الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَحَذْفَ واحِدٍ مِنَ) الرُّواةِ الْمُجْتَمِعينَ في (الإسْنادِ في الصُّورَتَيْنِ)، الثقاتِ كلِّهم، والْمَجْروحِ بعضِهم، أي (1):(امنعْ) حذَف مَا ذُكِرَ (للازديادِ) أي: لأجلِ الزيادةِ عَلَى بقيَّةِ الرُّوَاةِ، لما لَيْسَ مِن حَديثِهِم إنْ لَمْ يحذفْ مِنْهُ شيءٌ، و (2) لِجَوازِ حذفِ مَا اختصَّ بِهِ بَعْضُ الْباقِينَ (3) إن حُذِفَ مِنْهُ شَيْءٌ.
آدَاْبُ الْمُحَدِّثِ
(آدابُ) الشَّيْخِ (4)(الْمُحدِّثِ) مَعَ ما يأتِي:
684 -
وَصَحِّحِ النِّيَّةَ فيِ التَّحْدِيْثِ
…
وَاحْرِصْ عَلَى نَشْرِكَ لِلْحَدِيْثِ
685 -
ثُمَّ تَوَضَّأْ وَاغْتَسِلْ وَاسْتَعْمِلِ
…
طِيْباً وَتَسْرِيْحاً وَزَبْرَ (5) الْمُعْتَلِي
686 -
صَوْتاً (6) عَلى الْحَدِيْثِ وَاجْلِسْ بِأَدَبْ
687 -
لَمْ يُخْلِصِ النِّيَّةَ طَالِبُ فَعُمْ
…
وَلَا تُحَدِّثْ عَجِلاً أَوْ إِنْ تَقُمْ
688 -
أَوْ فِي الطَّرِيْقِ ثُمَّ حَيْثُ احْتِيْجَ لَكْ
…
فِي شَيْءٍ ارْوِهِ وَابْنُ خَلَاّدٍ سَلَكْ
689 -
بِأَنَّهُ يَحْسُنُ لِلْخَمْسِيْنَا
…
عَاماً وَلَا بَأْسَ لأَِرْبَعِيْنَا
690 -
وَرُدَّ. والشَّيْخُ بِغَيْرِ الْبَارِعِ
…
خَصَّصَ لَاكَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيْ
(وَصَحِّحِ) أَنْتَ لِلرِّوَايَةِ (النيَّةَ في التَّحْدِيثِ)، بأنْ تُقَدِّمها عَلَيْهِ، وتخلصَ فِيْهِ للهِ تَعَالَى بِحيثُ لا يشوبُكَ فِيْهِ غَرَضٌ دُنْيويٌّ، إِذْ الأعمالُ بالنِّيَّاتِ.
(1) ليست في (ع).
(2)
ليست في (م).
(3)
في (م): ((الباقي)).
(4)
لم ترد في (ع).
(5)
في (ج): ((وذر)).
(6)
في (ج) والنفائس: ((صوناً)) - وَهَيْبَةٍ بِصَدْرِ مَجْلِسٍ وَهَبْ
(واحرِصْ) مَعَ ذَلِكَ (عَلَى نَشْرِكَ لِلْحَدِيْثِ)، فَقَدْ أمرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بالتَّبْليغِ عَنْهُ بقولِهِ:((بَلِّغُوْا عَنِّي وَلَوْ آيَةً)) (1).
وَقَالَ: ((نَضَّرَ اللهُ امْرَءً سَمِعَ مَقَالَتِيْ فَوَعَاهَا، وَأدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا)) (2).
(ثُمَّ) إِذَا أَردْتَ نَشْرَهُ بالنِّيةِ الصَّحِيْحَةِ، (تَوَضَّأْ) وضوءَكَ للصَّلَاةِ، (واغْتَسِلْ) اغتسَالَكَ للجنابةِ، وَتَسَوَّكْ، وقصَّ أظْفَارَكَ وشاربَكَ، (واستَعْمِلِ طيباً) وبَخُوراً في بَدنِكَ وَثِيابِكَ، (وَتَسْريْحاً) لِشَعْرِ لِحْيَتِكَ، ورأسِكَ إنْ كَانَ، والبسْ أحسنَ ثيابِكَ (3). (وَ) استعملْ حالَ تَحْديثِكَ (زَبْرَ) أي: نَهْرَ (4)(الْمُعْتَلِي صَوتاً) أي: صوتَهُ (عَلَى) قِراءةِ (الْحَدِيْثِ) أخذاً مِن قَولِهِ تَعَالَى: {لَا تَرْفَعُوْا أصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوتِ النَّبِيِّ} (5).
(1) رواه أحمد 2/ 159 و 202 و 214، والدارمي (548)، والبخاري 4/ 207
(3461)
، والترمذي (2669). من طرق عن حسان بن عطية، عن أبي كبشة، عن
عبد الله بن عمرو به.
(2)
رواه الشّافعيّ في الرسالة (1102)، والحميدي (88)، وأحمد 1/ 436، وابن ماجه (232)، والترمذي (2657)، وأبو يعلى (5126) و (5296)، والشاشي (275) و (276) و (277)(278)، وابن حبان (66) و (68) و (69)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (6) و (7) و (8)، والحاكم في معرفة علوم الحديث: 260، وأبو نعيم في الحلية 7/ 231، وفي ذكر أخبار أصبهان 2/ 90، والبيهقي في دلائل النبوة 1/ 23 و 6/ 540، وفي معرفة السنن والآثار (44) و (46)، والخطيب في الكفاية: 69، وفي شرف أصحاب الحديث: 26، وابن عبد البر في جامع بيان العلم: 1/ 40، والبغوي في شرح السنة (112). كلهم من حديث ابن مسعود.
قلنا: وهو مروي من حديث غيره من الصحابة.
قال العلامة ابن دقيق العيد: ((ولا خفاء بما في تبليغ العلم من الأجور لا سيما وبرواية الحديث يدخل الراوي في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها)))). الاقتراح: 264.
(3)
كلّ هذا روي عن الإمام مالك رحمه الله حين أرادته التحديث. انظر: المحدث الفاصل: 584 (827)، وحلية الأولياء 6/ 318، والجامع لأخلاق الرّاوي 1/ 385
…
(895).
(4)
الزّبر: الانتهار، يقال: زبره عن الأمر زبراً: انتهره، والزّبر أيضاً: الزّجر والمنع
…
والنّهي، يقال: زبره عن الأمر زبراً: نهاه ومنعه. انظر: اللسان 4/ 315، والتاج 11/ 399 (زبر).
(5)
الحجرات: 2.
فَقَدْ قَالَ الإمامُ مَالِكٌ: ((مَنْ رفعَ صَوْتَهُ عِنْدَ حَدِيْثِهِ صلى الله عليه وسلم فكأنَّمَا رفع صَوتَهُ فَوْقَ صَوْتِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم)) (1).
(واجلسْ) حينئِذٍ متوجه (2) القبلةَ (بأدَبْ، وَهَيْبَةٍ) أي: مَهابةٍ وإجْلالٍ (بِصَدْرِ مَجْلِسٍ) تحدِّثُ فِيْهِ، بَلْ وعلى فراشٍ يخصُّك، أَوْ مِنْبَرٍ. وكلُّ ذَلِكَ عَلَى سبيلِ النَّدْبِ تعْظِيماَ لِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
(وَهَبْ (3) لَمْ يُخلصِ النِّيةَ طَالِبُ فَعُمْ) أي: واحْسبْ واعددْ أنَّ الطَّالِبَ لَمْ يُخلصِ النِّيةَ بقرائِنَ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ، فَلا تَمْتَنِعْ مِن تَحْدِيثِهِ، بَلْ عُمَّ كُلَّ طَالِبِ عِلْمٍ (4) ندباً (5).
فعنِ الثَّورِيِّ أنَّهُ قَالَ: ((ما كَانَ في النَّاسِ أفْضَلُ مِنْ طَلَبَةِ الْحَدِيْثِ)). فقيلَ لَهُ: ((يطلُبُونَهُ بغَيرِ نِيَّةٍ)). فَقَالَ: ((طَلْبُهُم لَهُ نيةٌ)) (6).
وعن حبيبِ بنِ أَبِي ثابِتٍ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، أنَّهُمَا قالا:((طلبْنَا الْحَدِيْثَ وَمَا لَنَا فِيْهِ نيَّةٌ، ثُمَّ رزقَ اللهُ تَعَالَى (7) النِّيةَ بَعْدُ)) (8).
(1) الجامع 1/ 406 (961)، وانظر: تفسير الطبري 26/ 74، والدّر المنثور 7/ 547.
(2)
في (م): ((متوجهاً)).
(3)
هب: فعل أمرٍ من (وهب)، يقال: هبني فعلت أي: احسبني واعددني، وهي كلمةٌ للأمر فقط تنصب مفعولين. والمراد: أي احسب واعدد أنّ الطالب لم يخلص النيّة بقرائن دلّت على ذلك. انظر: اللسان 1/ 605، والتاج 4/ 367 (وهب).
(4)
لم ترد في (ص).
(5)
قال الخطيب الحافظ: ((والذي نستحبه أن يروي المحدّث لكل أحد سأله التحديث ولا يمنع أحداً من الطلبة)). الجامع لأخلاق الرّاوي 1/ 339 عقب (770).
(6)
رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل: 183 (40) من طريق عبد الصمد بن حسان عن سفيان. ورواه الخطيب في الجامع 1/ 339 (771) من طريق ابن مهدي عن سفيان.
(7)
لم ترد في (م) و (ص).
(8)
الرّواية عنهما عند الخطيب في الجامع لأخلاق الرّاوي1/ 339 (773) و (774). قال الزركشي: ((قال الغزالي في الإحياء: هذه كلمة اعتبرها قوم في تعلم العلم لغير الله ثمّ رجوعهم إلى الله، قَالَ: وإنما العلم الّذي أشار إليه هَذَا القائل هُوَ علم الحديث وتفسير القرآن ومعرفة سير الأنبياء عليهم السلام والصحابة رضي الله =
= تَعَالَى عنهم، فإن فيه التخويف والتحذير، وهو سبب لإثارة الخوف من الله تعالى، فإن لم يؤثر في الحال أثر في المآل، فأما الكلام والفقه المجرد الّذي يتعلق بفتاوى المعاملات وفصل الخصومات-المذهب منه والخلاف- فلا يرد الراغب فيه للدنيا إلى الله تعالى. بل لا يزال متمادياً في حرصه إلى آخر عمره)). نكت الزركشي3/ 643.
(ولا تُحدِّثْ) نَدْباً (عَجِلاً) أي: في حالةِ كونِكَ مُسْتَعْجِلاً لقلةِ الفَهْمِ مَعَ ذَلِكَ؛ ولأنَّهُ قَدْ يُفْضِي إِلَى الْهَذْرَمَة الْمَنهيِّ عَنْهَا. (أَوْ إِنْ تَقُمْ) أي: أَوْ في حالِ (1) قِيَامِكَ، (أَوْ في الطَّريقِ)، وَلَوْ جَالِساً، تَعْظِيماً لِلْحَدِيْثِ، ولأنَّ ذَلِكَ يفرقُ القلبَ والفَهْمَ.
(ثُمَّ) بَعْدَ مَا مَرَّ (حَيْثُ احْتِيْجَ لَكَ في شَيْءٍ) مِن الْحَدِيْثِ (ارْوِهِ) وجوباً، كَمَا قَالَهُ الْخَطِيْبُ (2) لِخَبَرِ أَبِي داودَ (3)، وغيرِهِ:((مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ نَافِعٍ، فَكَتَمَهُ جَاءَ يَومَ الْقِيَامَةِ مُلْجَماً بِلِجَامٍ مِنْ نارٍ)) (4).
وَقَالَ ابنُ الصَّلَاحِ: ((الَّذِي نقولُهُ أنَّهُ مَتَى (5) احتِيجَ إِلَى ما عِنْدَهُ استُحِبَّ لَهُ التَّصَدِّي لروايتِهِ، ونشرِهِ في، أيسنٍّ كَانَ)) (6).
وَقَالَ ابنُ النَّاظِمِ: ((والذي أقولُهُ أنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْحَدِيْثُ في ذَلِكَ البلدِ إلَاّ عِنْدَهُ، واحْتِيجَ إِلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وإنْ كَانَ ثَمَّ غيرُهُ. ففرضُ كِفايةٍ هَذَا)).
(وابنُ خلَاّدٍ) الرَّامَهُرْمُزِيُّ (سَلَكْ) في كِتَابِهِ " الْمُحَدِّثِ الْفَاصِلِ "(7) التَّحْديدَ بالسنِّ؛ فصرَّحَ (بأنَّهُ) أي: التَّحْدِيثُ (يَحْسُنُ للخَمسينَا عاماً) أي: بَعْدَهَا.
(1) في (ص): ((حالة)).
(2)
انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 1/ 323 عقب (717).
(3)
سنن أَبي داود (3658).
(4)
ورواه أحمد 2/ 263، وابن ماجه (266)، وابن حبان (95)، والطبراني في الأوسط (2311)
و (3346) و (3553)، وفي الصغير (160) و (315) و (452)، والحاكم 1/ 101، وابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 4 - 5، والبغوي في شرح السنة (140) من طريق أَبي هريرة. وانظر: كلام أبي عبد الله الحاكم على هذا الحديث بعد تخريجه في مستدركه1/ 101، وتعليق الشّيخ شعيب على هذا الحديث
(5)
في جميع النسخ الخطية: ((من))، وما أثبتناه من (م) وهو الموافق لما في معرفة أنواع علم الحديث.
(6)
انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 401
(7)
352 (287).
وَقَالَ: ((إنَّهُ الَّذِي يَحسنُ عِنْدِي من (1) طريقِ الأثرِ، والنَّظَرِ؛ لأنَّها انتهاءُ الكهولةِ، وَفِيْهَا مجتمعُ الأشُدِّ)) (2).
قَالَ: (ولا بأسَ) بِهِ (لأربعينَا) عَاماً، أي: بَعْدَهَا. ((فَليسَ ذَلِكَ بِمُسْتَنْكَرٍ، لأنَّها حدُّ الاستواءِ، ومنتهى الكمالِ)) (3).
(ورُدَّ) أي: رَدَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِياضٌ ما قَالَهُ بأنَّ اسْتحسانَهُ هَذَا، لا تقومُ لَهُ حجةٌ بِمَا قَالَهُ.
قَالَ: ((وَكَم مِنَ السَّلَفِ الْمُتَقدمينَ، فمَنْ (4) بَعْدَهُم مِنَ الْمُحَدِّثِيْنَ مَنْ لَمْ ينْتَهِ إِلَى هَذَا السنِّ، وَقَدْ نَشَرَ مِن العِلمِ، وَالْحَدِيْثِ مَا لا يُحْصَى، هَذَا عمرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ تُوفِي وَلَمْ يُكْمِلِ الأرْبَعينَ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ لَمْ يبلغِ الْخَمْسينَ، وكذا إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ.
وهذا مَالِكٌ قَدْ جَلَسَ للناسِ ابنُ نَيِّفٍ وعشرينَ سَنة - وَقِيْلَ: ابنُ سبعَ عشرةَ - والناسُ متوافرونَ، وشُيوخُه - ربيعةُ، وابنُ شِهابٍ، وابنُ هُرْمُز، ونافِعٌ، وابنُ الْمُنْكَدرِ، وغيرُهُمْ - أحياءٌ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ ابنُ شِهابٍ حَدِيْثَ الْفُرَيْعَة أختِ أَبِي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ.
ثُمَّ قَالَ: وكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ قَدْ أُخِذَ عَنْهُ العلمُ في سنِّ الْحَداثَةِ، وانتصَبَ لِذَلِكَ في (5) آخرينَ مِنَ الأئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ (6) والْمُتأخِّرِيْنَ)) (7).
(و) لَكِنْ (الشَّيْخُ) ابنُ الصَّلَاحِ حَملَ كلامَ ابنِ خَلاّدٍ عَلَى محمَلٍ صَحِيْحٍ، حَيْثُ (بِغيرِ البارعِ) أي: الفائِقِ لأصْحابِهِ في العِلمِ، وغيرِهِ (خَصَّصَ) كلامَهُ.
فإنَّهُ قَالَ: ((وما ذكرَهُ ابنُ خلاّدٍ مَحْمُولٌ عَلَى أنَّهُ قَالَهُ فِيْمَنْ تَصَدَّى لِلتَّحْديثِ ابْتِدَاءً مِنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ براعةٍ في العلْمِ تعجَّلَتْ لَهُ قَبْلَ السِّنِّ الَّذِي ذكرَهُ، فهذا إنَّما يَنْبَغِي
(1) في (م): ((عن)).
