الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْبَاسِقَاتُ: الطَّوِيلَاتُ فِي ارْتِفَاعٍ، أَيْ عَالِيَاتٌ فَلَا يُقَالُ: بَاسِقٌ لِلطَّوِيلِ الْمُمْتَدِّ عَلَى الْأَرْضِ. وَعَنِ ابْنِ شَدَّادٍ: الْبَاسِقَاتُ الطَّوِيلَاتُ مَعَ الِاسْتِقَامَةِ. وَلَمْ أَرَهُ لأحد من أيمة اللُّغَةِ. وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مِنَ الِاسْتِقَامَةِ الِامْتِدَادُ فِي الِارْتِفَاعِ. وَهُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمِلَةِ فِي لُغَةِ جَمِيعِ الْعَرَبِ عَدَا بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ تَمِيمٍ يُبْدِلُونَ السِّينَ صَادًا فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: الْأَصْلُ السِّينُ وَإِنَّمَا الصَّادُ بَدَلٌ مِنْهَا لِاسْتِعْلَاءِ الْقَافِ.
وَرَوَى الثَّعْلَبِيُّ عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سمع النبيء صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ قَرَأَهَا بِالصَّادِّ
. وَمِثْلُهُ فِي ابْنِ عَطِيَّةَ وَهُوَ حَدِيثٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ.
وَالَّذِي فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» وَغَيْرِهِ عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ مَرْوِيَّةٌ بِالسِّينِ. وَمِنَ الْعَجِيبِ
أَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ قَالَ: وَفِي قِرَاءَةِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَاصِقَاتٍ.
وَانْتَصَبَ باسِقاتٍ عَلَى الْحَالِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ الْإِيمَاءُ إِلَى بَدِيعِ خِلْقَتِهِ وَجَمَالِ طَلْعَتِهِ اسْتِدْلَالًا وَامْتِنَانًا.
وَالطَّلْعُ: أَوَّلُ مَا يَظْهَرُ مِنْ ثَمَرِ التَّمْرِ، وَهُوَ فِي الْكُفُرَّى، أَيْ غِلَافِ الْعُنْقُودِ.
وَالنَّضِيدُ: الْمَنْضُودُ، أَيِ الْمُصَفَّفُ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ مَا دَامَ فِي الْكُفُرَى فَإِذَا انْشَقَّ عَنْهُ الْكُفُرَى فَلَيْسَ بِنَضِيدٍ. فَهُوَ مَعْنَاهُ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ قَالَ تَعَالَى: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ [الْوَاقِعَة: 29] .
وَزِيَادَةُ هَذِهِ الْحَالِ لِلِازْدِيَادِ مِنَ الصِّفَاتِ النَّاشِئَةِ عَنْ بَدِيعِ الصَّنْعَةِ وَمِنَ الْمِنَّةِ بِمَحَاسِنِ مَنْظَرِ مَا أوتوه.
[11]
[سُورَة ق (50) : آيَة 11]
رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (11)
رِزْقاً لِلْعِبادِ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ لِقَوْلِهِ: فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ [ق: 9] إِلَى آخِرِهِ، فَهُوَ مَصْدَرٌ، أَيْ لِنَرْزُقَ الْعِبَادَ، أَيْ نُقَوِّتَهُمْ. وَالْقَوْلُ فِي التَّعْلِيلِ بِهِ كَالْقَوْلِ فِي التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ: تَبْصِرَةً وَذِكْرى [ق:
8] .
وَالْعِبَادُ: النَّاسُ وَهُوَ جَمْعُ عَبْدٍ بِمَعْنَى عَبْدِ اللَّهِ، فَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ فَجَمْعُهُ الْعَبِيدُ.
وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ وَامْتِنَانٌ.
وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً.
عَطْفٌ عَلَى رِزْقاً لِلْعِبادِ عَطْفَ الْفِعْلِ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ مِنَ الْفِعْلِ وَهُوَ رِزْقُهُ الْمُشْتَقُّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى: رِزْقُنَا الْعِبَادَ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا، أَيْ لِرَعْيِ الْأَنْعَامِ وَالْوَحْشِ فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ وَفِيهِ امْتِنَانٌ. وَالْبَلْدَةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الْأَرْضِ.
وَالْمَيْتُ بِالتَّخْفِيفِ: مُرَادِفُ الْمَيِّتِ بِالتَّشْدِيدِ قَالَ تَعَالَى: وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ [يس: 33] .
وَتَذْكِيرُ الْمَيْتِ وَهُوَ وَصْفٌ لِلْبَلْدَةِ، وَهِيَ مُؤَنَّثٌ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِالْبَلَدِ لِأَنَّهُ مُرَادِفُهُ، وَبِالْمَكَانِ لِأَنَّهُ جِنْسُهُ، شَبَّهَ الْجَدْبَ بِالْمَوْتِ فِي انْعِدَامِ ظُهُورِ الْآثَارِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ ضِدَّهُ وَهُوَ إِنْبَاتُ الْأَرْضِ حَيَاةً. وَيُقَالُ لِخِدْمَةِ الْأَرْضِ الْيَابِسَةِ وَسَقْيِهَا: إِحْيَاءُ مَوَاتٍ.
كَذلِكَ الْخُرُوجُ.
بَعْدَ ظُهُورِ الدَّلَائِلِ بِصُنْعِ اللَّهِ عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ لِأَنَّ خَلْقَ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ عَدَمٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِعَادَةَ بَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ الضَّعِيفَةِ أَمْكَنُ وَأَهْوَنُ، جِيءَ بِمَا يُفِيدُ تَقْرِيبَ الْبَعْثِ
بِقَوْلِهِ: كَذلِكَ الْخُرُوجُ.
فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ فَذْلَكَةٌ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْجُمَلُ السَّابِقَةُ فَوَجَبَ انْفِصَالُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَتَكُونُ اسْتِئْنَافًا أَوِ اعْتِرَاضًا فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجِيزُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى مَا ذُكِرَ آنِفًا مِنْ إِحْيَاءِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا، أَيْ كَمَا أَحْيَيْنَا الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ نُحْيِي النَّاسَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَبِلَاهُمْ، مَعَ إِفَادَتِهَا تَعْظِيمَ شَأْنِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، أَيْ مِثْلُ الْبَعْثِ الْعَظِيمِ الْإِبْدَاعُ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْخُرُوجُ لِلْعَهْدِ، أَيْ خُرُوجِ النَّاسِ مِنَ الْأَرْضِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: