الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَعْنَى نَصْرِهِمُ اللَّهَ: نَصْرُ دينه وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ النَّصْرِ فِي تَنْفِيذِ إِرَادَتِهِ
كَمَا قَالَ: وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ [مُحَمَّد: 4] . وَلَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ بَيْنَ تَنْصُرُوا وَاسْمِ الْجَلَالَةِ تَقْدِيرُهُ: دِينُ اللَّهِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ: نَصَرَ فُلَانٌ فُلَانًا، إِذَا نَصَرَ ذَوِيهِ وَهُوَ غَيْرُ حَاضِرٍ. وَجِيءَ فِي الشَّرْطِ بِحَرْفِ إِنْ الَّذِي الْأَصْلُ فِيهِ عَدَمُ الْجَزْمِ بِوُقُوعِ الشَّرْطِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى مَشَقَّةِ الشَّرْطِ وَشِدَّتِهِ لِيُجْعَلَ الْمَطْلُوبُ بِهِ كَالَّذِي يُشَكُّ فِي وَفَائِهِ بِهِ.
وَتَثْبِيتُ الْأَقْدَامِ: تَمْثِيلٌ لِلْيَقِينِ وَعَدَمِ الْوَهَنِ بِحَالَةِ مَنْ ثَبَتَتْ قَدَمُهُ فِي الْأَرْضِ فَلَمْ يَزَلْ، فَإِنَّ الزَّلَلَ وَهَنٌ يُسْقِطُ صَاحِبَهُ، وَلِذَلِكَ يُمَثَّلُ الِانْهِزَامُ وَالْخَيْبَةُ وَالْخَطَأُ بِزَلَلِ الْقَدَمِ قَالَ تَعَالَى: فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها [النَّحْل: 94] .
[8، 9]
[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 8 إِلَى 9]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (8) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (9)
هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ [مُحَمَّد: 4] فَإِنَّ الْمُقَاتِلِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ، فَهَذَا عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [مُحَمَّد: 4] الْآيَةَ.
وَالتَّعْسُ: الشَّقَاءُ وَيُطْلَقُ عَلَى عِدَّةِ مَعَانٍ: الْهَلَاكُ، وَالْخَيْبَةُ، وَالِانْحِطَاطُ، وَالسُّقُوطُ، وَهِيَ مَعَانٍ تَحُومُ حَوْلَ الشَّقَاءِ، وَقَدْ كَثُرَ أَن يُقَال: تعساله، لِلْعَاثِرِ الْبَغِيضِ، أَيْ سُقُوطًا وَخُرُورًا لَا نُهُوضَ مِنْهُ. وَيُقَابِلُهُ قَوْلُهُمْ لِلْعَاثِرِ: لَعًا لَهُ، أَيِ ارْتِفَاعًا، قَالَ الْأَعْشَى:
بِذَاتِ لَوْثٍ عَفَرْنَاةٍ إِذَا عَثَرَتْ
…
فَالتَّعْسُ أَوْلَى لَهَا مِنْ أَنْ أَقُولَ لَعَا
وَفِي حَدِيثِ الْإِفْكِ: فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ لِأَنَّ الْعِثَارَ تَعْسٌ.
وَمِنْ بَدَائِعِ الْقُرْآنِ وُقُوعُ فَتَعْساً لَهُمْ فِي جَانِبِ الْكُفَّارِ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ:
وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ [مُحَمَّد: 7] .
وَالْفِعْلُ مِنَ التَّعْسِ يَجِيءُ مِنْ بَابِ مَنَعَ وَبَابِ سَمِعَ، وَفِي «الْقَامُوسِ» إِذَا خَاطَبْتَ قُلْتَ: تَعَسْتَ كَمَنَعَ، وَإِذَا حَكَيْتَ قُلْتَ: تَعِسَ كسمع.
وانتصب فَتَعْساً عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ بَدَلًا مِنْ فِعْلِهِ. وَالتَّقْدِيرُ: فَتَعِسُوا تَعْسَهُمْ، وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى فَاعِلِهِ مِثْلُ تَبًّا لَهُ، وَوَيْحًا لَهُ. وَقُصِدَ مِنَ الْإِضَافَةِ اخْتِصَاصُ التَّعْسِ بِهِمْ، ثُمَّ أُدْخِلَتْ عَلَى الْفَاعِلِ لَامُ التَّبْيِين فَصَارَ فَتَعْساً لَهُمْ. وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ
بِالْمَصْدَرِ، أَوْ بِعَامِلِهِ الْمَحْذُوفِ عَلَى التَّحْقِيقِ وَهُوَ مُخْتَارُ بن مَالِكٍ وَإِنَّ أَبَاهُ ابْنُ هِشَامٍ.
وَيَجُوزُ أَن يكون فَتَعْساً لَهُمْ مُسْتَعْمَلًا فِي الدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ لِقَصْدِ التَّحْقِيرِ وَالتَّفْظِيعِ، وَذَلِكَ مِنَ اسْتِعْمَالَاتِ هَذَا الْمُرَكَّبِ مِثْلَ سَقْيًا لَهُ وَرَعْيًا لَهُ وَتَبًّا لَهُ وَوَيْحًا لَهُ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ فِي الْآيَةِ فِعْلُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: فَقَالَ اللَّهُ: تَعْسًا لَهُمْ، أَوْ فَيُقَالُ: تَعْسًا لَهُمْ.
وَدَخَلَتِ الْفَاء على فَتَعْساً وَهُوَ خَبَرُ الْمَوْصُولِ لِمُعَامَلَةِ الْمَوْصُولِ مُعَامَلَةَ الشَّرْطِ.
وَقَوْلُهُ: وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ مِنْ قَوْلِهِ: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ [مُحَمَّد: 1] ، وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ عَلَى أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ هُنَالِكَ.
وَالْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا إِلَخْ فِي مَعْنَاهُ، وَفِي مَوْقِعِهِ مِنَ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ وَفِي نُكْتَةِ تَكْرِيرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ [مُحَمَّد:
3] .
وَالْإِشَارَةُ إِلَى التَّعْسِ وَإِضْلَالِ الْأَعْمَالِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمَا. وَالْكَرَاهِيَةُ: الْبُغْضُ وَالْعَدَاوَةُ.
وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ هُوَ الْقُرْآنُ وَمَا فِيهِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ وَالْبَعْثِ، قَالَ تَعَالَى: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ [الشورى: 13] .
وَالْبَاءُ فِي بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا لِلسَّبَبِيَّةِ.