعِ بَين النبيء صلى الله عليه وسلم وَبَين أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَا بَيْنَ سَاعَةِ الْبَيْعَةِ وَبَيْنَ انْعِقَادِ الْهُدْنَةِ وَحَصَلَ أَجْرُ الْإِيفَاءِ بِالنِّيَّةِ عَدَمُهُ لَوْ نَزَلَ مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ فَسَنُؤْتِيهِ بِنُونِ الْعَظَمَةِ عَلَى الِالْتِفَاتِ مِنَ الْغَيْبَة إِلَى التَّكَلُّم. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ عَائِدًا ضَمِيرُهُ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ.

[11]

[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 11]

سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (11)

سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ

لَمَّا حَذَّرَ مِنَ النَّكْثِ وَرَغَّبَ فِي الْوَفَاءِ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِذِكْرِ التَّخَلُّفِ عَنْ الِانْضِمَامِ إِلَى جَيش النبيء صلى الله عليه وسلم حِينَ الْخُرُوجِ إِلَى عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ مَا فَعَلَهُ الْأَعْرَابُ الَّذِينَ كَانُوا نَازِلِينَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ سِتُّ قَبَائِلَ: غِفَارُ وَمُزَيَّنَةُ وَجُهَيْنَةُ وَأَشْجَعُ وَأَسْلَمُ وَالدَّيْلُ بَعْدَ أَنْ بَايَعُوهُ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ فَإِنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 160

لَمَّا أَرَادَ الْمَسِيرَ إِلَى الْعُمْرَةِ اسْتَنْفَرَ مِنْ حَوْلِ الْمَدِينَةِ مِنْهُمْ لِيَخْرُجُوا مَعَهُ فَيَرْهَبَهُ أَهْلُ مَكَّةَ فَلَا يَصُدُّوهُ عَنْ عُمْرَتِهِ فَتَثَاقَلَ أَكْثَرُهُمْ عَنِ الْخُرُوجِ مَعَهُ.

وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْعَةِ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ مَنْ جُهَيْنَةَ وَخَرَجَ مَعَ النبيء صلى الله عليه وسلم مِنْ أَسْلَمَ مِائَةُ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِرْدَاسُ بْنُ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيُّ وَالِدُ عَبَّاسٍ الشَّاعِرِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى وَزَاهِرُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأُهْبَانُ- بِضَمِّ الْهَمْزَةِ- بْنُ أَوْسٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ الْأَسْلَمِيُّ، وَمن غفار خفات- بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ- بْنُ أَيْمَاءَ- بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ- بَعْدَهَا تَحْتِيَّةً سَاكِنَةً، وَمَنْ مُزَيَّنَةَ عَائِذُ بْنُ عَمْرٍو. وَتَخَلَّفَ عَنِ الْخُرُوجِ مَعَهُ مُعْظَمُهُمْ وَكَانُوا يَوْمَئِذٍ لَمْ يَتَمَكَّنِ الْإِيمَانُ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُنَافِقِينَ، وَأَعَدُّوا لِلْمَعْذِرَةِ بَعْدَ رُجُوع النبيء صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ شَغَلَتْهُمْ أَمْوَالُهُمْ

وَأَهْلُوهُمْ، فَأَخْبَرَ الله رَسُوله صلى الله عليه وسلم بِمَا بَيَّتُوهُ فِي قُلُوبِهِمْ وَفَضَحَ أَمْرَهُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَعْتَذِرُوا.

وَهَذِهِ مِنْ مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي قَبْلَ وُقُوعِهِ.

فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا لِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ الْإِيفَاءِ وَالنَّكْثِ، فَكُمِّلَ بِذِكْرِ مَنْ تَخَلَّفُوا عَنِ الدَّاعِي لِلْعَهْدِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ عِنْدَ مرجع النبيء صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ مُعْتَذِرِينَ كَاذِبِينَ فِي اعْتِذَارِهِمْ.

