المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة محمد (47) : الآيات 4 الى 6] - التحرير والتنوير - جـ ٢٦

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌46- سُورَةُ الْأَحْقَافِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 29 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 35]

- ‌47- سُورَةُ مُحَمَّدٍ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 4 الى 6]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 20 الى 21]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 38]

- ‌48- سُورَةُ الْفَتْحِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 29]

- ‌49- سُورَةُ الْحُجُرَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 7 الى 8]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 18]

- ‌50- سُورَةُ ق

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 1 الى 3]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 31 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 41 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 45]

- ‌51- سُورَةُ الذَّارِيَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةُ

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 1 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 7 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 24 إِلَى 30]

الفصل: ‌[سورة محمد (47) : الآيات 4 الى 6]

[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 4 الى 6]

فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (6)

فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها.

لَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ لِأَنَّ فِيهَا قَوْلَهُ: حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ. وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ الْعِقَابُ عَلَى مَا وَقَعَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ فِدَاءِ الْأَسْرَى الَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ [الْأَنْفَال:

67] الْآيَةَ إِذْ لَمْ يَكُنْ حُكْمُ ذَلِكَ مُقَرَّرًا يَوْمَئِذٍ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ.

وَالْفَاءُ لِتَفْرِيعِ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ إِثَارَةِ نُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ بِتَشْنِيعِ حَالِ الْمُشْرِكِينَ وَظُهُورِ خَيْبَةِ أَعْمَالِهِمْ وَتَنْوِيهِ حَالِ الْمُسْلِمِينَ وَتَوْفِيقِ آرَائِهِمْ.

وَالْمَقْصُودُ: تَهْوِينُ شَأْنِهِمْ فِي قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ وَإِغْرَاؤُهُمْ بِقَطْعِ دَابِرِهِمْ لِيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ مَنَافِعِ فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ بِالْمَالِ لِيَعْبُدَ الْمُسْلِمُونَ رَبَّهُمْ آمِنِينَ. وَذَلِكَ نَاظِرٌ إِلَى آيَةِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَإِلَى مَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ مِنْ قَوْلِهِ: حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها.

و (إِذْ) ظَرْفٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ مُضَمَّنَةً مَعْنَى الشَّرْطِ، وَذَلِكَ غَالِبُ اسْتِعْمَالِهَا وَجَوَابُ الشَّرْطِ قَوْلُهُ: فَضَرْبَ الرِّقابِ.

وَاللِّقَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا: الْمُقَابَلَةُ، وَهُوَ إِطْلَاقٌ شَهِيرٌ لِلِّقَاءِ، يُقَالُ: يَوْمَ اللِّقَاءِ، فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ إِلَّا لِقَاءُ الْحَرْبِ، وَيُقَالُ: إِنْ لَقِيتَ فَلَانًا لَقِيتَ مِنْهُ أَسَدًا، وَقَالَ النَّابِغَةُ:

تَجَنَّبْ بَنِي حُنّ فَإِنَّ لِقَاءَهُمْ

كَرِيهٌ وَإِنْ لَمْ تَلْقَ إِلَّا بَصَائِرُ

فَلَيْسَ الْمَعْنَى: إِذَا لَقِيتُمُ الْكَافِرِينَ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَبِذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ لِذِكْرِ مُخَصَّصٍ لِفِعْلِ لَقِيتُمُ. وَالْمَعْنَى: فَإِذَا قَاتَلْتُمُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَأَمْعِنُوا فِي قَتْلِهِمْ حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ أَنْ قَدْ خَضَدْتُمْ شَوْكَتَهُمْ، فَأْسِرُوا مِنْهُمْ أَسْرَى.

وَضَرْبَ الرِّقَابِ: كِنَايَةٌ مَشْهُورَةٌ يُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الْقَتْلِ سَوَاءٌ كَانَ بِالضَّرْبِ أَمِِِِْ

ص: 78

بِالطَّعْنِ فِي

الْقُلُوبِ بِالرِّمَاحِ أَوْ بِالرَّمْيِ بِالسِّهَامِ، وَأُوثِرَتْ عَلَى كَلِمَةِ الْقَتْلِ لِأَنَّ فِي اسْتِعْمَالِ الْكِنَايَةِ بَلَاغَةٌ وَلِأَنَّ فِي خُصُوصِ هَذَا اللَّفْظِ غِلْظَةً وَشِدَّةً تُنَاسِبَانِ مَقَامَ التَّحْرِيضِ.

