المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الحجرات (49) : آية 13] - التحرير والتنوير - جـ ٢٦

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌46- سُورَةُ الْأَحْقَافِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 29 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 35]

- ‌47- سُورَةُ مُحَمَّدٍ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 4 الى 6]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 20 الى 21]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 38]

- ‌48- سُورَةُ الْفَتْحِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 29]

- ‌49- سُورَةُ الْحُجُرَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 7 الى 8]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 18]

- ‌50- سُورَةُ ق

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 1 الى 3]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 31 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 41 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 45]

- ‌51- سُورَةُ الذَّارِيَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةُ

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 1 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 7 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 24 إِلَى 30]

الفصل: ‌[سورة الحجرات (49) : آية 13]

[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 13]

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)

انْتِقَالٌ مِنْ وَاجِبَاتِ الْمُعَامَلَاتِ إِلَى مَا يَجِبُ أَنْ يُرَاعِيَهُ الْمَرْءُ فِي نَفْسِهِ، وَأُعِيدَ النِّدَاءُ لِلِاهْتِمَامِ بِهَذَا الْغَرَضِ، إِذْ كَانَ إِعْجَابُ كُلِّ قَبِيلَةٍ بِفَضَائِلِهَا وَتَفْضِيلُ قَوْمِهَا عَلَى غَيْرِهِمْ فَاشِيًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا تَرَى بَقِيَّتَهُ فِي شِعْرِ الْفَرَزْدَقِ وَجَرِيرٍ، وَكَانُوا يُحَقِّرُونَ بَعْضَ الْقَبَائِلِ مِثْلَ بَاهِلَةَ، وَضُبَيْعَةَ، وَبَنِي عُكْلٍ.

سُئِلَ أَعْرَابِيٌّ: أَتُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَأَنْتَ بَاهِلِيٌّ فَأَطْرَقَ حِينًا ثُمَّ قَالَ: عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا يَعْلَمَ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَنِّي بَاهِلِيٌّ. فَكَانَ ذَلِكَ يَجُرُّ إِلَى الْإِحَنِ وَالتَّقَاتُلِ وَتَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ السُّخْرِيَةُ وَاللَّمْزُ وَالنَّبْزُ وَالظَّنُّ وَالتَّجَسُّسُ وَالِاغْتِيَابُ الْوَارِدَةُ فِيهَا الْآيَاتُ السَّابِقَةُ، فَجَاءَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لِتَأْدِيبِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى اجْتِنَابِ مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِاقْتِلَاعِ جُذُورِهِ الْبَاقِيَةِ فِي النُّفُوسِ بِسَبَبِ اخْتِلَاطِ طَبَقَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ سَنَةِ الْوُفُودِ إِذْ كَثُرَ الدَّاخِلُونَ فِي الْإِسْلَامِ.

فَعَنْ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ رَوَى فِي كِتَابِهِ «الْمَرَاسِيلِ» عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَمَرَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَنِي بَيَاضَةَ (مِنَ الْأَنْصَارِ) أَنْ يُزَوِّجُوا أَبَا هِنْدٍ (مَوْلَى بَنِي بَيَاضَةَ قِيلَ اسْمُهُ يَسَارٌ) امْرَأَةً مِنْهُمْ فَقَالُوا: تُزَوِّجُ بَنَاتِنَا مَوَالِيَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً الْآيَةَ.

وَرُوِيَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا.

وَنُودُوا بِعُنْوَانِ النَّاسُ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ رَعْيًا لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ هَذَا الْعُنْوَانِ وَبَيْنَ مَا صُدِّرَ بِهِ الْغَرَضُ مِنَ التَّذْكِيرِ بِأَنَّ أَصْلَهُمْ وَاحِدٌ، أَيْ أَنَّهُمْ فِي الْخِلْقَةِ سَوَاءٌ لِيُتَوَسَّلَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ التَّفَاضُلَ وَالتَّفَاخُرَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْفَضَائِلِ وَإِلَى أَنَّ التَّفَاضُلَ فِي الْإِسْلَامِ بِزِيَادَةِ التَّقْوَى فَقِيلَ:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى.

