المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأحقاف (46) : آية 33] - التحرير والتنوير - جـ ٢٦

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌46- سُورَةُ الْأَحْقَافِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 29 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 35]

- ‌47- سُورَةُ مُحَمَّدٍ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 4 الى 6]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 20 الى 21]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 38]

- ‌48- سُورَةُ الْفَتْحِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 29]

- ‌49- سُورَةُ الْحُجُرَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 7 الى 8]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 18]

- ‌50- سُورَةُ ق

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 1 الى 3]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 31 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 41 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 45]

- ‌51- سُورَةُ الذَّارِيَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةُ

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 1 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 7 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 24 إِلَى 30]

الفصل: ‌[سورة الأحقاف (46) : آية 33]

[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 33]

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33)

عَوْدٌ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ فَهُوَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي إِلَى قَوْلِهِ: أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ [الْأَحْقَاف: 17، 18] فَهُوَ انْتِقَالٌ مِنَ الْمَوْعِظَةِ بِمَصِيرِ أَمْثَالِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى إِبْطَالِ ضَلَالِهِمْ فِي شِرْكِهِمْ وَهُوَ الضَّلَالُ الَّذِي جَرَّأَهُمْ عَلَى إِحَالَةِ الْبَعْثِ، بَعْدَ أَنْ أُطِيلَ فِي إِبْطَالِ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ وَفِي إِبْطَالِ تَكْذِيبِهِمْ بِالْقُرْآنِ وتكذيبهم النبيء صلى الله عليه وسلم. وَهَذَا عَوْدٌ عَلَى بَدْءٍ فَقَدِ ابْتُدِئَتِ السُّورَةُ بِالِاحْتِجَاجِ عَلَى الْبَعْثِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ [الْأَحْقَاف: 3] الْآيَةَ وَيَتَّصِلُ بِقَوْلِهِ: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ إِلَى قَوْلِهِ: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الْأَحْقَاف: 17] .

وَالْوَاوُ عَاطِفَةُ جُمْلَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ، وَالرُّؤْيَةُ عِلْمِيَّةٌ. وَأُخْتِيرَ هَذَا الْفِعْلُ مِنْ بَيْنَ أَفْعَالِ الْعِلْمِ هُنَا لِأَنَّ هَذَا الْعِلْمَ عَلَيْهِ حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ مُشَاهَدَةٌ، وَهِيَ دَلَالَةُ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ عَدَمٍ، وَذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُفْرَضَ بِالْعَقْلِ إِلَى أَنَّ اللَّهَ كَامِلُ الْقُدْرَةِ عَلَى مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ مِنْ إِحْيَاءِ الْأَمْوَاتِ.

وَوَقَعَتْ أَنَّ مَعَ اسْمِهَا وَخَبَرِهَا سَادَّةً مَسَدَّ مَفْعُولَيْ يَرَوْا. وَدَخَلَتِ الْبَاءُ الزَّائِدَةُ عَلَى خَبَرِ أَنَّ وَهُوَ مُثبت وموكّد، وَشَأْنُ الْبَاءِ الزَّائِدَةِ أَنْ تَدْخُلَ عَلَى الْخَبَرِ الْمَنْفِيِّ، لِأَنَّ أَنَّ وَقَعَتْ فِي خَبَرِ الْمَنْفِيِّ وَهُوَ أَوَلَمْ يَرَوْا.

وَوَقَعَ بَلى جَوَابًا عَنِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ. وَلَا يُرِيبُكَ فِي هَذَا مَا شَاعَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُعْرِبِينَ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ الْإِنْكَارِيَّ فِي تَأْوِيلِ النَّفْيِ، وَهُوَ هُنَا اتَّصَلَ بِفِعْلٍ مَنْفِيٍّ بِ (لَمْ) فَيَصِيرُ نَفْيُ النَّفْيِ إِثْبَاتًا، فَكَانَ الشَّأْنُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ بِحَرْفِ (نَعَمْ) دُونَ بَلى، لِأَنَّ كَلَامَ الْمُعْرِبِينَ أَرَادُوا بِهِ أَنَّهُ فِي قُوَّةِ مَنْفِيٍّ عِنْدَ الْمُسْتَفْهِمِ بِهِ، وَلَمْ يُرِيدُوا أَنَّهُ يُعَامِلُ مُعَامَلَةَ النَّفْيِ فِي الْأَحْكَامِ. وَكُونُ الشَّيْءِ بِمَعْنَى شَيْءٍ لَا يَقْتَضِي أَنْ يُعْطَى جَمِيعَ أَحْكَامِهِ.