وَالضَّرْبُ هُنَا بِمَعْنَى: الْقَطْعُ بِالسَّيْفِ، وَهُوَ أَحَدُ أَحْوَالِ الْقِتَالِ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى شَجَاعَةِ الْمُحَارب لكَونه مواجه عَدُوَّهُ وَجْهًا لِوَجْهٍ. وَالْمَعْنَى: فَاقْتُلُوهُمْ سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ بِضَرْبِ السَّيْفِ، أَوْ طَعْنِ الرِّمَاحِ، أَوْ رَشْقِ النِّبَالِ، لِأَنَّ الْغَايَةَ مِنْ ذَلِكَ هُوَ الْإِثْخَانُ.

وَالَّذِينَ كَفَرُوا: هُمُ الْمُشْرِكُونَ لِأَنَّ اصْطِلَاحَ الْقُرْآنِ مِنْ تَصَارِيفِ مَادَّةِ الْكُفْرِ، نَحْوِ:

الْكَافِرِينَ، وَالْكُفَّارِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا، هُوَ الشِّرْكُ. وحَتَّى ابْتِدَائِيَّةٌ. وَمَعْنَى الْغَايَةُ مَعَهَا يُؤَوَّلُ إِلَى مَعْنَى التَّفْرِيعِ.

وَالْإِثْخَانُ: الْغَلَبَةُ لِأَنَّهَا تَتْرُكُ الْمَغْلُوبَ كَالشَّيْءِ الْمُثْخَنِ وَهُوَ الثَّقِيلُ الصُّلْبُ الَّذِي لَا يَخِفُّ لِلْحَرَكَةِ وَيُوصَفُ بِهِ الْمَائِعُ الَّذِي جَمُدَ أَوْ قَارَبَ الْجُمُودَ بِحَيْثُ لَا يَسِيلُ بِسُهُولَةٍ، وَوُصِفَ بِهِ الثَّوْبُ وَالْحَبْلُ إِذَا كَثُرَتْ طَاقَاتُهُمَا بِحَيْثُ يَعْسُرُ تَفَكُّكُهَا.

وَغَلَبَ إِطْلَاقُهُ عَلَى التَّوْهِينِ بِالْقَتْلِ، وَكِلَا الْمَعْنِيِّينِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِذَا فُسِّرَ بِالْغَلَبَةِ كَانَ الْمَعْنَى حَتَّى إِذَا غَلَبْتُمْ مِنْهُمْ مَنْ وَقَعُوا فِي قَبْضَتِكُمْ أَسْرَى فَشَدُّوا وَثَاقَهُمْ وَعَلَيْهِ فَجَوَازُ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ. وَإِذَا فُسِّرَ الْإِثْخَانُ بِكَثْرَةِ الْقَتْلِ فِيهِمْ كَانَ الْمَعْنَى حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنَ الْجَيْشِ إِلَّا الْقَلِيلُ فَأْسِرُوا حِينَئِذٍ، أَيْ أَبْقُوا الْأَسْرَى، وَكِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ لَا يَخْلُو مِنْ تَأْوِيلٍ فِي نَظْمِ الْآيَةِ إِلَّا أَنَّ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ. وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ فِي قَوْلِهِ:

حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ.

وانتصب فَضَرْبَ الرِّقابِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ فِعْلِهِ ثُمَّ أُضِيفَ إِلَى مَفْعُولِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: فَاضْرِبُوا الرِّقَابَ ضَرْبًا، فَلَمَّا حَذَفَ الْفِعْلَ اخْتِصَارًا قَدَّمَ الْمَفْعُولَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ وَنَابَ مَنَابَ الْفِعْلِ فِي الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ الْمَفْعُولِ وَأُضِيفَ إِلَى الْمَفْعُولِ إِضَافَةَ الْأَسْمَاءِ إِلَى الْأَسْمَاءِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ رَاجِحٌ فِي الِاسْمِيَّةِ.

ص: 79

وَالشَّدُّ: قُوَّةُ الرَّبْطِ، وَقُوَّةُ الْإِمْسَاكِ.

