الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَغْرَاضُهَا
مُعْظَمُ مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ التَّحْرِيضُ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَتَرْغِيبُ الْمُسْلِمِينَ فِي ثَوَابِ الْجِهَادِ. افْتُتِحَتْ بِمَا يُثِيرُ حَنَقَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ، أَيْ دِينِهِ.
وَأَعْلَمَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُ لَا يُسَدِّدُ الْمُشْرِكِينَ فِي أَعْمَالِهِمْ وَأَنَّهُ مُصْلِحُ الْمُؤْمِنِينَ فَكَانَ ذَلِكَ كَفَالَةً لِلْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ. وَانْتُقِلَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى الْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ وَعَدَمِ الْإِبْقَاءِ عَلَيْهِمْ. وَفِيهَا وَعْدُ الْمُجَاهِدِينَ بِالْجَنَّةِ، وَأَمْرُ الْمُسْلِمِينَ بِمُجَاهِدَةِ الْكُفَّارِ وَأَنْ لَا يَدْعُوهُمْ إِلَى السَّلْمِ، وَإِنْذَارُ الْمُشْرِكِينَ بِأَنْ يُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَ الْأُمَمَ الْمُكَذِّبِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. وَوَصْفُ الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا، وَوَصْفُ جَهَنَّمَ وَعَذَابِهَا. وَوَصْفُ الْمُنَافِقِينَ وَحَالِ انْدِهَاشِهِمْ إِذَا نَزَلَتْ سُورَةٌ فِيهَا الْحَضُّ عَلَى الْقِتَالِ، وَقِلَّةِ تَدَبُّرِهِمُ الْقُرْآنَ وَمُوَالَاتِهِمُ الْمُشْرِكِينَ. وَتَهْدِيدُ الْمُنَافِقِينَ بِأَن الله ينبىء رَسُوله صلى الله عليه وسلم بِسِيمَاهُمْ وَتَحْذِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْ يَرُوجَ عَلَيْهِمْ نِفَاقُ الْمُنَافِقِينَ. وَخُتِمَتْ بِالْإِشَارَةِ إِلَى وَعْدِ الْمُسْلِمِينَ بِنَوَالِ السُّلْطَانِ وَحَذَّرَهُمْ إِنْ صَارَ إِلَيْهِمُ الْأَمْرُ مِنَ الْفساد والقطيعة.
[1]
[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 1]
بسم الله الرحمن الرحيم
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (1)
صَدَّرَ التَّحْرِيضَ عَلَى الْقِتَالِ بِتَوْطِئَةٍ لِبَيَانِ غَضَبِ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ لِكُفْرِهِمْ وَصَدِّهِمُ النَّاسَ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَتَحْقِيرِ أَمْرِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ مُثِيرًا فِي نُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ حَنَقًا عَلَيْهِمْ وَكَرَاهِيَةً فَتَثُورُ فِيهِمْ هِمَّةُ الْإِقْدَامِ عَلَى قِتَالِ الْكَافِرِينَ، وَعَدَمُ الِاكْتِرَاثِ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ قُوَّةٍ، حِينَ يَعْلَمُونَ اللَّهَ يَخْذُلُ الْمُشْرِكِينَ وَيَنْصُرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَهَذَا تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [مُحَمَّد: 4] .
وَفِي الِابْتِدَاءِ بِالْمَوْصُولِ وَالصِّلَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ كُفْرَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمُنَاوَأَتَهُمْ لِدِينِ اللَّهِ تَشْوِيقٌ لِمَا يَرِدُ بَعْدَهُ مِنَ الْحُكْمِ الْمُنَاسِبِ لِلصِّلَةِ، وَإِيمَاءٌ بِالْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ إِلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْخَبَرِ أَيْ لِأَجْلِ كُفْرِهِمْ وَصَدِّهِمْ، وَبَرَاعَةُ اسْتِهْلَالٍ لِلْغَرَضِ الْمَقْصُودِ.
وَالْكُفْرُ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ كَمَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْقُرْآنِ حَيْثُمَا أُطْلِقَ الْكُفْرَ مُجَرَّدًا عَنْ قَرِينَةِ إِرَادَةِ غَيْرِ الْمُشْرِكِينَ. وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْصَافٍ لِلْمُشْرِكِينَ. وَهِيَ:
الْكُفْرُ، وَالصَّدُّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَضَلَالُ الْأَعْمَالِ النَّاشِئُ عَنْ إِضْلَالِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ.
والصدّ عَن سَبِيل: هُوَ صَرْفُ النَّاسِ عَنْ مُتَابَعَةِ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَصَرْفُهُمْ أَنْفُسَهُمْ عَنْ سَمَاعِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَأُضِيفَ (السَّبِيلُ) إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ الدِّينُ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمرَان: 19] . وَاسْتُعِيرَ اسْمُ السَّبِيلِ لِلدِّينِ لِأَنَّ الدِّينَ يُوصل إِلَى رضى اللَّهِ كَمَا يُوَصِّلُ السَّبِيلُ السَّائِرَ فِيهِ إِلَى بُغْيَتِهِ.
وَمِنَ الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ صَدُّهُمُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ تَعَالَى:
وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ [الْحَج: 25] . وَمِنَ الصَّدِّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ:
إخراجهم الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ مَكَّةَ، وَصَدُّهُمْ عَنِ الْعُمْرَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ. وَمِنَ الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: إِطْعَامُهُمُ النَّاسَ يَوْمَ بَدْرٍ لِيَثْبُتُوا مَعَهُمْ وَيَكْثُرُوا حَوْلَهُمْ، فَلِذَلِكَ قِيلَ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْمُطْعِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ سَادَةِ الْمُشْرِكِينَ مَنْ قُرَيْشٍ. وَهُمْ:
أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَنُبَيْهُ بْنُ الْحَجَّاجِ وَمُنَبِّهُ بْنُ الْحَجَّاجِ وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَهَذَا الْأَخِيرُ أَسْلَمَ مِنْ بَعْدُ وَصَارَ مِنْ خِيرَةِ الصَّحَابَةِ. وَعُدَّ مِنْهُمْ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ وَسَهْلُ بْنُ عَمْرٍو وَمِقْيَسٌ الْجُمَحِيُّ وَالْعَبَّاسُ بْنُ