فَمَنْ أَقْدَمَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَكَّةَ دُونَ بَقِيَّةِ السُّورَةِ اغْتَرَّ بِأَنَّ غَالِبَ الْخِطَابِ بِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا كَانَ فِي الْمَكِّيِّ.

وَالْمُرَادُ بِالذَّكْرِ وَالْأُنْثَى: آدَمُ وَحَوَّاءُ أَبَوَا الْبَشَرِ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا.

ص: 258

وَيُؤَيِّدُ هَذَا

قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ»

كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا. فَيَكُونُ تَنْوِينُ (ذَكَرٍ وَأُنْثَى) لِأَنَّهُمَا وَصْفَانِ لِمَوْصُوفٍ فَقَرَّرَ، أَيْ مِنْ أَبٍ ذَكَرٍ وَمِنْ أُمٍّ أُنْثَى.

وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِ ذَكَرٍ وَأُنْثى صِنْفُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مُكَوَّنٌ مِنْ صِنْفِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.

وَحَرْفُ (مِنْ) عَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ لِلِابْتِدَاءِ.

وَالشُّعُوبُ: جَمْعُ شَعْبٍ بِفَتْحِ الشِّينِ وَهُوَ مَجْمَعُ الْقَبَائِلِ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى جَدٍّ وَاحِدٍ مِنْ أُمَّةٍ مَخْصُوصَةٍ وَقَدْ يُسَمَّى جَذْمًا، فَالْأُمَّةُ الْعَرَبِيَّةُ تَنْقَسِمُ إِلَى شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ فَمُضَرُ شَعْبٌ، وَرَبِيعَةُ شَعْبٌ، وَأَنْمَارٌ شَعْبٌ، وَإِيَادٌ شَعْبٌ، وَتَجْمَعُهَا الْأُمَّةُ الْعَرَبِيَّةُ الْمُسْتَعْرِبَةُ، وَهِيَ عَدْنَانُ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام، وَحِمْيَرُ وَسَبَأٌ، وَالْأَزْدُ شُعُوبٌ مِنْ أُمَّةِ قَحْطَانَ. وَكِنَانَةُ وَقَيْسٌ وَتَمِيمٌ قَبَائِلُ مِنْ شَعْبِ مُضَرَ. وَمَذْحِجٌ، وَكِنْدَةُ قَبِيلَتَانِ مِنْ شَعْبِ سَبَأٍ. وَالْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ قَبِيلَتَانِ مِنْ شَعْبِ الْأَزْدِ.

وَتَحْتَ الْقَبِيلَةِ الْعِمَارَةُ مِثْلُ قُرَيْشٍ مِنْ كِنَانَةَ، وَتَحْتَ الْعِمَارَةِ الْبَطْنُ مِثْلُ قُصَيٍّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَتَحْتَ الْبَطْنِ الْفَخِذُ مِثْلَ هَاشِمٍ وَأُمَيَّةَ مِنْ قُصَيٍّ، وَتَحْتَ الْفَخِذِ الْفَصِيلَةُ مِثْلُ أَبِي طَالِبٍ وَالْعَبَّاسِ وَأَبِي سُفْيَانَ.

وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الشُّعُوبِ وَالْقَبَائِلِ لِأَنَّ مَا تَحْتَهَا دَاخِلٌ بِطْرِيقِ لَحْنِ الْخِطَابِ.

وَتَجَاوَزَ الْقُرْآنُ عَنْ ذِكْرِ الْأُمَمِ جَرْيًا عَلَى الْمُتَدَاوَلِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِي تَقْسِيمِ طَبَقَاتِ الْأَنْسَابِ إِذْ لَا يُدْرِكُونَ إِلَّا أَنْسَابَهُمْ.

وَجُعِلَتْ عِلَّةُ جَعْلِ اللَّهِ إِيَّاهُ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ. وَحِكْمَتُهُ مِنْ هَذَا الْجَعْلِ أَنْ يَتَعَارَفَ النَّاسُ، أَيْ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.

