المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة ق (50) : الآيات 17 إلى 18] - التحرير والتنوير - جـ ٢٦

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌46- سُورَةُ الْأَحْقَافِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 29 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 35]

- ‌47- سُورَةُ مُحَمَّدٍ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 4 الى 6]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 20 الى 21]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 38]

- ‌48- سُورَةُ الْفَتْحِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 29]

- ‌49- سُورَةُ الْحُجُرَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 7 الى 8]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 18]

- ‌50- سُورَةُ ق

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 1 الى 3]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 31 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 41 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 45]

- ‌51- سُورَةُ الذَّارِيَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةُ

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 1 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 7 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 24 إِلَى 30]

الفصل: ‌[سورة ق (50) : الآيات 17 إلى 18]

وَالْقُرْبُ هُنَا كِنَايَةُ عَنْ إِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِالْحَالِ لِأَنَّ الْقُرْبَ يَسْتَلْزِمُ الِاطِّلَاعَ، وَلَيْسَ هُوَ قُرْبًا بِالْمَكَانِ بِقَرِينَةِ الْمُشَاهَدَةِ فَآلَ الْكَلَامُ إِلَى التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ تَشْبِيهِ مَعْقُولٍ بِمَحْسُوسٍ، وَهَذَا مِنْ بِنَاءِ التَّشْبِيهِ عَلَى الْكِنَايَةِ بِمَنْزِلَةِ بِنَاءِ الْمَجَازِ عَلَى الْمَجَازِ.

وَمِنْ لَطَائِفِ هَذَا التَّمْثِيلِ أَنَّ حَبْلَ الْوَرِيدِ مَعَ قُرْبِهِ لَا يَشْعُرُ الْإِنْسَانُ بِقُرْبِهِ لِخَفَائِهِ، وَكَذَلِكَ قُرْبُ اللَّهِ مِنَ الْإِنْسَانِ بِعِلْمِهِ قُرْبٌ لَا يَشْعُرُ بِهِ الْإِنْسَانُ فَلِذَلِكَ اخْتِيرَ تَمْثِيلُ هَذَا الْقُرْبِ بِقُرْبِ حَبْلِ الْوَرِيدِ. وَبِذَلِكَ فَاقَ هَذَا التَّشْبِيهُ لِحَالَةِ الْقُرْبِ كُلَّ تَشْبِيهٍ مِنْ نَوْعِهِ وَرَدَ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ. مِثْلَ قَوْلِهِمْ: هُوَ مِنْهُ مِقْعَدُ الْقَابِلَةِ وَمُعَقَّدَ الْإِزَارِ، وَقَوْلُ زُهَيْرٍ:

فَهُنَّ وَوَادِي الرَّسِّ كَالْيَدِ لِلْفَمِ وَقَوْلُ حَنْظَلَةَ بْنِ سَيَّارٍ وَهُوَ حَنْظَلَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ سَيَّارٍ الْعِجْلِيِّ مُخَضْرَمٌ:

كُلُّ امْرِئٍ مُصْبِحٍ فِي إِهْلِهِ

وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاك نَعله

[17، 18]

[سُورَة ق (50) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)

يَتَعَلَّقُ إِذْ بقوله أَقْرَبُ [ق: 16] لِأَنَّ اسْمَ التَّفْضِيلِ يَعْمَلُ فِي الظَّرْفِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْمَلُ فِي الْفَاعِلِ وَلَا فِي الْمَفْعُولِ بِهِ وَاللُّغَةُ تَتَوَسَّعُ فِي الظُّرُوفِ وَالْمَجْرُورَاتِ مَا لَا تَتَوَسَّعُ فِي غَيْرِهَا، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مَشْهُورَةٌ ثَابِتَةٌ وَالْكَلَامُ تَخَلُّصٌ لِلْمَوْعِظَةِ وَالتَّهْدِيدِ بِالْجَزَاءِ يَوْمَ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ مِنْ إِحْصَاءِ الْأَعْمَالِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا الْمَعْلُومَةِ مِنْ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي الْقُرْآنِ. وَهَذَا التَّخَلُّصُ بِكَلِمَةِ إِذْ الدَّالَّةِ عَلَى الزَّمَانِ مِنْ أَلْطَفِ التَّخَلُّصِ.

