المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأحقاف (46) : آية 35] - التحرير والتنوير - جـ ٢٦

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌46- سُورَةُ الْأَحْقَافِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 29 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 35]

- ‌47- سُورَةُ مُحَمَّدٍ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 4 الى 6]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 20 الى 21]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 38]

- ‌48- سُورَةُ الْفَتْحِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 29]

- ‌49- سُورَةُ الْحُجُرَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 7 الى 8]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 18]

- ‌50- سُورَةُ ق

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 1 الى 3]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 31 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 41 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 45]

- ‌51- سُورَةُ الذَّارِيَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةُ

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 1 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 7 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 24 إِلَى 30]

الفصل: ‌[سورة الأحقاف (46) : آية 35]

يَحْصُلُ لَهُمْ يَوْمَ الْبَعْثِ جَمْعًا بَيْنَ الِاسْتِدْلَالِ وَالْإِنْذَارِ، وَذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُقَالُ لَهُمْ مِمَّا لَا ممندوحة لَهُمْ عَنْ الِاعْتِرَافِ بِخَطَئِهِمْ جَمْعًا بَيْنَ مَا رَدَّ بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ قَوْله: بَلى (1)[الْأَحْقَاف: 33] وَمَا يَرُدُّونَ فِي عِلْمِ أَنْفُسِهِمْ يَوْمَ الْجَزَاءِ بِقَوْلِهِمْ: بَلى وَرَبِّنا. وَالْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الْأَحْقَاف: 33] إِلَخْ. وَأَوَّلُ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ قَوْلُهُ: أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ لِأَنَّهُ مَقُولُ فِعْلِ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَيُقَالُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا يَوْمَ

يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ.

وَتَقْدِيمُ الظَّرْفِ عَلَى عَامِلِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِذِكْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِزِيَادَةِ تَقْرِيرِهِ فِي الْأَذْهَانِ.

وَذِكْرُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِلْإِيمَاءِ بِالْمَوْصُولِ إِلَى عِلَّةِ بِنَاءِ الْخَبَرِ، أَيْ يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا. وَالْإِشَارَةُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ بِدَلِيل قَوْله بعده قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ. وَالْحَقُّ: الثَّابِتُ.

وَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِيٌّ وَتَنْدِيمٌ عَلَى مَا كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْجَزَاءَ بَاطِلٌ وَكَذِبٌ، وَقَالُوا وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [الصافات: 59] ، وَإِنَّمَا أَقْسَمُوا عَلَى كَلَامِهِمْ بِقَسَمِ وَرَبِّنا قَسَمًا مُسْتَعْمَلًا فِي الندامة والتغليظ لِأَنْفُسِهِمْ وَجَعَلُوا الْمُقْسَمَ بِهِ بِعُنْوَانِ الرَّبِّ تَحَنُّنًا وَتَخَضُّعًا.

وَفَرَّعَ عَلَى إِقْرَارِهِمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ. وَالذَّوْقُ مَجَازٌ فِي الْإِحْسَاسِ. وَالْأَمْرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِهَانَةِ.

[35]

[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 35]

فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَاّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35)

فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ تَفْرِيعٌ عَلَى مَا سَبَقَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ تَكْذِيبِ الْمُشْرِكِينَ رِسَالَة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بِجَعْلِهِمُ الْقُرْآنَ مُفْتَرًى وَاسْتِهْزَائِهِمْ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْبَعْثِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ

[الْأَحْقَاف: 7] ، وَمَا اتَّصَلَ بِهِ مَنْ ضَرْبِ الْمَثَلِ لَهُمْ بِعَادٍ. فَأمر الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بِالصَّبْرِ عَلَى مَا لَقِيَهُ مِنْهُمْ مِنْ أَذًى، وَضَرَبَ لَهُ الْمَثَلَ بِالرُّسُلِ أُولِي الْعَزْمِ.

(1) فِي المطبوعة: فَلهُ.

ص: 66

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ فَصِيحَةً. وَالتَّقْدِيرُ: فَإِذَا عَلِمْتَ مَا كَانَ مِنَ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ وَعَلِمْتَ كَيْفَ انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَانْتَصَرْنَا بِرُسُلِنَا فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرُوا.