ص: 63

وَمَحَلُّ التَّعْجِيبِ هُوَ خَبَرُ أَنَّ وَأَمَّا مَا قَبْلَهُ فَالْمُشْرِكُونَ لَا يُنْكِرُونَهُ فَلَا تَعْجِيبَ فِي شَأْنِهِ. وَوُقُوعُ الْبَاءِ فِي خَبَرِ أَنَّ وَهُوَ بِقادِرٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِيهِ وَهُوَ حَرْفُ أَنَّ وَقَعَ فِي مَوْضِعِ مَفْعُولَيْ فِعْلِ يَرَوْا الَّذِي هُوَ مَنْفِيٌّ فَسَرَى النَّفْيُ لِلْعَامِلِ وَمَعْمُولِهِ، فَقُرِنَ بِالْبَاءِ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَفِي «الْكَشَّافِ» «قَالَ الزَّجَّاجُ لَوْ قُلْتَ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ زَيْدًا بِقَائِمٍ جَازَ، كَأَنَّهُ قِيلَ: أَلَيْسَ الله بِقَادِر» اهـ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: الْبَاءُ زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ كَالْبَاءِ فِي قَوْلِهِ: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً [النِّسَاء: 79] يُرِيدَانِ أَنَّهَا زَائِدَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى وَجْهِ النُّدُورِ.

وَأَمَّا مَوْقِعُ الْجَوَابِ بِحَرْفِ بَلى فَهُوَ جَوَابٌ لِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْجِيبُ مِنْ ظَنِّهِمْ أَنَّ اللَّهَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى، فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ حِكَايَةً عَنْهُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يُحْيِي الْمَوْتَى، فَأُجِيبَ بِقَوْلِهِ: بَلى تَعْلِيمًا لِلْمُسْلِمِينَ وَتَلْقِينًا لِمَا يُجِيبُونَهُمْ بِهِ. وَحَرْفُ بَلى لَمَّا كَانَ جَوَابًا كَانَ قَائِمًا مَقَامَ جُمْلَةٍ تَقْدِيرُهَا: هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى.

وَجُمْلَةُ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ.

وَقَوْلُهُ: لَمْ يَعْيَ مُضَارِعُ عَيِيَ مِنْ بَابِ رَضِيَ، وَمَصْدَرُهُ الْعِيُّ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنِ الْعَمَلِ أَوْ عَنِ الْكَلَامِ، وَمِنْهُ الْعِيُّ فِي الْكَلَامِ، أَيْ عُسْرُ الْإِبَانَةِ. وَتَعْدِيَتُهُ بِالْبَاءِ هُنَا بَلَاغَةٌ لِيُفِيدَ انْتِفَاءَ عَجْزِهِ عَنْ صُنْعِهَا وَانْتِفَاءَ عَجْزِهِ فِي تَدْبِيرِ مَقَادِيرِهَا وَمُنَاسَبَاتِهَا، فَكَانَتْ بَاءُ الْمُلَابَسَةِ صَالِحَةً لِتَعْلِيقِ الْخَلْقِ بِالْعِيِّ بِمَعْنَيَيْهِ.

وَكثير من أيمة اللُّغَةِ يَرَوْنَ أَنَّ الْعِيَّ يُطْلَقُ عَلَى التَّعَبِ وَعَنْ عَجْزِ الرَّأْيِ وَعَجْزِ الْحِيلَةِ.

وَعَنِ الْكِسَائِيِّ وَالْأَصْمَعِيِّ: الْعِيُّ خَاصٌّ بِالْعَجْزِ فِي الْحِيلَةِ وَالرَّأْيِ. وَأَمَّا الْإِعْيَاءُ فَهُوَ التَّعَبُ مِنَ الْمَشْيِ وَنَحْوِهِ، وَفِعْلُهُ أَعْيَا، وَهَذَا مَا دَرَجَ عَلَيْهِ الرَّاغِبُ وَصَاحِبُ «الْقَامُوسِ» .

وَظَاهِرُ الْأَسَاسِ: أَنَّ أَعْيَا لَا يَكُونُ إِلَّا مُتَعَدِّيًا، أَيْ هَمْزَتُهُ هَمْزَةُ تَعْدِيَةٍ فَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ.

ص: 64