المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الحشر (59) : آية 5] - التحرير والتنوير - جـ ٢٨

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌58- سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 22]

- ‌59- سُورَةُ الْحَشْرِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 24]

- ‌60- سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 13]

- ‌61- سُورَةُ الصَّفِّ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : الْآيَات 10 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 14]

- ‌62- سُورَةُ الْجُمُعَةِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 11]

- ‌63- سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 11]

- ‌64- سُورَةُ التَّغَابُنِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : الْآيَات 17 الى 18]

- ‌65- سُورَةُ الطَّلَاقِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 2 الى 3]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 8 الى 11]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 12]

- ‌66- سُورَةُ التَّحْرِيمِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 12]

الفصل: ‌[سورة الحشر (59) : آية 5]

وَعُطِفَ اسْم الرَّسُول صلى الله عليه وسلم عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي الْجُمْلَة الأولى لقصر تَعْظِيمِ شَأْن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم لِيَعْلَمُوا أَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَة الله لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَدْعُو إِلَى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِتَبْلِيغِهِ وَلَمْ يُعْطَفِ اسْم الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ اسْتِغْنَاءً بِمَا عُلِمَ مِنَ الْجُمْلَةِ الْأُولَى.

وَأُدْغِمَ الْقَافَانِ فِي يُشَاقِّ لِأَنَّ الْإِدْغَامَ والإظهار فِي مَثَلِهِ جَائِزَانِ فِي الْعَرَبيَّة.

وقرىء بِهِمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فِي سُورَة الْبَقَرَة [217] . وَالْفَكُّ لُغَةُ الْحِجَازِ، وَالْإِدْغَامُ لُغَةُ بَقِيَّةِ الْعَرَبِ.

وَجُمْلَةُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ دَلِيلُ جَوَابِ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ إِذِ التَّقْدِيرُ: وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ فَاللَّهُ مُعَاقِبُهُمْ إِنَّهُ شَدِيد الْعقَاب.

[5]

[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 5]

مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (5)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ أَفْضَى بِهِ إِلَى الْمَقْصد من السُّورَةِ عَنْ أَحْكَامِ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ وَإِشَارَةُ الْآيَةِ إِلَى مَا حَدَثَ فِي حِصَارِ بَنِي النَّضِيرِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَسْلِمُوا اعْتَصَمُوا بِحُصُونِهِمْ فَحَاصَرَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَكَانَتْ حَوَائِطُهُمْ خَارِجَ قَرْيَتِهِمْ وَكَانَتِ الْحَوَائِطُ تُسَمَّى الْبُوَيْرَةُ (بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَهِيَ تَصْغِيرُ بُؤْرٍ بِهَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ بَعْدَ الْبَاءِ فَخُفِّفَتْ وَاوًا) عَمَدَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَطْعِ بَعْضِ نَخِيلِ النَّضِيرِ قِيلَ بِأَمْرٍ من النبيء صلى الله عليه وسلم وَقِيلَ بِدُونِ أَمْرِهِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْهُ عَلَيْهِمْ. فَقِيلَ كَانَ ذَلِكَ لِيُوَسِّعُوا مَكَانًا لِمُعَسْكَرِهِمْ، وَقِيلَ لِتَخْوِيفِ بَنِي

النَّضِيرِ وَنِكَايَتِهِمْ، وَأَمْسَكَ بَعْضُ الْجَيْشِ عَنْ قَطْعِ النَّخِيلِ وَقَالُوا: لَا تَقْطَعُوا مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْنَا. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ النَّخَلَاتِ الَّتِي قُطِعَتْ سِتُّ نَخَلَاتٍ أَوْ نَخْلَتَانِ. فَقَالَتِ الْيَهُودُ: يَا مُحَمَّدُ أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ نَبِيٌّ تُرِيدُ الصَّلَاحَ أَفَمِنَ الصَّلَاحِ قَطْعُ النَّخْلِ وَحَرْقُ الشَّجَرِ، وَهَلْ وَجَدَتَ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ إِبَاحَةُ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَا قَطَعُوا مِنَ النَّخْلِ أُرِيدَ بِهِ مَصْلَحَةُ إِلْجَاءِ الْعَدُوِّ إِلَى الِاسْتِسْلَامِ وَإِلْقَاءِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِهِمْ وَإِذْلَالِهِمْ بِأَنْ يَرَوْا أَكْرَمَ أَمْوَالِهِمْ عُرْضَةً لِلْإِتْلَافِ بِأَيْدِي

