المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 8 الى 11] - التحرير والتنوير - جـ ٢٨

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌58- سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 22]

- ‌59- سُورَةُ الْحَشْرِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 24]

- ‌60- سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 13]

- ‌61- سُورَةُ الصَّفِّ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : الْآيَات 10 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 14]

- ‌62- سُورَةُ الْجُمُعَةِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 11]

- ‌63- سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 11]

- ‌64- سُورَةُ التَّغَابُنِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : الْآيَات 17 الى 18]

- ‌65- سُورَةُ الطَّلَاقِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 2 الى 3]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 8 الى 11]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 12]

- ‌66- سُورَةُ التَّحْرِيمِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 12]

الفصل: ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 8 الى 11]

وَمِنْ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ الْإِتْيَانُ ب (عسر ويسرا) نَكِرَتَيْنِ غَيْرَ مُعَرَّفَيْنِ بِاللَّامِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنَ التَّعْرِيفِ مَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً.

[8- 11]

[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 8 الى 11]

وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (11)

وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً.

لَمَّا شُرِعَتْ لِلْمُسْلِمِينَ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الطَّلَاقِ وَلَوَاحِقِهِ، وَكَانَتْ كُلُّهَا تَكَالِيفَ قَدْ تُحْجِمُ بَعْضُ الْأَنْفُسِ عَنْ إِيفَاءِ حَقِّ الِامْتِثَالِ لِهَا تَكَاسُلًا أَوْ تَقْصِيرًا رَغَّبَ فِي الِامْتِثَالِ لَهَا بِقَوْلِهِ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطَّلَاق: 2] وَقَوْلِهِ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطَّلَاق: 4]، وَقَوْلِهِ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً [الطَّلَاق: 5] وَقَوْلِهِ: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً [الطَّلَاق: 7] .

وَحَذَّرَ اللَّهُ النَّاسَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَتِهَا بِقَوْلِهِ: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطَّلَاق: 1]، وَقَوْلِهِ: ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [الطَّلَاق: 2] أَعْقَبَهَا بِتَحْذِيرٍ عَظِيمٍ مِنَ الْوُقُوعِ فِي مُخَالَفَةِ أَحْكَامِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ لِقِلَّةِ الْعِنَايَةِ

بِمُرَاقَبَتِهِمْ، لِأَنَّ الصَّغِيرَ يُثِيرُ الْجَلِيلَ، فَذَكَّرَ الْمُسْلِمِينَ (وَلَيْسُوا مِمَّنْ يَعْتُوا عَلَى أَمْرِ رَبِّهِمْ) بِمَا حَلَّ بِأَقْوَامٍ مِنْ عِقَابٍ عَظِيمٍ عَلَى قِلَّةِ اكْتِرَاثِهِمْ بِأَمْرِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ لِئَلَّا يَسْلُكُوا سَبِيلَ التَّهَاوُنِ بِإِقَامَةِ الشَّرِيعَةِ، فَيُلْقِي بِهِمْ ذَلِكَ فِي مَهْوَاةِ الضَّلَالِ.

وَهَذَا الْكَلَامُ مُقَدِّمَةٌ لِمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ: فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبابِ الْآيَاتِ.

فَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَجْمُوعِ الْجُمَلِ السَّابِقَةِ عَطْفَ غَرَضٍ عَلَى غَرَضٍ.

وكَأَيِّنْ اسْمٌ لِعَدَدِ كَثِيرٍ مُبْهَمٍ يُفَسِّرُهُ مَا يُمَيِّزُهُ بَعْدَهُ مِنَ اسْمٍ مَجْرُورٍ بِمِنْ وكَأَيِّنْ بِمَعْنَى (كَمِ) الْخَبَرِيَّةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فِي آلِ عِمْرَانَ [146] .

وَالْمَقْصُودُ مِنْ إِفَادَةِ التَّكْثِيرِ هُنَا تَحْقِيقُ أَنَّ الْعَذَابَ الَّذِي نَالَ أَهْلَ تِلْكَ الْقُرَى شَيْءٌ مُلَازِمٍ لِجَزَائِهِمْ عَلَى عُتُوِّهِمْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَرُسُلِهِ فَلَا يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ ذَلِكَ مُصَادَفَةً فِي بَعْضِ الْقُرَى وَأَنَّهَا غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ فِي جَمِيعِهِمْ.