وَأولُوا الْعَزْمِ: أَصْحَابُ الْعَزْمِ، أَيِ الْمُتَّصِفُونَ بِهِ. وَالْعَزْمُ: نِيَّةٌ مُحَقَّقَةٌ عَلَى عَمَلٍ أَوْ قَوْلٍ دُونَ تَرَدُّدٍ. قَالَ تَعَالَى: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمرَان: 159] وَقَالَ: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ [الْبَقَرَة: 235] . وَقَالَ سَعْدُ بْنُ نَاشِبٍ مِنْ شُعَرَاءِ الْحَمَاسَةِ يَعْنِي نَفْسَهُ:

إِذَا هَمَّ أَلْقَى بَيْنَ عَيْنَيْهِ عَزْمَهُ

وَنَكَّبَ عَنْ ذِكْرِ الْعَوَاقِبِ جَانِبًا

وَالْعَزْمُ الْمَحْمُودُ فِي الدِّينِ: الْعَزْمُ عَلَى مَا فِيهِ تَزْكِيَةُ النَّفْسِ وَصَلَاحُ الْأُمَّةِ، وَقِوَامُهُ الصَّبْرُ على الْمَكْرُوه وباعث التَّقْوَى، وَقُوَّتُهُ شِدَّةُ الْمُرَاقَبَةِ بِأَنْ لَا يَتَهَاوَنَ الْمُؤْمِنُ عَنْ مُحَاسَبَتِهِ نَفْسَهُ قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمرَان: 186] وَقَالَ: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه: 115] . وَهَذَا قَبْلَ هُبُوطِ آدَمَ إِلَى عَالَمِ التَّكْلِيفِ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ مِنَ فِي قَوْلِهِ: مِنَ الرُّسُلِ تَبْعِيضِيَّةً. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ الرُّسُلِ أُولُو عَزْمٍ، وَعَلَيْهِ تَكُونُ مِنَ بَيَانِيَّةً.

وَهَذِهِ الْآيَةُ اقْتَضَتْ أَن مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مِنْ أُولِي الْعَزْمِ لِأَنَّ تَشْبِيهَ الصَّبْرِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ بِصَبْرِ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِثْلُهُمْ لِأَنَّهُ ممتثل أَمر رَبِّهِ، فَصَبْرُهُ مَثِيلٌ لِصَبْرِهِمْ، وَمَنْ صَبَرَ صَبْرَهُمْ كَانَ مِنْهُمْ لَا مَحَالَةَ.

وَأَعْقَبَ أَمْرَهُ بِالصَّبْرِ بِنَهْيِهِ عَنْ الِاسْتِعْجَالِ لِلْمُشْرِكِينَ، أَيْ الِاسْتِعْجَالِ لَهُمْ بِالْعَذَابِ، أَيْ لَا تَطْلُبْ مِنَّا تَعْجِيلَهُ لَهُمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِعْجَالَ يُنَافِي الْعَزْمَ وَلِأَنَّ فِي تَأْخِيرِ الْعَذَابِ تَطْوِيلًا لِمُدَّةِ صَبر الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بِكَسْبِ عَزْمِهِ قُوَّةً.

وَمَفْعُولُ تَسْتَعْجِلْ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ، تَقْدِيرُهُ: الْعَذَابُ أَوِ الْهَلَاكُ. وَاللَّامُ فِي لَهُمْ لَامُ تَعْدِيَةِ فِعْلِ الِاسْتِعْجَالِ إِلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ، أَيْ لَا تَسْتَعْجِلْ لِأَجْلِهِمْ، وَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ إِذِ التَّقْدِيرُ: لَا تَسْتَعْجِلْ لِهَلَاكِهِمْ. وَجُمْلَةُ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ

ص: 67

عَنْ الِاسْتِعْجَالِ لَهُمْ بِالْعَذَابِ بِأَنَّ الْعَذَابَ وَاقِعٌ بِهِمْ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي وُقُوعِهِ تَطْوِيلُ أَجْلِهِ وَلَا تَعْجِيلُهُ، قَالَ مُرَّةُ بْنُ عَدَّاءٍ الْفَقْعَسِيُّ، وَلَعَلَّهُ أَخَذَ قَوْلَهُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ:

كَأَنَّكَ لَمْ تُسْبَقْ مِنَ الدَّهْرِ لَيْلَةً

إِذَا أَنْتَ أَدْرَكْتَ الَّذِي كُنْتَ تَطْلُبُ

وَهُمْ عِنْدَ حُلُولِهِ مُنْذُ طُولِ الْمُدَّةِ يُشْبِهُ حَالُهُمْ حَالَ عَدَمِ الْمُهْلَةِ إِلَّا سَاعَةً قَلِيلَةً.

ومِنْ نَهارٍ وَصْفُ السَّاعَةِ، وَتَخْصِيصُهَا بِهَذَا الْوَصْفِ لِأَنَّ سَاعَةَ النَّهَارِ تَبْدُو لِلنَّاسِ قَصِيرَةً لِمَا لِلنَّاسِ فِي النَّهَارِ مِنَ الشَّوَاغِلِ بِخِلَافِ سَاعَةِ اللَّيْلِ تَطُولُ إِذْ لَا يَجِدُ السَّاهِرُ شَيْئًا يَشْغَلُهُ. فَالتَّنْكِيرُ لِلتَّقْلِيلِ كَمَا

فِي حَدِيثِ الْجُمُعَة قَوْله صلى الله عليه وسلم: «وَفِيهِ سَاعَةٌ يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ»

، وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا، وَالسَّاعَةُ جُزْءٌ مِنَ الزَّمَنِ.