ص: 75

الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّ مَا أُبْقِيَ لَمْ يُقْطَعْ فِي بَقَائِهِ مَصْلَحَةٌ لِأَنَّهُ آيِلٌ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَكَانَ فِي كِلَا الْقَطْعِ وَالْإِبْقَاءِ مَصْلَحَةٌ فَتَعَارَضَ الْمَصْلَحَتَانِ فَكَانَ حُكْمُ اللَّهِ تَخْيِيرَ الْمُسْلِمِينَ. وَالتَّصَرُّفُ فِي وُجُوهِ الْمَصَالِحِ يَكُونُ تَابِعًا لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، فَجَعَلَ اللَّهُ الْقَطْعَ وَالْإِبْقَاءَ كِلَيْهِمَا بِإِذْنِهِ، أَيْ مَرْضِيًّا عِنْدَهُ، فَأَطْلَقَ الْإِذْنَ عَلَى الرِّضَى عَلَى سَبِيلِ الْكِنَايَةِ، أَوْ أَطْلَقَ إِذَنَ اللَّهِ عَلَى إِذن رَسُوله صلى الله عليه وسلم إِنْ ثَبَتَ أَن النبيء صلى الله عليه وسلم أَذِنَ بِذَلِكَ ابْتِدَاءً، ثُمَّ أَمَرَ بِالْكَفِّ عَنْهُ.

وَكَلَامُ الْأَئِمَةِ غَيْرُ وَاضِحٍ فِي إِذن النبيء صلى الله عليه وسلم فِيهِ ابْتِدَاءً وَأَظْهَرُ أَقْوَالِهِمْ قَوْلُ مُجَاهِدُ:

إِنَّ الْقَطْعَ وَالِامْتِنَاعَ مِنْهُ كَانَ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِتَصْدِيقِ مَنْ نَهَى عَنْ قَطْعِهِ، وَتَحْلِيلِ مَنْ قَطَعَهُ مِنَ الْإِثْمِ. وَفِي ذَلِكَ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَتَوَرَّكُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ إِذْ غَلَبَ الْمُسْلِمُونَ بَنِي النَّضِيرِ أَحْلَافَهُمْ وَيَتَوَرَّكُ عَلَى بَنِي النَّضِيرِ إِذْ لَمْ يَنْصُرْهُمْ أَحْلَافُهُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ:

تَفَاقَدَ مَعْشَرٌ نَصَرُوا قُرَيْشًا

وَلَيْسَ لَهُمْ بِبَلْدَتِهِمْ نَصِيرُ

وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ

حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ

يُرِيدُ سَرَاةَ أَهْلِ مَكَّةَ وَكُلُّهُمْ مِنْ بَنِي لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ، وَفِهْرٌ هُوَ قُرَيْشٌ أَيْ لَمْ يُنْقِذُوا أَحْلَافَهُمْ لِهَوَانِهِمْ عَلَيْهِمْ.

وَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبْ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ:

أَدَامَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ

وَحَرَّقَ فِي نَوَاحِيهَا السَّعِيرُ

سَتَعْلَمُ أَيَّنَا مِنْهَا بِنَزْهٍ

وَتَعْلَمُ أَيَّ أَرْضَيْنَا تَضِيرُ

يُرِيدُ أَنَّ التَّحْرِيقَ وَقَعَ بِنَوَاحِيَ مَدِينَتِكُمْ فَلَا يَضِيرُ إِلَّا أَرْضُكُمْ وَلَا يَضِيرُ أَرْضَنَا، فَقَوْلُهُ: أَدَامَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ، تَهَكُّمٌ.

وَمِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَخَذَ الْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ تَحْرِيقَ دَارِ الْعَدُوِّ وَتَخْرِيبَهَا وَقَطْعَ

ثِمَارِهَا جَائِزٌ إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ الْمَصْلَحَةُ الْمُتَعَيَّنَةُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَإِتْلَافُ بَعْضِ الْمَالِ لِإِنْقَاذِ بَاقِيهِ مَصْلَحَةٌ وَقَوْلُهُ: مِنْ لِينَةٍ بَيَانٌ لِمَا فِي قَوْلِهِ: مَا قَطَعْتُمْ.