وَتَعْرِيفُ الْمُتَلَقِّيانِ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ إِذَا كَانَتِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بعد آيَات ذكر فِيهَا الْحَفَظَةُ،

أَوْ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، وَالتَّثْنِيَةُ فِيهَا لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ مُقَسَّمٌ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ.

وَالتَّلَقِّي: أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ يَدِ مُعْطِيهِ. اسْتُعِيرَ لِتَسْجِيلِ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ حِينَ صُدُورِهَا مِنَ النَّاسِ.

ص: 301

وَحُذِفَ مَفْعُولُ يَتَلَقَّى لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ. وَالتَّقْدِير: إِذْ تُحْصَى أَقْوَالُهُمْ وَأَعْمَالُهُمْ. فَيُؤْخَذُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مَلَكَيْنِ يُحْصِيَانِ أَعْمَالَهُ وَأَنَّ أَحَدَهُمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ مِنْ جِهَةِ شِمَالِهِ. وَوَرْدَ فِي السُّنَّةِ بِأَسَانِيدَ مَقْبُولَةٍ: أَنَّ الَّذِي يكون عَن الْيَمِينِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ وَالَّذِي عَنِ الشِّمَالِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ وَوَرَدَ أَنَّهُمَا يُلَازِمَانِ الْإِنْسَانَ مِنْ وَقْتِ تَكْلِيفِهِ إِلَى أَنْ يَمُوتَ.

وَقَوْلُهُ: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَعِيدٌ بَدَلًا مِنَ الْمُتَلَقِّيانِ بَدَلَ بَعْضٍ، وعَنِ الْيَمِينِ مُتَعَلِّقٌ بِ قَعِيدٌ، وَقُدِّمَ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنَ الْإِحَاطَةِ بِجَانِبَيْهِ وَلِلرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَنِ الْيَمِينِ خَبَرًا مُقَدَّمًا، وقَعِيدٌ مُبْتَدَأً وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ بَيَانًا لِجُمْلَةِ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ.

وَعُطِفَ قَوْلُهُ: وَعَنِ الشِّمالِ عَلَى جُمْلَةِ يَتَلَقَّى وَلَيْسَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: عَنِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى أَنَّ الْقَعِيدَ قَعِيدٌ فِي الْجِهَتَيْنِ، بَلْ كُلٌّ مِنَ الْجِهَتَيْنِ قَعِيدٌ مُسْتَقِلٌّ بِهَا. وَالتَّقْدِيرُ: عَنِ الْيَمِينِ قَعِيدٌ، وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ آخَرُ. وَالتَّعْرِيفُ فِي الْيَمِينِ والشِّمالِ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ أَوِ اللَّامُ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ عَنْ يَمِينِ الْإِنْسَانِ وَعَنْ شِمَالِهِ.

وَالْقَعِيدُ: الْمُقَاعِدُ مِثْلُ الْجَلِيسِ لِلْمُجَالِسِ، وَالْأَكِيلِ لِلْمُؤَاكِلِ، وَالشَّرِيبِ لِلْمُشَارِبِ، وَالْخَلِيطُ لِلْمُخَالِطِ. وَالْغَالِبُ فِي فَعِيلٍ أَنْ يَكُونَ إِمَّا بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَإِمَّا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْمُفَاعَلَةِ مَعْنَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ مَعًا، جَازَ مَجِيءُ فَعِيلٍ مِنْهُ بِأَحَدِ الِاعْتِبَارَيْنِ تَعْوِيلًا عَلَى الْقَرِينَةِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا لِامْرَأَةِ الرَّجُلِ قَعِيدَتُهُ. وَالْقَعِيدُ مُسْتَعَارٌ لِلْمُلَازِمِ الَّذِي لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ كَمَا أَطْلَقُوا الْقَعِيدَ عَلَى الْحَافِظِ لِأَنَّهُ يُلَازِمُ الشَّيْءَ الْمُوَكَّلَ بِحِفْظِهِ.

وَجُمْلَةُ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَخ مبينَة لجملة يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ.

وَمَا نَافِيَةٌ وَضَمِيرُ يَلْفِظُ عَائِدٌ لِلْإِنْسَانِ.

