الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَعْنَى صَدَقُوا اللَّهَ قَالُوا لَهُ الصِّدْقَ، وَهُوَ مُطَابَقَةُ الْكَلَامِ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، أَيْ لَوْ صَدَقُوا فِي قَوْلِهِمْ: نَحْنُ مُؤْمِنُونَ، وَهُمْ إِنَّمَا كَذَّبُوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ أَظْهَرُوا لَهُ خِلَافَ مَا فِي نُفُوسِهِمْ، فَجَعَلَ الْكَذِبَ عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَذِبًا عَلَى اللَّهِ تَفْظِيعًا لَهُ وَتَهْوِيلًا لِمَغَبَّتِهِ، أَيْ لَوْ أَخْلَصُوا الْإِيمَانَ وَقَاتَلُوا بِنِيَّةِ الْجِهَادِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَفِي الدُّنْيَا خَيْرُ الْعِزَّةِ وَالْحُرْمَةِ وَفِي الْآخِرَةِ خَيْرُ الْجَنَّةِ.
فَهَذِهِ الْآيَةُ إِنْبَاءٌ مِمَّا سَيَكُونُ مِنْهُمْ حِينَ يَجِدُّ الْجِدُّ وَيَجِيءُ أَوَانُ الْقِتَالِ وَهِيَ مِنْ مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ فِي الْإِخْبَارِ بِالْغَيْبِ فَقَدْ عَزَمَ أَمْرُ الْقِتَالِ يَوْمَ أُحُدٍ وَخَرَجَ الْمُنَافِقُونَ مَعَ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ فِي صُورَةِ الْمُجَاهِدِينَ فَلَمَّا بَلَغَ الْجَيْشُ إِلَى الشَّوْطِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولَ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ: مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا هَاهُنَا أَيُّهَا النَّاسُ؟
وَرَجَعَ هُوَ وَأَتْبَاعُهُ وَكَانُوا ثُلُثَ الْجَيْشِ وَذَلِكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، أَيْ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ بِنَحْوِ ثَلَاثِ سِنِينَ.
وَقَوْلُهُ: فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ جَوَابٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي الْكَلَامِ إِيجَازٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَكانَ خَيْراً يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ إِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ حَصَلَ لَهُمْ مَا لَا خَيْرَ فِيهِ. وَلَفْظُ خَيْراً ضِدُّ الشَّرِّ بِوَزْنِ فَعْلٍ، وَلَيْسَ هُوَ هُنَا بِوَزْن أفعل.
[22]
[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 22]
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (22)
مُقْتَضَى تَنَاسُقِ النَّظْمِ أَنَّ هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ [مُحَمَّد: 21] لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ تَوَلَّوْا عَنِ الْقِتَالِ وَانْكَشَفَ نِفَاقُهُمْ فَتَكُونُ إِتْمَامًا لِمَا فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ مِنَ الْإِنْبَاءِ بِمَا سَيَكُونُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَوْمَ أُحُدٍ. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: عَلَامَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا هَاهُنَا؟ وَرُبَّمَا قَالَ فِي كَلَامِهِ: وَكَيْفَ نُقَاتِلُ قُرَيْشًا وَهُمْ مِنْ قَوْمِنَا، وَكَانَ لَا يَرَى عَلَى أَهْلِ يَثْرِبَ أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَ النبيء صلى الله عليه وسلم وَيَرَى الِاقْتِصَارَ عَلَى أَنَّهُمْ آوَوْهُ. وَالْخِطَابُ مُوَجَّهٌ إِلَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ عَلَى الِالْتِفَاتِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّكْذِيبِ لِمَا سيعتذرون بِهِ لَا نخزالهم وَلِذَلِكَ جِيءَ فِيهِ