المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة التغابن (64) : آية 2] - التحرير والتنوير - جـ ٢٨

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌58- سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 22]

- ‌59- سُورَةُ الْحَشْرِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 24]

- ‌60- سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 13]

- ‌61- سُورَةُ الصَّفِّ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : الْآيَات 10 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 14]

- ‌62- سُورَةُ الْجُمُعَةِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 11]

- ‌63- سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 11]

- ‌64- سُورَةُ التَّغَابُنِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : الْآيَات 17 الى 18]

- ‌65- سُورَةُ الطَّلَاقِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 2 الى 3]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 8 الى 11]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 12]

- ‌66- سُورَةُ التَّحْرِيمِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 12]

الفصل: ‌[سورة التغابن (64) : آية 2]

عَنِ الشُّرَكَاءِ وَعَنِ النَّقَائِصِ لَا مُقْتَضَى لَهَا إِلَّا انْفِرَادُهُ بِتَمَلُّكِهَا وَإِيجَادِهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ وَتَصَرُّفِهِ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمَالِكِ الْمُتَفَرِّدِ فِي مُلْكِهِ.

وَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ تَنْوِيهٌ بِإِقْبَالِ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَلَى تَسْبِيحِ اللَّهِ وَتَجْدِيدِ ذَلِكَ التَّسْبِيحِ.

فَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ لِإِفَادَةِ تَخْصِيصِهِ بِالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ، أَيْ قَصْرُ تَعَلُّقِ لَامِ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْمُلْكِ عَلَيْهِ تَعَالَى فَلَا مُلْكَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِمَا لِغَيْرِ اللَّهِ مِنْ مُلْكٍ لِنَقْصِهِ وَعَدَمِ خُلُوِّهِ عَنِ الْحَاجَةِ إِلَى غَيْرِهِ مَنْ هُوَ لَهُ بِخِلَافِ مُلْكِهِ

تَعَالَى فَهُوَ الْمَلِكُ الْمُطْلَقُ الدَّاخِلُ فِي سُلْطَانِهِ كُلُّ ذِي مُلْكٍ.

وَجُمْلَةُ وَلَهُ الْحَمْدُ مَضْمُونُهَا سَبَبٌ لِتَسْبِيحِ اللَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، إِذِ التَّسْبِيحُ مِنَ الْحَمْدِ، فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ حَمْدُ ذَوِي الْإِدْرَاكِ مُخْتَصًّا بِهِ تَعَالَى إِذْ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِالْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ الْمُطْلَقِ فَهُوَ الْحَقِيقُ بِالْحَمْدِ وَالتَّسْبِيحِ.

فَهَذَا الْقَصْرُ ادِّعَائِيٌّ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِحَمْدِ غَيْرِهِ لِنُقْصَانِ كَمَالَاتِهِمْ وَإِذَا أُرِيدَ بِالْحَمْدِ مَا يَشْمَلُ الشُّكْرَ أَوْ يُفْضِي إِلَيْهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ «الْحَمْدُ رَأْسُ الشُّكْرِ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ عَبَدٌ لَمْ يَحْمَدْهُ» وَهُوَ مُقْتَضَى الْمَقَامِ مِنْ تَسْفِيهِ أَحْلَامِ الْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَتِهِمْ غَيْرَهُ فَالشُّكْرُ أَيْضًا مَقْصُورٌ عَلَيْهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ الْمُنْعِمُ الْحَقُّ بِنِعَمٍ لَا قِبَلَ لِغَيْرِهِ بِإِسْدَائِهَا، وَهُوَ الْمُفِيضُ عَلَى الْمُنْعِمِينَ مَا يُنْعِمُونَ بِهِ فِي الظَّاهِرِ، قَالَ تَعَالَى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النَّحْل: 53] كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ أَوَّلِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ.

وَجُمْلَةُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى اللَّتَيْنِ قَبِلَهَا وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ لَهُمَا وَالتَّبْيِينِ لِوَجْهِ الْقَصْرَيْنِ فِيهِمَا، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ هُوَ صَاحِبُ الْمُلْكِ الْحَقِّ وَهُوَ الْمُخْتَصُّ بِالْحَمْدِ الْحَقِّ.

وَفِي هَذَا التَّذْيِيلِ وَعْدٌ لِلشَّاكِرِينَ وَوَعِيدٌ وَتَرْهِيبٌ لِلْمُشْرِكِينَ.

وَالِاقْتِصَارُ عَلَى ذِكْرِ وَصْفِ قَدِيرٌ هُنَا لِأَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي تُسَبِّحُ اللَّهَ دَالَّةٌ عَلَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ أَوَّلًا لِأَنَّ مَنْ يُشَاهِدِ الْمَخْلُوقَاتِ يَعْلَمْ أَنَّ خَالِقهَا قَادر.

[2]

[سُورَة التغابن (64) : آيَة 2]

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

ص: 261

(2)

هَذَا تَقْرِيرٌ لِمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [التغابن: 1] ، وَتَخَلُّصٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الَّذِينَ أَشْرَكُوا بِاللهِ قَدْ كَفَرُوا بِنِعْمَتِهِ وَبِخَلْقِهِمْ زِيَادَةً عَلَى جَحْدِهِمْ دَلَائِلَ تَنَزُّهِهِ تَعَالَى عَنِ النَّقْصِ الَّذِي اعْتَقَدُوهُ لَهُ. وَلِذَلِكَ قَدَّمَ فَمِنْكُمْ كافِرٌ عَلَى وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ لِأَنَّ الشِّقَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْكَلَامِ تَعْرِيضًا وَتَصْرِيحًا.

وَأَفَادَ تَعْرِيفُ الْجُزْأَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ قَصْرَ صِفَةِ الْخَالْقِيَّةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ قَصْرٌ حَقِيقِيٌّ قُصِدَ بِهِ الْإِشَارَةُ بِالْكِنَايَةِ بِالرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ إِذْ عَمَدُوا إِلَى عِبَادَةِ أَصْنَامٍ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا لَمْ تَخْلُقْهُمْ فَمَا كَانَتْ مُسْتَحِقَّةً لِأَنْ تُعْبَدَ، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ شُكْرٌ. قَالَ تَعَالَى:

أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [النَّحْل: 17] .

وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: خَلَقَكُمْ لِجَمِيعِ النَّاسِ الَّذِينَ يَدْعُوهُمُ الْقُرْآنُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ:

فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ، فَإِنَّ النَّاسَ لَا يُعِدُّونَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ.

وَالْفَاءُ فِي فَمِنْكُمْ كافِرٌ عَاطِفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَلَيْسَتْ عَاطِفَةً عَلَى فِعْلِ خَلَقَكُمْ وَهِيَ لِلتَّفْرِيعِ فِي الْوُقُوعِ دُونَ تَسَبُّبٍ.

وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ [الْحَدِيد: 26] وَمِثْلُ هَذَا التَّفْرِيعِ يَسْتَتْبِعُ التَّعْجِيبَ مِنْ جَرْيِ أَحْوَالِ بَعْضِ النَّاسِ عَلَى غَيْرِ مَا يَقْتَضِيهِ الطَّبْعُ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الْوَاقِعَة: 82] فَجُمْلَةُ فَمِنْكُمْ كافِرٌ هِيَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّفْرِيعِ، وَهُوَ تَفْرِيعٌ فِي الْحُصُولِ، وَقُدِّمَ ذِكْرُ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ فِي هَذَا الْمَقَامِ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ [التغابن: 5] .

وَجُمْلَةُ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ تَتْمِيمٌ وَتَنْوِيهٌ بِشَأْنِ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَمُضَادَّةُ حَالِهِمْ لِحَالِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَمُقَابَلَةُ الْحَالِ بِالْحَالِ.

وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ تَتْمِيمٌ وَاحْتِرَاسٌ وَاسْتِطْرَادٌ، فَهُوَ تَتْمِيمٌ لِمَا يُكَمِّلُ الْمَقْصُودُ مِنْ تَقْسِيمِهِمْ إِلَى فَرِيقَيْنِ لِإِبْدَاءِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَلِكَ وَعَلِيمٌ بِأَنَّهُ يَقَعُ وَلَيْسَ اللَّهُ مَغْلُوبًا عَلَى وُقُوعِهِ وَلَكِنَّ حِكْمَتَهُ وَعِلْمَهُ اقْتَضَيَا ذَلِكَ. وَدُونَ تَفْصِيلٍ هَذَا تَطْوِيلٌ نَخُصُّهُ بِتَأْلِيفٍ فِي مَعْنَى الْقَدَرِ وَجَرَيَانِ أَعْمَالِ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَنَقْتَصِرُ هُنَا عَلَى أَنْ نَقُولَ: خَلَقَ اللَّهُ النَّاسَ