وَاللِّينَةُ: النَّخْلَةُ ذَاتُ الثَّمَرِ الطَّيِّبِ تُطْلِقُ اسْمَ اللِّينَةِ عَلَى كُلِّ نَخْلَةٍ غَيْرِِِ

ص: 76

الْعَجْوَةِ وَالْبَرْمَنِيِّ فِي قَوْلِ جُمْهُورِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَيِمَّةِ اللُّغَةِ. وَتَمْرُ اللِّينَةِ يُسَمَّى اللَّوْنُ.

وَإِيثَارُ لِينَةٍ عَلَى نَخْلَةٍ لِأَنَّهُ أَخَفٌّ وَلِذَلِكَ لَمْ يَرِدْ لَفْظُ نَخْلَةٍ مُفْرَدًا فِي الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ النَّخْلُ اسْمَ جَمْعٍ.

قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يَاءُ لِينَةٍ أَصْلُهَا وَاوٌ انْقَلَبَتْ يَاءً لِوُقُوعِهَا إِثْرَ كَسْرَةٍ وَلَمْ يَذْكُرُوا سَبَبَ كَسْرِ أَوَّلِهِ وَيُقَالُ: لِوَنَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَفِي كُتُبِ السِّيرَةِ يُذْكَرُ أَنْ بَعْضَ نَخْلِ بَنِي النَّضِيرِ أَحْرَقَهُ الْمُسْلِمُونَ وَقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ شِعْرُ حَسَّانَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقُرْآنُ الْحَرْقَ فَلَعَلَّ خَبَرَ الْحَرْقِ مِمَّا أُرْجِفَ بِهِ فَتَنَاقَلَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ شِعْرُ حَسَّانَ وَشِعْرُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ، أَوْ أَنَّ النَّخَلَاتِ الَّتِي قُطِعَتْ أَحْرَقَهَا الْجَيْشُ لِلطَّبْخِ أَوْ لِلدِّفْءِ.

وَجِيءَ بِالْحَالِ فِي قَوْلِهِ: قائِمَةً عَلى أُصُولِها لِتَصْوِيرِ هَيْئَتِهَا وَحُسْنِهَا. وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ تَرْكَ الْقَطْعِ أَوْلَى. وَضَمِيرُ أُصُولِها عَائِدٌ إِلَى مَا الْمَوْصُولَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

مَا قَطَعْتُمْ لِأَنَّ مَدْلُولَ مَا هُنَا جَمْعٌ وَلَيْسَ عَائِدًا إِلَى لِينَةٍ لِأَنَّ اللِّينَةَ لَيْسَ لَهَا عِدَّةُ أُصُولٍ بَلْ لِكُلِّ لِينَةٍ أَصْلٌ وَاحِدٌ.

وَتَعَلَّقَ عَلى أُصُولِها بِ قائِمَةً. وَالْمَقْصُودُ: زِيَادَةُ تَصْوِيرِ حُسْنِهَا. وَالْأُصُولُ:

الْقَوَاعِدُ. وَالْمُرَادُ هُنَا: سُوقُ النَّخْلِ قَالَ تَعَالَى: أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ [إِبْرَاهِيم:

24] . وَوَصْفُهَا بِأَنَّهَا قائِمَةً عَلى أُصُولِها هُوَ بِتَقْدِيرِ: قَائِمَةٌ فُرُوعُهَا عَلَى أُصُولِهَا لِظُهُورِ أَنَّ أَصْلَ النَّخْلَةِ بَعْضُهَا.

وَالْفَاءُ مِنْ قَوْلِهِ: فَبِإِذْنِ اللَّهِ مَزِيدَةٌ فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ لِأَنَّهُ اسْمٌ مَوْصُولٌ، وَاسْمُ الْمَوْصُولِ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الشَّرْطِ كَثِيرًا إِذَا ضُمِنَ مَعْنَى التَّسَبُّب، وَقد قرىء بِالْفَاءِ وَبِدُونِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ فِي سُورَةِ الشُّورَى [30] .

وَعَطْفُ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ مِنْ عَطْفِ الْعِلَّةِ عَلَى السَّبَبِ وَهُوَ فَبِإِذْنِ اللَّهِ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ

الْآيَةُ فِي آلِ عِمْرَانَ [166] .

ص: 77