(2)
انظر: المحدّث الفاصل: 352 (287).
(3)
انظر: المحدّث الفاصل: 352 (287).
(4)
كذا في جميع النسخ الخطية، وفي الإلماع:((ومن)).
(5)
((في)) هنا للمصاحبة بمعنى ((مَعَ)). مغني اللبيب 1/ 223.
(6)
في (م): ((المتقديمن)).
(7)
الإلماع: 200 - 204، وانظر: معرفة أنواع علم الْحَدِيْث: 403.
لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ استيفاءِ السِّنِّ الْمَذْكُورِ، فإنَّهُ مِظَنَّةٌ للاحتياجِ إِلَى مَا عِنْدَهُ.
(لَا كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيْ) وسائِرِ مَنْ ذَكَرَهُم الْقَاضِي عِيَاضُ، مِمَّنْ حَدَّثَ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أنَّ ذَلِكَ لبَرَاعةٍ مِنْهُمْ في العِلْمِ تَقَدَّمَتْ، ظَهَرَ لَهُمْ مَعَهَا الاحْتِياجُ إِلَيْهِمْ، فَحَدَّثُوْا قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ لأنَّهُمْ سُئِلُوا ذَلِكَ إمَّا بصريحِ السُّؤَالِ، وإمَّا بقرينةِ الْحَالِ)). انتهى (1).
فوقتُ التَّحْدِيثِ دائِرٌ بَيْنَ وقتِ الْحَاجَةِ، وسنٍّ مَخْصُوصٍ.
وأما الوَقتُ الَّذِي يُنْتَهَى إِلَيْهِ، فَقَدِ اختُلِفَ فِيْهِ أَيْضاً، وَقَدْ أَخَذَ في بَيَانِهِ، فَقَالَ:
691 -
وَيَنْبَغِي الإِْمْسَاكُ إِذْ يُخْشَى الْهَرَمْ
…
وَبالْثَمَانِيْنَ ابْنُ خَلَاّدٍ جَزَمْ
692 -
فَإِنْ يَكُنْ ثَابِتَ عَقْلٍ لَمْ يُبَلْ
…
كَأَنَسٍ وَمَالِكٍ وَمَنْ فَعَلْ
693 -
وَالْبَغَوِيُّ وَالْهُجَيْمِيْ وَفِئَهْ
…
كَالطَّبَرِيِّ حَدَّثُوْا بَعْدَ الْمِئَهْ
(وَيَنْبَغِي) لَهُ نَدْباً (الإمْساكُ) عَن التَّحْدِيثِ (إِذْ) أي: وقتَ كَوْنِهِ (يُخْشَى الْهَرَمْ) الْمُفضي غَالِباً إِلَى التَّغيُّرِ، وَخوفِ الخَرَفِ، والتَّخْلِيطِ، بِحَيْثُ يروي مَا لَيْسَ مِن حديثِهِ (2).
قَالَ ابنُ الصَّلَاحِ: ((والنَّاسُ فِي السِّنِّ الَّذِي يَحْصَلُ بِهِ الْهَرمُ مُتَفاوِتونَ بِحَسَبِ اختلافِ أحوالِهِم)) (3).
(وبالثَّمَانِينَ) أي: بأحبيةِ الإمْساكِ عَنِ التَّحْدِيثِ عِنْدَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ (ابنُ خَلَاّدٍ) الرَّامَهُرْمُزِيُّ (جَزَمْ)، فَقَالَ:((إِذَا تَنَاهَى العُمرُ بالْمُحَدِّثِ فأعجبُ إليَّ أَنْ يُمْسِكَ في الثَّمَانِينَ، فإنَّهُ حدُّ الْهرمِ. والتَّسبيحُ، والذِّكرُ، وتلاوةُ الْقُرْآنِ، أَوْلَى بأبْناءِ الثَّمَانِيْنَ)).
قَالَ (4): (فإنْ يَكُنْ ثَابِتَ عَقْلٍ)، وَرأيٍ يَعْرِفُ حَدِيْثَهُ، ويقومُ بِهِ، (لَمْ يُبَلْ) أي: لَمْ يُبالِ بِذَلِكَ، بَلْ رجوتُ لَهُ خيراً (5).
(1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 403 بتصرف.
(2)
قال القاضي عياض: ((الحدّ في ترك الشّيخ التحديث التغير، وخوف الخرف)). الإلماع: 204.
(3)
انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 403.
(4)
لم ترد في (ق).
(5)
المحدث الفاصل: 354 (289).
(كَأَنَسٍ) هُوَ ابنُ مَالِكٍ، (وَمَالِكٍ) هُوَ ابنُ أَنَسٍ، (وَمنْ فَعَلْ) ذَلِكَ غَيْرُهُمَا، (وَ) أَبُو القاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ (البَغويُّ، وَ) أَبُو إسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ (الْهُجَيْمِيْ) نسبةً لهُجَيْمِ بنِ عَمْرٍو، (وفئهْ) أي: جَمَاعَةٌ غَيْرُهم، (ك) الْقَاضِي أَبِي الطيبِ (الطَّبريِّ) كُلُّهُمْ (حَدَّثُوْا بَعْدَ الْمِئَهْ)(1).
قَالَ ابنُ الصَّلَاحِ تبعاً لِلْقَاضِي عِيَاضٍ: ((وإنَّمَا كرهَ مَنْ كَرِهَ لأصحابِ الثَّمانينَ التَّحديثَ؛ لأنَّ الغالبَ عَلَى مَنْ بلغَها ضعفُ حالِه، وتغيُّرُ فهمه؛ فَلَا يفطنُ لَهُ إلاّ بَعْدَ أنْ يَخْرَفَ ويخلِّطَ)) (2).
694 -
وَينْبغي إمْسَاكُ الاعْمَى إنْ يَخَفْ
…
وَإِنَّ مَنْ سِيْلَ (3) بِجُزْءٍ قَدْ عَرَفْ
695 -
رُجْحَانَ رَاوٍ فِيْهِ دَلَّ فَهْوَ حَقّْ
…
وَتَرْكُ تَحْدِيْثٍ بِحَضْرَةِ الأَحَقّْ
696 -
وَبَعْضُهُمْ كَرِهَ الاخْذَ عَنْهُ
…
بِبَلَدٍ وَفِيْهِ أَوْلَى مِنْهُ
(1) انظر: الإلماع: 204 - 207.
قال الزركشي: ((وظاهره أنه وقع ذلك لغيرهم، وقد رأيت في فوائد رحلة المصنف بخطه: أخبرني بنيسابور الشّيخ أبو الحسن بن محمّد الطوسي بقراءتي عليه، عن الحافظ أبي سعد عبد الكريم بن محمّد السمعاني المروزي رحمه الله تعالى قال: لا يعرف في الإسلام محدّث حدّث بعد استيفاء مئة إلا أبو القاسم البغوي وأبو إسحاق الهجيمي وأبو الطيب الطبري.
قال الشّيخ أبو عمرو: قلت: هذا الحصر مردود، فهذا الحسن بن عرفة عاش مئة وعشراً وكتب عنه خمسة قرون، وسماع إسماعيل الصفار منه - بمقتضى سنه - لا يكون إلا بَعْدَ المئة من سن الحسن، وأما قول ابن خلاد في كتابه: لا يعرف رجل في الإسلام حدّث بعد استيفائه مئة سنة إلا أبو إسحاق الهجيمي.
فإنا لا نستدرك عليه؛ وذلك أنه أراد من حدّث بعد المئة ولم يحدّث قبلها، وذلك لا يعرف لغير الهجيمي فإنه آلى إلا يحدث بعد المئة إن يستوفي المئة فتم له ذلك، ولم يشاركه في ذلك البغوي والطبري وغيرهما)). نكت الزركشي 3/ 638 - 639. وانظر: المنتظم 7/ 23.
(2)
انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 403.
قال الحافظ ابن كثير: ((إذا كان الاعتماد على حفظ الشّيخ الرّاوي، فينبغي الاحتراز من اختلاطه إذا طعن في السن. وأما إذا كان الاعتماد على حفظ غيره وخطه وضبطه، فهاهنا كلما كان السن عالياً كان الناس أرغب في السّماع عليه)). اختصار علوم الحديث 2/ 425.
(3)
بكسر السين وتسهيل الهمزة؛ لضرورة الوزن، وسينبه الشارح عليه.
697 -
وَلَا تَقُمْ لأَحَدٍ وَأَقْبِلِ
…
عَلَيْهِمِ وَلِلْحَدِيْثِ رَتِّلِ
698 -
وَاحْمَدْ وَصَلِّ مَعْ سَلَامٍ وَدُعَا
…
فِي بَدْءِ مَجْلِسٍ وَخَتْمِهِ مَعَا
(وَيَنْبَغِي) نَدْباً أَيْضاً (1)(إمْسَاكُ الاعْمَى (2)) بالدرجِ - عَن التَّحْدِيثِ (إنْ يَخَفْ) أَنْ يدخلَ عَلَيْهِ في حَدِيْثِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ.
(وإنَّ مَنْ سِيْلَ)(3) - بكسر السينِ، وتَخْفِيْفِ الْهَمْزَة -، أي: وينبغي لِمَنْ سُئِلَ في أَنْ يحدِّثَ (بِجُزْءٍ)، أَوْ نَحْوِهِ، و (قَدْ عَرَفْ رُجْحَانَ راوٍ) مِنْ مُعَاصِريهِ (فِيْهِ)، لكونِهِ أَعْلى سَنداً مِنْهُ فِيْهِ، أَوْ متصلَ السَّمَاعِ بالنِّسْبةِ إِلَيْهِ، أَوْ لغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُرجِّحَاتِ، (دَلَّ) أي: يدلُّ السَّائِلُ (4) لَهُ عَلَيْهِ ليَأْخُذَهُ عَنْهُ. (فَهْوَ) أي: إرْشَادُهُ بالدَّلالةِ عَلَى ذَلِكَ (حَقّْ)، وَنَصيحةٌ في العِلْمِ؛ لأنَّ الراجِحَ عَلَيْهِ أحقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، وَقَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ واحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وغيرِهِم.
قَالَ شُرَيْحُ بنُ هانِئ: ((سَأَلْتُ عائِشَةَ - رضيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا - عَن الْمَسْحِ - يعني عَلَى الْخُفَّيْنِ - فَقَالَتْ: إيتِ عَلِيّاً؛ فإنَّهُ أعلمُ بِذَلِكَ مِنِّي)) (5).
(وَ) يَنْبَغِي نَدْباً للمحدِّثِ أَيْضاً (تَرْكُ تَحْديثٍ بِحَضْرةِ الأحقّْ)، أي: مَنْ هُوَ أحقُّ مِنْهُ بالتَّحْديثِ، فَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ إِذَا اجتمعَ مَعَ الشَّعْبِيِّ، لَمْ يتكلم إِبْرَاهِيْمُ بِشيْءٍ (6).
(1) لم ترد في (ق).
(2)
في (م): ((الأعمى)) بإثبات الهمزة، ولم يفطن لقول الشارح.
(3)
في (م): ((سئل)).
(4)
في (ص): ((السّامع)).
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (1866)، وأحمد 1/ 113، ومسلم 1/ 160 (276)(85)، والنسائي 1/ 84، وأبو يعلى (264)، وابن خزيمة (194)، وأبو عوانة 1/ 261 - 262 و 262، والبيهقي 1/ 272 و 275، والبغوي (238) كلهم من طريق أبي معاوية الضرير، عن الأعمش، عن الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ به، وفي رواية ابن أبي شيبة من طريق معاوية، عن الأعمش، عن القاسم، عن شريح، به ولم يذكر (الحكم).
(6)
انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 1/ 320.
(وبعضُهُمْ كَرِهَ الاخذَ (1)) بالدرجِ (عَنْهُ بِبَلَدٍ، وَفِيْهِ) مَنْ هُوَ (أَوْلَى) بِهِ (مِنْهُ)، لسنِّهِ، أَوْ عِلْمِهِ، أَوْ غيرِهِ.
فَقَدْ قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْن: ((الَّذِي يُحَدِّثُ ببلدةٍ، وفيها أولى بالتَّحديْثِ مِنْهُ أحْمَقٌ (2) وأنا إِذَا حدَّثْتُ ببلدٍ فِيْهِ مثلُ أَبِي مُسْهِر، فيجبُ لِلِحيَتِي أَنْ تُحْلَقَ)) (3).
(وَلَا تَقُمْ) نَدْباً إِذَا كُنْتَ بِمَجْلِسِ التَّحْديثِ، ولا القارِئ أَيْضاً (لأَحَدٍ) إكْراماً لِلْحَدِيْثِ. وَعَنْ الْفَقيهِ أَبِي زيدٍ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ الْمَرْوَزِيِّ، أنَّهُ قَالَ:
((القارِئُ لِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا قامَ لأحدٍ كُتِبَتْ عَلَيْهِ خطيئَةٌ)) (4).
(1) في (م): ((الأخذ)) بإثبات الهمزة.
(2)
لم ترد في (ق).
(3)
رواه الخطيب في الجامع 1/ 319 (701).
قال الزركشي في نكته 3/ 642: ((سئل ابن المبارك وسفيان بن عيينة حاضر، فقال: نهينا أن نتكلم عند أكابرنا. قلت: إلا بإذنه. وقد بوّب ابن عبد البر باباً في فتوى الصغير بين يدي الكبير بإذنه، واستشهد بحديث معاذ لما أراد النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن، قال: دعا أبا بكر وعمر وقال: أشيروا عليّ فيما آخذ من اليمن، قالا: يا رسول الله قد نهى الله أن يتقدم بين يدي الله ورسوله، فكيف نقول وأنت حاضر؟ فَقَالَ رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكما فلم تتقدما بَيْن يدي الله ورسوله.
قال عبد الرحمان بن غنم: فقلت لمعاذ: فللرجل العالم أن يقول ومن معه عداده من الناس في الأمر لابد منه، قال: إن شاء قال وإن شاء أمسك حتّى يكفيه أصحابه وذلك أحب إلي، قال أبو عمر: هذا حديث لا يحتج بمثله لضعف إسناده، ولكنه حديث حسن نقله الناس)). وانظر: جامع بيان العلم وفضله 1/ 120 - 121.
وللعلامة ابن دقيق العيد تقييد حسن لهذا الإطلاق، فقال: ((ولابد أن يكون ذلك مشروطاً بأن لا يعارض هذا الأدب ما هو مصلحة راجحة عليه. ومن الآداب المذكورة: أنه إذا التمس منه ما يعلمه عند غيره بإسنادٍ أعلى من إسناده، أو أرجح من وجهٍ آخر، أن يعلم الطّالب به ويرشده إليه نصحاً. وهذا أيضاً يفصل الحال فيه:
وينبغي أن يكون عند الاستواء فيما عدا الصفة المرجحة، أما مع التفاوت: بأن يكون الأعلى إسناداً عامياً لا معرفة له بالصنعة، والأنزل إسناداً عارفاً ضابطاً، فهذا يتوقف فيه بالنسبة إلى الإرشاد المذكور؛ لأنّه قد يكون في الرّواية عن هذا الشخص العامي ما يوجب خللاً)). الاقتراح: 270 - 271.
(4)
نقله ابن الصّلاح. انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 406، وفتح المغيث 2/ 292 - 293.
(وَ) لَا تخُصَّ أحداً مِمَّنْ تُحدِّثُهم بإقبالِكَ عَلَيْهِ، بَلْ (أَقْبِلِ عَلَيْهِمِ) - بكسرِ الميم - جَمِيعاً نَدباً، لِقَوْلِ حبيبِ بنِ أَبِي ثابتٍ:((إنَّهُ من السُّنَّةِ)) (1).
(ولِلحَدِيْثِ رَتِّلِ) نَدْباً، ولا تسرُدْهُ سَرْداً يَمْنعُ السَّامِعَ مِن إدْرَاكِ بَعْضِهِ، فَفِي
" الصَّحِيْحَيْنِ "(2) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا: ((لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُسْرِدُ الْحَدِيْثَ كَسَرْدِكُمْ)) (3). زادَ التِّرْمِذِيُّ: ((وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ بَيِّنٍ فَصْلٍ يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ))، قَالَ: إنَّهُ حَسَنٌ صَحِيْحٌ (4).
ولا تُطِلِ الْمَجْلِسَ، بَلْ اجْعَلْهُ مُتوسِّطاً، حَذَراً من سآمَةِ السَّامِعِ وَمَللِهِ، إلا إنْ علمتَ أن الْحَاضِرينَ لا يتبرمون بطولِهِ.
فَقَدْ قَالَ الزُّهْرِيُّ وغيرُهُ: ((إِذَا طالَ الْمَجْلِسُ كَانَ لِلشَّيْطَانِ فِيْهِ نَصِيبٌ)) (5).
(واحْمَدْ) رَبَّكَ تَعَالَى، (وَصَلِّ مَعْ سَلامٍ) عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، (وَ) مَعَ (دُعَا)(6) يَلِيقُ بِالْحَالِ (في بدء) كُلِّ (مَجْلِسٍ وَ) في (خَتْمِهِ مَعَا)، فكُلُّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ.
كأنْ يَقُوْلَ (7): ((الْحَمْدُ للهِ حَمْداً كَثِيْراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيْهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا
(1) رواه الْخطيب في الجامع 1/ 305 (685) و 1/ 411 (981).
(2)
قلّد المصنف هنا الحافظ العراقي، فإنّه عبر بنفس كلامه هنا، وقول المصنف هذا فيه إيهام أن البخاري أخرج الحديث موصولاً، وليس الأمر كذلك؛ إنما أخرجه البخاري تعليقاً 4/ 231 (3567)، قال الليث: حدَّثني يونس، عن ابن شهاب أنّه قال: أخبرني عُروة بن الزبير، عن عائشة
…
، وانظر: تحفة الأشراف 12/ 105 (16698)، فقد نص على أنَّه معلق عند البخاري.
(3)
أخرجه الحميدي (247)، وأحمد 6/ 118 و 138 و 157 و 257، والبخاري 4/ 231 (3567 معلقاً)، ومسلم 7/ 167 (2493)، وأبو داود (3654) و (3655) و (4839)، وفي الشمائل (223)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (413)، وأبو يعلى (4393) و (4677)، وابن حبان (7153) من حديث عروة عن عائشة.
(4)
الترمِذي (3639).
(5)
رواه الخطيب في الجامع 2/ 128 (1385)، وانظر: أدب الإملاء والاستملاء: 68.
(6)
في (م): ((ودعاء)).
(7)
في (ع) و (م): ((تقول)).
وَيَرْضَى اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيْمَ فِيْ الْعَالَمِينَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، كُلَّمَا ذَكَرَكَ الذَّاكِرُونَ، وكُلَّمَا غَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ الْغَافِلُونَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ، وآلِ كُلٍّ، وَسَائِرِ الصَّالِحِيْنَ، نَهَايَةَ مَا يَنْبَغِي أنْ يَسْأَلَهُ السَّائِلُوْنَ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا استَعَاذَ (1) مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم)) (2).
699 -
وَاعْقِدْ لِلاِمْلَا مَجْلِساً فَذَاكَ مِنْ
…
أَرْفَعِ الاسْمَاعِ وَالَاخْذِ (3) ثُمَّ إِنْ
700 -
تَكْثُرْ (4) جُمُوْعٌ فَاتَّخِذْ مُسْتَمْلِيَا
…
مُحَصِّلاً ذَا يَقْظَةٍ مُسْتَوِيَا
701 -
بِعَالٍ اوْ فَقَائِماً يَتْبَعُ ما
…
يَسْمَعُهُ مُبَلِّغاً أَوْ مُفْهِمَا
702 -
واسْتَحْسَنُوْا الْبَدْءَ بِقَارئ تَلَا
…
وَبَعْدَهُ اسْتَنْصَتَ ثُمَّ بَسْمَلَا
703 -
فَالْحَمْدُ فَالصَّلَاةُ ثُمَّ أَقْبَلْ
…
يَقُوْلُ: مَنْ أَوْمَا ذَكَرْتَ وَابَتهَلْ
704 -
لَهُ وَصَلَّى وَتَرَضَّى رَافِعا
…
وَالشَّيْخُ تَرْجَمَ الشُّيُوْخَ وَدَعَا
(واعْقِدْ) نَدْباً، إنْ كُنْتَ محدِّثاً عَارِفاً، (للاِمْلا) - بالدرجِ، والقَصْرِ للوزنِ - في الْحَدِيْثِ (مَجْلِساً) مِنْ حِفْظِكَ، أَوْ كتابِكَ، والْحِفْظُ أشْرَفُ.
(فَذَاكَ) أي: الإمْلَاءُ (منْ أرفعِ) وجوهِ (الاسْماعِ) - بالدرجِ - من الْمُحَدِّثِ (والاخذِ)(5) -بالدرجِ- للطَّالِبِ، بَلْ هُوَ أرْفعُهَا، كَمَا مَرَّ بيانُهُ في أَوَّلِ أقسامُ التَّحَمُّلِ. وَمِن فَوَائِدِه: اعتِنَاءُ الرَّاوِي بطُرُقِ الْحَدِيْثِ، وَشَواهِدِهِ، وَمُتَابعاتِهِ.
(1) في (ع): ((استعاذك)).
(2)
قال الزركشي معقّبا على هذا الكلام: ((اعلم أنّ المأثور في التحميد والصلاة أفضل من هذا، وقد ورد في التحميد سنن مشهورة فينبغي اتباعها، وكذلك تتبع السنة الصحيحة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نبّه على هذا النووي -رحمه الله تعالى-)). نكت الزركشي3/ 646، وانظر: روضة الطالبين 11/ 65 - 66.
(3)
بدرج همزة (الإسماع) و (الأخذ) على التوالي؛ لضرورة الوزن.
(4)
في (أ): ((يكثر)).
(5)
في (م): ((والأخذ)) بإثبات الهمزة، ولم يفقه الناشر قول الشارح.
(ثُمَّ إنْ تَكْثُرْ جُمُوعٌ) مِنَ الْحَاضِرينَ (فاتَّخِذْ) وجوباً (مُسْتَمليا) يتَلَقَّنُ مِنْكَ للاحْتِياجِ إِلَيْهِ، بِخِلافِ مَا إِذَا قَلَّتْ، (مُحصِّلاً ذا يَقْظَةٍ) -بإسْكانِ القَافِ للوزنِ-، أي: مُتَيَقِّظاً بارِعاً في الفَنِّ اقتداءً بأئِمَّةِ الْحَدِيْثِ، كمالِكٍ، وشُعْبَةَ، ووكيعٍ، وأبِي عاصمٍ (1).
وروى أَبُو داودَ وغيرُهُ من حَدِيْثِ رافِعِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ:((رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ (2) بِمِنَى حِيْنَ ارْتَفَعَ الضُّحَى عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ وَعَليٌّ رضي الله عنه يُعَبِّرُ عَنْهُ)) (3).
فإنْ تَكَاثرَ الْجَمْعُ، بِحَيثُ لا يَكْفِي واحِدٌ فَزِدْ بِحسبِ الْحَاجَةِ، فَقَدْ أمْلَى أَبُو مُسْلِم الكَجِّيُّ في ((رَحْبَةِ غَسَّانَ)) (4)، وَكَانَ في مَجْلِسِهِ سبعةُ مُسْتَمْلِينَ، يُبَلِّغُ كُلٌّ مِنْهُمْ صاحبَهُ الَّذِي يَلِيهِ (5).
وَخَرَجَ بالْمتيقِّظِ: الْمغَفَّلُ كمستَمْلِي يَزيدَ بنِ هَارُونَ، حَيْثُ قَالَ لَهُ يَزيدُ: حَدَّثَنَا عِدَّةٌ. فَقَالَ: عدَّةُ ابنُ مَنْ؟ فَقَالَ لَهُ يَزِيْدُ: عدةُ ابنُ فقدتُّكَ (6).
ويندبُ أنْ يَكُوْنَ جَهُوْرِيَّ الصَّوْتِ، (مُسْتَوِيا) أي: جالِساً (بـ) مكَانٍ (عَالٍ)، كَكُرْسيٍّ (7)، (اوْ)(8) -بالدرجِ- (فَقَائِماً) -عَلَى قَدَمَيْهِ- كابنِ عُلَيَّةَ، بِمَجْلِسِ
(1) انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 55 - 56.
(2)
ساقطة من (م).
(3)
أخرجه أبو داود (1956)، والنسائي في الكبرى (4094) كلاهما عن مروان، عن هلال بن عامر المزني، قال حدّثني رافع بن عمرو المزني، به.
(4)
رحبة: - بالفتح - الموضع المتسع بين أفنية البيوت. قال في المراصد 2/ 608: ((والرحاب كثيرة)). والذي يظهر أن هذا الموضع ساحة عامة تنسب إلى رجلٍ يدعى غسان، ولم نتحقق موضعها الآن.
(5)
انظر: تاريخ بغداد 6/ 121 - 122، والجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 53 (1160)، وأدب الإملاء والاستملاء:96.
(6)
الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 66 - 67 (1201)، وأدب الإملاء والاستملاء: 89 - 90. واسم هذا المستملي: بربخ.
(7)
قيّد ابن السمعاني ذلك بما إذا كثر عدد من يحضر السماع، وكانوا بحيث لا يرون وجه المستملي، فيستحب أن يجلس على منبر أو غيره حتّى ترى الجماعة وجهه ويبلغهم صوته. وانظر: أدب الإملاء: 50، ونكت الزركشي 3/ 650.
(8)
في (م): ((أَوْ)) بإثبات الهمزة، وهو ذهول.
مَالِكٍ (1) وآدمِ بنِ أَبِي إياسٍ، بِمَجْلِسِ شُعْبَةَ (2) تَعْظِيماً لِلْحَدِيْثِ، ولأنَّ ذَلِكَ أبلغُ لِلسَّامِعينَ.
(يتْبَعُ) الْمُسْتَمْلِي (مَا يَسْمَعُهُ) مِنْكَ، وَيوردُهُ عَلَى وَجْهِهِ مِن غَيْرِ تغيُّرٍ (مُبَلِّغاً) بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يَبْلغْهُ لفظُ الْمُمْلِي، (أَوْ مُفْهِمَا) بِهِ مَنْ يبلغُهُ عَلَى بُعْدٍ، وَلَمْ يَتَفَهَّمْهُ فيتوصَّلُ بِصَوتٍ الْمُسْتَمْلِي إِلَى تَفَهُّمِهِ، وتَحَقُّقِهِ (3). وَقَدْ تَقَدمَ بيانُ حُكْمِ مَنْ يَسْمَع إلا مِنَ الْمُسْتَمْلِي.
(واسْتَحْسَنُوا) أي: الْمُحَدِّثُوْنَ مِمَّنْ تَصَدَّى للإملاءِ، أَوْ التَّحْدِيثِ (البَدْءَ) أي: الابتداءَ في مَجْلِسِهِ (بِقارِئِ تَلَا) أي: بقراءةِ قَارِئٍ مِنَ الْمُسْتَمْلِي، أَوْ الْمُمْلِي، أَوْ غَيْرِهِما مِنَ الْحَاضِرِينَ شَيْئاً مِنَ الْقُرْآنِ (4).
فَقَدْ كَانَتِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم، إِذَا قَعَدُوا يَتَذاكَرُونَ في الْعِلْمِ يأمرُونَ رَجُلاً أَنْ يَقْرأ سُوْرَةً (5)، واختارَ شَيْخُنَا تَبَعاً لِلنَّاظِمِ أَنْ تَكُونَ (6) سورةَ ((الأعلَى))، لِمُناسَبَةِ
{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} (7).
(وبَعْدَهُ) أي: بَعْدَ (8) الفَرَاغِ مِن التِّلاوَةِ (اسْتَنْصَتَ) أي: الْمُسْتَمْلِي، أَوْ الْمُمْلِي، أَوْ غيرهما إن احْتِيجَ للاسْتِنْصَاتِ اقتداءً بِمَا في " الصَّحِيْحَيْنِ " من قولِهِ صلى الله عليه وسلم لِجَريرٍ في حجَّةِ الوَدَاعِ:((اسْتَنْصِتِ النَّاسَ)) (9).
(1) انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 66 (1200)، وأدب الإملاء والاستملاء: 88 - 89.
(2)
انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 56 (1155)، وأدب الإملاء والاستملاء:15.
(3)
قال الزركشي: ((عبارة الخطيب: ويستحب له ألا يخالف، وكذا قال ابن السمعاني في أدب الإملاء، ثُمَّ صرّح بالوجوب فقال: ويستحب للمستملي ألا يخالف لفظ المملي في التبليغ عنه، بل يلزمه ذلك، خاصة إذا كان الراوي من أهل الدراية والمعرفة بأحكام الرواية)). نكت الزركشي 3/ 650، وانظر: الجامع لأخلاق الراوي 2/ 67، وأدب الإملاء:105.
(4)
انظر: أدب الإملاء والاستملاء: 98. وقال الخطيب: سورة من القرآن. انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 68 عقب (1206).
(5)
انظر: الفقيه والمتفقه 2/ 127، والجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 68 (1207).
(6)
في (م): ((يكون)).
(7)
الأعلى: 6.
(8)
لم ترد في (م).
(9)
صحيح البخاري 1/ 41 (121) و 5/ 224 (4405) و 9/ 3 (6869) و 63 (7080) وصحيح مسلم 1/ 58 (65). وأخرجه الطيالسي (664)، وابن أبي شيبة (37164)، وأحمد= =4/ 385 و 363 و 366، والدارمي (1927)، وابن ماجة (3942)، والنسائي 7/ 127 و 128 وفي الكبرى (5882)، والطحاوي في شرح المشكل (2496)، وابن حبان (5949)، والطبراني في الكبير (2277)(2402)، وابن مندة في الإيمان (657)، والبغوي (2550).
(ثُمَّ) بَعْدَ إنصاتِهِمْ (بسمَلَا) أي: الْمُسْتَمْلِي، أي: قَالَ: ((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيْمِ)) أَوَّلاً (فَالْحَمْدُ) للهِ، (فالصَّلاةُ) والسَّلامُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم (1) لِخَبَرِ:((كُلُّ أمْرٍ ذِيْ بَالٍ، لَمْ يُبْدَأْ فِيْهِ بِبِسْمِ اللهِ. وفِي رِوَايَةٍ: بِحَمْدِ اللهِ وفي رِوَايَةٍ: وَالصَّلَاةِ عَلَيَّ -، فَهُوَ أقطعُ)) (2).
فَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلاثَةِ استعمالُ الرِّوَاياتِ الثَّلاثِ.
(ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (أَقبَلْ) أي: الْمُسْتَمْلِي عَلَى الْمُمْلِي (يَقُوْلُ) أي: قائِلاً لَهُ: (مَن) ذكرتَ، أَوْ مَن (3) حَدَّثَكَ مِنَ الشُّيُوخِ، (أَوْ مَا ذكرتَ) من الأحاديثِ؟
(وابتهَلْ) أي: دَعَا (لَهُ) مَع ذَلِكَ بقولِهِ: رَحِمَكَ اللهُ، أَوْ أصْلَحَكَ اللهُ (4) أَوْ غفَرَ اللهُ لَكَ، أَوْ نَحوَهُ (5).
(1) ينظر الجامع لأخلاق الرواي 2/ 69، وأدب الإملاء:98.
(2)
أخرجه أحمد 2/ 358، وأبو داود (4840)، وابن ماجه (1894)، والنسائي في الكبرى (10328)، وفي عمل اليوم والليلة (494)، وابن حبان (1) و (2)، والدارقطني 1/ 229، والبيهقي في الكبرى 3/ 208 - 209.
كلهم من طريق قرة بن عبد الرحمان عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، مرفوعاً موصولاً به.
وقد خالف قرة في هذا الحديث أصحاب الزهري (يونس، وعقيل، وشعيب، وسعيد بن عبد العزيز، والحسن بن عمر)) الّذين رووه عن الزهري مرسلاً.
أخرجه النسائي هكذا في عمل اليوم والليلة (495) و (496) و (497)، ورجح الدارقطني في السنن 1/ 229 وفي علله 8/ 30 الرّواية المرسلة على الموصولة.
وانظر: تخريجاً موسعاً كتبه الشّيخ شعيب في تعليقه على مسند الإمام احمد14/ 329 - 331 (8712)، وضعيف ابن ماجة للألباني (415)، وإرواء الغليل (2).
(3)
لفظ الجلالة لم يرد في (م).
(4)
ساقطة من (م).
(5)
روي عن يحيى بن أكثم، قال:((نلت القضاء، وقضاء القضاة، والوزارة، وكذا، وكذا. ما سررت بشيء مثل قول المستملي: من ذكرت رحمك الله)). انظر: الجامع 2/ 71 (1215)، وأدب الإملاء:104.
(وَ) إِذَا انْتَهَى تَبَعاً لِلْمُمْلِي إِلَى ذكرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم من الإسنادِ (صَلّى)، وسلمَ عَلَيْهِ نَدْباً، وإنْ تكرَّرَ ذَلِكَ.
(وَ) كَذَا إِذَا انْتَهَى إِلَى ذِكرِ أحدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم (تَرَضَّى) عَنْهُ (رَافِعا) صَوْتَهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ، فإنْ كَانَ ذَلِكَ (1) الصَّحَابِيُّ أبُوه صَحَابِيٌّ، أَوْ أبُوهُ وجدُّهُ صَحَابِيانِ، وذَكَرَ الْجَمِيْعَ، قَالَ: رضي الله عنهما، أَوْ عَنْهُمْ.
وَيندبُ أَيْضاً التَّرَضِّي، والتَّرَحُّمُ عَلَى الأئِمَّةِ، فَقَدْ قَالَ القَارِئُ لِلرَّبِيعِ بنِ سُلَيْمَانَ يَوْماً: حَدَّثَكُمْ الشَّافِعِيُّ، وَلَمْ يَقُلْ: رضي الله عنه، فَقَالَ الرَّبِيعُ:((وَلَا حَرفٌ، حَتَّى يُقالَ: رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ)) (2).
(والشَّيْخُ) الْمُمْلِي (تَرْجَمَ الشُّيُوخَ) الَّذِيْنَ رَوَى عَنْهُمْ بِذكرِ بَعْضِ أوْصَافِهِم الْجَمِيلَةِ، (وَدَعَا) لَهُمْ بالْمَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ، وَنَحْوِهِما (3).
لأنَّهُمْ آباؤُهُ في الدِّينِ، وَهُوَ مَأمُورٌ بالدُّعَاءِ لَهُمْ، وبِبِرِّهِم،
وذِكْرِ مَآثِرِهِم والثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، كأنْ يَقُوْلَ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ، أَوْ الأَمينُ، أَوْ الْحَبِيبُ الأمينُ، أَوْ الْحَافِظُ فُلَانٌ، أَوْ حَدَّثَنِي فُلَانٌ، وَكَانَ مِن مَعَادِنِ الصِّدْقِ، ثُمَّ يَسُوقُ سَنَدَهُ (4).
705 -
وَذِكْرُ مَعْرُوْفٍ بِشَيءٍ مِنْ لَقَبْ
…
كَغُنْدَرٍ أَوْ وَصْفِ نَقْصٍ أَوْ نَسَبْ
706 -
لأُمِّهِ فَجَائِزٌ مَا لَمْ يَكُنْ
…
يَكْرَهُهُ كَابْنِ عُلَيَّةٍ (5) فَصُنْ
707 -
وَارْوِ فِي الاِمْلَا عَنْ شُيُوْخِ قَدِّمِ
…
أَوْلَاهُمُ (6) وَانْتَقِهِ وَأَفْهِمِ
(1) في (م) و (ص): ((ذاك)).
(2)
انظر: الجامع 2/ 106 - 107 (1316)، وأدب الإملاء:63.
(3)
لم ترد في (ص).
(4)
انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 85 - 87 (1245) و (1246) و (1247) و (1248) و (1250) و (1254).
(5)
الأصل عدمُ صرفه، والوجهان جائز وزناً، غير أنّ النَّاظِم اختار صرفه؛ بالمراعاة كراهة العرب توالي ثلاثة متحركات.
(6)
في (ج): ((أعلاهم))، ويجب في كلتا الحالتين إشباع حركة الميم؛ لضرورة الوزن.
708 -
مَا فِيْهِ مِنْ فَائِدَةٍ وَلَا تَزِدْ
…
عَنْ كُلِّ شَيْخٍ فَوْقَ مَتْنٍ وَاعْتَمِدْ
709 -
عَالِيَ إِسْنَادٍ (1) قَصِيْرَ مَتْنِ
…
وَاجْتَنِبِ الْمُشْكِلَ خَوْفَ الْفَتْنِ
(وَ) أما (ذِكْرُ) راوٍ (مَعْرُوْفٍ بِشَيْءٍ مِنْ لَقَبْ) اشتُهرَ بِهِ، (كَغُنْدَرٍ) لِمُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ وغيرِهِ، مِمَّا يَأْتِي في بَابِ الألْقَابِ. (أَوْ) من (وَصْفِ نَقْصٍ)، كَالْحَولِ لِعَاصِمٍ، والشللِ لْمَنْصُورٍ، والْعَرجِ لعبدِ الرَّحْمَانِ بنِ هُرْمُزَ. (أَوْ) من (نَسَبْ لأُمِّهِ) كابنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وابنِ بُحَيْنةَ. (فَجَائِزٌ) لقولِهِ صلى الله عليه وسلم لما سلَّمَ من رَكْعَتينِ مِن صَلاةِ الظُّهْرِ:((أكَمَا يَقُوْلُ ذُوْ الْيَدَيْنِ؟)) (2)؛ ولأنَّ ذَلِكَ إنَّما يذكرُ (3) لِلْبَيانِ والتَّمْييزِ.
هَذَا (مَا لَمْ يَكُنْ) مَنْ يوصفُ بِهِ (يَكْرَهُهُ). أمَّا إِذَا كَانَ يَكْرهُهُ
(كابنِ عُلَيَّةٍ)، والأصمِّ، (فَصُنْ) نَفْسَكَ عَن ارتِكَابِهِ؛ لأنَّهُ حينئذٍ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِقَولِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} (4).
(1) في (ب) و (ج): ((الإسناد)).
(2)
أخرجه أبو داود (1017)، وابن ماجه (1213)، وابن خزيمة (1034). من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر. مرفوعاً به.
ورواه مالك (79)، والحميدي (983)، وأحمد 2/ 37 و 234 و 247 و 284، والدارمي (1504)، والبخاري 1/ 129 (482) و 183 (714) و2/ 86 (1228) و (1229) و 8/ 20 (6051) و 9/ 108 (7250)، ومسلم 2/ 86 (573)(97)(98)، وأبو داود (1008) و (1009) و (1010) و (1011)، وابن ماجه (1214)، والترمذي (394) و (399)، والنسائي 3/ 20 و 22 و 26، وفي الكبرى (486) و (487) و (488) و (1056) و (1057) و (1066) و (1067)، وابن الجارود (243)، وابن خزيمة (860) و (1035) و (1036)، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 444 و 445، وابن حبان (2252) و (2253) و (2254) و (2255)، والبيهقي 2/ 346 و 353 و 354.
كلهم من طرق عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة، به مرفوعاً.
(3)
((إنما يذكر)) لم ترد في (ص).
(4)
الحجرات: 11.
ولأنَّ الإمامَ أَحْمَدَ نَهَى ابنَ مَعيْنٍ، أَنْ يَقُوْلَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، حَيْثُ قَالَ لَهُ: قُلْ إِسْمَاعِيْلَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، فإنَّهُ بَلَغَنِي أنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أنْ ينسَبَ إِلَى أُمِّهِ، وَلَمْ
يخالفْهُ ابنُ مَعِيْنٍ فِيْهِ، بَلْ قَالَ:((قَدْ قبلناهُ مِنْكَ يَا مُعَلمَ الْخَيْرِ)) (1).
قَالَ النَّاظِمُ هُنَا: ((والظَّاهِرُ أنَّ ما قَالَهُ أَحْمَدُ عَلَى طَرِيقِ الأدَبِ، لا اللزومِ)) (2). لكنَّهُ أقرَّ ابن الصَّلَاحِ في "النظم" في بَحْثِ الألْقَابِ عَلَى التَّحْرِيْمِ.
وهذا فيمَنْ عُرفَ بغَيْرِ ذَلِكَ، وإلا فَلَا تَحْريْمَ، ولا كَرَاهَةَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الإمامُ أَحْمَدُ (3).
(وارْوِ) نَدْباً (في الاملا)(4) بالدرجِ والقصرِ (عَنْ شُيُوخِ) رويتَ عَنْهُمْ، ولا تَقْتَصِرْ عَلَى شَيخٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، لأنَّ التَّعدُّدَ أكثرُ فَائِدةً، و (قَدِّمِ) مِنْهُمْ (أَوْلَاهُمُ) سنّاً، أَوْ عُلو إسْناد، ونحوَهُ (5).
(وانْتَقِهِ) أي: الْمَرْوِيَّ بالإمْلاءِ أَيْضاً، أي: ائتِ بخيارِهِ بِحيثُ يَكُوْنُ أنفع، وأعمَّ فَائِدَةً.
وأنْفَعُهُ - كَمَا قَالَ الْخَطِيْبُ - الأحَادِيثُ الْفِقْهيَّةُ (6).
(وأفهِمِ) أَنْتَ، أي: بَيِّنْ نَدْباً لِلسَّامِعِينَ (مَا فِيْهِ مِنْ (7) فَائِدَةٍ) مِن بيانِ مُجْمَلٍ، أَوْ غَرِيبٍ، أَوْ عِلَّةٍ فِيْمَا تُمْلِيهِ (8).
(1) أسنده الخطيب في الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 79 (1237).
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 324.
(3)
انظر: فتح المغيث 2/ 308.
(4)
في (م): ((في الاملاء)) بإثبات الهمزة، وهو ذهول.
(5)
في (ع) و (ص): ((أو نحوه)).
(6)
الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 110 عقب (1327).
(7)
ليست في (ق).
(8)
الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 111 عقب (1329).
ويندبُ أنْ يُنَبِّهَ عَلَى فَضْلِ مَا يَرْوِيهِ، وعلى علوِّ سَنَدِهِ، وثقةِ راوِيهِ، وَمَا انْفَرَدَ عَنْ شيخِهِ بِهِ، وَكونِ الْحَدِيْثِ لا يُوْجَدُ إلاّ عِنْدَهُ (1). (وَلَا تَزِدْ) في إمْلائِكَ (عَنْ كُلِّ شَيْخٍ) مِن شُيوخِكَ (فَوْقَ مَتْنٍ) واحِدٍ، فإنَّهُ أعمُّ منفعَةً.
(واعتمِدْ) فِيْمَا تَرْويهِ (عاليَ إسْنادٍ قَصيرَ مَتْنِ)، لِمَزيدِ الفائدةِ فِيْهِ (2)، (واجْتَنِبِ) في إمْلائِكَ (الْمُشْكِلَ) مِنَ الأحاديثِ التِي لا تَحْتملها (3) عُقُوْلُ الْعَوامِ، كأحَادِيثِ الصِّفَاتِ التِي ظَاهِرُهَا يقتضي التَّشْبيهَ والتَّجْسِيمَ، وإثْبَاتِ الْجَوارِحِ، والأعْضَاءِ للأزليِّ الْقَديْمِ (خَوفَ الْفَتْنِ) - بفتحِ الفاءِ من فَتَنَ -، أي: خوفَ الافتِتَانِ، والضَّلالِ؛ فإن سامعَها لجهلِهِ مَعَانِيهَا، يَحْمِلُها عَلَى ظَاهِرَها، أَوْ يُنْكِرُهَا فيردُّهَا، و (4) يكذِّبُ رواتها (5). وَقَدْ صَحَّ قولُهُ صلى الله عليه وسلم:((كَفَى بِالْمَرْءِ كِذْباً أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)) (6).
وقولُ ابنِ مَسْعُودٍ: ((إنَّ الرَّجُلَ ليحدِّثَ بالْحَدِيْثِ، فَيَسمعُهُ مَنْ لا يَبْلغُ عقلُهُ فهمَ ذَلِكَ الْحَدِيْثِ فَيَكُوْنُ عَلَيْهِ فِتْنَةً)). (7)
وَقَوْلُ الإمَامِ مَالِكٍ: ((شَرُّ العِلْمِ: الغَرِيْبُ، وَخَيْرُ العِلْمِ: الْمَعْرُوْفُ الْمُسْتَقِيمُ)) (8).
وأَمَّا خَبَرُ: ((حَدِّثُوا عَنْ بَنِيْ إِسْرَائِيْلَ وَلَا حَرَجَ)) (9). فَقَالَ بعضُ العُلَمَاءِ إنَّ قَوْلَهُ:
(1) الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 93 عقب (1272)، و 2/ 97 عقب (1283)، و 2/ 102 عقب (1301) و (1302)، و2/ 120 عقب (1360)، و 2/ 122 عقب (1366).
(2)
الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 88 عقب (1258).
(3)
في (م): ((تحملها)).
(4)
في (م): ((أو)).
(5)
الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 107 - 108 عقب (1317).
(6)
الجامع2/ 108 (1319). والحديث أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه1/ 8، وأبو داود (4992).
(7)
رواه مسلم في مقدمة صحيحه 1/ 11 وفيه انقطاع.
(8)
روى نحوه الخطيب في الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 100 (1292).
(9)
تقدم تخريجه من حديث عبد الله بن عمرو وأخرجه الحميدي (1165)، وأحمد 2/ 474 و 502، وأبو داود (3662) من حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
((وَلَا حَرَجَ)) في مَحَلِّ الْحَالِ، أي: حَدِّثُوا عَنْهُمْ حَالَةَ كَوْنِهِ لَا حَرَجَ في التَّحْدِيْثِ عَنْهُمْ (1).
710 -
وَاسْتُحْسِنَ الإِنْشَادُ (2) فِي الأَوَاخِرِ
…
بَعْدَ الْحِكَايَاتِ مَعَ النَّوَادِرِ
711 -
وَإِنْ يُخَرِّجْ لِلرُّوَاةِ مُتْقِنُ
…
مَجَالِسَ الإِمْلَاءِ فَهْوَ حَسَنُ
712 -
وَلَيْسَ بِالإِْمْلاءِ حِيْنَ يَكْمُلُ
…
غِنًى عَنِ الْعَرْضِ لِزَيْغٍ يَحْصُلُ
(واستُحْسِنَ) لِلْمُمْلِي (الإنْشادُ) الْمُبَاحُ الْمُرَقِّقُ لِلْقُلُوبِ (3)(في الأَوَاخِرِ) من مَجَالِسِ الإِمْلَاءِ (بَعْدَ الْحِكَايَاتِ) اللّطِيْفَةِ (مَعَ النَّوادِرِ) الْحَسَنَةِ، وإِنْ كَانَتْ مُنَاسَبةً لْمَا أَمْلَاهُ، فَهُوَ أَحْسَنُ. كُلُّ ذَلِكَ بِإسْنَادِهِ عَلَى عَادَةِ الأئِمَّةِ مِنَ الْمُحَدِّثِيْنَ (4).
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: ((رَوِّحُوا القُلُوبَ، وابْتَغُوا لَهَا طُرَفَ الْحِكْمةِ)) (5).
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ أنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ لأصْحَابِهِ: ((هَاتُوا مِنْ أَشْعَارِكُمْ، هَاتُوا مِنْ حَدِيْثِكُمْ، فَإِنَّ الأُذُنَ مَجَّاجَةٌ، وَالقَلْبُ حَمضٌ)) (6)، أي: مشتهٍ للحمضِ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَإنَّمَا أُخِذَ مِن شَهْوةِ الإبِلِ لِلحمضِ، وَهُوَ ما مَلَحَ وأَمَرَّ من النَّبَاتِ كَالأثلِ وَالطّرفاءِ، لأنَّهَا إِذَا ملَّتَ الْخلةَ، وَهُوَ مِن النَّبَاتِ مَا كَانَ حُلواً، اشْتَهَتِ الْحَمضَ، فتحولَ إليهِ (7).
(1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 328.
(2)
في (ج): ((الاسناد)).
(3)
في (ق): ((للقلب)).
(4)
بوب له الخطيب في الجامع 2/ 129 عقب (1388).
(5)
الجامع 2/ 129 رقم (1389)، وفيه محمد بن حمير مجهول، وقد قال الدارقطني: لا أعرفه. لسان الميزان 5/ 150.
(6)
الجامع 2/ 130 رقم (1392).
(7)
انظر: الصحاح 3/ 1072 (حمض). و ((الأذن مجّاجة)) أي: ((لا تعي ما تسمع، ولكنها تلقيه نسياناً، كما يُمَجُّ الشيء من الضم)). انظر: لسان العرب 3/ 439 (مجج). وانظر: تاج العروس 18/ 302.
ثُمَّ ما مَرَّ مَحلُهُ في الرَّاوِي (1) العَارِفِ غَيْرِ العَاجِزِ. (وإنْ يُخَرِّجْ لِلرُّوَاةِ) الَّذِيْنَ لَيْسُوا أهْلاً لِلْمَعْرِفَةِ بالْحَدِيْثِ، وَعِلَلِهِ، وَاخْتِلَافِ طُرُقِهِ، أَوْ أهْلاً لِذَلِكَ، لَكِنَّهُمْ عَجزوا عَن التَّخْرِيْجِ، وَالتَّفْتِيْشِ، لِكِبَرِ سنٍّ، أَوْ ضعفِ بدنٍ (مُتْقِنُ) مِنْ حُفَّاظِ وَقْتِهِمْ (مَجَالِسَ الإمْلاءِ) التِي يُرِيْدُوْنَ إمْلاءَ هَا قَبْلَ يَوْمِ مَجَالِسِهِمْ، إمَّا بِسُؤَالٍ مِنْهُمْ لَهُ أَوْ ابْتِدَاءً (فَهْوَ حَسَنُ) وَقَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ يَسْتَعِيْنُوْنَ بِمَنْ يُخَرِّجُ لَهُمْ (2).
(وَلَيْسَ بِالإمْلَاءِ حِيْنَ يَكْمُلُ) أي: يَنْقَضِي (غِنًى عَنِ الْعَرْضِ)، وَالْمُقَابَلَةِ، (لِزَيغٍ) أي لإِصْلَاحِ مَا (يَحْصُلُ) مِنْ فَسَادِ زَيْغِ الْقَلَمِ، وَطُغْيَانِهِ (3).
وَالْمُقَابَلةُ لِلإِمْلَاءِ تَكُوْنُ مَعَ الشَّيْخِ مِنْ حِفْظِهِ، لا عَلَى أُصُولِهِ، كَذَا حَصَرَهُ النَّاظِمُ (4)، وَفِيْهِ نَظَرٌ.
أَدَبُ (5) طَالِبِ الْحَدِيْثِ
(أَدَبُ)، وفي نُسخةٍ: آدَابُ (6)(طَالِبُ الْحَدِيْثِ) غَيْرَ ما مَرَّ:
713 -
وَأَخْلِصِ الّنِيَّةَ فِي طَلَبِكَا
…
وَجِدَّ وَابْدَأْ بِعَوَاِلي مِصْرِكَا
714 -
وَمَا يُهِمُّ ثُمَّ شُدَّ الرَّحْلَا
…
لِغَيْرِهِ وَلَا تَسَاهَلْ حَمْلَا
(1) في (ع): ((المخرج)).
(2)
انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 88 (1259).
(3)
انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي2/ 133، ومعرفة أنواع علم الحديث:411.
(4)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 331.
(5)
انظر في ذلك:
الإلماع: 45 وما بعدها، ومعرفة أنواع علم الحديث: 411، والإرشاد 1/ 521 - 528، والتقريب: 146 - 149، والاقتراح: 280 - 284، والمنهل الروي: 108، واختصار علوم الحديث: 157 - 158، ونكت الزركشي 3/ 661 - 667، والشذا الفياح 1/ 400 - 418، والمقنع 1/ 407 - 418، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 332، ونزهة النظر: 204، وفتح المغيث 2/ 311 - 346، والتدريب 2/ 140 - 158، وقواعد التحديث: 233 - 236، وتوجيه النظر 2/ 719 - 727.
(6)
في (ص): ((آداب))، وفي نسخة:((أدب)).
715 -
وَاعْمَلْ بِمَا تَسْمَعُ فِي الْفَضَائِلِ
…
وَالشَّيْخَ بَجِّلْهُ وَلَا تَثَاقَلِ
716 -
عَلَيْه تَطْويْلَا بِحَيْثُ يَضْجَرُ
…
وَلَا تَكُنْ يَمْنَعُكَ التَّكَبُّرُ
717 -
أَو الْحَيَا (1) عَنْ طَلَبٍ وَاجْتَنِبِ
…
كَتْمَ السَّمَاعِ فَهْوَ لُؤْمٌ وَاكْتُبِ
718 -
مَا تَسْتَفيْدُ عَالِياً وَنَاِزلَا
…
لَا كَثْرَةَ الشُّيُوْخِ صِيْتاً عَاطلَا
(وَأَخْلِصِ النِيَّةَ) للهِ تَعَالَى (في طَلَبِكَا) لِلْحَدِيْثِ؛ إِذْ النَّفْعُ بِهِ - بَلْ وبِسَائِرِ الْعُلُومِ - مُتَوقِّفٌ عَلَى الإِخْلاصِ فِيْهِ، والإعْرَاضِ عنِ الأَغْرَاضِ الدُّنْيَويَّةِ.
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ لَا يَتَعَلَّمُهُ إلَاّ لِيُصِيْبَ بِهِ عَرَضاً مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ -، أي رِيْحَهَا- يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) (2).
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ النَّخعيُّ: ((مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً يُريدُ بِهِ وَجْهَ اللهِ، والدَّارَ الآخِرَةَ، آتاهُ اللهُ مِنَ العِلْمِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ)) (3).
(وَجِدَّ) - بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ -، أي: اجْتَهِدْ في طَلَبِكَ لَهُ، واحْرِصْ عَلَيْهِ، مِنْ غَيْرِ توقُّفٍ، ولَا تأخِيرٍ، فمَنْ جَدَّ وَجَدَ.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ)) (4).
وَقَالَ أَيْضاً: ((التُّؤْدَةُ في كُلِّ شَيْءٍ خَيْرٌ إلاّ في عَمَلِ الآخِرَةِ)) (5).
(1) بالقصر؛ لضرورة الوزن.
(2)
أخرجه أحمد 2/ 338، وسنن أبي داود (3664)، وسنن ابن ماجه (252)، وابن حبان (78)، والحاكم 1/ 85، والخطيب في تاريخه 5/ 346 - 347 و 8/ 78 جميعهم من طريق فليح بن سليمان، عَنْ عَبْد الله بن عَبْد الرَّحْمَان، عَنْ سعيد بن يسار، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ سند ضعيف لضعف فليح بن سليمان.
(3)
نحوه روى الخطيب في جامعه 1/ 104 (70).
(4)
أخرجه أحمد 2/ 366 و 370، ومسلم 8/ 56 (2664)، وابن ماجه (79)، وابن أبي عاصم في السنة (356)، والنسائي في الكبرى (10457) و (10461) وفي عمل اليوم والليلة (621) و (625)، والطحاوي في شرح المشكل (259) و (260) و (261)، وابن حبان (5730) و (5731)، والبيهقي 10/ 89 وفي الأسماء والصفات 1/ 263، من طريق الأعرج، عن أَبي هريرة، به.
(5)
رواه أبو داود (4810).
وَقَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي كثيرٍ: ((لا يُنَالُ العِلْمُ بِرَاحَةِ الْجَسَدِ)) (1).
وعَن الشَّافِعِيِّ: ((لا يَطْلبُ هَذَا العِلمَ مَنْ يطلبُهُ بالتَّمَلُّلِ - وفي رِوَايَةٍ بالْمَلَلِ - وغنَى النَّفْسِ فيُفْلِحُ، ولكِنْ مَنْ طلبَهُ بِذِلَّةِ النَّفْسِ، وضِيقِ العَيشِ، وخدمةِ العلمِ: أفْلَحَ)) (2).
(وابْدَأْ بِعَوالِي) شُيوخِ (مِصْرِكا) أي: بِأخْذِهَا عَنْهُمْ، والزمِ العُكُوفَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَسْتَوْفِيَها، (وَ) ابدأْ مِنْهَا (مَا) أي: بِمَا (يُهِمُّ) - بِضَمِّ اليَاءِ - من ذَلِكَ، وَغَيْرِهِ، كَمَرْويٍّ انْفَرَد بِهِ بَعْضُهُمْ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: ((مَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بغيرِ الْمُهِمِّ، أضَرَّ بالْمُهِمِّ)) (3).
وإن اسْتَوَى جَمَاعَةٌ في السَّنَدِ، وَأَرَدْتَ الاقْتِصَارَ عَلَى أحَدِهِمْ، فاخْتَرْ الْمِشْهُورَ مِنْهُمْ في طَلَبِ الْحَدِيْثِ، والْمُشَار إِلَيْهِ بِالإتْقَانِ فِيْهِ والْمَعْرِفَةِ لَهُ (4).
فإنْ تَسَاوَوْا في ذَلِكَ أَيْضاً، فالأشْرَاف، وذَوِي الأنْسَابِ مِنْهُمْ، فإنْ تَسَاوَوْا في ذَلِكَ أَيْضاً، فَالأَسَنُّ (5).
(ثُمَّ) بَعْدَ اسْتِيفَائِك لأخذِ مَا بِمِصْرِكَ مِنْ مَرْويِّ شُيُوخِهَا (شُدَّ الرَّحْلا)، أَوْ امْشِ، أَوْ ارْكَبِ البَحْرَ حَيْثُ اسْتَطَعْتَ، وَغلَبَتْهُ السَّلامَةُ (لغَيْرِهِ) أي: لغيرِ مِصرِكَ مِنَ البُلْدَانِ، وغيرِهَا؛ لِتَجْمعَ بَيْنَ عُلُوِّ الإسْنادَيْنِ وعلم الطَّائِفَتَيْنِ.
وَلِخَبَرِ: ((مَنْ سَلَكَ طَرِيْقاً يَلْتَمِسُ فِيْهِ عِلْماً، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيْقاً إِلَى الْجَنَّةِ)) (6).
(1) ساقة مسلم في صحيحه في موضع بعد أن ذكر المتابعات والطرق 1/ 428 رقم (175) طبعة محمد فؤاد، وهو في مدخل البيهقي: 277، وكذلك في جامع بيان العلم وفضله 1/ 109 بألفاظ متقاربة.
(2)
الحلية 9/ 119، والمحدث الفاصل ص 202 الفقرة (84)، وجامع بيان العلم 1/ 98، وللخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه2/ 94 عدد من الأخبار عن الشافعي بنحو هَذَا المعنى.
(3)
الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 160 (1485).
(4)
الجامع 1/ 126 عقب (125).
(5)
الجامع 1/ 127 عقب (127).
(6)
جزء من حديث طويل رواه أبو خيثمة في العلم (25)، وابن أبي شيبة (26108)، وأحمد 2/ 252 و325 و406، والدارمي (351)، ومسلم 8/ 71 (2699)، وأبو داود (1455) و (3643)، وابن ماجه (225)، والترمذي و (2646) و (2945)، وابن حبّان (84)، والحاكم في المستدرك 1/ 88 - 89= = وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1/ 13 - 14، والبغوي في شرح السنة (127) و (130)، كلهم من طرق عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة. به.
وَقَدْ رَحَلَ جَابرُ بنُ عَبْدِ اللهِ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ أنِيسٍ رضي الله عنهما مَسِيْرَةَ شَهْرٍ في حَدِيْثٍ وَاحِدٍ (1).
وإذ رحَلْتَ فاسْلُك مَا سلَكْتَهُ في مِصْرِكَ مِنَ الابتِداءِ بالأهمِّ فالأَهَمِّ، (ولا تَسَاهَلْ) - بفتحِ التَّاء - (حَمْلَا) أي: ولا تَتَسَاهَلْ في التَّحَمُّلِ، وَالسَّمَاعِ، بِحَيْثُ تُخِلُّ بِمَا عَلِيْكَ. ولا تَشْتَغِلْ في الغربةِ إلا بِمَا تَسْتَحِقُّ لأجْلِهِ الرِّحْلَة، فشهوةُ السَّمَاعِ - كَمَا قَالَ الْخَطِيْبُ (2) - لا تَنْتَهِي، والنَّهْمَةُ من الطَّلَبِ لا تَنْقَضِي، والعِلْمُ كالْبِحَارِ الْمُتَعَذَّرِ كَيْلُهَا، والْمَعَادِنِ التِي لا يَنْقَطِعُ نَيْلُهَا (3).
(واعملْ بِمَا تَسْمَعُ) بِمِصْرِكَ، وغيرِهَا مِنَ الأحَادِيْثِ التِي يُعْمَلُ بِهَا (في الفَضَائِلِ) والتَّرْغِيباتِ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ:((يا رَسُوْلَ اللهِ! ما يَنْفِي عَنِّي حجَّةَ الْجَهْلِ؟ قَالَ: العِلْمُ. قَالَ: فَمَا يَنْفِي عَنِّي حجَّةَ العِلْم؟ قَالَ: العَمَلُ)) (4).
وَقَالَ (5) إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلُ بنِ مجمَّعٍ: ((كنَّا نَسْتَعِينُ عَلَى حِفْظِ الْحَدِيْثِ بالعَمَلِ بِهِ)) (6).
وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: ((مَا كَتَبْتُ حَدِيْثاً إلَاّ وَقَدْ عَمِلْتُ بِهِ، حَتَّى مَرَّ بِي في الْحَدِيْثِ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احتَجَمَ، وأعْطَى أبَا طيبةَ دِيْنَاراً (7)، فأعْطَيتُ الْحَجَّامَ دِيْنَاراً حِيْنَ احْتَجَمْتُ)) (8).
(1) انظر: الرحلة في طلب الحديث: 104.
(2)
انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 245 عقب (1740).
(3)
لم ترد في (ق).
(4)
أخرجه الخطيب في اقتضاء العلم العمل: 4 من حديث عليّ رضي الله عنه. وانظر: فتح الباري 1/ 180 و 7/ 41 و 12/ 393 و 417.
(5)
في (م) و (ع) زيادة: ((الشعبي ووكيع و)).
(6)
الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 259 (1789).
(7)
هذا الحديث اتفق على إخراجه الشيخان، البخاري 3/ 82 (2102) و 3/ 103 (2210) و 3/ 122 (2281) و 7/ 161 (5696). ومسلم 5/ 39 (1577). وهو في مسند أحمد 3/ 100 و 107 و 182، وانظر تخريجاً له موسعاً في كتاب " شمائل النبي صلى الله عليه وسلم " برقم (360).
(8)
أورده الذهبي في السّير 11/ 213 وصدّره بقوله: ((وقال المرّوذي: قال لي أحمد
…
)).
وعن عَمْرِو بنِ قَيْسٍ الْمُلائِي، قَالَ:((إِذَا بَلَغَكَ شَيْءٌ مِنَ الْخَبَرِ، فاعْمَلْ بِهِ - وَلَوْ مَرَّةً - تَكُنْ مِنْ أهْلِهِ)) (1).
(والشَّيْخَ بَجِّلْهُ) أي: عَظِّمْهُ، واحْتَرِمْهُ لِخَبَرِ:((لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيْرَنَا)) (2).
(ولا تَثَاقَلِ) أي: وَلَا تَتَثَاقَلْ (عَلَيْهِ تَطْوِيلا (3)) أي: بالتَّطْوِيلِ، (بِحَيْثُ يَضْجَرُ) أي: يَقْلَقُ مِنْكَ، ويَمِلُّ مِنَ الْجلُوسِ.
فإنَّ الإضْجَارَ - كَمَا قَالَ الْخَطِيْبُ (4) - يُغيِّرُ الأَفْهَامَ، ويُفْسِدُ الأخْلَاقَ، ويحيلُ الطِّبَاعَ، ويُخْشَى - كَمَا قَالَ ابنُ الصَّلَاح (5) - عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ أَنْ يُحْرَمَ الانْتِفَاعَ.
(وَلَا تَكُنْ) أَنْتَ مُتَكَبِّراً، ولا مُسْتَحْيِياً بِحَيْثُ (يَمْنعُكَ التَّكَبُّرُ، أَوْ الْحَيَا (6)) - بالقصر - (عن طَلَبٍ) لِمَا تَحْتَاجُهُ مِن حَدِيْثٍ وعِلْمٍ.
فَفِي البُخَارِيِّ (7): ((قَالَ مُجَاهِدٌ: لا يَنَالُ العِلْمَ مُسْتَحي ولا مُتَكّبِّرٌ)).
وَعَنْ عُمَرَ، وابْنِهِ رضي الله عنهما:((مَنْ رَقَّ وَجْهُهُ رَقَّ عِلْمُهُ)) (8).
(1) رواه أبو نعيم في الحلية 5/ 102.
(2)
أخرجه الترمذي (1919)، وأبو يعلى (3476)، والعقيلي في الضعفاء 2/ 84، والطبراني في الكبير 6/ (5905)، وابن عدي في الكامل 3/ 1094. من حديث أنس بن مالك.
وأخرجه أحمد1/ 257، وعبد بن حميد (586)، والبزار (كشف)(1955) و (1956)، وابن حبان (458)، والطبراني في الكبير (11083) و (12276)، وابن عدي في الكامل 6/ 2353، والقضاعي في مسند الشهاب (1203)، والبيهقي في الشعب (10980)، والبغوي في شرح السنة (3452) من حديث ابن عباس. وهو مروي بألفاظ متقاربة عن جمع من الصّحابة غيرهما.
(3)
في (م): ((طويلاً)).
(4)
الجامع لأخلاق الرّاوي 1/ 218 عقب (409).
(5)
معرفة أنواع علم الحديث: 414.
(6)
في (م): ((الحياء))، وهو ذهول عن قول الشارح.
(7)
صحيح البخاري 1/ 44 عقيب (129) مجزوماً به. قال الحافظ: ((وصله أبو نعيم في الحلية من طريق علي ابن المديني، عن ابن عيينة، عن منصور، عنه، وهو إسناد صحيح على شرط البخاري)). الفتح عقب (130).
قلنا: وهو في سنن الدرامي (557)، وحلية الأولياء 3/ 287، والمدخل للبيهقي (410)، والفقيه والمتفقه 2/ 144.
(8)
انظر: تدريب الرّاوي 2/ 147.
وَهَذَا لا يُنَافِي كَوْنَ الْحَيَاءِ مِنَ الإيْمَانِ؛ لأنَّ ذَلِكَ شَرْعِيٌّ يَقَعُ عَلَى وَجهِ الإجْلَالِ، والاحْتِرَامِ للأكابِرِ، وَهُوَ مَحْمُوْدٌ، والذي هُنَا لَيْسَ بِشَرْعِيٍّ، بَلْ سَبَبٌ لِتَرْكِهِ، وَهُوَ مَذْمُومٌ.
(وَاجْتَنِبِ) أَنْتَ (كَتْمَ السَّمَاعِ) الَّذِي ظفرْتَ بِهِ لِشَيْخٍ، وكتمَ شَيخٍ انْفَرَدْتَ بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ إخْوَانِكَ رجاءَ الانْفِرَادِ بِهِ عَنْهُمْ. (فَهْوَ) أي: الكتمُ (لُؤْمٌ) مِنْ فَاعِلِهِ، ويُخْشَى عَلَيْهِ عَدَمُ الانْتِفَاعِ بِهِ.
وفي الْحَدِيْثِ الصَّحِيْحِ: ((الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ)) (1).
وَعَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: ((مَنْ بَخِلَ بِالْحَدِيْثِ، وكَتمَ عَلَى النَّاسِ سَمَاعَهُمْ، لَمْ يُفْلِحْ)) (2).
وعَنْ ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا- مَرْفُوعاً: ((يَا إِخْوَانِيْ! تَنَاصَحُوا في العِلْمِ وَلَا يَكْتُمُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَإِنَّ خِيَانَةَ الرَّجُلِ فِيْ عِلْمِهِ أَشَدُّ مِنْ خِيَانَتِهِ فِيْ مَالِهِ)) (3).
نَعَمْ: لَهُ الكتْمُ عَنْ مَنْ لَمْ يَرَهُ أهْلاً، أَوْ يَكُوْنُ مِمَّنْ لا يقبلُ الصَّوَابَ إِذَا أرْشَدَهُ إِلَيْهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. فعنِ الْخَلِيلِ بنِ أَحْمَدَ أنَّهُ قَالَ لأبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بنِ الْمُثَنَّى:((لا ترُدَّنَّ عَلَى معجبٍ خَطأً، فَيستَفِيدَ مِنْكَ عِلْماً، ويتَّخِذَكَ بِهِ عَدُوّاً)) (4).
(1) أخرجه الحميدي (837)، وأحمد 4/ 102، ومسلم 1/ 53 (55)(95)(96) و 54 (55)(96)، وأبو داود (4944)، والنسائي 7/ 156، وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند 4/ 102 من طرق عن عطاء بن يزيد الليثي، عن تميم الداري، به.
قلنا: وهو مروي أيضاً من حديث ابن عبّاسٍ، وابن عمرو وغيرهما.
(2)
الجامع لأخلاق الرّاوي 1/ 240 (477).
(3)
رواه الطبراني في الكبير برقم (11701)، وأبو نعيم في الحلية 9/ 20، والخطيب في تاريخه 3/ 43 و 6/ 357 و 389، وفي الجامع 2/ 149 (1449)، وابن الشجري في أماليه 1/ 49، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 231 من طرق عن ابن عبّاسٍ، وهو حديث تالف لا يصح بحالٍ. وانظر: مجمع الزوائد 1/ 141.
(4)
الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 154 (1468).
(واكتُبِ) بالسَّنَدِ عَمَّنْ لقيتَهُ، وَلَوْ دونَكَ (ما تَسْتَفيدُ) هُ مِن حَدِيْثٍ، ونَحْوِهِ (عَالياً) أي: سَنَدُهُ، (وَنَازِلَا).
فَالفَائِدةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ حَيْثُمَا وَجَدَهَا (1) التَقَطَهَا، وَهَكَذا كَانَتْ سيْرَةُ السَّلَفِ الصَّالِحِ، فَكَمْ مِنْ كَبيرٍ رَوَى عَنْ صَغِيْرٍ، كَمَا سَيَأْتِي في بَابِهِ.
والأصْلُ فِيْهِ قِرَاءةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَظِيْمِ مَنْزِلَتِهِ عَلَى أُبَيِّ بنِ كَعْب (2)، فَعَلَهُ ليَتَأسَّى بِهِ غَيْرُهُ. وَلَا يَسْتَنْكِفُ الْكَبِيْرُ أنْ يَأْخُذَ العِلْمَ عَمَّنْ (3) دُوْنَهُ مَعَ مَا فِيْهِ مِنْ تَرْغِيبِ الصَّغِيرِ في الازْدِيادِ إِذَا رَأَى الْكَبِيرَ يأخذُ عَنْهُ.
وَقَالَ وَكِيعٌ: ((لا يَكُوْنُ الرَّجُلُ عَالِماً، حَتَّى يأخُذَ عَمَّنْ هُوَ فوقَهُ، وعمَّنْ هُوَ دُوْنَهُ، وعمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ)) (4).
ولْتَكُنْ هِمَّةُ الطَّالِبِ تًحْصِيلَ الفَائِدَةِ (لا كَثْرَةَ الشُّيُوخِ صِيْتاً عَاطِلا) أي: لِمُجَرَّدِ الصِّيتِ العَاطِلِ عَن الْفَائِدَةِ، أمَّا تَكْثِيْرُهُم لِتَكْثِيرِ طُرُقِ الْحَدِيْثِ، فَلَا بأْسَ بِهِ.
719 -
وَمَنْ يَقُلْ إذا كَتَبْتَ قَمِّشِ
…
ثُمَّ إذا رَوَيْتَهُ فَفَتِّشِ
720 -
فَلَيْسَ مِنْ ذَا وَالْكتَابَ تَمِّمِ
…
سَمَاَعَهُ لَا تَنْتَخِبه تَنْدَمِ
721 -
وَإِنْ يَضِقْ حَالٌ عَنِ اسْتِيْعَابهِ
…
لِعَارِفٍ أَجَادَ فِي انْتِخَابهِ
722 -
أَوْ قَصَّرَ اسْتَعَانَ ذَا حِفْظٍ فَقَدْ
…
كَانَ مِنَ الحُفَّاظِ مَنْ لَهُ يُعدْ
(1) في (م): ((وجدهما)).
(2)
أخرجه الطيالسي (539)، وأحمد 5/ 131، والترمذي (3898)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند 5/ 132، والحاكم 2/ 224، وأبو نعيم في الحلية 4/ 187 من طريق عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب، به.
ورواية عاصم عن زر أعلّها العجلي وبيّنّا ذلك باسهاب في كتابنا " كشف الإيهام ".
(3)
في (م) زيادة ((هو)) ولم ترد في بقية النسخ.
(4)
الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 216 (1654) و (1655).
(ومَنْ يَقُلْ) كأبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ: (إِذَا كَتبْتَ قَمِّشِ) أي: اجْمَعْ مِنْ هَاهُنَا، ومن (1) هَاهُنَا، أي: ارْوِ، وَلَوْ عَمَّنْ لَا قَدْرَ لَهُ، (ثُمَّ إِذَا رويتَهُ فَفَتِّشِ (2)، فَلَيْسَ) هُوَ (مِنْ ذَا) أي: الاسْتِكْثَارِ العَاطِلِ.
نَقَلَهُ عَنْهُ ابنُ الصَّلَاحِ (3).
قَالَ النَّاظِمُ: ((وَلَمْ يبيِّنْ مُرادَهُ بِذَلِكَ، وكأنَّهُ أرادَ: اكتُبِ الفائِدَةَ مِمَّنْ سَمِعْتَها، ولا تؤخِّرْ ذَلِكَ حَتَّى تَنظرَ (4) فِيمَنْ حَدَّثَكَ: أَهُوَ أَهْلٌ أَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُ أَمْ لا؟ فَرُبَّمَا فَاتَ ذَلِكَ بِمَوتِ الشَّيْخِ، أَوْ سَفَرِهِ، أَوْ سَفَرِكَ، فإذا كَانَ وَقْتُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، أَوْ وَقْتُ العَمَلِ بالْمَرْوِيِّ، فَفَتِّشْ حِينئِذٍ)) (5).
قَالَ: ((ويحتملُ أنَّهُ أرَادَ اسْتِيْعابَ الكِتَابِ الْمَسْمُوعِ، وتركَ انْتِخَابِهِ، أَوْ اسْتِيعابَ مَا عِنْدَ الشَّيْخِ وَقْتَ التَّحَمُّلِ، فإذا كَانَ وقتُ الرِّوَايَةِ، أَو العَمَلِ نَظَرَ فِيْهِ، وتَأمَّلَهُ)) (6).
(والْكِتَابَ) أَوِ الْجُزْءَ (تَمِّمِ) أَنْتَ (سَمَاعَهُ)، وَكِتَابَتَهُ، و (لَا تِنْتَخِبْهُ) بأَنْ تَخْتَارَ مِنْهُ مَا تُريدُهُ. (تَنْدَمِ)؛ لأنَّكَ قَدْ تَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى رِوَايَةِ شَيءٍ مِنْهُ، فَلَا تَجِدْهُ فِيْمَا انْتَخَبْتَهُ مِنْهُ (7).
وَقَدْ قَالَ ابنُ الْمُبَارَكِ: ((مَا انْتَخَبتُ عَلَى عَالِمٍ قَطُّ إلاّ نَدِمْتُ)) (8). وفي رِوَايَةٍ عَنْهُ: ((ما جَاءَ مِنْ مُنْتَقٍ خَيْرٌ قَطُّ)) (9).
وعن ابنِ مَعِيْنٍ: ((سيَنْدَمُ الْمُنْتَخِبُ في الْحَدِيْثِ، حَيْثُ لا يَنْفَعُهُ النَّدَمُ)) (10).
(1) لم ترد في (ع).
(2)
قول أبي حاتم أسنده الخطيب في جامعه 2/ 220 (1670).
(3)
انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 415.
(4)
في (م): ((تنتظر)).
(5)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 343.
(6)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 343.
(7)
انظر: ما سبق.
(8)
الجامع 2/ 156 رقم (1471)، والإلماع:218.
(9)
الجامع 2/ 187 رقم (1566).
(10)
معرفة أنواع علم الحديث: 416.
وفي رِوَايَةٍ عَنْهُ: ((صَاحِبُ الانْتِخَابِ يَنْدَمُ، وَصَاحِبُ النَّسْخِ لَا يِنْدَمُ)) (1).
(وَ) لَكِنْ (إنْ يَضِقْ) - كَمَا أفادَهُ الْخَطِيْبُ (2) - (حَالٌ) أي: الوَقْتُ (عَنِ اسْتِيعَابِهِ) أي: الكِتَاب، أَوْ الْجُزْء، لِعُسرِ النَّسْخِ، أَوْ لِكَونِ الشَّيْخِ، أَوْ الطَّالِبِ وارِداً غَيْرَ مُقيمٍ، أَوْ نَحْوَها، ووقعَ ذَلِكَ (لِعَارِفٍ) بِجَوْدَةِ الانْتِخَابِ، تَحَرَّى و (أجَادَ في انْتِخَابِهِ) بِنَفْسِهِ. (أَوْ) وَقَعَ ذَلِكَ لِمَنْ (قَصَّرَ) عَنْ مَعْرِفَةِ الانْتِخَابِ، (اسْتَعانَ) في انْتِخَابِ مَا يُريدُهُ (ذَا) أي: صَاحَب (حِفْظٍ)، ومَعْرِفَةٍ.
(فَقَدْ كَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ مَنْ لَهُ) أي: للاِنْتِخَابِ (يُعَدْ) أي: يُهَيِّئُ لَهُ، بِحَيْثُ يَتَصَدَّى لِفِعْلِهِ، كأبِي زُرْعَة الرَّازِيِّ، والنَّسَائِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ أوْرمة الأصْبَهَانِيِّ، وهبةِ اللهِ بنِ الْحَسَنِ اللالكائِيِّ (3).
فَإنَّهُم كَانُوا يَنْتَخِبُونَ عَلَى الشُّيوخِ، والطَّلَبَةُ تَسْمَعُ وتَكْتُبُ (4) بانْتِخَابِهِمْ.
723 -
وَعَلَّمُوْا فِي الأَصْلِ إِمَّا خَطَّا
…
أَوْ هَمْزَتَيْنِ أَوْ بِصَادٍ أَوْ طَا
(وَعَلَّمُوا) أي: الْمُنْتَخِبُونَ (في الأصْلِ) الْمُنْتَخَبِ مِنْهُ مَا انْتَخَبُوهُ، لأجلِ تيسُّرِ مُعَارَضةِ ما انْتَخَبُوهُ، أَوْ لإمْسَاكِ الشَّيْخِ أصلَهُ بِيَدِهِ، أَوْ لِلتَّحْديثِ مِنْهُ، أَوْ لِكِتَابَةِ فَرْعٍ آخرَ مِنْهُ، بِتَقْدِيرِ فَقْدِ الفَرْعِ الأَوَّلِ.
واخْتِيارُهُمْ في كَيْفِيَّةِ العَلامةِ مُخْتَلِفٌ (5)، وَلَا حجرَ فِيْهَا، فَقَدْ عَلَّمُوْا (إمَّا خَطّا) أي: بِخَطٍّ بالْحمرةِ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ عَرِيْضاً في الْحَاشِيَةِ اليُسرَى، كَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ صَغِيْراً في أَوَّلِ إسْنَادِ الْحَدِيْثِ كاللَاّلكَائِيِّ، وعَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ عَملُ أكْثرِ الْمُتأَخِّرِينَ. (أَوْ) عَلَّمُوا بِصُورَةِ (هَمْزَتَيْنِ) بِجَرٍّ في الْحَاشِيَةِ اليُمْنَى، كأبِي الفَضْلِ عَلِيّ
(1) الجامع 2/ 187 رقم (1567)، وفيه:((المشج)) بدل: النسخ، وانظر تعليق المحقق.
(2)
انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 155 عقب (1470).
(3)
انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 156 - 157.
(4)
في (م): ((تكبت)) خطأ.
(5)
انظر في علامة الانتخاب: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 158 - 159 عقب (1480).
الفَلَكِيِّ، (أَوْ بِصَادٍ) مَمْدُوْدَةٍ بِجرٍ في الْحَاشِيَةِ اليُمْنَى أَيْضاً، كَعَليٍّ بنِ أَحْمَدَ
النُّعَيْمِيِّ، (أَوْ طَا) مُهْمَلَةٍ مَمْدُودَةٍ كَذَلِكَ، كأبِي مُحَمَّدٍ الْخَلَاّلِ، أَوْ بِحَائينِ إحدَاهُمَا بِجَنبِ (1) الأُخْرَى كَذَلِكَ، كَمُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيِّ، أَوْ بغَيْرِ ذَلِكَ (2).
724 -
وَلَا تَكُنْ مُقْتَصِراً أَنْ تَسْمَعَا
…
وَكَتْبَهُ مِنْ دُوْن فَهْمٍ نَفَعَا
725 -
وَاقْرَأْ كِتَاباً فِي عُلُوْمِ الأَثَرِ
…
كَابْنِ الصَّلَاحِ أَوْ كَذَا الْمُخْتَصَرِ
726 -
وَبِالصَّحِيْحَيْنِ ابْدَأَنْ ثُمَّ السُّنَنْ
…
وَالْبَيْهَقِيْ ضَبْطَاً وَفَهْمَاً ثُمَّ ثَنْ
727 -
بِمَا اقْتَضَتْهُ حَاجَةٌ مِنْ مُسْنَدِ
…
أَحْمَدَ وَالْمُوَطَّأِ الْمُمَهَّدِ
728 -
وَعِلَلٍ، وَخَيْرُهَا لأَِحْمَدَا
…
وَالدَّارَقُطْنِي وَالتَّوَارِيْخُ غَدَا
729 -
مِنْ خَيْرِهَا الْكَبِيْرُ لِلْجُعْفِيِّ
…
وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيْلُ لِلرَّازِيِّ
730 -
وَكُتُبِ الْمُؤْتَلِفِ الْمَشْهُوْرِ
…
وَالأَكْمَلُ الإِْكْمَالُ لِلأَمِيْرِ
(وَلَا تَكُنْ) أَنْتَ (مُقْتَصِراً أَنْ تَسْمَعَا) الْحَدِيْثَ، (وَكَتْبَهُ) - بِفَتحِ الكافِ، وبِالنَّصْبِ عَطْفاً عَلَى مَحلِ ((أن تَسْمَعَ)) الْمَنْصُوبِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ -، أي: لَا تَقْتَصِرْ عَلَى سَمَاعِ الْحَدِيْثِ، وكتبِهِ (مِن دُوْنِ فَهْمٍ)، وَمَعْرِفَةٍ، لما فِيْهِ مِنَ العِلَلِ، والأحْكَامِ (نَفَعَا) أي: نَافِعٌ.
وإلَاّ لَكُنتَ كَمَا قَالَ ابنُ الصَّلَاحِ: ((قَدْ أَتْعَبْتَ نَفْسَكَ مَنْ غَيْرِ أَنْ تَظفَرَ بِطَائِلٍ، ولَا تَحصل (3) بِذَلِكَ في عِدادِ أهْلِ الْحَدِيْثِ الأماثِلِ)) (4).
وَعَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ، قَالَ:((الرِّئَاسةُ في الْحَدِيْثِ بِلَا دِرَايةٍ رِئَاسَةٌ نَذلَةٌ)) (5).
(1) في (ص): ((بجانب)).
(2)
انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 158 - 159 عقب (1480).
(3)
في (ص): ((تحصيل)).
(4)
معرفة أنواع علم الحديث: 417.
(5)
المحدث الفاصل: 253 (161)، والجامع 2/ 180 - 181 رقم (1549).
قَالَ الْخَطِيْبُ: ((هِيَ اجْتِمَاعُ الطَّلَبَةِ عَلَى الرَّاوِي لِلسَّمَاعِ عِنْدَ علوِّ سِنِّهِ (1)، فإذا تَمَيَّزَ الطَّالِبُ بفهمِ الْحَدِيْثِ، ومَعَرِفَتِهِ، تَعَجَّلَ بركةَ ذَلِكَ في شَبيبَتِهِ (2))) (3).
قَالَ: ((وَلَوْ لَمْ يَكُنْ في الاقْتِصَارِ عَلَى سَمَاعِ الْحَدِيْثِ، وتَخْلِيْدِهِ (4) الصُّحفَ، دُوْنَ التَّمْييزِ بِمَعْرِفَةِ صَحِيْحِهِ مِنْ فَاسِدِهِ، والوُقُوفِ عَلَى اخْتِلافِ وُجُوهِهِ والتَّصَرُّفِ في أنْوِاعِ عُلُومِهِ إلاّ تَلْقِيبُ الْمُعْتَزِلَةِ الْقَدَرِيَّةِ مَنْ سَلَكَ تِلْكَ الطَّرِيقَةِ بـ ((الْحَشْوِيَّةِ)) (5)، لَوَجَبَ عَلَى الطَّالِبِ الأنَفَةُ لنَفْسِهِ ودَفْعُ ذَلِكَ عَنْهُ، وعَنْ أبْنَاءِ جِنْسِهِ)) (6).
(واقْرَأ)، وَلَوْ تَفَهُّماً عِنْدَ شُرُوعِكَ في طَلَبِكَ الْحَدِيْثَ (كِتَاباً في عُلُومِ الأثَرِ) أي: الْحَدِيْثِ، لِتَعْرِفَ بِهِ مُصْطَلَحَ أهْلِهِ، (كابْنِ) أي: كَكِتَابِ " عُلُوْمِ الْحَدِيْثِ "، لأبِي عَمْرٍو ابنِ (الصَّلَاحِ، أَوْ كَذَا) النَّظْمِ (7)(الْمُخْتَصَرِ) فِيْهِ مَقَاصدُهُ مَعَ زِيَادَةٍ - كَمَا مَرَّ - فإنَّ كلاً مِنْهُمَا جَدِيْرٌ بأنْ تَحصلَ بِهِ العِنَايَةُ (8).
وَعَليْكَ بِشِدَّةِ الْحِرْصِ عَلَى السَّمَاعِ، ومُلَازَمَةِ الشُّيُوخِ، وبالابْتِدَاءِ بِسَمَاعِ الأُمَّهَاتِ مِنْ كُتُبِ أهَلِ (9) الْحَدِيْثِ (10).
(1) في (ق): ((سنده))، وفي (ص):((الإسناد)).
(2)
في (ق) و (ص): ((شيبته)).
(3)
انظر: الجامع 2/ 181 عقب (1549) وعقب (1550).
(4)
في (ق): ((تجليده)).
(5)
الحشويّة - بالتحريك وتسكّن -: طائفة من المبتدعة، تمسّكوا بالظواهر، وذهبوا إلى التجسيم وغيره، سمّوا بذلك؛ نِسْبَة إلى الحشو أو الحشا - أي: الجانب -؛ لأنّهم ردّوا إلى حشا حلقة الحسن البصري - أي: جانبها -. انظر: متن اللغة 2/ 99، والمعجم الوسيط 1/ 177 (حشا)، وانظر: بيان تلبيس الجهمية 1/ 242، ومجموعة الفتاوى 4/ 55 و 12/ 97.
(6)
الجامع 2/ 180 عقب (1548).
(7)
يقصد به هذه الأرجوزة للحافظ العراقي رحمه الله.
(8)
قال ابن الصّلاح: ((ثمّ إن هذا الكتاب مدخل إلى هذا الشأن، مفصح عن أصوله، وفروعه، شارح لمصطلحات أهله، ومقاصدهم، ومهماتهم التي ينقص المحدث بالجهل بها نقصاً فاحشاً، فهو - إن شاء الله تعالى- جدير بأن تقدم العناية به)). معرفة أنواع علم الحديث: 230، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 349.
(9)
كلمة ((أهل)) سقطت من (ص).
(10)
الجامع 2/ 182 عقب (1550) و 2/ 184 عقب (1560).
(و " بِالصَّحِيْحَيْنِ ") لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (1) مِنْهَا (2)(ابدأَنْ) - بِنُونِ التَّوْكِيدِ الْخَفِيفَة - وابدأ بأوِّلِهِمَا لِشِدَّةِ اعْتِنَائِهِ باسْتِنْبَاطِ الأحْكَامِ (3).
(ثُمَّ) بَعْدَهما بكتبِ (السُّنَنْ) الْمُرَاعَى فِيْهَا الاتِّصَالُ غَالِباً.
وابدأْ مِنْهَا بـ " سُنَنِ أَبِي داودَ "، لِكثْرَةِ أحَادِيْثِ الأحْكَامِ فِيْهَا (4)، ثُمَّ بـ:" سُنَنِ النَّسَائِيِّ " لِتَتَمَرَّنَ في كَيْفِيَّةِ الْمَشيِ في العِلَلِ (5)، ثُمَّ بـ " سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ " لاعْتِنَائِهِ بِبَيانِ مَا فِيْهَا مِنْ صِحَّةٍ وحُسْنٍ، وغيرِهِما (6).
(وَ) ابدأْ بَعْدَهَا بـ" سُنَنِ " الْحَافِظِ (الْبَيْهَقِيْ) - بالإسْكَانِ لِمَا مَرَّ - لاسْتِيْعَابِهِ أكثَرَ أحَادِيثِ الأحْكَامِ (7)(ضَبْطاً) لِمُشْكِلِهَا (8)، (وَفَهْماً) لِخَفِيِّ مَعَانِيها (9).
(ثُمَّ ثَنْ بِمَا) أي: بِسَمَاعِ مَا (اقْتَضَتْهُ حَاجَةٌ) إِلَيْهِ (مِنْ) كُتُبِ الْمَسَانِيدِ مثلُ (" مُسْنَدِ ") الإِمَامِ (أَحْمَدَ)، وابنِ رَاهَوَيْهِ، وأبِي داود الطَّيَالِسِيِّ (10).
وكَذَا بِمَا اقْتَضَتْهُ حَاجَةٌ مِنَ الكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ (11) عَلَى الأبْوَابِ، وإنْ كَثُرَ فِيْهَا غَيْرُ الْمُسْنَدِ، كـ " مصَنَّفِ ابنِ أَبِي شَيْبَةَ "، (و " الْمُوَطَّأِ " الْمُمَهَّدِ) للإمَامِ مَالِكٍ (12).
(1) الجامع 2/ 185 عقب (1561).
(2)
في (م): ((منهما)).
(3)
فتح المغيث 2/ 338.
(4)
المصدر السابق.
(5)
المصدر نفسه.
(6)
المصدر نفسه.
(7)
فتح المغيث 2/ 338.
(8)
المصدر السابق.
(9)
معرفة أنواع علم الحديث: 418، قال السخاوي في فتح المغيث2/ 338:((بحيث أنك كلّ ما مرّ بك اسم مشكل، أو كلمةمن حديث مشكلة تبحث عنها تودعها قلبك، فبذلك يجتمع لك علم كثير في زمن يسير)).
(10)
انظر: فتح المغيث 2/ 338. وذكر الحافظ السخاوي غيرها كمسند عبد بن حميد والحميدي، والعدني ومسدد، وأبي يعلى، والحارث بن أبي أسامة، والأحاديث فيها أعلى منها في التي قبلها غالباً.
(11)
في (ص): ((المصنفات)).
(12)
بعد هذا في (م): ((رضي الله تعالى عنه)).
قَالَ الْخَطِيْبُ: وَهُوَ الْمُقَدَّمُ في هَذَا النَّوْعِ، وَيَجِبُ الابْتِدَاءُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ (1).
(وَ) ابْدَأ بَعْدَ مَا ذَكَرَ بِمَا اقْتَضَتْهُ حَاجَةٌ مِنْ كُتُبِ (عِلَلٍ)، كالعلَلِ للإمَامِ أَحْمَدَ، وابنِ الْمُدَيْنِيِّ، وابنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَالبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ (2).
(وخيرُهَا) العِلَلِ (لأحْمَدَا)(3)، ولابْنِ (4) أَبِي حَاتِمٍ (وَ) لأبِي (5) الْحَسَنِ (الدَّارَقُطْنِيْ) - بالإسْكَانِ لما مَرَّ (6) - وَهُوَ عَلَى الْمَسَانِيدِ (7).
(وَ) كَذَا بِمَا اقْتَضَتْهُ حَاجةٌ مِنْ كُتُبِ (التَّوَارِيخُ) لِلْمُحَدِّثِيْنَ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أحْكَامٍ في أَحْوالِ، كابنِ مَعِيْنٍ، وأبِي حَسَّانَ الزِّيَادِيِّ (8) التِي (غَدا) عَلَى النَّاسِ (مِنْ
(1) الجامع 2/ 186 قبيل (1564)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 418، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 350 - 351.
(2)
انظر: فتح المغيث 2/ 339.
(3)
قال ابن الصّلاح: 418: ((ومن كتب علل الحديث ومن أجودها: كتاب "العلل" عن أحمد بن حنبل، وكتاب " العلل " عن الدارقطني)).
(4)
في (ص): ((وابن)).
(5)
في (ص): ((وأبي)).
(6)
عبارة ((لما مرّ)) سقطت من (ص).
(7)
كتاب العلل للدارقطني من أجمع الكتب وهو ليس من جمعه، بل الجامع له تلميذه الحافظ أبو بكر البرقاني؛ لأنه كان يسأله عن علل الأحاديث، فيجيبه عنها بما يقيده عنه بالكتابة، فلما مات الدارقطني وجد البرقاني قمطرة قد امتلأت من صكوك تلك الأجوبة فاستخرجها وجمعها في تأليف نسبه لشيخه ذلك. وذكر الحافظ أبو الوليد بن خيرة في ترجمة أستاذه القاضي أبي بكر بن العربي من برنامج شيوخه قال: ومثل هذا يذكر في البارع في اللغة لأبي عليّ البغدادي، فإنّه جمعه بخطه في صكوك، فلما توفي أخرجه أصحابه ونسبوه إليه.
انظر فتح المغيث 2/ 339 - 340.
(8)
وتاريخ خليفة بن خياط العصفري، ويعقوب بن سفيان الفسوي، وأحمد بن أبي خيثمة النسائي، وأبي زرعة الدمشقي، وحنبل بن إسحاق الشيباني، ومحمد ابن إسحاق السراج النيسابوري. انظر: الجامع 2/ 186.
خَيْرِهَا) " التَّارِيخُ (الكَبِيرُ) " بالنسبةِ لِلأَوْسَطِ والصَّغِيرِ (1)(لِلْجُعْفِيِّ) أي: البُخَارِيِّ (2).
فإنَّهُ كَمَا قَالَ الْخَطِيْبُ: يُرْبِي -، أي يَزِيدُ - عَلَى هَذِهِ الكُتُبِ كُلِّهَا (3).
(وَ) مِنْ خَيْرِهَا أَيْضاً (4)(" الْجَرْحُ والتَّعْدِيْلُ " لِلرَّازِيِّ) أَبِي الفَرَجِ (5) عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ.
(وَ) كَذَا بِمَا اقْتَضَتْهُ حَاجَةٌ مِنْ (كُتُبِ الْمُؤْتلِفِ) والْمُخْتَلِفِ، النَّوْعِ (الْمَشْهُورِ) بَيْنَ الْمُحَدِّثِيْنَ الآتِي مَعَ غَيْرِهِ في مَحَلِّهِ (6). (والأكْمَلُ) مِنْهَا (" الإكْمَالُ " لِلأَمِيْرِ) أَبِي نَصْرٍ عَلِيِّ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ ماكولا، والأمِيرُ لَقبُهُ (7).
731 -
وَاحْفَظْهُ بِالتَّدْرِيْجِ ثُمَّ ذَاكِرِ
…
بِهِ وَالاتْقَانَ (8) اصْحَبَنْ وَبَادِرِ
732 -
إذا تَأَهَّلْتَ إلى التَّأْلِيْفِ
…
تَمْهَرْ وَتُذْكَرْ وَهْوَ (9) في التَّصْنِيْفِ
733 -
طَرِيْقَتَانِ جَمْعُهُ أبوابَا
…
أَوْ مُسْنَدَاً تُفْرِدُهُ صِحَابَا
(1) فتح المغيث 2/ 340.
(2)
قال ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 418: ((ومن كتب معرفة الرجال وتواريخ المحدّثين، ومن أفضلها: تاريخ البخاريّ الكبير، وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم)).
(3)
الجامع 2/ 187 قبيل (1565). قال أبو العباس بن سعيد بن عقدة: ((لو أن رجلاً كتب ثلاثين ألف حديث لما استغنى عن تاريخ البخاريّ)). المصدر السابق.
وأضاف إليه الحافظ السخاوي في فتح المغيث 2/ 341: ((تواريخ مصر لابن يونس، والذيل عليه، وبغداد للخطيب والذيول عليه، ودمشق لابن عساكر، ونيسابور للحاكم والذيل عليه، وأصبهان لأبي نعيم. وهي من مهمات التواريخ لما يقع فيها من الأحاديث والنوادر)).
(4)
فتح المغيث 2/ 341.
(5)
كَذَا في جَمِيْع الأصول المعتمدة، ولا خلاف في أن كنيته (أبو مُحَمَّد). انظر: سير أعلام النبلاء 13/ 263.
(6)
بعد هذا في (ق): ((إن شاء الله تعالى)).
