الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وإنْ يُخَالِفْ حِفْظُهُ كِتابَهْ) فإنْ كانَ حِفْظُهُ مِن كتابِهِ رجعَ إليهِ وإنْ اختلفَ المعنى، (و) إنْ كانَ (ليسَ) حِفْظُهُ (مِنْهُ)، بل مِن فَمِ المُحدِّث، أو من القراءةِ عليهِ (ف) قد (رأوا) أي: المحدِّثُونَ (صوابَهْ الحِفْظَ) أي: اعتمادَ الحِفْظِ إن كانَ (مَعَ تَيَقُّنٍ) وتَثَبُّتٍ في حِفْظِهِ، فَإنْ كَانَ مَعَ شَكٍّ، أوْ سُوءِ حِفْظٍ، فلَا.
(والأَحْسَنُ) مَعَ التَّيَقُّنِ (الجَمْعُ) بَيْنَهُمَا، فيَقُولُ:((حِفْظِي كَذَا، وفي كِتَابي (1) كَذَا)) (كَالخِلَافِ) أي: كَالمُخَالَفَةِ لهُ (مِمَّنْ يُتْقِنُ) مِنَ الحُفَّاظِ في أنَّهُ يَحْسُنُ مِنْهُ بَيَانُ الأَمْرَيْنِ، فَيَقُولُ:((حِفْظِي كَذَا، وقَالَ فِيْهِ فُلَانٌ كَذَا))، أو نَحْوَ ذَلِكَ (2).
الرِّوَايَةُ بِالمَعْنَى
وما مَعَهَا مِمَّا يأْتِي:
632 -
وَلْيَرْوِ بِالأَلْفَاظِ مَنْ لَا يَعْلَمُ
…
مَدْلُوْلَهَا وَغَيْرُهُ فَالْمُعْظَمُ
633 -
أَجَازَ بِالْمَعْنَى وَقِيْلَ: لَا الْخَبَرْ
…
وَالشَّيْخُ فِي التَّصْنِيْفِ قَطْعَاً قَدْ حَظَرْ
634 -
وَلْيَقُلِ الرَّاوِي: بِمَعْنَىً، أَوْ كَمَا
…
قالَ وَنَحْوُهُ كَشَكٍّ أُبْهِمَا
(وَلْيَرْوِ) وُجُوْباً بلَا خِلَافٍ (3)(بالأَلْفَاظِ) الَّتِي سَمِعَ بِهَا، لَا بِمَعَانِيْهَا (مَنْ) تَحَمَّلَهَا، وهوَ (لا يَعْلَمُ مَدْلُولَهَا) ومَقَاصِدَهَا.
إذْ لوْ رَوَى بالمعْنَى لَمْ يُؤْمَنْ مِنَ الخَلَلِ.
(وَ) أمَّا (غَيْرُهُ)، وهوَ مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ، (فالْمُعْظَمُ) مِنْ أهْلِ الحَدِيْثِ، والفِقْهِ، والأُصُولِ (4)(أجَازَ) لهُ الرِّوَايَةَ (بالمَعْنَى)، ولَوْ في الخَبَرِ، أوْ حِفْظِ اللَّفْظِ، أوْ أَتَى بِلَفْظٍ غَيْرِ مُرَادِفٍ، أوْ كَانَ المعْنَى غَامِضاً.
(1) في (م): ((كتاب)).
(2)
وهذا هو المختار أيضاً فيما إذا خالفه بعض الحفّاظ. انظر: الكفاية: (334 ت، 225 هـ)، ومعرفة أنواع علم الحديث:375.
(3)
وأول من نقله الخطيب في الكفاية: (300 ت، 198 هـ)، وممن نقله القاضي عياض في الإلماع:174.
(4)
معرفة أنواع علم الحديث: 376، والمنهل الروي:99.
قَالَ ابنُ الصَّلَاحِ: ((وهوَ الَّذِي تَشْهَدُ بهِ أحْوَالُ الصَّحَابَةِ، والسَّلَفِ الأوَّلِيْنَ، فَكَثِيْراً مَا كَانُوا يَنْقُلُونَ مَعْنًى واحِداً في أمْرٍ واحِدٍ بأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ؛ وذَلِكَ لأنَّ مُعَوَّلَهُمْ كَانَ عَلَى المَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ)) (1).
وَقِيْلَ: لَا يَجُوزُ لهُ ذَلِكَ مُطْلَقاً، وإنْ لَمْ يَتَغَيَّرِ المَعْنَى، ولَا خَالَفَ اللَّغَةَ الفُصْحَى (2) خَوْفاً مِنَ الدُّخُولِ في الوَعِيْدِ حَيْثُ عَزَا للنَّبِيِّ (3) صلى الله عليه وسلم لفْظاً لَمْ يَقُلْهُ؛ لأنَّهُ قَدْ يَظُنُّ تَوْفِيَةَ لَفْظٍ بِمَعْنَى لَفْظٍ آخَرَ، ولَا يَكُونُ كَذَلِكَ في الوَاقِعِ.
(وَقِيْلَ: لا) يَجُوزُ لهُ (4) ذَلِكَ في (الخَبَرْ) أي: خَبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ويَجُوزُ لهُ في غَيْرِهِ (5).
وقِيْلَ: غَيْرُ ذَلِكَ (6).
(1) معرفة أنواع علم الحديث: 377.
(2)
وبه قال ابن سيرين والقاسم بن محمد ورجاء بن حيوة. وحكاه ابن الصلاح عن طائفة من الفقهاء والأصوليين من الشافعيين وغيرهم. انظر: الكفاية: (311 ت، 206 هـ)، ومعرفة أنواع علم الحديث:376.