بَلاغٌ.

فَذْلَكَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ بِأَنَّهُ بَلَاغٌ لِلنَّاسِ مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ لِيَعْلَمَ كُلٌّ حَظَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ:

بَلاغٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هَذَا بَلَاغٌ، عَلَى طَرِيقَةِ الْعُنْوَانِ وَالطَّالِعِ نَحْوِ مَا يُكْتَبُ فِي أَعْلَى الظَّهِيرِ:«ظَهِيرٌ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ» ، أَوْ مَا يُكْتَبُ فِي أَعْلَى الصُّكُوكِ نَحْوِ:«إِيدَاعُ وَصِيَّةٍ» ، أَوْ مَا يُكْتَبُ فِي التَّأْلِيفِ نَحْوِ مَا فِي «الْمُوَطَّأِ» «وُقُوتُ الصَّلَاةِ» . وَمِنْهُ مَا يُكْتَبُ فِي أَعَالِي الْمَنْشُورَاتِ الْقَضَائِيَّةِ وَالتِّجَارِيَّةِ كَلِمَةُ:«إِعْلَانٌ» .

وَقَدْ يَظْهَرُ اسْمُ الْإِشَارَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ [إِبْرَاهِيم: 52]، وَقَوْلِ سِيبَوَيْهٍ:«هَذَا بَابُ عِلْمِ مَا الْكَلِمُ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ» ، وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ [الْأَنْبِيَاء: 106] .

وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا عَلَى طَرِيقَةِ الْفَذْلَكَةِ وَالتَّحْصِيلِ مِثْلُ جُمْلَةِ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ [الْبَقَرَة: 196]، تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ [الْبَقَرَة: 134] .

ص: 68

فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ.

فَرْعٌ عَلَى جُمْلَةِ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ إِلَى مِنْ نَهارٍ، أَيْ فَلَا يُصِيبُ الْعَذَابُ إِلَّا الْمُشْرِكِينَ أَمْثَالَهُمْ. وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي النَّفْيِ، وَلِذَلِكَ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ [الْبَقَرَة: 130] .

وَمَعْنَى التَّفْرِيعِ أَنَّهُ قَدِ اتَّضَحَ مِمَّا سَمِعْتَ أَنَّهُ لَا يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ، وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ [الْأَحْقَاف: 9]، وَقَوله: لتنذر الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ إِلَى قَوْلِهِ: وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الْأَحْقَاف: 12، 13]، وَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ أَهْلَكْنا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى [الْأَحْقَاف: 27] الْآيَةَ.

وَالْإِهْلَاكُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَيَيْهِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ، فَإِنَّ مَا حُكِيَ فِيمَا مَضَى بَعْضُهُ إِهْلَاكٌ حَقِيقِيٌّ مِثْلُ مَا فِي قِصَّةِ عَادٍ، وَمَا فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ أَهْلَكْنا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى، وَبَعْضُهُ مُجَازِيٌّ وَهُوَ سُوءُ الْحَالِ، أَيْ عَذَابُ الْآخِرَةِ: وَذَلِكَ فِيمَا حُكِيَ مِنْ عَذَابِ الْفَاسِقِينَ.

وَتَعْرِيفُ الْقَوْمُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، وَهُوَ مُفِيدٌ الْعُمُومَ، أَيْ كُلُّ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ فَيَعُمُّ مُشْرِكِي مَكَّةَ الَّذِينَ عَنَاهُمُ الْقُرْآنُ فَكَانَ لِهَذَا التَّفْرِيعِ مَعْنَى التَّذْيِيلِ.

وَالتَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ: فَهَلْ يُهْلَكُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِتَغْلِيبِ إِهْلَاكِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِي لَمَّا يَقَعْ عَلَى إِهْلَاكِ الْأُمَمِ الَّذِينَ قَبْلَهُمْ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ التَّعْرِيفَ تَعْرِيفَ الْعَهْدِ، أَيِ الْقَوْمُ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ الْآيَةَ، فَيَكُونُ إِظْهَارًا فِي

مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى سَبَبِ إِهْلَاكِهِمْ أَنَّهُ الْإِشْرَاكُ.

وَالْمُرَادُ بِالْفِسْقِ هُنَا الْفِسْقُ عَنِ الْإِيمَانِ وَهُوَ فِسْقُ الْإِشْرَاكِ. وَأَفَادَ الِاسْتِثْنَاءُ أَنَّ غَيْرَهُمْ لَا يَهْلِكُونَ هَذَا الْهَلَاكَ، أَوْ هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ.

ص: 69