المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الحشر (59) : آية 10] - التحرير والتنوير - جـ ٢٨

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌58- سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 22]

- ‌59- سُورَةُ الْحَشْرِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 24]

- ‌60- سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 13]

- ‌61- سُورَةُ الصَّفِّ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : الْآيَات 10 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 14]

- ‌62- سُورَةُ الْجُمُعَةِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 11]

- ‌63- سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 11]

- ‌64- سُورَةُ التَّغَابُنِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : الْآيَات 17 الى 18]

- ‌65- سُورَةُ الطَّلَاقِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 2 الى 3]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 8 الى 11]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 12]

- ‌66- سُورَةُ التَّحْرِيمِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 12]

الفصل: ‌[سورة الحشر (59) : آية 10]

عَلَيْهَا بِمَنْعِ الْمَعْرُوفِ وَالْخَيْرِ فَذَلِكَ مَذْمُومٌ وَيَتَفَاوَتُ ذَمُّهُ بِتَفَاوُتِ مَا يَمْنَعُهُ. قَالَ وَقَدْ أَحْسَنَ وَصْفَهُ مَنْ قَالَ، لَمْ أَقف على قَائِله:

يُمَارِسُ نَفْسًا بَيْنَ جَنْبَيْهِ كَزَّةً

إِذَا هَمَّ بِالْمَعْرُوفِ قَالَتْ لَهُ مَهْلَا

فَمَنْ وُقِيَ شُحَّ نَفْسِهِ، أَيْ وُقِيَ مِنْ أَنْ يَكُونَ الشُّحُّ الْمَذْمُومُ خُلُقًا لَهُ، لِأَنَّهُ إِذَا وُقِيَ هَذَا الْخُلُقَ سَلِمَ مِنْ كُلِّ مَوَاقِعِ ذَمِّهِ. فَإِنْ وُقِيَ مِنْ بَعْضِهِ كَانَ لَهُ مِنَ الْفَلَاحِ بِمَقْدَارِ مَا وُقِيَهِ.

وَاسْمُ الْإِشَارَةِ لِتَعْظِيمِ هَذَا الصِّنْفِ مِنَ النَّاسِ.

وَصِيغَةُ الْقَصْرِ الْمُؤَدَّاةُ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ لِلْمُبَالَغَةِ لِكَثْرَةِ الْفَلَاحِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى وِقَايَةِ شُحِّ النَّفْسِ حَتَّى كَأَنَّ جِنْسَ الْمُفْلِحِ مَقْصُورٌ عَلَى ذَلِكَ الْمُوقَى.

وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ جعل وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ لِلثَّنَاءِ عَلَى الْأَنْصَارِ بِمُنَاسَبَةِ الثَّنَاءِ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَجْعَلُوا لِلْأَنْصَارِ حَظًّا فِي مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى وَقَصَرُوا قَوْلَهُ: مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى [الْحَشْر: 7] عَلَى قُرًى خَاصَّةٍ هِيَ: قُرَيْظَةُ. وَفَدَكُ، وَخَيْبَرُ. وَالنَّفْعُ، وَعُرَيْنَةُ، وَوَادِي الْقُرَى،

وَرَوَوْا أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيْئَهَا قَالَ لِلْأَنْصَارِ: «إِنْ شِئْتُمْ قَاسَمْتُمُ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ وَدِيَارِكُمْ وَشَارَكْتُمُوهُمْ فِي هَذِهِ الْغَنِيمَةِ، وَإِن شِئْتُمْ أَمْسَكْتُمْ أَمْوَالَكُمْ وتركتم لَهُم هَذَا» ؟ فَقَالُوا: بَلْ نَقْسِمُ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِنَا وَنَتْرُكُ لَهُمْ هَذِهِ الْغَنِيمَةَ، فَنَزَلَتْ آيَةُ مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى

الْآيَة [الْحَشْر: 7] .

وَمِنْهُمْ مَنْ قَصَرَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى فَيْءِ بَنِي النَّضِيرِ وَكُلُّ ذَلِكَ خُرُوجٌ عَنْ مَهْيَعِ انْتِظَامِ آيِ هَذِهِ السُّورَةِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ وَتَفْكِيكٌ لِنَظْمِ الْكَلَامِ وَتَنَاسُبِهِ مَعَ وَهْنِ الْأَخْبَارِ الَّتِي رَوَوْهَا فِي ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ. وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ عطف وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ، وَاسْمُ الْمَوْصُولِ مُبْتَدَأً وَجُمْلَةُ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ خَبَرًا عَن الْمُبْتَدَأ.

[10]

[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 10]

وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ

ص: 95

(10)

عَطْفٌ على وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ [الْحَشْر: 9] عَلَى التَّفْسِيرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فَأَمَّا عَلَى

رَأْيِ مَنْ جعلُوا وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ [الْحَشْر: 9] مَعْطُوفًا عَلَى لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ [الْحَشْر: 8] جعلُوا الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَرِيقًا مِنْ أَهْلِ الْقُرَى، وَهُوَ غَيْرُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بَلْ هُوَ مَنْ جَاءَ إِلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَضَمِيرُ مِنْ بَعْدِهِمْ عَائِدٌ إِلَى مَجْمُوعِ الْفَرِيقَيْنِ.

وَالْمَجِيءُ مُسْتَعْمَلٌ لِلطُّرُوِّ وَالْمَصِيرِ إِلَى حَالَةٍ تُمَاثِلُ حَالَهُمْ، وَهِيَ حَالَةُ الْإِسْلَامِ، فَكَأَنَّهُمْ أَتَوْا إِلَى مَكَانٍ لِإِقَامَتِهِمْ، وَهَذَا فَرِيقٌ ثَالِثٌ وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ [التَّوْبَة: 100] أَيِ اتَّبَعُوهُمْ فِي الْإِيمَانِ.