(3)
في (ق): ((له)).
(4)
لم ترد في (ق) و (ع).
(5)
وبه قَالَ مالك. انظر: الكفاية: (288 - 289 ت، 188 - 189 هـ)، وجامع بَيَان العلْم 1/ 81، والإلماع: 178 و 179 - 180.
(6)
وللحافظ ابن حجر تقييد وجيه للجواز، إذ قال:((إن الأقوال المنصوصة إذا تعبد بلفظها لا يجوز تغييرها ولو وافق المعنى، وليست هذه مسألة الرواية بالمعنى بل هي متفرعة منها، وينبغي أن يكون ذلك قيداً في الجواز، أعني يزاد في الشرط: أن لا يقع التعبد بلفظه ولا بدّ منه ومن أطلق فكلامه محمول عليه)). فتح الباري 8/ 304.
والذي نراه أن الجواز كان مخصوصاً بعصر الصحابة ومن بعدهم بقليل، أما غيرهم فلا يجوز لهم التصرف. قال ابن العربي: ((إن هذا الخلاف إنما يكون في عصر الصحابة ومنهم، وأما من سواهم فلا يجوز لهم تبديل اللفظ بالمعنى، وإن استوفى ذلك المعنى، فإنا لَوْ جوزناه لكل أحد لما كنا على ثقة من الأخذ بالحديث، إذ كُلّ أحد إلى زماننا هذا قد بدّل ما نقل، وجعل الحرف بدل الحرف فيما رواه فيكون خروجاً من الإخبار بالجملة. والصحابة بخلاف ذلك فإنهم اجتمع فيهم أمران عظيمان: =
هَذَا كُلُّهُ فِيْمَنْ أخذَ مَنْ غَيْرِ تَصْنِيْفٍ، أمَّا مَنْ أخَذَ مِنْهُ، فَهوَ ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ:
(والشَّيْخُ) ابنُ الصَّلَاحِ (في التَّصْنِيْفِ قَطْعاً قَدْ حَظَرْ)، وفي نُسْخَةٍ:((مُطْلَقاً حَظَرَ)) -، أي: مَنَعَ تَغْيِيْرَ اللَّفْظِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ بِلَفْظٍ آخَرَ بِمَعْنَاهُ.
لأنَّ مَا رَخَّصُوا بِسَبَبِهِ مِنَ المَشَقَّةِ في ضَبْطِ الألْفَاظِ، والجُمُودِ عَلَيْهَا مُنْتَفٍ في المُصَنَّفَاتِ؛ ولأنَّهُ إنْ مَلَكَ تَغْيِيْرَ اللَّفْظِ، فلَا يَمْلِكُ تَغْيِيْرَ تَصْنِيْفِ غَيْرِهِ.
وقَضِيَّتُهُ تَخْصِيْصُ المَنْعِ بِما إذا رَوَيْنَا التَّصْنِيْفَ، أوْ نَسَخْنَاهُ، أمَّا إذا نَقَلْنَا مِنْهُ إلى أجْزَائِنَا وتَخَارِيْجِنا، فَلَا: إذِ التَّصْنِيْفُ حِيْنَئِذٍ لَمْ يُغَيَّرْ. ذَكَرَهُ ابنُ دَقِيْقِ العِيْدِ (1)، وأَقَرَّهُ شَيْخُنَا، وعَلَيْهِ عَمَلُ جَمَاعَةٍ.
قَالَ ابنُ دَقِيْقِ العِيْدِ: ((لَكِنَّهُ لَيْسَ جَارِياً عَلَى الاصْطِلَاحِ، فَإِنَّ الاصطِلاحَ عَلَى أنْ لا تُغَيَّرَ الألْفَاظُ بَعْدَ الانْتِهَاءِ إلى الكُتُبِ المُصَنَّفَةِ، سَوَاءٌ أَرَوَيْنَاها فِيْهَا أمْ نَقَلْنَاها مِنْهَا؟)) (2). ووَافَقَهُ النَّاظِمُ عَلَى ذَلِكَ (3).
= أحدهما: الفصاحة والبلاغة، إذ جبلتهم عربية، ولغتهم سليقة.
والثاني: أنهم شاهدوا قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فأفادتهم المشاهدة عقل المعنى جملة، واستيفاء المقصد كله، وليس من أخبر كمن عاين. ألا تراهم يقولون في كُلّ حديث: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، ونهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا، ولا يذكرون لفظه، وكان ذلك خبراً صحيحاً ونقلاً لازماً، وهذا لا ينبغي أن يستريب فيه منصف لبيانه)). أحكام القرآن 1/ 35 - 36.
وممن قال بهذا الماوردي والروياني. فتح المغيث 2/ 212.
ووافقه على ذلك القاضي عياض، فقال:((لكن لحماية الباب من تسلط من لا يحسن، وغلط الجهلة في نفوسهم، وظنهم المعرفة مع القصور، يجب سدّ هذا الباب، إذ فعل هذا من لم يبلغ درجة الكمال في معرفة المعاني حرام باتفاقٍ)). إكمال المعلم 1/ 95.
وهذا المبحث استوعب جوانبه الشّيخ طاهر الجزائري في كتابه " توجيه النظر " 2/ 671 - 702، وانظر: الإحكام لابن حزم 2/ 86 - 90.
(1)
انظر: الاقتراح: 245 - 246.
(2)
انظر: الاقتراح: 245 - 246.
(3)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 266.