ص: 333

وَ (كَأَيِّنْ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ.

وَجُمْلَةُ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ لِ كَأَيِّنْ.

وَالْمَعْنَى: الْإِخْبَارُ بِكَثْرَةِ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا فُرِّعَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: فَحاسَبْناها فَالْمُفَرَّعُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْخَبَرِ.

وَالْمُرَادُ بِالْقَرْيَةِ: أَهْلُهَا عَلَى حد قَوْله: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها [يُوسُف: 82] بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ عَقِبَ ذَلِكَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِذْ جِيءَ بِضَمِيرِ جَمْعِ الْعُقَلَاءِ.

وَإِنَّمَا أُوثِرَ لَفْظُ الْقَرْيَةِ هُنَا دُونَ الْأُمَّةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ فِي اجْتِلَابِ هَذَا اللَّفْظِ تَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَمُشَايَعَةً لَهُمْ بِالنَّذَارَةِ وَلِذَلِكَ كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ أَهْلِ الْقُرَى فِي التَّذْكِيرِ بِعَذَابِ اللَّهِ فِي نَحْوِ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها [الْأَعْرَاف: 4] .

وَفِيهِ تَذْكِيرٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِوَعْدِ اللَّهِ بِنَصْرِهِمْ وَمَحْقِ عَدِوِّهِمْ.

وَالْعُتُوُّ وَيُقَالُ الْعُتِيُّ: تَجَاوَزُ الْحَدِّ فِي الِاسْتِكْبَارِ وَالْعِنَادِ. وَضُمِّنَ مَعْنَى الْإِعْرَاضِ فَعُدِّيَ بِحَرْفِ عَنْ.

وَالْمُحَاسِبَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْجَزَاءِ عَلَى الْفِعْلِ بِمَا يُنَاسِبُ شِدَّتَهُ مِنْ شَدِيدِ الْعِقَابِ، تَشْبِيهًا لِتَقْدِيرِ الْجَزَاءِ بِإِجْرَاءِ الْحِسَابِ بَيْنَ الْمُتَعَامِلِينَ، وَهُوَ الْحِسَابُ فِي الدُّنْيَا، وَلذَلِك جَاءَ

فَحاسَبْناها، وعَذَّبْناها بِصِيغَةِ الْمَاضِي.

وَالْمَعْنَى: فَجَازَيْنَاهَا عَلَى عتوّها جَزَاء يكافىء طُغْيَانَهَا.

وَالْعَذَابُ النُّكُرُ: هُوَ عَذَابُ الِاسْتِئْصَالِ بِالْغَرَقِ، وَالْخَسْفِ، وَالرَّجْمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَعَطْفُ الْعَذَابِ عَلَى الْحِسَابِ مُؤْذِنٌ بِأَنَّهُ غَيْرُهُ، فَالْحِسَابُ فِيمَا لَقُوهُ قَبْلَ الِاسْتِئْصَالِ مِنَ الْمُخَوِّفَاتِ وَأَشْرَاطِ الْإِنْذَارِ مِثْلَ الْقَحْطِ وَالْوَبَاءِ وَالْعَذَابِ هُوَ مَا تُوُعِّدُوا بِهِ.

وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْحِسَابَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَيُرَادَ بِهِ حِسَابُ الْآخِرَةِ. وَشِدَّتُهُ قُوَّةُ الْمُنَاقَشَةِ فِيهِ وَالِانْتِهَارُ عَلَى كُلِّ سَيِّئَةٍ يُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا.

ص: 334

وَالْعَذَابُ: عَذَابُ جَهَنَّمِ، وَيَكُونُ الْفِعْلُ الْمَاضِي مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ تَشْبِيهًا لِلْمُسْتَقْبَلِ بِالْمَاضِي فِي تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ مِثْلَ قَوْلِهِ: أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النَّحْل: 1]، وَقَوْلِهِ: وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ

[الْأَعْرَاف: 44] .

وَالنُّكُرُ بِضَمَّتَيْنِ، وَبِضَمٍّ فَسُكُونٍ: مَا يُنْكِرُهُ الرَّأْيُ مِنْ فَظَاعَةِ كَيْفِيَّتِهِ إِنْكَارًا شَدِيدًا.

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ نُكْراً بِضَمَّتَيْنِ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِسُكُونِ الْكَافِ. وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ.

وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها لِتَفْرِيعِ فَحاسَبْناها وَعَذَّبْناها.

وَالذَّوْقُ: هُنَا الْإِحْسَاسُ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ.

وَالْوَبِيلُ: صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ. يُقَالُ: وَبُلَ (بِالضَّمِّ) : الْمَرْعَى، إِذَا كَانَ كَلَأُهُ وَخِيمًا ضَارًّا لِمَا يَرْعَاهُ.

وَالْأَمْرُ: الْحَالُ وَالشَّأْنُ، وَإِضَافَةُ الْوَبَالِ إِلَى الْأَمْرِ مِنْ إِضَافَةِ الْمُسَبِّبِ إِلَى السَّبَبِ، أَيْ ذَاقُوا الْوَبَالَ الَّذِي تَسَبَّبَ لَهُمْ فِيهِ أَمْرُهُمْ وَشَأْنُهُمُ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ.

وَعَاقِبَةُ الْأَمْرِ: آخِرُهُ وَأَثَرُهُ. وَهُوَ يَشْمَلُ الْعَاقِبَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:

أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً.

وَشُبِّهَتْ عَاقِبَتُهُمُ السُّوأَى بِخَسَارَةِ التَّاجِرِ فِي بَيْعِهِ فِي أَنَّهُمْ لَمَّا عَتَوْا حَسِبُوا أَنَّهُمْ أَرْضَوْا أَنْفُسَهُمْ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الرُّسُلِ وانتصروا عَلَيْهِم فَلَمَّا لَبِثُوا أَنْ صَارُوا بِمَذَلَّةٍ وَكَمَا يَخْسَرُ التَّاجِرُ فِي تَجْرِهِ.

وَجِيءَ بِفِعْلِ كانَ بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ لِأَنَّ الْحَدِيثَ عَنْ عَاقِبَتِهَا فِي الدُّنْيَا تَغْلِيبًا. وَفِي كُلِّ ذَلِكَ تَفْظِيعٌ لِمَا لَحِقَهُمْ مُبَالَغَةً فِي التَّحْذِيرِ مِمَّا وَقَعُوا فِيهِ.

وَجُمْلَةُ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً بَدَلُ اشْتِمَالِ مِنْ جُمْلَةِ وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً أَوْ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ.

ص: 335

وَالْمُرَادُ عَذَابُ الْآخِرَةِ لِأَنَّ الْإِعْدَادَ التَّهْيِئَةُ وَإِنَّمَا يُهَيَّأُ الشَّيْءُ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ.

وَإِنْ جَعَلْتَ الْحِسَابَ وَالْعَذَابَ الْمَذْكُورَيْنِ آنِفًا حِسَابَ الْآخِرَةِ وَعَذَابَهَا كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فَجُمْلَةُ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً اسْتِئْنَافًا لِبَيَانِ أَنَّ ذَلِكَ مُتَزَايِدٌ غَيْرُ مُخَفَّفٍ مِنْهُ كَقَوْلِهِ:

فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً [النبأ: 30] .

فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا.

هَذَا التَّفْرِيعُ الْمَقْصُودُ عَلَى التَّكَالِيفِ السَّابِقَةِ وَخَاصَّةً عَلَى قَوْلِهِ: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطَّلَاق: 1] وَهُوَ نَتِيجَةُ مَا مَهَّدَ لَهُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ.

وَفِي نِدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِوَصْفِ أُولِي الْأَلْبابِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْعُقُولَ الرَّاجِحَةَ تَدْعُو إِلَى تَقْوَى اللَّهِ لِأَنَّهَا كَمَالٌ نَفْسَانِيٌّ، وَلِأَنَّ فَوَائِدَهَا حَقِيقِيَّةٌ دَائِمَةٌ، وَلِأَنَّ بِهَا اجْتِنَابَ الْمَضَارِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ تَعَالَى: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ [يُونُس: 62، 63]، وَقَوْلُهُ: أُولِي مَعْنَاهُ ذَوِي، وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ:

وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ [الطَّلَاق: 4] آنِفًا والَّذِينَ آمَنُوا بَدَلٌ مِنْ أُولِي الْأَلْبابِ.

وَهَذَا الِاتِّبَاع يومىء إِلَى أَنَّ قَبُولَهُمُ الْإِيمَانَ عُنْوَانٌ عَلَى رَجَاحَةِ عُقُولِهِمْ. وَالْإِتْيَانُ بِصِلَةِ الْمَوْصُولِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْإِيمَانَ سَبَبٌ لِلتَّقْوَى وَجَامِعٌ لِمُعْظَمِهَا وَلَكِنَّ لِلتَّقْوَى دَرَجَاتٍ هِيَ الَّتِي أُمِرُوا بِأَنْ يُحِيطُوا بِهَا.

قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ.

فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَعْنَى الْعِلَّةِ لِلْأَمْرِ بِالتَّقْوَى لِأَنَّ إِنْزَالَ الْكِتَابِ نَفْعٌ عَظِيمٌ لَهُمْ مُسْتَحِقٌّ شُكْرَهُمْ عَلَيْهِ.

ص: 336

وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ قَدْ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ وَبَعَثِ النُّفُوسِ عَلَى تَصَفُّحِ هَذَا الْكِتَابِ وَمُتَابَعَةِ

إرشاد الرَّسُول صلى الله عليه وسلم.

وَالذِّكْرُ: الْقُرْآنُ. وَقَدْ سُمِّيَ بِالذِّكْرِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَذْكِيرَ النَّاسِ بِمَا هُمْ فِي غَفْلَةٍ عَنْهُ مِنْ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَنْهَا مِنْ حُسْنِ السُّلُوكِ، ثُمَّ تَذْكِيرَهُمْ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ التَّكَالِيفِ وَبَيَّنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [6] . وَإِنْزَالُ الْقُرْآنِ تَبْلِيغُهُ إِلَى الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ وَاسْتُعِيرَ لَهُ الْإِنْزَالُ لِأَنَّ الذِّكْرَ مُشَبَّهٌ بِالشَّيْءِ الْمَرْفُوعِ فِي السَّمَاوَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ وَفِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ.

وَجُعِلَ إِنْزَالُ الذِّكْرِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ انتفعوا بِهِ وَعمِلُوا بِمَا فِيهِ فَخُصِّصُوا هُنَا مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الْأُمَمِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ.

وَقَوْلُهُ: رَسُولًا بَدَلٌ مِنْ ذِكْراً بَدَلُ اشْتِمَالٍ لِأَنَّ بَيْنَ الْقُرْآنِ وَالرَّسُول مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم مُلَازَمَةً وَمُلَابَسَةً فَإِنَّ الرِّسَالَةَ تَحَقَّقَتْ لَهُ عِنْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ، فَقَدْ أُعْمِلَ فِعْلُ أَنْزَلَ فِي رَسُولًا تَبَعًا لِإِعْمَالِهِ فِي الْمُبْدَلِ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْمُقَارَنَةِ وَاشْتِمَالِ مَفْهُومِ أَحَدِ الِاسْمَيْنِ عَلَى مَفْهُومِ الْآخَرِ. وَهَذَا كَمَا أُبْدِلَ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ [الْبَيِّنَة: 2] مِنْ قَوْلِهِ: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ فِي سُورَةِ الْبَيِّنَةِ [1] .

وَالرَّسُولُ: هُوَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم.

وَأَمَّا تَفْسِيرُ الذِّكْرِ بِجِبْرِيلَ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْكَلْبِيِّ لِتَصْحِيحِ إِبْدَالِ رَسُولًا مِنْهُ فَفِيهِ تَكَلُّفَاتٌ لَا دَاعِيَ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا مَحِيصَ عَنِ اعْتِبَارِ بَدَلِ الِاشْتِمَالِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ وَصَفُ جِبْرِيلَ بِأَنَّهُ يَتْلُو عَلَى النَّاسِ الْآيَاتِ فَإِنَّ مَعْنَى التِّلَاوَةِ بَعِيدٌ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ تَفْسِيرُ الذِّكْرِ بِجِبْرِيلَ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولًا مَفْعُولًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ وَتَقْدِيرُهُ:

وَأَرْسَلَ إِلَيْكُمْ رَسُولًا، وَيَكُونُ حَذْفُهُ إِيجَازًا إِلَّا أَنَّ الْوَجْهَ السَّابِقَ أَبْلَغُ وَأَوْجَزُ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ مُبَيِّناتٍ بِفَتْحِ الْيَاءِ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا وَمَآلُ الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ.

وَجُعِلَتْ عِلَّةُ إِنْزَالِ الذِّكْرِ إِخْرَاجَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنْ

ص: 337