وَإِنَّمَا صِيغ جاؤُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي تَغْلِيبًا لِأَنَّ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ مَنْ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِثْلِ غِفَارَةَ، وَمُزَيْنَةَ، وَأَسْلَمَ، وَمِثْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، فَكَأَنَّهُ قيل: الَّذين جاؤوا وَيَجِيئُونَ، بِدِلَالَةِ لَحْنِ الْخِطَابِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا: زِيَادَةُ دَفْعِ إِيهَامِ أَنْ يَخْتَصَّ الْمُهَاجِرُونَ بِمَا أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُوله صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ الْقُرَى كَمَا اختصهم النبيء صلى الله عليه وسلم بِفَيْءِ بَنِي النَّضِيرِ.

وَقَدْ شَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كُلَّ مَنْ يُوجَدُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبَدَ الدَّهْرِ، وَعَلَى هَذَا جَرَى فَهْمُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه. رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوْلَا آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فُتِحَتْ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَّمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا (أَيِ الْفَاتِحِينَ) كَمَا قسم النبيء صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ.

وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ: أَنَّ عُمَرَ دَعَا الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ وَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُمْ: تَثَبَّتُوا الْأَمْرَ وَتَدَبَّرُوهُ ثُمَّ اغْدُوَا عَلَيَّ فَلَمَّا غَدَوْا عَلَيْهِ قَالَ: قَدْ مَرَرْتُ بِالْآيَاتِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْحَشْرِ وَتَلَا مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى إِلَى قَوْلِهِ: أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [7، 8] . قَالَ: مَا هِيَ لِهَؤُلَاءِ فَقَطْ وتلا قَوْله: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَى قَوْلِهِ: رَؤُفٌ رَحِيمٌ ثُمَّ قَالَ: مَا بَقِي أحد مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إِلَّا وَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ اه.

وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْفَيْءِ، وَأَمَّا مَا فُتِحَ عَنْوَةً فَمَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَلِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي

ص: 96

عَدَمِ قِسْمَتِهِ سَوَادَ الْعرَاق بَين الْجَيْش الْفَاتِحِينَ لَهُ عَمَلٌ آخَرُ، وَهُوَ لَيْسَ من غَرَضَنَا. وَمَحَلُّهُ كُتُبُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ.

وَالْفَرِيقُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ [الْحَشْر: 9] كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا، وَجَعَلَ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ [الْحَشْر: 9] خَبَرًا عَنِ اسْمِ الْمَوْصُولِ، جَعَلُوا قَوْله: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ كَذَلِكَ مُسْتَأْنَفًا.

وَمِنَ الَّذِينَ جَعَلُوا قَوْله: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا [الْحَشْر: 9] مَعْطُوفًا عَلَى لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ [الْحَشْر: 8] مَنْ جَعَلَ قَوْله: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ مُسْتَأْنَفًا. وَنَسَبَهُ ابْنُ الْفَرَسِ فِي «أَحْكَامِ الْقُرْآنِ» إِلَى الشَّافِعِيِّ. وَرَأَى أَنَّ الْفَيْءَ إِذَا كَانَ أَرْضًا فَهُوَ إِلَى تَخْيِيرِ الْإِمَامِ وَلَيْسَ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ لِلْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي فَيْءِ بَنِي النَّضِيرِ.

وَجُمْلَةُ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا عَلَى التَّفْسِيرِ الْمُخْتَارِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ من الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ.

وَالْغِلُّ بِكَسْرِ الْغَيْنِ: الْحَسَدُ وَالْبُغْضُ، أَيْ سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُطَهِّرَ نُفُوسَهُمْ مِنَ الْغِلِّ وَالْحَسَدِ لِلْمُؤْمِنِينَ السَّابِقَيْنِ عَلَى مَا أُعْطُوهُ مِنْ فَضِيلَة صُحْبَة النبيّ صلى الله عليه وسلم وَمَا فُضِّلَ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنَ الْهِجْرَةِ وَبَعْضُهُمْ مِنَ النُّصْرَةِ، فَبَيَّنَ الله للَّذين جاؤا مِنْ بَعْدِهِمْ مَا يُكْسِبُهُمْ فَضِيلَةً لَيْسَتْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَهِيَ فَضِيلَةُ الدُّعَاءِ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَانْطِوَاءِ ضَمَائِرِهِمْ عَلَى مَحَبَّتِهِمْ وَانْتِفَاءِ الْبُغْضِ لَهُمْ.

وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُضْمِرُونَ مَا يَدْعُونَ اللَّهَ بِهِ لَهُمْ فِي نُفُوسهم ويرضوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِ.

وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ حَقًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَذْكُرُوا سَلَفَهُمْ بِخَيْرٍ، وَأَنَّ حَقًّا عَلَيْهِمْ مَحَبَّةُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَتَعْظِيمُهُمْ، قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ يُبْغِضُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم أَوْ كَانَ قَلْبُهُ عَلَيْهِ غِلٌّ فَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَرَأَ وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ الْآيَةَ.

فَلَعَلَّهُ أَخَذَ بِمَفْهُومِ الْحَالِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا الْآيَةَ، فَإِنَّ الْمَقْصِدَ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ أَنْ يُضْمِرُوا مَضْمُونَهُ فِي نُفُوسِهِمْ فَإِذَا أَضْمَرُوا خِلَافَهُ وَأَعْلَنُوا بِمَا يُنَافِي ذَلِكَ فَقَدْ تَخَلَّفَ فِيهِمْ هَذَا الْوَصْفُ، فَإِنَّ الْفَيْءَ عَطِيَّةٌ

ص: 97