الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِهَذَا النَّصْرِ وَتَشْرِيعًا لَهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ لِصَرَاحَةِ الظَّاهِرِ وَالصَّرَاحَةُ أَدْعَى إِلَى السَّمْعِ، وَالْكَلَامُ مَعَ الْإِظْهَارِ أَعْلَقُ بِالذِّهْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ.
[4]
[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 4]
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4)
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ
هَذِهِ الْجُمْلَةُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ مَضْمُونِ جُمْلَةِ وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً [الْفَتْح: 3] .
وَحَصَلَ مِنْهَا الِانْتِقَالُ إِلَى ذِكْرِ حَظِّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذَا الْفَتْحِ فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمْ جُنُودُ اللَّهِ الَّذِينَ قَدْ نصر النبيء صلى الله عليه وسلم بِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ
[الْأَنْفَال:
62] فَكَانَ فِي ذِكْرِ عِنَايَةِ اللَّهِ بِإِصْلَاحِ نُفُوسِهِمْ وَإِذْهَابِ خَوَاطِرِ الشَّيْطَانِ عَنْهُمْ وَإِلْهَامِهِمْ إِلَى الْحَقِّ فِي ثَبَاتِ عَزْمِهِمْ، وَقُرَارَةِ إِيمَانِهِمْ تَكْوِينٌ لِأَسْبَابِ نصر النبيء صلى الله عليه وسلم وَالْفَتْحِ الْمَوْعُودِ بِهِ لِيَنْدَفِعُوا حِينَ يَسْتَنْفِرَهُمْ إِلَى الْعَدُوِّ بِقُلُوبٍ ثَابِتَةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ تَبَلْبَلَتْ نُفُوسُهُمْ مِنْ صلح الْحُدَيْبِيَة إِذا انْصَرَفُوا عَقِبَهُ عَنْ دُخُولِ مَكَّةَ بعد أَن جاؤوا لِلْعُمْرَةِ بِعَدَدٍ عَدِيدٍ حَسِبُوهُ لَا يُغْلَبُ، وَأَنَّهُمْ إِنْ أَرَادَهُمُ الْعَدُوُّ بِسُوءٍ أَوْ صَدَّهُمْ عَنْ قَصْدِهِمْ قَابَلُوهُ فَانْتَصَرُوا عَلَيْهِ وَأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ مَكَّةَ قَسْرًا. وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي تَسْمِيَةِ مَا حَلَّ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ فَتْحًا كَمَا عَلِمْتَ مِمَّا تَقَدَّمَ فَلَمَّا بَيَّنَ لَهُم الرَّسُول صلى الله عليه وسلم مَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ اطْمَأَنَّتْ نُفُوسُهُمْ بَعْدَ الِاضْطِرَابِ وَرَسَخَ يَقِينُهُمْ بَعْدَ خَوَاطِرِ الشَّكِّ فَلَوْلَا ذَلِكَ الِاطْمِئْنَانُ وَالرُّسُوخُ لَبَقَوْا كَاسِفِي الْبَالِ شَدِيدِي الْبِلْبَالِ، فَذَلِكَ الِاطْمِئْنَانُ هُوَ الَّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ بِالسَّكِينَةِ، وَسُمِّيَ إِحْدَاثُهُ فِي نُفُوسِهِمْ إِنْزَالًا لِلسَّكِينَةِ فِي قُلُوبِهِمْ فَكَانَ النَّصْرُ مُشْتَمِلًا عَلَى أَشْيَاءَ مِنْ أَهَمِّهَا إِنْزَالُ السَّكِينَةِ، وَكَانَ إِنْزَالُ السَّكِينَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذَا النَّصْرِ نَظِيرَ التَّأْلِيفِ بَيْنَ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ اخْتِلَافِ قَبَائِلِهِمْ وَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْأَمْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّصْرِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [الْأَنْفَال: 62، 63] .