وَالْوَثَاقُ بِفَتْحِ الْوَاوِ: الشَّيْءُ الَّذِي يَوْثَقُ بِهِ، وَيَجُوزُ فِيهِ كَسْرُ الْوَاوِ وَلَمْ يُقْرَأْ بِهِ. وَهُوَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْأَسْرِ لِأَنَّ الْأَسْرَ يَسْتَلْزِمُ الْوَضْعَ فِي الْقَيْدِ يُشَدُّ بِهِ الْأَسِيرُ. وَالْمَعْنَى:

فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنْ أَثْخَنْتُمْ مِنْهُمْ فَأْسِرُوا مِنْهُمْ.

وَتَعْرِيفُ الرِّقابِ والْوَثاقَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ

عِوَضًا عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ فَضَرْبَ رِقَابَهُمْ وَشُدُّوا وَثَاقَهُمْ.

وَالْمَنُّ: الْإِنْعَامُ: وَالْمُرَادُ بِهِ: إِطْلَاقُ الْأَسِيرِ وَاسْتِرْقَاقُهُ فَإِنَّ الِاسْتِرْقَاقَ منّ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يُقْتَلْ، وَالْفِدَاءُ: بِكَسْرِ الْفَاءِ مَمْدُودًا تَخْلِيصُ الْأَسِيرِ مِنَ الْأَسْرِ بِعِوَضٍ مِنْ مَالٍ أَوْ مُبَادَلَةٍ بِأَسْرَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي يَدَيِ الْعَدُوِّ. وَقَدَّمَ الْمَنَّ عَلَى الْفِدَاءِ تَرْجِيحًا لَهُ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ عَلَى امْتِلَاكِ ضَمِيرِ الْمَمْنُونِ عَلَيْهِ ليستعمل بذلك بغضه.

وَانْتَصَبَ مَنًّا وفِداءً عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ بَدَلًا مِنْ عَامِلَيْهِمَا، وَالتَّقْدِيرُ: إِمَّا تَمُنُّونَ وَإِمَّا تَفْدُونَ.

وَقَوْلُهُ بَعْدُ أَيْ بَعْدَ الْإِثْخَانِ وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِإِبَاحَةِ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ. وَذَلِكَ مَوْكُولٌ إِلَى نَظَرِ أَمِيرِ الْجَيْشِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ كَمَا فعل النبيء صلى الله عليه وسلم بَعْدَ غَزْوَةِ هَوَازِنَ. وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ النَّسْخِ، وَهَذَا رَأْيُ جُمْهُورِ أَيِمَّةِ الْفِقْهِ وَأَهْلِ النَّظَرِ. فَقَوْلُهُ: الَّذِينَ كَفَرُوا عَامٌّ فِي كُلِّ كَافِرٍ، أَيْ مُشْرِكٍ يَشْمَلُ الرِّجَالَ وَهُمُ الْمَعْرُوفُ حَرْبُهُمْ وَيَشْمَلُ مَنْ حَارَبَ مَعَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالرُّهْبَانِ وَالْأَحْبَارِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ لِتَحْدِيدِ أَحْوَالِ الْقِتَالِ وَمَا بَعْدَهُ، لَا لِبَيَانِ وَقْتِ الْقِتَالِ وَلَا لِبَيَانِ مَنْ هُمُ الْكَافِرُونَ، لِأَنَّ أَوْقَاتَ الْقِتَالِ مُبِيَّنَةٌ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ. وَمَعْرِفَةُ الْكَافِرِينَ مَعْلُومَةٌ مِنَ اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التَّوْبَة: 5] .

ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ آيَةِ مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [67] . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْقَتْلِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ

ص: 80

وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ، وَمِنَ السَلَفِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَطَاءٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّخْيِيرَ فِي أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ بَيْنَ الْقَتْلِ أَوِ الْمَنِّ أَوِ الْفِدَاءِ، وَأَمِيرُ الْجَيْشِ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ. وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ يَرَوْنَ أَنَّ مَوْرِدَ الْآيَةِ الْإِذْنُ فِي الْمَنِّ أَوِ الْفِدَاءِ فَهِيَ نَاسِخَةٌ أَوْ مُنْهِيَةٌ لِحُكْمِ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ: لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [67، 68] .

وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِهَا نَاسِخَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ لما علم مِنْ أَنَّ مَوْرِدَ تِلْكَ هُوَ تَعْيِينُ أَوْقَاتِ الْمُتَارَكَةِ، وَأَوْقَاتِ الْمُحَارَبَةِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ هَؤُلَاءِ بِحَظْرِ قَتْلِ الْأَسِيرِ فِي حِينِ أَنَّ التَّخْيِيرَ هُنَا وَارِدٌ بَيْنَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ، وَلَمْ يُذْكَرْ مَعَهُمَا

الْقَتْلُ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحِ» ثُبُوتًا مُسْتَفِيضًا أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَتَلَ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَقَتَلَ أَسْرَى قُرَيْظَةَ الَّذِينَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَقَتَلَ هِلَالَ بْنَ خَطَلٍ وَمِقْيَسَ بْنَ حُبَابَةٍ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَقَتَلَ بَعْدَ أُحُدٍ أَبَا عَزَّةَ الْجُمَعِيَّ الشَّاعِرَ وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يُعَارِضُ هَذِهِ الْآيَةَ لِأَنَّهَا جَعَلَتِ التَّخْيِيرَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ. وَأَيْضًا لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ جَوَازُ الِاسْتِرْقَاقِ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَسْرَى، وَهُوَ يُدْخَلُ فِي الْمَنِّ إِذَا اعْتُبِرَ الْمَنُّ شَامِلًا لِتَرْكِ الْقَتْلِ، وَلِأَنَّ مُقَابَلَةَ الْمَنِّ بِالْفِدَاءِ تَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِرْقَاقَ مَشْرُوعٌ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ الْمَنَّ مِنَ الْعِتْقِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ: التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ فَقَطْ دُونَ قَتْلِ الْأَسِيرِ، فَقَتْلُ الْأَسِيرِ يَكُونُ مَحْظُورًا. وَظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ يُعَضِّدُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ. وَذَهَبَ فَرِيقٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْأَسِيرِ الْمُشْرِكِ إِلَّا الْقَتْلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:

فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التَّوْبَة: 5] . وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَرَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُفَادَى أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ بِيَدِ

ص: 81

الْمُشْرِكِينَ. وَرَوَى الْجَصَّاصُ أَن النبيء صلى الله عليه وسلم فَدَى أَسِيرَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَسِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي ثَقِيفٍ.

وَالْغَايَةُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ حَتَّى فِي قَوْلِهِ: حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها لِلتَّعْلِيلِ لَا لِلتَّقْيِيدِ، أَيْ لِأَجْلِ أَنْ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، أَيْ لِيَكُفَّ الْمُشْرِكُونَ عَنْهَا فَتَأْمَنُوا مِنَ الْحَرْبِ عَلَيْكُمْ وَلَيْسَتْ غَايَةً لِحُكْمِ الْقِتَالِ. وَالْمَعْنَى يَسْتَمِرُّ هَذَا الْحُكْمُ بِهَذَا لِيَهِنَ الْعَدُوُّ فَيَتْرُكُوا حَرْبَكُمْ، فَلَا مَفْهُومَ لِهَذِهِ الْغَايَةِ، فَالتَّعْلِيلُ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: فَضَرْبَ الرِّقابِ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ. وَالتَّقْدِيرُ: فَضَرْبَ الرِّقَابِ، أَيْ لَا تَتْرُكُوا الْقَتْلَ لِأَجْلِ أَنْ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، فَيَكُونُ وَارِدًا مَوْرِدَ التَّعْلِيمِ وَالْمَوْعِظَةِ، أَيْ فَلَا تَشْتَغِلُوا عِنْدَ اللِّقَاءِ لَا بِقَتْلِ الَّذِينَ كَفَرُوا لِتَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا فَإِذَا غَلَبْتُمُوهُمْ فَاشْتَغِلُوا بِالْإِبْقَاءِ عَلَى مَنْ تَغْلِبُونَهُ بِالْأَسْرِ لِيَكُونَ الْمَنُّ بَعْدَ ذَلِكَ أَوِ الْفِدَاءُ.

وَالْأَوْزَارُ: الْأَثْقَالُ، وَوَضْعُ الْأَوْزَارِ تَمْثِيلٌ لِانْتِهَاءِ الْعَمَلِ فَشُبِّهَتْ حَالَةُ انْتِهَاءِ الْقِتَالِ بِحَالَةِ وَضْعِ الْحَمَّالِ أَوِ الْمُسَافِرِ أَثْقَالَهُ، وَهَذَا مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ. وَأَخَذَ مِنْهُ عَبَدُ رَبِّهِ السُّلَمِيُّ، أَوْ سُلَيْمٌ الْحَنَفِيُّ قَوْلَهُ:

فَأَلْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّ بِهَا النَّوَى

كَمَا قَرَّ عَيْنًا بِالْإِيَابِ الْمُسَافِرُ

فَشَبَّهَ حَالَةَ الْمُنْتَهِي مِنْ كُلْفَةٍ بِحَالَةِ السَّائِرِ يُلْقِي عَصَاهُ الَّتِي اسْتَصْحَبَهَا فِي سَيْرِهِ.

ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ.

أُعِيدَ اسْمُ الْإِشَارَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ آنِفًا: ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ [مُحَمَّد: 3] لِلنُّكْتَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ هُنَالِكَ، وَهُوَ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ. وَتَقْدِيرُ الْمَحْذُوفِ: الْأَمْرُ ذَلِكَ، وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: فَضَرْبَ الرِّقابِ إِلَى هُنَا، وَيُفِيدُ اسْمُ الْإِشَارَةِ تَقْرِيرَ الْحُكْمِ وَرُسُوخِهِ فِي النُّفُوسِ.

وَالْجُمْلَةُ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ وَالْمَحْذُوفِ مُعْتَرِضَةٌ ولَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ الْمُقَدَّرِ فِي الْمَصْدَرِ مِنْ قَوْلِهِ: فَضَرْبَ الرِّقابِ،

ص: 82

أَيْ أُمِرْتُمْ بِضَرْبِ رِقَابِهِمْ، وَالْحَالُ أَنَّ الله لَو شَاءَ لَاسْتَأْصَلَهُمْ وَلَمْ يُكَلِّفْكُمْ بِقِتَالِهِمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ نَاطَ الْمُسَبِّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا الْمُعْتَادَةِ وَهِيَ أَنْ يَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ.

وَتَعْدِيَةُ (انْتَصَرَ) بِحَرْفِ (مِنْ) مَعَ أَنَّ حَقَّهُ أَنْ يُعَدَّى بِحَرْفِ (عَلَى) لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى:

انْتَقَمَ.

وَالِاسْتِدْرَاكُ رَاجِعٌ إِلَى مَا فِي مَعْنَى الْمَشِيئَةِ مِنَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَرَكَ الِانْتِقَامَ مِنْهُمْ لِسَبَبٍ غَيْرِ مَا بَعْدَ الِاسْتِدْرَاكِ.

وَالْبَلْوُ حَقِيقَتُهُ: الِاخْتِبَارُ وَالتَّجْرِبَةُ، وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ فِي لَازِمِهِ وَهُوَ ظُهُورُ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْ رَفْعِ دَرَجَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَقْعِ بَأْسِهِمْ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِهِمْ وَمِنْ إِهَانَةِ الْكُفَّارِ، وَهُوَ أَنَّ شَأْنَهُمْ بِمَرْأًى وَمَسْمَعٍ مِنَ النَّاس.

وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (6) هَذَا مِنْ مَظَاهِرِ بَلْوَى بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَهُوَ مُقَابِلُ مَا فِي قَوْلِهِ: فَضَرْبَ الرِّقابِ إِلَى قَوْلِهِ: وَإِمَّا فِداءً، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَظَاهِرِ إِهَانَةِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَذُكِرَ هُنَا مَا هُوَ مِنْ رِفْعَةِ الَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِعِنَايَةِ اللَّهِ بِهِمْ.

وَجُمْلَةُ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَخْ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ الْآيَةَ فَإِنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ أَعْقَبَ الْأَمْرَ بِوَعْدِ الْجَزَاءِ عَلَى فِعْلِهِ.

وَذكر الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ إِذْ كَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: فَلَنْ يُضِلَّ اللَّهُ أَعْمَالَكُمْ، وَهَكَذَا بِأُسْلُوبِ الْخِطَابِ، فَعُدِلَ عَنْ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ مِنَ الْإِضْمَارِ إِلَى الْإِظْهَارِ لِيَكُونَ فِي تَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ إِفَادَةٌ تُقَوِّي الْخَبَرَ، وَلِيَكُونَ ذَرِيعَةً إِلَى الْإِتْيَانِ بِالْمَوْصُولِ لِلتَّنْوِيهِ بِصِلَتِهِ، وَلِلْإِيمَاءِ إِلَى وَجْهِ بِنَاءِ الْخَبَرِ عَلَى الصِّلَةِ بِأَنَّ تِلْكَ الصِّلَةَ هِيَ عِلَّةُ مَا وَرَدَ بَعْدَهَا مِنَ الْخَبَرِ.

ص: 83