ص: 302

وَاللَّفْظُ: النُّطْقُ بِكَلِمَةٍ دَالَّةٍ عَلَى مَعْنًى وَلَوْ جُزْءِ مَعْنًى، بِخِلَافِ الْقَوْلِ فَهُوَ الْكَلَامُ الْمُفِيدُ مَعْنًى.

ومِنْ زَائِدَةٌ فِي مَفْعُولِ الْفِعْلِ الْمَنْفِيِّ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ. وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي

قَوْلِهِ: إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَحْوَالٍ عَامَّةٍ، أَيْ مَا يَقُولُ قَوْلًا فِي حَالَةٍ إِلَّا فِي حَالَةِ وُجُودِ رَقِيبٍ عَتِيدٍ لَدَيْهِ.

وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْعُمُومَ مُرَادٌ بِهِ الْخُصُوصُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ لِأَنَّ الْمُرَاقَبَةَ هُنَا تَتَعَلَّقُ بِمَا فِي الْأَقْوَالِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ لِيَكُونَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فَلَا يَكْتُبُ الْحَفَظَةُ إِلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ صَلَاحُ الْإِنْسَانِ أَوْ فَسَادُهُ إِذْ لَا حِكْمَةَ فِي كِتَابَةِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَكْتُبُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَكْتُبَانِ كُلَّ مَا صَدَرَ مِنَ الْعَبْدِ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَأَبُو الْجَوْزَاءِ: حَتَّى أَنِينَهُ فِي مَرَضِهِ. وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. وَإِنَّمَا خُصَّ الْقَوْلُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ابْتِدَاءً مِنْ هَذَا التَّحْذِيرِ الْمُشْرِكُونَ وَإِنَّمَا كَانُوا يُؤَاخَذُونَ بِأَقْوَالِهِمُ الدَّالَّةِ عَلَى الشِّرْكِ أَوْ عَلَى تَكْذِيب النبيء صلى الله عليه وسلم أَوْ أَذَاهُ وَلَا يُؤَاخَذُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ إِذْ لَيْسُوا مُكَلَّفِينَ بِالْأَعْمَالِ فِي حَالِ إِشْرَاكِهِمْ.

وَأَمَّا الْأَعْمَالُ الَّتِي هِيَ مِنْ أَثَرِ الشِّرْكِ كَالتَّطْوَافِ بِالصَّنَمِ، أَوْ مِنْ أَثَرِ أَذَى النَّبِيءِ عليه الصلاة والسلام كَإِلْقَاءِ سَلَا الْجُذُورِ عَلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهُمْ مُؤَاخَذُونَ بِهِ فِي ضِمْنِ أَقْوَالِهِمْ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْأَفْعَالَ لَا تَخْلُو مِنْ مُصَاحَبَةِ أَقْوَالٍ مُؤَاخَذٍ عَلَيْهَا بِمِقْدَارِ مَا صَاحَبَهَا.

وَلِأَنَّ مِنَ الْأَقْوَالِ السَّيِّئَةِ مَا لَهُ أَثَرٌ شَدِيدٌ فِي الْإِضْلَالِ كَالدُّعَاءِ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَنَهْيِ النَّاسِ عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ، وَتَرْوِيجِ الْبَاطِلِ بِإِلْقَاءِ الشُّبَهِ، وَتَغْرِيرِ الْأَغْرَارِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ

قَالَ النبيء صلى الله عليه وسلم «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ»

، عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ بِدَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ أَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ عَلَى الْأَعْمَالِ أَوْلَى مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الْأَقْوَالِ وَتِلْكَ الدَّلَالَةُ كَافِيَةٌ فِي تَذْكِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَجُمْلَةُ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَضَمِيرُ لَدَيْهِ عَائِدٌ إِلَى الْإِنْسانَ [ق: 16] ، وَالْمَعْنَى: لَدَى لَفْظِهِ بِقَوْلِهِ.

ص: 303

وَ (عَتِيدٌ) فَعِيلٌ مِنْ عَتَدَ بِمَعْنَى هَيَّأَ، وَالتَّاءُ مُبَدَّلَةٌ مِنَ الدَّالِ الْأَوَّلِ إِذْ أَصْلُهُ عَدِيدٌ، أَيْ مُعَدٌّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً [يُوسُف: 31] . وَعِنْدِي أَنَّ عَتِيدٌ هُنَا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ (عَتُدَ) بِضَمِّ التَّاءِ إِذَا جَسُمَ وَضَخُمَ كِنَايَةً عَنْ كَوْنِهِ شَدِيدًا وَبِهَذَا يَحْصُلُ اخْتِلَافٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ الْآتِي هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ [ق: 23] وَيَحْصُلُ مُحَسِّنُ الْجِنَاسِ التَّامِّ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ.