وَالتَّعَارُفُ يَحْصُلُ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ مُتَدَرِّجًا إِلَى الْأَعْلَى، فَالْعَائِلَةُ الْوَاحِدَةُ مُتَعَارِفُونَ، وَالْعَشِيرَةُ مُتَعَارِفُونَ مِنْ عَائِلَاتٍ إِذْ لَا يَخْلُونَ عَنِ انْتِسَابٍ وَمُصَاهَرَةٍ، وَهَكَذَا تَتَعَارَفُ الْعَشَائِرُ مَعَ الْبُطُونِ وَالْبُطُونُ مَعَ الْعَمَائِرِ، وَالْعَمَائِرُ مَعَ الْقَبَائِلِ، وَالْقَبَائِلُ مَعَ الشُّعُوبِ لِأَنَّ كُلَّ دَرَجَةٍ تَأْتَلِفُ مِنْ مَجْمُوعِ الدَّرَجَاتِ الَّتِي دُونَهَا.

ص: 259

فَكَانَ هَذَا التَّقْسِيمُ الَّذِي أَلْهَمَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهُ نِظَامًا مُحْكَمًا لِرَبْطِ أَوَاصِرِهِمْ دُونَ مَشَقَّةٍ وَلَا تَعَذُّرٍ فَإِنَّ تَسْهِيلَ حُصُولِ الْعَمَلِ بَيْنَ عَدَدٍ وَاسِعِ الِانْتِشَارِ يَكُونُ بِتَجْزِئَةِ تَحْصِيلِهِ بَيْنَ الْعَدَدِ الْقَلِيلِ ثُمَّ بِبَثِّ عَمَلِهِ بَيْنَ طَوَائِفَ مِنْ ذَلِكَ الْعَدَدِ الْقَلِيلِ ثُمَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَمَاعَاتٍ أَكْثَرَ. وَهَكَذَا حَتَّى يَعُمَّ أُمَّةً أَوْ يَعُمَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ وَمَا انْتَشَرَتِ الْحَضَارَاتُ الْمُمَاثِلَةُ بَيْنَ الْبَشَرِ إِلَّا بِهَذَا النَّامُوسِ الْحَكِيمِ.

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّكُمْ حَرَّفْتُمُ الْفِطْرَةَ وَقَلَبْتُمُ الْوَضْعَ فَجَعَلْتُمُ اخْتِلَافَ الشُّعُوبِ وَالْقَبَائِلِ بِسَبَبِ تَنَاكُرٍ وَتَطَاحُنٍ وَعُدْوَانٍ.

أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ:

مَهْلًا بَنِي عَمِّنَا مَهْلًا مَوَالِيَنَا

لَا تَنْبُشُوا بَيْنَنَا مَا كَانَ مَدْفُونَا

لَا تَطْمَعُوا أَنْ تُهِينُونَا وَنُكْرِمَكُمْ

وَأَنْ نَكُفَّ الْأَذَى عَنْكُمْ وَتُؤْذُونَا

وَقَوْلُ الْعُقَيْلِيِّ وَحَارَبَهُ بَنُو عَمِّهِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ:

وَنَبْكِي حِينَ نَقْتُلُكُمْ عَلَيْكُمْ

وَنَقْتُلُكُمْ كَأَنَّا لَا نُبَالِي

وَقَوْلُ الشَّمَيْذَرِ الْحَارِثِيِّ:

وَقَدْ سَاءَنِي مَا جَرَّتِ الْحَرْبُ بَيْنَنَا

بَنِي عَمِّنَا لَوْ كَانَ أَمْرًا مُدَانِيَا

وَأَقْوَالُهُمْ فِي هَذَا لَا تُحْصَرُ عَدَا مَا دُونَ ذَلِكَ مِنَ التَّفَاخُرِ وَالتَّطَاوُلِ وَالسُّخْرِيَةِ وَاللَّمْزِ وَالنَّبْزِ وَسُوءِ الظَّنِّ وَالْغِيبَةِ مِمَّا سَبَقَ ذِكْرُهُ.

