الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَغْرَاضُهَا
وَاشْتَمَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى التَّذْكِيرِ بِأَنَّ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ يُسَبِّحُونَ لِلَّهِ، أَيْ يُنَزِّهُونَهُ عَنِ النَّقَائِصِ تَسْبِيحًا مُتَجَدِّدًا.
وَأَنَّ الْمُلْكَ لِلَّهِ وَحْدَهُ فَهُوَ الْحَقِيقُ بِإِفْرَادِهِ بِالْحَمْدِ لِأَنَّهُ خَالِقُ النَّاسِ كُلِّهِمْ فَآمَنَ
بِوَحْدَانِيَّتِهِ نَاسٌ وَكَفَرَ نَاسٌ وَلَمْ يَشْكُرُوا نِعَمَهُ إِذْ خَلَقَهُمْ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَتَحْذِيرِهِمْ مِنْ إِنْكَارِ رِسَالَة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم.
وَإِنْذَارِهِمْ عَلَى ذَلِكَ لِيَعْتَبِرُوا بِمَا حَلَّ بِالْأُمَمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ وَجَحَدُوا بِيِّنَاتِهِمْ تَكَبُّرًا أَنْ يَهْتَدُوا بِإِرْشَادِ بَشَرٍ مِثْلِهِمْ.
وَالْإِعْلَامِ بِأَنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالظَّاهِرِ وَالْخَفِيِّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَلَا يَجْرِي أَمْرٌ فِي الْعَالَمِ إِلَّا عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ.
وَأَنْحَى عَلَيْهِمْ إِنْكَارَ الْبَعْثِ وَبَيَّنَ لَهُمْ عَدَمَ اسْتِحَالَتِهِ وَهَدَّدَهُمْ بِأَنَّهُمْ يَلْقَوْنَ حِينَ يُبْعَثُونَ جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ فَإِنْ أَرَادُوا النَّجَاةَ فَلْيُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ وليصدقوا رَسُوله صلى الله عليه وسلم وَالْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ وَيُؤْمِنُوا بِالْبَعْثِ فَإِنَّهُمْ إِنْ آمَنُوا كُفِّرَتْ عَنْهُمْ سَيِّئَاتُهُمْ وَإِلَّا فَجَزَاؤُهُمُ النَّارُ خَالِدِينَ فِيهَا.
ثُمَّ تَثْبِيتِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا يُلَاقُونَهُ مِنْ ضُرِّ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِمْ فَلْيَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ فِي أُمُورِهِمْ.
وَتَحْذِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَعْضِ قَرَابَتِهِمُ الَّذِينَ تَغَلْغَلَ الْإِشْرَاكُ فِي نُفُوسِهِمْ تَحْذِيرًا مِنْ أَنْ يُثَبِّطُوهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْهِجْرَةِ.
وَعَرَّضَ لَهُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى أَمْوَالِهِمُ الَّتِي صَادَرَهَا الْمُشْرِكُونَ.
وَأَمَرَهُمْ بِإِنْفَاقِ الْمَالِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ الَّتِي يُرْضُونَ بِهَا رَبَّهُمْ وَبِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ لَهُ وَالطَّاعَة.
[1]
[سُورَة التغابن (64) : آيَة 1]
بسم الله الرحمن الرحيم
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(1)
لَمَّا كَانَ جُلُّ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ السُّورَةُ إِبْطَالَ إِشْرَاكِ الْمُشْرِكِينَ وَزَجْرَهُمْ عَنْ دِينِ الْإِشْرَاكِ بِأَسْرِهِ وَعَنْ تَفَارِيعِهِ الَّتِي أَعْظَمُهَا إِنْكَارُهُمُ الْبَعْثَ وتكذيبهم الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وَتَكْذِيبُ الْقُرْآنِ وَتِلْكَ أُصُولُ ضَلَالِهِمْ ابْتُدِئَتِ السُّورَةُ بِالْإِعْلَانِ بِضَلَالِهِمْ وَكُفْرَانِهِمُ الْمُنْعِمَ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُسَبِّحُ لِلَّهِ تَعَالَى عَنِ النَّقَائِصِ: إِمَّا بِلِسَانِ الْمَقَالِ مِثْلَ الْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ أَوْ بِلِسَانِ الْحَالِ مِثْلَ عِبَادَةِ الْمُطِيعِينَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُدْرِكَةِ كَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِمَّا بِلِسَانِ الْحَالِ مِثْلَ دَلَالَةِ حَالِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى الْإِيجَادِ وَالْإِمْدَادِ كَحَاجَةِ
الْحَيَوَانِ إِلَى الرِّزْقِ وَحَاجَةِ الشَّجَرَةِ إِلَى الْمَطَرِ وَمَا يَشْهَدُ بِهِ حَالُ جَمِيعِ تِلْكَ الْكَائِنَاتِ مِنْ أَنَّهَا مَرْبُوبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَمُسَخَّرَةٌ لِمَا أَرَادَهُ مِنْهَا. وَكُلُّ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ لَمْ تَنْقُضْ دَلَالَةَ حَالِهَا بِنَقَائِضِ كُفْرِ مَقَالِهَا فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذَا التَّسْبِيحِ إِلَّا أَهْلُ الضَّلَالِ مِنَ الْإِنْسِ وَالشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ حُجِبُوا بِشَهَادَةِ حَالِهِمْ لَمَّا غَشَوْهَا بِهِ مِنْ صَرْحِ الْكُفْرِ.
فَالْمَعْنَى: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَنْتُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ.
وَهَذَا يُفِيدُ ابْتِدَاءَ تَقْرِيرِ تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّةِ سُلْطَانِهِ لِيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَيَكُونُ لَهُمْ تَعْلِيمًا وَامْتِنَانًا وَيُفِيدُ ثَانِيًا بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ تَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَمْ يُنَزِّهُوهُ وَلَا وَقَّرُوهُ فَنَسَبُوا إِلَيْهِ شُرَكَاءَ.
وَجِيءَ بِفِعْلِ التَّسْبِيحِ مُضَارِعًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَجَدُّدِ ذَلِكَ التَّسْبِيحِ وَدَوَامِهِ وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُهُ فِي فَاتِحَةِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ.
وَجِيءَ بِهِ فِي فَوَاتِحِ سُوَرِ: الْحَدِيدِ، وَالْحَشْرِ، وَالصَّفِّ بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ التَّسْبِيحَ قَدِ اسْتَقَرَّ فِي قَدِيمِ الْأَزْمَانِ. فَحَصَلَ مِنْ هَذَا التَّفَنُّنِ فِي فواتح هَذِه السُّورَة كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ زِيَادَةً عَلَى مَا بَيَّنَاهُ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ الْخَاصَّةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ، وَمَا فِي هَاتِهِ السُّورَةِ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ تَجَدُّدِ التَّسْبِيحِ وَالْأَمْرِ بِالْعَفْوِ عَنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْأَمْرِ بِالتَّقْوَى بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِكَيْ لَا يَكْتَفِيَ الْمُؤْمِنُونَ بِحُصُولِ إِيمَانِهِمْ لِيَجْتَهِدُوا فِي تَعْزِيزِهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.
وَإِعَادَةُ مَا الْمَوْصُولَةِ فِي قَوْلِهِ: وَما فِي الْأَرْضِ لِقَصْدِ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ.
وَجُمْلَةُ لَهُ الْمُلْكُ اسْتِئْنَافٌ وَاقِعٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ والتسبب لمضمون يسبح لله مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ فَإِنَّ مُلَابَسَةَ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ لِدَلَائِلِ تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى