الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ [النُّور: 61] . وَقَوْلِهِ: ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً [النُّور: 12] ، أَيْ ظَنَّ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ خَيْرًا، أَيْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِ أَنْفُسِهِمْ مَجَامِعِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً، أَيْ قُلْ لَهُمْ خَالِيًا بِهِمْ سَتْرًا عَلَيْهِمْ مِنَ الِافْتِضَاحِ. وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [63] ولَوْلا لِلتَّحْضِيضِ، أَيْ هَلَّا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِسَبَبِ كَلَامِنَا الَّذِي نَتَنَاجَى بِهِ مِنْ ذمّ النبيء صلى الله عليه وسلم وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَيْ يَقُولُونَ مَا مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ نَبِيئًا لَعَذَّبَنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُهُ مِنَ السُّوءِ فِيهِ وَمِنَ الذَّمِّ وَهُوَ مَا لَخَّصَهُ اللَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ بِكَلِمَةِ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ فَإِنَّ لَوْلا لِلتَّحْضِيضِ مُسْتَعْمَلَةٌ كِنَايَةٌ عَن جحد نبوءة النبيء صلى الله عليه وسلم، أَيْ لَوْ كَانَ نَبِيئًا لَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلَعَذَّبَنَا الْآنَ بِسَبَبِ قَوْلِنَا لَهُ.
وَهَذَا خَاطِرٌ مِنْ خَوَاطِرِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ الْمُتَأَصِّلَةِ فِيهِمْ، وَهِيَ تَوَهُّمُهُمْ أَنَّ شَأْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَشَأْنِ الْبَشَرِ فِي إِسْرَاعِ الِانْتِقَامِ وَالِاهْتِزَازِ مِمَّا لَا يَرْضَاهُ وَمِنَ الْمُعَانَدَةِ.
. وَهَذَا مِنَ الْغُرُورِ قَالَ تَعَالَى: وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ [فصلت:
23] ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى رَدًّا عَلَى كَلَامِهِمْ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ أَيْ كَافِيهِمْ مِنَ الْعَذَابِ جَهَنَّمُ فَإِنَّهُ عَذَابٌ.
وَأَصْلُ يَصْلَوْنَها يَصْلَوْنَ بِهَا، فَضَمَّنَ مَعْنَى يَذُوقُونَهَا أَوْ يَحُسُّونَهَا وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا الِاسْتِعْمَالُ فِي الْقُرْآنِ.
وَقَوْلُهُ: فَبِئْسَ الْمَصِيرُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْوَعِيدِ بِشَأْنِ ذمّ جَهَنَّم.
[9]
[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 9]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9)
خِطَابٌ لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ فَعَامَلَهُمُ اللَّهُ بِمَا أَظْهَرُوهُ وَنَادَاهُمْ بِوَصْفِ الَّذِينَ آمَنُوا كَمَا قَالَ: مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [الْمَائِدَة: 41]
وَمِنْهُ مَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَقالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الْحجر: 6] أَيْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ بِزَعْمِهِ، وَنَبَّهَهُمْ إِلَى تَدَارُكِ حَالِهِمْ بِالْإِقْلَاعِ عَنْ آثَارِ النِّفَاقِ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ مِنْ تَعْقِيبِ التَّخْوِيفِ بِالتَّرْغِيبِ. فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ.
ذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْإِيمَانِ إِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا فَإِذَا رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ غَلَبَ عَلَيْهِمُ الْكُفْرُ فَكَانُوا فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِمْ مُقَارِبِينَ الْإِيمَانَ بِسَبَبِ مُخَالَطَتِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَلِذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ لَهُمْ مَثَلًا بِالنُّورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ [الْبَقَرَة: 17] ثُمَّ قَوْلِهِ: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا [الْبَقَرَة: 20] . وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى تَنْبِيهًا عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ إِنْ كَانُوا مُتَنَاجِينَ لَا مَحَالَةَ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ الْخُلَّصِ بِأَنْ وَجَّهَ اللَّهُ الْخِطَابَ إِلَيْهِمْ تَعْلِيمًا لَهُمْ بِمَا يَحْسُنُ مِنَ التَّنَاجِي وَمَا يَقْبُحُ مِنْهُ بِمُنَاسَبَةِ ذَمِّ تَنَاجِي الْمُنَافِقِينَ فَلِذَلِكَ ابْتُدِئَ بِالنَّهْيِ عَنْ مِثْلِ تَنَاجِي الْمُنَافِقِينَ وَإِنْ كَانَ لَا يَصْدُرُ مِثْلُهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ تَعْرِيضًا بِالْمُنَافِقِينَ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا مَا ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ [آل عمرَان: 156]، وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْكَلَامِ هُوَ قَوْلُهُ: وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى تَعْلِيمًا لِلْمُؤْمِنِينَ.
وَالتَّقْيِيد ب إِذا تَناجَيْتُمْ يُشِير إِلَى أَنه لَا يَنْبَغِي التناجي مُطلقًا وَلَكنهُمْ لما اعتادوا التناجي حذروا من غوائله، وَإِلَّا فَإِن التَّقْيِيد مُسْتَغْنى عَنهُ بقوله:«لَا تتناجوا بالإثم والعدوان» . وَهَذَا مثل مَا وَقع فِي حَدِيث النَّهْي عَن الْجُلُوس فِي الطرقات من
قَوْله صلى الله عليه وسلم: «فَإِن كُنْتُم فاعلين لَا محَالة فاحفظوا حق الطَّرِيق» .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فَلا تَتَناجَوْا بِصِيغَةِ التَّفَاعُلِ. وَقَرَأَهُ رُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ وَحْدَهُ فَلَا
تَنْتَجُوا بِوَزْنِ تَنْتَهُوا.
وَالْأَمْرُ مِنْ قَوْلِهِ: وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِبَاحَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذا تَناجَيْتُمْ.