وَقَدْ جَبَرَ اللَّهُ صَدْعَ الْعَرَبِ بِالْإِسْلَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً فَرَدَّهُمْ إِلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَهُمْ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ تَصَارِيفُ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ تَرْجِعُ بِالنَّاسِ إِلَى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ.

وَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَكُونُوا إِخْوَةً وَأَنْ يُصْلِحُوا بَيْنَ الطَّوَائِفِ الْمُتَقَاتِلَةِ وَنَهَاهُمْ عَمَّا يَثْلِمُ الْأُخُوَّةَ وَمَا يَغِينُ عَلَى نُورِهَا فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ السُّخْرِيَةِ وَاللَّمْزِ وَالتَّنَابُزِ وَالظَّنِّ السُّوءِ وَالتَّجَسُّسِ وَالْغِيبَةِ، ذَكَّرَهُمْ بِأَصْلِ الْأُخُوَّةِ فِي الِأَنْسَابِ الَّتِي أَكَّدَتْهَا أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَوَحْدَةُ الِاعْتِقَادِ لِيَكُونَ ذَلِكَ التَّذْكِيرُ عَوْنًا عَلَى تَبَصُّرِهِمْ فِي حَالِهِمْ،

ص: 260

وَلَمَّا كَانَتِ السُّخْرِيَةُ وَاللَّمْزُ وَالتَّنَابُزُ مِمَّا يُحْمَلُ عَلَيْهِ التَّنَافُسُ بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَالْقَبَائِلِ جَمَعَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي هَذِهِ الْمَوْعِظَةِ الْحَكِيمَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى النِّدَاءِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ عَمَدُوا إِلَى هَذَا التَّشْعِيبِ الَّذِي وَضَعَتْهُ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ فَاسْتَعْمَلُوهُ فِي فَاسِدِ لَوَازِمِهِ وَأَهْمَلُوا صَالِحَ مَا جُعِلَ لَهُ بِقَوْلِهِ:

لِتَعارَفُوا ثُمَّ وَأَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ أَيْ فَإِنْ تَنَافَسْتُمْ فَتَنَافَسُوا فِي التَّقْوَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ [المطففين: 26] .

وَالْخَبَرُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى مُسْتَعْمَلٌ كِنَايَةً عَنِ الْمُسَاوَاةِ فِي أَصْلِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ لِيُتَوَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى إِرَادَةِ اكْتِسَابِ الْفَضَائِلِ وَالْمَزَايَا الَّتِي تَرْفَعُ بَعْضَ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ كِنَايَةً بِمَرْتَبَتَيْنِ. وَالْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ مَضْمُونُ جُمْلَةِ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ فَتِلْكَ الْجُمْلَةُ تَتَنَزَّلُ مِنْ جُمْلَةِ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى مَنْزِلَةَ الْمَقْصِدِ مِنَ الْمُقَدِّمَةِ وَالنَّتِيجَةِ مِنَ الْقِيَاسِ وَلِذَلِكَ فُصِّلَتْ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيَانِ.

وَأَمَّا جُمْلَةُ وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا فَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ.

وَالْمَقْصُودُ مِنِ اعْتِرَاضِهَا: إِدْمَاجُ تَأْدِيبٍ آخَرَ مِنْ وَاجِبِ بَثِّ التَّعَارُفِ وَالتَّوَاصُلِ بَيْنَ الْقَبَائِلِ وَالْأُمَمِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُرَادُ اللَّهِ مِنْهُمْ.

وَمِنْ مَعْنَى الْآيَةِ مَا

خَطَبَ بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِذْ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ إِلَّا بِالتَّقْوَى»

. وَمِنْ نَمَطِ نَظْمِ الْآيَةِ وَتَبْيِينِهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَة

قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا لَا لِآبَاءِ النَّاسِ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ أَوْ فَاجِرٍ شَقِيٍّ أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ»

. وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا خَطَبَ بِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ (عُبِّيَّةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِكَسْرِهَا وَبِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ ثُمَّ تَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ: الْكِبْرُ وَالْفَخْرُ.