(7)
قال ابن الصّلاح: 419: ((ومن كتب الضبط لمشكل الأسماء، ومن أكملها كتاب " الإكمال " لأبي نصر بن ماكولا)).
(8)
بدرج همزة (الإتقان) لضرورة الوزن.
(9)
في (أ): ((وهي)).
734 -
وَجَمْعُهُ مُعَلَّلاً كَمَا فَعَلْ
…
يَعْقُوْبُ أَعْلَى (1) رُتْبَةً وَمَاكَمَلْ
735 -
وَجَمَعُوْا أبواباً اوْ شُيُوخَاً اوْ (2)
…
تَرَاجُمَاً أَوْ طُرُقَاً وَقَدْ رَأَوْا
736 -
كَراهَةَ الْجَمْعِ لِذِي تَقْصِيْرِ
…
كَذَاكَ الاخْرَاجُ (3) بِلَا تَحْرِيْرِ
(واحْفَظْهُ) أي: الْحَدِيْثَ (بالتَّدرِيجِ) قَليلاً قَليلاً، مَعَ الأيَّامِ والليَالِي (4). فَذَلِكَ أدْعَى لِتَحْصِيلِهِ، وَعَدَمِ نِسْيَانِهِ، وَلَا تَأخُذْ مَا لَا تُطِيقُهُ لِخَبَرِ:((خُذُوْا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُوْنَ)) (5).
وَعَنْ الثَّوْرِيِّ قَالَ: ((كُنْتُ آتِي الأعْمَشَ، وَمنْصُوراً، فأسْمَعُ أرِبَعةَ أحَاديثَ، أَوْ (6) خَمْسةً، ثُمَّ انْصَرِفُ كَرَاهِية أنْ تَكْثُرَ وتَفَلَّتْ)) (7).
(1) في (ب) و (ج): ((أعلا)).
(2)
بدرج همزتي (أو) في هذا الشطر؛ لضرورة الوزن.
(3)
بدرج همزة (الإخراج)؛ لضرورة الوزن.
(4)
معرفة أنواع علم الحديث: 419، وفتح المغيث 2/ 341.
(5)
أخرجه أحمد 6/ 84 و 128 و 189 و 233 و 249، والبخاري 3/ 50 (1970)، ومسلم 3/ 161 (782)، والنسائي 4/ 151، وابن خزيمة (1283) و (2078) و (2079) من طريق يحيى بن أَبي كثير، عن أَبي سلمة، عن عائشة، به.
ويروى أيضاً من طريق الصديقة عائشة رضي الله عنها بلفظ: ((عليكم من العمل ما تطيقون. فوالله لا يملّ الله حتّى تملّوا
…
)).
أخرجه عبد الرزاق (20566)، وأحمد 6/ 46 و 51 و 199 و 212 و 231 و 247 و 268،
وعبد بن حميد (1485)، والبخاري 1/ 17 (43)، ومسلم 2/ 189 (785)(220) و 190 (785)(221)، وابن ماجه (4238)، والترمذي في الشمائل (311)، والنسائي 3/ 218 و 8/ 123، وفي الكبرى (1216)، وابن خزيمة (1282)، وأبو يعلى (4651)، والطحاوي في شرح المشكل (650)، وابن حبان (323)، والبيهقي 3/ 17، والبغوي (933) و (934) من طريق عروة بن الزبير، عن عائشة.
(6)
(أو): سقطت من (ص).
(7)
الجامع 1/ 232 (448).
وعن الزُّهْرِيِّ، قَالَ:((مَنْ طَلَبَ العِلْمَ جُمْلَةً، فاتَهُ جُمْلَةً، وإنَّمَا يُدْرَكُ العِلْمُ حَدِيْثٌ و (1) حَدِيْثَانِ)) (2).
وَعَنْهُ أَيْضاً قَالَ: ((إن هَذَا العِلْمَ إنْ أخَذْتَهُ بالْمُكَاثَرَةِ لَهُ غَلَبَكَ، وَلَكِنْ خُذْهُ مَعَ الأيَامِ، والليَالِي أخذاً رَفِيقاً، تَظْفرُ بِهِ)) (3).
(ثُمَّ) بَعْدَ حِفْظِهِ (ذاكِرِ بِهِ) الطَّلَبَةَ، ثُمَّ مَعَ نَفْسِكَ، وكرِّرْهُ عَلَى قَلبْكَ؛ إِذْ (4) الْمُذاكَرَةُ تُعِيْنُ عَلَى ثُبُوتِ الْمَحْفُوظِ (5).
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ:((تَذَاكَرُوا هَذَا الْحَدِيْثَ، إن لَا تَفْعَلُوا يُدْرَسُ)) (6).
وَعَن ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: ((تَذَاكَرُوا الْحَدِيْثَ، فإنَّ حَيَاتَهُ مُذَاكَرتُهُ)) (7).
وعن الْخَلِيلِ بنِ أَحْمَدَ، قَالَ:((ذَاكِرْ بِعِلْمِكَ تذكر ما عِنْدَكَ، وتستفِدْ (8) مَا لَيْسَ عِنْدَكَ)) (9).
(والاتْقَانَ) - بالدرجِ -، وبالنَّصْبِ بقولِهِ:(اصْحَبَنْ) مَعَ الْمُذَاكَرَةِ. فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ:((الْحِفْظُ الإتْقَانُ)) (10).
(وَبَادِرِ إِذَا تَأَهَّلْتَ) لِمَعْرِفَةِ التَّأْلِيفِ (إِلَى التَّأْلِيفِ)، وَهُوَ لِكَوْنِهِ (11) مُطْلَقَ الضمِ أعمُّ من التَّصْنِيفِ (12)، وَهُوَ: جَعْلُ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى حِدَةٍ.
(1) في (م): ((أو)).
(2)
الجامع 1/ 232 (450).
(3)
الجامع 1/ 232 (452).
(4)
في (ص): ((إذا)).
(5)
فتح المغيث 2/ 342.
(6)
المحدث الفاصل: 545 فقرة (721)، والجامع 1/ 236 (465).
(7)
المحدث الفاصل: 546 (726).
(8)
في (ص): ((تستفده)) وفي (ق) و (ع): ((تستفيد)).
(9)
الجامع 2/ 273 - 274 (1834)، شرح التبصرة والتذكرة 2/ 353، وفتح المغيث 2/ 342.
(10)
المحدث الفاصل: 206 (89).
(11)
((لكونه)): سقطت من (ق).
(12)
فتح المغيث 2/ 343.
وَمِنَ الانْتِقَاءِ (1)، وَهُوَ: التِقَاطُ مَا يَحْتَاجُهُ مِنَ الكُتُبِ (2).
وأعم مِنَ التَّخْرِيجِ، وَهُوَ إخْرَاجُ الْمُحَدِّثِ الأحَادِيثَ مِن بُطُونِ الكُتُبِ، وَسِيَاقِها مِن مَرْوِيَّاتِه، أَوْ مَرْوِيَّاتِ شَيْخِهِ، أَوْ أقرانِهِ، كَمَا سيأتي (3).
وَكَثيراً مَا يُطْلَقُ كُلٌّ مِنْهَا (4) عَلَى البَقِيَّةِ.
وباعْتِنَائِكَ بالتألِيفِ (تَمْهَرْ) في الْحَدِيْثِ، وَتقفْ عَلَى غَوَامِضِهِ، (وتُذْكَرْ) بِذَلِكَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى آخِرِ الدُّهُورِ (5).
(وَهْوَ) أي: التَّألِيْفُ الوَاقِعُ (في التَّصْنِيفِ) في الْحَدِيْثِ (طَرِيْقَتَانِ) مَعْرُوفَتَانِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ (6):
الأوْلَى: (جَمْعُهُ) أي: التَّصْنِيفُ (أبْوَابا) أي: عَلَى الأبْوَابِ في الأحْكَامِ الفِقْهِيَّةِ، أَوْ غَيْرِهَا.
(أَوْ) جمعُهُ (مُسنَداً) أي (7): عَلَى الْمَسَانِيدِ (تُفْرِدُهُ) أَنْتَ (صِحَابَا) أي: لِلصَّحَابَةِ وَاحِداً فَوَاحِداً، وإنْ اخْتَلفَتْ (8) أنْوَاعُ أحَادِيْثِهِ، كَ" مُسْنَدِ الإمَامِ أَحْمَدٍ "، وَغَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ، وَكَ"مُسْنَدِ عُبيدِ اللهِ "(9) بنِ مُوسَى العَبْسِيِّ، وأبي بَكرِ ابنِ أَبِي شَيْبَةَ.
وهذه هِيَ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ:
(1) المثبت من (ص) و (ع)، وفي (ق) و (م):((الانتفاء)).
(2)
انظر: فتح المغيث 2/ 343.
(3)
بعد هذا في (ق): ((إن شاء الله تعالى)).
(4)
في (ق): ((منهما)).
(5)
انظر: فتح المغيث 2/ 343.
(6)
انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 420، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 354 - 355.
(7)
((أي)): سقطت من (ع).
(8)
في (ص): ((اختلف)).
(9)
في (ق): ((عبد الله)).
وَأهلُهَا مِنْهُمْ مَنِ يُرَتِّبُ أسْمَاءَ الصَّحَابَةِ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، كَالطَّبَرَانِيِّ في "مُعْجَمِهِ الكَبِير"، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَتِّبُ عَلَى القَبَائِلِ، فَيُقُدمُ بَنِي هَاشِمٍ، ثُمَّ الأقْرَبَ فالأقْرَبَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَسَباً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَتِّبُ عَلَى السَّابِقَةِ في الإسْلامِ، فيقدِّمُ العَشَرَةَ، ثُمَّ أَهْلَ بدرٍ (1)، ثُمَّ أهْلَ الْحُدَيْبِيةِ (2)، ثُمَّ مَنْ أسْلَمَ، وَهَاجَرَ بَيْنَ الْحُدَيْبِيةِ، والفَتْحِ، ثُمَّ مَنْ أسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ، ثُمَّ الأصَاغِرَ سِنّاً (3)، كالسَّائِبِ بنِ يَزِيدٍ، وأبِي الطُفَيلِ (4). ثُمَّ النِّسَاءَ، ويَبْدَأ مِنْهُنَّ بأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ الْخَطِيْبُ: ((وَهِيَ أحبُّ إلَيْنَا)) (5).
وَقَالَ ابنُ الصَّلَاحِ: ((إنَّهَا أَحْسَنُ وَالأوْلَى أَسْهَل)) (6) أي: ثُمَّ الثَّانِيةُ.
(وجَمْعُهُ) أي: الْحَدِيْث في الطَّرِيقَتَينِ (مُعَلَّلاً) أي: عَلَى العِلَلِ، بأنْ يَجْمَعَ في كُلِّ حَدِيْثٍ طُرقَهُ، واختلافَ الرُّوَاةِ فِيْهِ، بِحَيْثُ يَتَّضِحُ إرْسَال مَا يَكُوْنُ مُتَّصِلاً، أَوْ وقفُ ما يَكُوْنُ مَرْفُوعاً، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ - كَمَا مَرَّ - في بابِهِ.
فَفِي الأبْوَابِ، كَمَا فَعَلَ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ (7)، وفي " الْمَسَانِيدِ "، (كَمَا فَعَلْ) الْحَافِظُ أَبُو يُوسُفَ (يَعْقُوبُ) بنُ شَيْبَةَ السَّدُوسِيُّ (أَعْلَى) أي:
جَمْعُهُ عَلَى العِلَلِ في الطَّرِيقَتَينِ أعْلَى (رُتْبَةً) مِنْهُ فِيْهِمَا بِدُونِهِ، إِذْ مَعْرِفَةُ العِلَلِ أجَلُّ أنَواعِ الْحَدِيْثِ، حَتَّى قَالَ ابنُ مَهْدِيٍّ:((لأنْ أعرِفَ عِلَّةَ حَدِيْثٍ، هُوَ عِنْدِي، أحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أكْتُبَ عِشْرِينَ حَدِيْثاً لَيْسَ عِنْدِي)) (8).
(وَ) لَكِنْ " مُسْندُ يَعْقُوبَ "(مَا كَمَلْ)، كَمَا زَادهُ النَّاظِمُ (9).
(1) في (م): ((البدر)). وانظر: الجامع 2/ 292 عقب (1890).
(2)
الجامع 2/ 292 عقب (1891).
(3)
((سناً)): سقطت من (ق).
(4)
الجامع 2/ 293 عقب (1892)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 420 - 421.
(5)
الجامع 2/ 292.
(6)
معرفة أنواع علم الحديث: 421، وانظر: فتح المغيث 2/ 346.
(7)
فتح المغيث 2/ 347.
(8)
علل الحديث لابن أبي حاتم 1/ 9، وقد نقله الحاكم في معرفة علوم الحديث: 112، والخطيب في الجامع 2/ 295 (1900)، وابن رجب في شرح العلل 1/ 470.
(9)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 356.
قَالَ الْخَطِيْبُ: ((والذي ظَهَرَ مِن " مُسْنَدِ يَعْقُوبَ " مُسْنَدِ العَشَرَةِ، والعَبَّاسِ، وابنِ مَسْعُودٍ، وعَمَّارٍ، وعُتْبَةَ (1) بنِ غَزْوَانَ، وبعْضِ الْمَوالِي)) (2).
قَالَ الأزْهَرِيُّ:
…
((وَسَمِعْتُ الشُّيُوخَ يَقُولُونَ: إنَّهُ لَمْ يُتَمَّ مُسنَدٌ مُعَلَّلٌ قَطُّ)) (3).
ومِنْ طُرُقِ التَّصْنِيفِ أَيْضاً: جَمعُهُ عَلَى الأطْرَافِ، فيذكرُ طَرَفَ (4) الْحَدِيْثِ الدَّالِّ عَلَى بَقِيَّتِهِ، ويجمعُ أسانِيدَهُ إما مُسْتَوْعِباً، أَوْ مُقيداً بكُتُبٍ مَخْصُوصَةٍ.
(وَجَمَعُوا) أَيْضاً (أبْوَاباً) مَخْصُوصَةً كُلُّ مِنْهَا مُنْفَردٌ بِالتَّأْلِيفِ، كَكِتابِ " رَفعِ اليَدَينِ "، وكِتَابِ " القِرَاءةِ خَلْفَ الإمَامِ " لِلْبُخَارِيِّ، وكِتَابِ " التَّصْدِيقِ بالنَّظَرِ للهِ " للآجُرِّيِّ (5).
(اوْ)(6) -بالدرجِ - جَمعُوا (شُيُوخاً) مَخْصوصِينَ، كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ، كالإسْمَاعِيليِّ في حَدِيْثِ الأعْمَشِ، والنَّسَائِيِّ في حَدِيْثِ الفُضَيلِ بنِ عِيَاضٍ (7).
(اوْ)(8) - بالدرجِ - جَمعُوا (تراجُماً) مَخْصُوصَةً، كَمَالِكٍ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنْ ابنِ عمَرَ. وسُهَيلِ (9) بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (10).
(أَوْ) جَمَعُوا (طُرُقاً) لِحَدِيْثٍ وَاحِدٍ، كَطُرُقِ حَدِيْثِ:((قبضِ العلمِ)) لِلطُّوسِيِّ وغَيْرِهِ، وطُرُقِ حَدِيْثِ:((مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً)) لِلطَّبَرَانِيِّ، وَغَيْرِهِ (11).
(وَقَدْ رأَوْا) أي: الْعُلَمَاءُ (كَرَاهَةَ الْجَمْعِ) أي: التَّألِيفِ (لِذِي) أي: صَاحِبِ (12)(تَقْصِيرِ) عَنْ مَرْتَبَتِهِ (13).
(1) في (ع): ((عقبة)).
(2)
تاريخ بغداد 14/ 281.
(3)
المصدر السابق.
(4)
في (ع): ((طرق)).
(5)
انظر: فتح المغيث 2/ 348.
(6)
في (م): ((أو)) بإثبات الهمزة، وهو ذهول.
(7)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 357.
(8)
في (م): ((أو)) بإثبات الهمزة، وهو ذهول.
(9)
في (ع): ((سهل)).
(10)
فتح المغيث 2/ 348 - 349.
(11)
معرفة أنواع علم الحديث: 421، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 358.
(12)
في (ع): ((لصاحب)).
(13)
لأنه إما أن يتشاغل بما سبق به، أو بما غيره أولى منه، أو بما لم يتأهل بعد لاجتناء ثمرته واقتناص فائدة جمعه. انظر: فتح المغيث 2/ 350.