والمخلّفون بِفَتْحِ اللَّامِ هُمُ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا. وَأُطْلِقَ عَلَيْهِمُ الْمُخَلَّفُونَ أَيْ غَيْرُهُمْ خَلَّفَهُمْ وَرَاءَهُ، أَيْ تَرَكَهُمْ خَلْفَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُقْتَضٍ أَنَّهُمْ مَأْذُونٌ لَهُمْ بَلِ الْمُخَلَّفُ هُوَ الْمَتْرُوكُ مُطْلَقًا. يُقَالُ: خَلَّفْنَا فَلَانًا، إِذَا مَرُّوا بِهِ وَتَرَكُوهُ لِأَنَّهُمُ اعْتَذَرُوا مِنْ قَبْلِ خُرُوج النبيء صلى الله عليه وسلم فَعَذَرَهُمْ بِخِلَافِ الْأَعْرَابِ فَإِنَّهُمْ تَخَلَّفَ أَكْثَرُهُمْ بَعْدَ أَنِ اسْتُنْفِرُوا وَلَمْ يَعْتَذِرُوا حِينَئِذٍ.

وَالْأَمْوَالُ: الْإِبِلُ.

وَأَهْلُونَ: جَمْعُ أَهْلٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ لِأَنَّهُ غير مُسْتَوْفِي لِشُرُوطِ الْجَمْعِ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ أَوِ الْيَاءِ وَالنُّونِ، فَعُدَّ مِمَّا أُلْحِقَ بِجَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ.

وَمَعْنَى فَاسْتَغْفِرْ لَنَا: اسْأَلْ لَنَا الْمَغْفِرَةَ مِنَ اللَّهِ إِذْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ فَهُوَ طَلَبٌ

ص: 161

حَقِيقِيٌّ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ اسْتِغْفَار النبيء صلى الله عليه وسلم لَهُمْ يَمْحُو مَا أَضْمَرُوهُ مِنَ النَّكْثِ وَذَهَلُوا عَنْ عِلْمِ اللَّهِ بِمَا أَضْمَرُوهُ كَدَأْبِ أَهْلِ الْجَهَالَةِ فَقَدْ قتل الْيَهُود زَكَرِيَّاء مَخَافَةَ أَنْ تَصْدُرَ مِنْهُ دَعْوَةٌ عَلَيْهِمْ حِينَ قَتَلُوا ابْنَهُ يَحْيَى وَلِذَلِكَ عُقِّبَ قَوْلُهُمْ هُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً الْآيَةَ.

وَجُمْلَةُ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِيمَا زَعَمُوهُ مِنَ الِاعْتِذَارِ، وَإِنَّمَا كَانَ تَخَلُّفُهُمْ لِظَنِّهِمْ أَن النبيء صلى الله عليه وسلم يَقْصِدُ قِتَالَ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ مُقَاتِلُوهُ لَا مَحَالَةَ وَأَنَّ الْجَيْشَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ النبيء صلى الله عليه وسلم لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَغْلِبُوا أَهْلَ مَكَّةَ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَذْهَبُ إِلَى قَوْمٍ غَزَوْهُ فِي عُقْرِ دَارِهِ (1) بِالْمَدِينَةِ يَعْنُونَ غَزْوَةَ الْأَحْزَابِ وَقَتَلُوا أَصْحَابَهُ فَيُقَاتِلُهُمْ وَظَنُّوا أَنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَذَلِكَ مِنْ ضَعْفِ يَقِينِهِمْ.

قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً.

أَمر الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ مَا فِيهِ رَدُّ أَمْرِهِمْ إِلَى اللَّهِ لِيُعْلِمَهُمْ أَنَّ اسْتِغْفَارَهُ اللَّهَ لَهُمْ لَا يُكْرِهُ اللَّهَ عَلَى الْمَغْفِرَةِ بَلِ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ إِذَا أَرَادَهُ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِهِمْ نَفْعًا نَفَعَهُمْ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِهِمْ ضُرًّا ضَرَّهُمْ فَمَا كَانَ مِنَ النُّصْحِ لِأَنْفُسِهِمْ أَنْ يَتَوَرَّطُوا فِيمَا لَا يُرْضِي اللَّهَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَهُ. فَلَعَلَّهُ لَا يَغْفِرُ لَهُمْ، فَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا تَخْوِيفُهُمْ مِنْ عِقَابِ ذَنْبِهِمْ إِذْ تَخَلَّفُوا عَنْ نفير النبيء صلى الله عليه وسلم وَكَذَبُوا فِي الِاعْتِذَارِ لِيُكْثِرُوا مِنَ التَّوْبَةِ وَتَدَارُكِ الْمُمْكِنِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَهُ قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ [الْفَتْح: 16] الْآيَةَ.