وَوَزْنُهُمَا عَلَى لُغَةِ ضَمِّ الْفَاءِ فُعْوِلَّةٌ وَعَلَى لُغَةِ كَسْرِ الْفَاءِ فِعْلِيَّةٌ، وَهِيَ إِمَّا مُشْتَقَّةٌ مِنَ التَّعْبِيَةِ فَتَضْعِيفُ الْبَاءِ لِمُجَرَّدِ

ص: 261

الْإِلْحَاقِ مِثْلُ نَضَّ الثَّوْبُ بِمَعْنَى نَضَى أَوْ مُشْتَقَّةٌ مِنْ عُبَابِ الْمَاءِ فَالتَّضْعِيفُ فِي الْبَاءِ أَصْلِيٌّ) .

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدِهِ إِلَى ابْنِ عُمَرَ «طَافَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ ثُمَّ خَطَبَهُمْ فِي بَطْنِ الْمُسِيلِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى إِلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.

وَجُمْلَةُ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا وَإِنَّمَا أُخِّرَتْ فِي النَّظْمِ عَنْ جُمْلَةِ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، لِتَكُونَ تِلْكَ الْجُمْلَةُ السَّابِقَةُ كَالتَّوْطِئَةِ لِهَذِهِ وَتَتَنَزَّلُ مِنْهَا مَنْزِلَةَ الْمُقَدِّمَةِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا تَسَاوَوْا فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ كَانَ الشَّأْنُ أَنْ لَا يَفْضُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا بِالْكَمَالِ النَّفْسَانِيِّ وَهُوَ الْكَمَالُ الَّذِي يَرْضَاهُ اللَّهُ لَهُمْ وَالَّذِي جَعَلَ التَّقْوَى وَسِيلَتَهُ وَلِذَلِكَ نَاطَ التَّفَاضُلَ فِي الْكَرَمِ بِ عِنْدَ اللَّهِ إِذْ لَا اعْتِدَادَ بِكَرَمٍ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ.

وَالْمُرَادُ بِالْأَكْرَمِ: الْأَنْفَسُ وَالْأَشْرَفُ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي قَوْلِهِ: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ فِي سُورَةِ النَّمْلِ [29] .

وَالْأَتْقَى: الْأَفْضَلُ فِي التَّقْوَى وَهُوَ اسْمُ تَفْضِيلٍ صِيغَ مِنِ اتَّقَى عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ.

وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ تَعْلِيلٌ لِمَضْمُونِ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ أَيْ إِنَّمَا كَانَ أَكْرَمُكُمْ أَتْقَاكُمْ لِأَنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْكَرَامَةِ الْحَقِّ وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُ الْمَكَارِمَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ مِنَ الْبَطْشِ وَإِفْنَاءِ الْأَمْوَالِ فِي غَيْرِ وَجْهٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ الْكَرَامَةُ الَّتِي هِيَ التَّقْوَى خَبِيرٌ بِمِقْدَارِ حُظُوظِ النَّاسِ مِنَ التَّقْوَى فَهِيَ عِنْدَهُ حُظُوظُ الْكَرَامَةِ فَلِذَلِكَ الْأَكْرَمُ هُوَ الْأَتْقَى، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى [النَّجْم: 32] أَيْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَرَاتِبِكُمْ فِي التَّقْوَى، أَيِ الَّتِي هِيَ التَّزْكِيَةُ الْحَقُّ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رسالاته [الْأَنْعَام: 124] .

عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ لَا يُنَافِي أَنْ تَكُونَ لِلنَّاسِ مَكَارِمُ أُخْرَى فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ التَّقْوَى مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَثَرُ تَزْكِيَةٍ فِي النُّفُوسِ مِثْلُ حُسْنِ التَّرْبِيَةِ ونقاء النّسَب والعرافة فِي الْعِلْمِ وَالْحَضَارَةِ وَحُسْنِ السُّمْعَةِ فِي الْأُمَمِ وَفِي

ص: 262