ص: 262

وَأَوْدَعَ فِيهِمُ الْعُقُولَ الَّتِي تَتَوَصَّلُ بِالنَّظَرِ السَّلِيمِ مِنَ التَّقْصِيرِ وَشَوَائِبِ الْهَوَى وَغِشَاوَاتِ الْعِنَادِ إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ عَلَى الْوَصْفِ اللَّائِقِ بِهِ وَخَلَقَ فِيهِمُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَغَيْرِهَا الْمُسَمَّاةِ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ بِالْكَسْبِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ بِقُدْرَةِ الْعَبْدِ (وَالْخِلَافُ فِي التَّعْبِيرِ) . وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى الصَّلَاحِ وَحَذَّرَهُمْ مِنَ الْفَسَادِ، وَاللَّهُ عَالِمٌ بِمَا يَكْتَسِبُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَلَوْ شَاءَ لَصَرَفَ مُقْتَرِفَ الْفَسَادِ عَنْ فِعْلِهِ وَلَكِنَّهُ أَوْجَدَ نُظُمًا مُرْتَبِطًا بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَمُنْتَشِرَةً فَقَضَتْ حِكْمَتُهُ بِالْحِفَاظِ عَلَى تِلْكَ النُّظُمِ الْكَثِيرَةِ بِأَنْ لَا يَعُوقَ سَيْرَهَا فِي طَرَائِقِهَا وَلَا يُعَطِّلَ عَمَلَهَا لِأَجْلِ إِصْلَاحِ أَشْخَاصِ هُمْ جُزْءٌ مِنْ كُلٍّ لِأَنَّ النُّظُمَ الْعَامَّةَ أَعَمُّ فَالْحِفَاظُ عَلَى اطِّرَادِهَا أَصْلَحُ وَأَرْجَحُ، فَلَا تَتَنَازَلُ إِرَادَةُ اللَّهِ وَقُدْرَتُهُ إِلَى التَّدَخُّلِ فِيمَا سُمِّيَ بِالْكَسْبِ عَلَى أصولنا أَو بِالْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ عَلَى أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ، بَلْ جَعَلَ بِحِكْمَتِهِ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْكَسْبِ حَاجِزًا هُوَ نِظَامُ تَكْوِينِ الْإِنْسَانِ بِمَا فِيهِ مِنْ إِرَادَةٍ وَإِدْرَاكٍ وَقُدْرَةٍ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا قَوْلُهُ: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أَيْ هُوَ بَصِيرٌ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَعْمَلُوهُ، وَبَعْدَ أَنْ عَمِلْتُمُوهُ.

فَالْبَصِيرُ: أُرِيدَ بِهِ الْعَالِمُ عِلْمَ انْكِشَافٍ لَا يَقْبَلُ الْخَفَاءَ فَهُوَ كَعِلْمِ الْمُشَاهِدَةِ وَهَذَا إِطْلَاقٌ شَائِعٌ فِي الْقُرْآنِ لَا سِيَّمَا إِذَا أُفْرِدَتْ صِفَةُ بَصِيرٌ بِالذِّكْرِ وَلَمْ تُذْكَرْ مَعَهَا صِفَةُ «سَمِيعٌ» .

وَاصْطَلَحَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّ صِفَةَ الْبَصِيرَةِ: الْعَالِمُ بِالْمَرْئِيَّاتِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:

هِيَ تَعَلُّقُ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ بِالْأُمُورِ عِنْدَ وُقُوعِهَا. وَالْحَقُّ أَنَّهَا اسْتِعْمَالَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ. وَبِهَذَا يَتَّضِحُ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ مَا يَبْدُو مِنْ تَعَارُضٍ بَيْنَ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَإِخْبَارٍ مِنَ السُّنَّةِ فَاجْعَلُوهُ مِثَالا يحتدى، وَقُولُوا هَكَذَا. هَكَذَا.

وَهُوَ احْتِرَاسٌ مِنْ أَنْ يَتَوَهَّمَ مِنْ تَقْسِيمِهِمْ إِلَى فَرِيقَيْنِ أَنَّ ذَلِكَ رِضَى بِالْحَالِينِ كَمَا حُكِيَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ مَا عَبَدْناهُمْ [الزخرف: 20] .

وَهُوَ اسْتِطْرَادٌ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ بِهِ عَنِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ.

وَشَمَلَ قَوْلُهُ: بِما تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ الْقُلُوبِ كَالْإِيمَانِ وَهِيَ الْمَقْصُودُ ابْتِدَاءً هُنَا

ص: 263