فَمَعْنَى إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً هُنَا الْإِرَادَةُ الَّتِي جَرَتْ عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ تَعَالَى مِنْ إِعْطَائِهِ النَّفْعَ إِيَّاهُمْ أَوْ إِصَابَتِهِ بِضُرٍّ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ تَوْجِيهٌ بِأَنَّ

(1) الْعقر بِضَم الْعين وَفتحهَا: الأَصْل وَالْمَكَان. [.....]

ص: 162

تَخَلُّفَهُمْ سَبَبٌ فِي حِرْمَانِهِمْ مِنْ فَضِيلَةِ شُهُودِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَفِي حِرْمَانِهِمْ مِنْ شُهُودِ غَزْوَةِ خَيْبَرَ بِنَهْيِهِ عَنْ حُضُورِهِمْ فِيهَا.

وَمَعْنَى الْمِلْكُ هُنَا: الْقُدْرَةُ وَالِاسْتِطَاعَةُ، أَيْ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُغَيِّرَ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [17] .

وَالْغَالِبُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَكُونَ لِنَفْيِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْوِيلِ الشَّرِّ خَيْرًا كَقَوْلِهِ: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً [الْمَائِدَة: 41] . فَكَانَ الْجَرْيُ عَلَى ظَاهِرِ الِاسْتِعْمَالِ مُقْتَضِيًا الِاقْتِصَارَ عَلَى نَفْيِ أَنْ يَمْلِكَ أَحَدٌ لَهُمْ شَيْئًا إِذَا أَرَادَ اللَّهُ ضَرَّهُمْ دُونَ زِيَادَةٍ أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا، فَتُوَجَّهُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَنَّهَا لِقَصْدِ التَّتْمِيمِ وَالِاسْتِيعَابِ، وَنَظِيرُهُ قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ [17] . وَقَدْ مَضَى قَرِيبٌ مِنْ هَذَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [188] فَرَاجِعْهُ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ضَرًّا بِفَتْحِ الضَّادِ، وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِضَمِّهَا وَهُمَا بِمَعْنًى، وَهُوَ مَصْدَرٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُنَا مُرَادًا بِهِ مَعْنَى الْمَصْدَرِ، أَيْ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَضُرَّكُمْ أَوْ يَنْفَعَكُمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ، أَيْ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ مَا يَضُرُّكُمْ وَمَا يَنْفَعُكُمْ. وَمَعْنَى تَعَلُّقِ أَرادَ بِهِ أَنَّهُ بِمَعْنَى أَرَادَ إِيصَالَ مَا يَضُرُّكُمْ أَوْ مَا يَنْفَعُكُمْ.

وَهَذَا الْجَوَابُ لَا عِدَةَ فِيهِ مِنَ اللَّهِ بِأَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ إِذِ الْمَقْصُودُ تَرْكُهُمْ فِي حَالَةِ وَجَلٍ

لِيَسْتَكْثِرُوا مِنْ فِعْلِ الْحَسَنَاتِ. وَقُصِدَتْ مُفَاتَحَتُهُمْ بِهَذَا الْإِبْهَامِ لِإِلْقَاءِ الْوَجَلِ فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ يُغْفَرَ لَهُمْ ثُمَّ سَيُتْبِعُهُ بِقَوْلِهِ: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [آل عمرَان: 189] الْآيَةَ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْإِطْمَاعِ.

وبَلْ فِي قَوْلِهِ: بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً إِضْرَابٌ لِإِبْطَالِ قَوْلِهِمْ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا. وَبِهِ يَزْدَادُ مَضْمُونُ قَوْلِهِ: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ تَقْرِيرًا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِبْطَالًا لِعُذْرِهِمْ، وَمِنْ مَعْنَى الْإِبْطَالُ يَحْصُلُ بَيَانُ

ص: 163