وَإِنْزَالُهَا: إِيقَاعُهَا فِي الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ وَخَلْقُ أَسْبَابِهَا الْجَوْهَرِيَّةِ وَالْعَارِضَةِ، وَأُطْلِقَ عَلَى ذَلِكَ الْإِيقَاعِ فِعْلُ الْإِنْزَالِ تَشْرِيفًا لِذَلِكَ الْوِجْدَانِ بِأَنَّهُ كَالشَّيْءِ الَّذِي هُوَ مَكَانٌ مُرْتَفِعٌ فَوْقَ النَّاسِ فَأُلْقِيَ إِلَى قُلُوبِ النَّاسِ، وَتِلْكَ رِفْعَةٌ تَخْيِيلِيَّةٌ مُرَادٌ بِهَا شَرَفُ مَا
أُثْبِتَتْ لَهُ عَلَى طَرِيقَةِ التَّخْيِيلِيَّةِ. وَلَمَّا كَانَ مِنْ عَوَاقِبِ تِلْكَ السَّكِينَةِ أَنَّهَا كَانَتْ سَبَبًا لِزَوَالِ مَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ التَّأْوِيلِ لِوَعْدِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِالنَّصْرِ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ، وَحَمْلِهِ عَلَى النَّصْرِ الْمَعْنَوِيِّ لِاسْتِبْعَادِهِمْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَتْحًا، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ اطْمَأَنَّتْ نُفُوسُهُمْ، فَزَالَ مَا خَامَرَهَا وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ وَعْدُ اللَّهِ وَأَنَّهُ وَاقِعٌ فَانْقَشَعَ عَنْهُمْ مَا يُوشِكُ أَنْ يُشَكِّكَ بَعْضَهُمْ فَيَلْتَحِقَ بِالْمُنَافِقِينَ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ فَإِنَّ زِيَادَةَ الْأَدِلَّةِ تُؤَثِّرُ رُسُوخَ الْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهِ فِي الْعَقْلِ وَقُوَّةَ التَّصْدِيقِ. وَهَذَا اصْطِلَاحٌ شَائِعٌ فِي الْقُرْآنِ وَجُعِلَ ذَلِكَ الِازْدِيَادُ كَالْعِلَّةِ لِإِنْزَالِ السَّكِينَةِ فِي قُلُوبِهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَن السكينَة إِذْ حَصَلَتْ فِي قُلُوبِهِمْ رَسَخَ إِيمَانُهُمْ، فَعُومِلَ الْمَعْلُومُ حُصُولُهُ مِنَ الْفِعْلِ مُعَامَلَةَ الْعِلَّةِ وَأُدْخِلَ عَلَيْهِ حَرْفُ التَّعْلِيلِ وَهُوَ لَامُ- كَيْ- وَجُعِلَتْ قُوَّةُ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ إِيمَانٍ آخَرَ دَخَلَ عَلَى الْإِيمَانِ الْأَسْبَقِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ أَفْرَادِ الْجِنْسِ إِذَا انْضَمَّ
إِلَى أَفْرَادٍ أُخَرَ زَادَهَا قُوَّةً فَلِذَلِكَ عَلِقَ بِالْإِيمَانِ ظَرْفُ مَعَ فِي قَوْلِهِ: مَعَ إِيمانِهِمْ فَكَانَ فِي ذَلِكَ الْحَادِثِ خَيْرٌ عَظِيمٌ لَهُمْ كَمَا كَانَ فِيهِ خير للنبيء صلى الله عليه وسلم بِأَنْ كَانَ سَبَبًا لِتَشْرِيفِهِ بِالْمَغْفِرَةِ الْعَامَّةِ وَلِإِتْمَامِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ وَلِهِدَايَتِهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَلِنَصْرِهِ نَصْرًا عَزِيزًا، فَأَعْظِمْ بِهِ حَدَثًا أَعْقَبَ هَذَا الْخَيْر للرسول صلى الله عليه وسلم وَلِأَصْحَابِهِ.
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً.
تَذْيِيلٌ لِلْكَلَامِ السَّابِقِ لِأَنَّهُ أَفَادَ أَنْ لَا عَجَبَ فِي أَنْ يَفْتَحَ اللَّهُ لَكَ فَتْحًا عَظِيمًا وَيَنْصُرَكَ عَلَى أَقْوَامٍ كَثِيرِينَ أَشِدَّاءَ نَصْرًا صَحِبَهُ إِنْزَالُ السَّكِينَةِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ أَنْ خَامَرَهُمُ الْفَشَلُ وَانْكِسَارُ الْخَوَاطِرِ، فَاللَّهُ مَنْ يَمْلِكُ جَمِيعَ وَسَائِلِ النَّصْرِ وَلَهُ الْقُوَّةُ الْقَاهِرَةُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا هَذَا نَصْرُ إِلَّا بَعْضِ مِمَّا لِلَّهِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالْقَهْرِ.
وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ وَجُمْلَةُ التَّذْيِيلِ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَبَيْنَ مُتَعَلِّقِهَا وَهُوَ لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ [الْفَتْح: 5] الْآيَةَ.
وَأُطْلِقَ عَلَى أَسْبَابِ النَّصْرِ الْجُنُودُ تَشْبِيهًا لِأَسْبَابِ النَّصْرِ بِالْجُنُودِ الَّتِي تُقَاتِلُ وَتَنْتَصِرُ.