وَقَدْ تَوَاطَأَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى تَفْسِيرِ التَّلَقِّي فِي قَوْلِهِ: الْمُتَلَقِّيانِ بِأَنَّهُ تَلَقِّي الْأَعْمَالِ لِأَجْلِ كَتْبِهَا فِي الصَّحَائِفِ لِإِحْضَارِهَا لِلْحِسَابِ وَكَانَ تَفْسِيرًا حَائِمًا حَوْلَ جَعْلِ الْمَفْعُولِ الْمَحْذُوفِ لِفِعْلٍ يَتَلَقَّى مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ بِدَلَالَتِهِ الظَّاهِرَةِ أَوْ بِدَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ. فَالتَّقْدِيرُ عِنْدَهُمْ: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَمَلَ الْإِنْسَانِ وَقَوْلَهُ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى تَقْدِيرِهِمْ مُنْفَصِلَةً عَنْ جُمْلَةٍ وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق: 19] كَمَا سَنُبَيِّنُهُ.

وَلِفَخْرِ الدِّينِ مَعْنًى دَقِيقٌ فَبَعْدَ أَنْ أَجْمَلَ تَفْسِيرَ الْآيَةِ بِمَا يُسَايِرُ تَفْسِيرَ الْجُمْهُورِ قَالَ:

«وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ التَّلَقِّي الِاسْتِقْبَالُ، يُقَالُ: فُلَانٌ تَلَقَّى الرَّكْبَ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ مَعْنَاهُ: وَقْتَ مَا يَتَلَقَّاهُ الْمُتَلَقِّيَانِ يَكُونُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ قَعِيدٌ، فَالْمُتَلَقِّيَانِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ هُمَا الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ يَأْخُذَانِ رُوحَهُ مِنْ مَلَكِ الْمَوْتِ أَحَدُهُمَا يَأْخُذُ أَرْوَاحَ الصَّالِحِينَ وَيَنْقُلُهَا إِلَى السُّرُورِ وَالْآخَرُ يَأْخُذُ أَرْوَاحَ الطَّالِحِينَ وَيَنْقُلُهَا إِلَى الْوَيْلِ وَالثُّبُورِ إِلَى يَوْمِ النُّشُورِ، أَيْ وَقْتِ تَلَقِّيهِمَا وَسُؤَالِهِمَا أَنَّهُ مِنْ أَيِ الْقَبِيلَيْنِ يَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ قَعِيدٌ عَنِ الْيَمِينِ وَقَعِيدٌ عَنِ الشِّمَالِ مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، وَعِنْدَهُ مَلَكَانِ آخَرَانِ كَاتِبَانِ لِأَعْمَالِهِ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: سائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق: 21] . فَالشَّهِيدُ هُوَ الْقَعِيدُ وَالسَّائِقُ هُوَ الْمُتَلَقِّي يَتَلَقَّى رُوحَهُ مِنْ مَلَكِ الْمَوْتِ فَيَسُوقُهُ إِلَى مَنْزِلِهِ وَقْتَ الْإِعَادَةِ، وَهَذَا أَعْرَفُ الْوَجْهَيْنِ وَأَقَرَبُهُمَا إِلَى الْفَهْمِ» اهـ.

وَكَأَنَّهُ يَنْحُو بِهِ مَنْحَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ [الْوَاقِعَة: 83- 85] . وَلَا نُوقِفُ فِي سَدَادِ هَذَا التَّفْسِيرِ إِلَّا عَلَى ثُبُوتِ وُجُودِ مَلَكَيْنِ يَتَسَلَّمَانِ رُوحَ الْمَيِّتِ مِنْ يَدِ مَلَكِ الْمَوْتِ عِنْدَ قَبْضِهَا وَيَجْعَلَانِهَا فِي الْمَقَرِّ الْمُنَاسِبِ لِحَالِهَا. وَالْمَظْنُونُ بِفَخْرِ الدِّينِ أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ يُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ

ص: 304