الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَرِيمَةٍ دَفَعُوهُ عَنْهَا بِضَرْبِ أَنْفِهِ بِالرُّمْحِ لِئَلَا يَكُونُ نَتَاجُهَا هَجِينًا. وَإِذَا تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ وَكَانَ تزوج النبيء صلى الله عليه وسلم أَمَّ حَبِيبَةٍ فِي مُدَّةِ مُهَاجَرَتِهَا بِالْحَبَشَةِ وَتِلْكَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ. يَعْنِي فَتَكُونُ آيَةُ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ إِلَخْ نَزَلَتْ قَبْلَ نِزُولِ أَوَّلِ السُّورَةِ ثُمَّ أُلْحِقَتْ بِالسُّورَةِ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَلَامُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى وَجْهِ الْمِثَالِ لِحُصُولِ الْمَوَدَّةِ مَعَ بَعْضِ الْمُشْرِكِينَ، وَحُصُولُ مِثْلِ تِلْكَ الْمَوَدَّة يهيّيء صَاحِبَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَاسْتَبْعَدَ ابْنُ عَطِيَّةَ صِحَّةَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وعَسَى فِعْلُ مُقَارَبَةٍ وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ هُنَا فِي رَجَاءِ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ أَوْ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْوَعْدِ مُجَرَّدَةٌ عَنِ الرَّجَاءِ. قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : كَمَا يَقُولُ الْمَلِكُ فِي بَعْضِ الْحَوَائِجِ عَسَى أَوْ لَعَلَّ فَلَا تَبْقَى شُبْهَةٌ لِلْمُحْتَاجِ فِي تَمَامِ ذَلِكَ.
وَضَمِيرُ مِنْهُمْ عَائِدٌ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْ قَوْلِهِ: لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ [الممتحنة: 1] .
وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ قَدِيرٌ تَذْيِيلٌ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ شَدِيدُ الْقُدْرَةِ عَلَى أَنْ يُغَيِّرَ الْأَحْوَالَ فَيَصِيرُ الْمُشْرِكُونَ مُؤْمِنِينَ صَادِقِينَ وَتَصِيرُونَ أَوِدَّاءَ لَهُمْ.
وَعَطَفَ عَلَى التَّذْيِيلِ جُمْلَةَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، أَيْ يَغْفِرُ لِمَنْ أَنَابُوا إِلَيْهِ وَيَرْحَمُهُمْ فَلَا عَجَبَ أَنْ يَصِيرُوا أَوِدَّاءَ لَكُمْ كَمَا تَصِيرُونَ أوداء لَهُم.
[8]
[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 8]
لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)
اسْتِئْنَافٌ هُوَ مَنْطُوقٌ لِمَفْهُومِ الْأَوْصَافِ الَّتِي وُصِفَ بِهَا الْعَدُوُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ [الممتحنة: 1] وَقَوْلُهُ: إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ [الممتحنة: 2] ، الْمَسُوقَةِ مَسَاقَ التَّعْلِيلِ لِلنَّهِي عَنْ اتِّخَاذِ عَدُوِّ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ، اسْتَثْنَى اللَّهُ أَقْوَامًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ غَيْرَ مُضْمِرِينَ الْعَدَاوَةَ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَانَ دِينُهُمْ شَدِيدَ الْمُنَافَرَةِ مَعَ دِينِ الْإِسْلَامِ.
فَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى وَصْفِ الْعَدُوِّ مِنْ قَوْلِهِ: لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى حَالَةِ مُعَادَاةِ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي الدِّينِ وَنَظَرْنَا مَعَ ذَلِكَ إِلَى وَصْفِ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ، كَانَ مَضْمُونُ قَوْلِهِ: لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ إِلَى آخِرِهِ، بَيَانًا لِمَعْنَى الْعَدَاوَةِ الْمَجْعُولَةِ عِلَّةً لِلنَّهِي عَنِ الْمُوَالَاةِ وَكَانَ الْمَعْنَى أَنَّ مَنَاطَ النَّهْيِ هُوَ مَجْمُوعُ الصِّفَات الْمَذْكُورَة لَا كل صِفَةٍ عَلَى حِيَالِهَا.
وَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى أَنَّ وَصْفَ الْعَدُوِّ هُوَ عَدُوُّ الدِّينِ، أَيْ مُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهِ مَعَ ضَمِيمَةِ وَصْفِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ، كَانَ مَضْمُونُ لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ إِلَى آخِرِهِ تَخْصِيصًا لِلنَّهْيِ بِخُصُوصِ أَعْدَاءِ الدِّينِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوا الْمُسْلِمِينَ لِأَجْلِ الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ دِيَارِهِمْ.
وَأَيًّا مَا كَانَ فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ قَدْ أَخْرَجَتْ مِنْ حُكْمِ النَّهْيِ الْقَوْمَ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوا فِي
الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَاتِّصَالُ هَذِهِ الْآيَةِ بِالْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا يَجْعَلُ الِاعْتِبَارَيْنِ سَوَاءً فَدَخَلَ فِي حكم هَذِه الْآيَةِ أَصْنَافٌ وَهُمْ حلفاء النبيء صلى الله عليه وسلم مِثْلُ خُزَاعَةَ، وَبَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، وَمُزَيْنَةَ كَانَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مظاهرين النبيء صلى الله عليه وسلم وَيُحِبُّونَ ظُهُورَهُ عَلَى قُرَيْشٍ، وَمِثْلُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ جَاءَتْ قُتَيْلَةُ (بِالتَّصْغِيرِ وَيُقَالُ لَهَا: قَتَلَةُ، مُكَبَّرًا) بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَهِيَ أُمُّ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ إِلَى الْمَدِينَةِ زَائِرَةً ابْنَتَهَا وَقُتَيْلَةُ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكَةٌ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا الْمُهَادَنَةُ بَيْنَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ (وَهِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا هَذِهِ السُّورَةُ)
فَسَأَلَتْ أَسْمَاءُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: أَتَصِلُ أُمَّهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ»
، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِهَا.
وَقَوْلُهُ: أَنْ تَبَرُّوهُمْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ إِلَخْ، لِأَنَّ وُجُودَ ضَمِيرِ الْمَوْصُولِ فِي الْمُبْدَلِ وَهُوَ الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي أَنْ تَبَرُّوهُمْ يَجْعَلُ بِرَّ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ مِمَّا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ أَحْوَالُهُمْ. فَدَخَلَ فِي الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوا الْمُسْلِمِينَ فِي الدِّينِ نَفَرٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِنْهُمُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَالَّذِينَ شَمَلَتْهُمْ أَحْكَامُ هَذِهِ الْآيَةِ كُلُّهُمْ قَدْ قِيلَ إِنَّهُمْ سَبَبُ نُزُولِهَا وَإِنَّمَا هُوَ شُمُولٌ وَمَا هُوَ بِسَبَبِ نُزُولٍ.