الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا عَطْفُ وَما تُعْلِنُونَ فَتَتْمِيمٌ لِلتَّذْكِيرِ بِعُمُومِ تَعَلُّقِ عِلْمِهِ تَعَالَى بِالْأَعْمَالِ.
وَقَدْ تَضْمَنَ قَوْلُهُ: وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَعِيدًا وَوَعْدًا نَاظِرَيْنِ إِلَى قَوْلِهِ:
فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ [التغابن: 2] فَكَانَتِ الْجُمْلَةُ لِذَلِكَ شَدِيدَةَ الِاتِّصَالِ بِجُمْلَةِ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ [التغابن: 2] .
وَإِعَادَةُ فِعْلِ يَعْلَمُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الْعِنَايَةِ بِهَذَا التَّعَلُّقِ الْخَاصِّ لِلْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ بَعْدَ ذِكْرِ تَعَلُّقِهِ الْعَامِّ فِي قَوْلِهِ: يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ تَنْبِيهًا عَلَى الْوَعِيدِ وَالْوَعْدِ بِوُجْهٍ خَاصٍّ.
وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ لِأَنَّهُ يعلم مَا يسرّه جَمِيعُ النَّاسِ مِنَ الْمُخَاطِبِينَ وَغَيْرِهِمْ.
وَذَات الصُّدُورِ صِفَةٌ لِمُوصُوفٍ مَحْذُوفٍ نَزَلَتْ مَنْزِلَةَ مَوْصُوفِهَا، أَيْ صَاحِبَاتِ الصُّدُورِ، أَيِ الْمَكْتُومَةِ فِيهَا.
وَالتَّقْدِيرُ: بِالنَّوَايَا وَالْخَوَاطِرِ ذَاتِ الصُّدُورِ كَقَوْلِهِ: وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ [الْقَمَر:
13] وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ فِي سُورَة الْأَنْفَال [43] .
[5]
[سُورَة التغابن (64) : آيَة 5]
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (5)
انْتِقَالٌ مِنَ التَّعْرِيضِ الرَّمْزِيِّ بِالْوَعِيدِ الْأُخْرَوِيِّ فِي قَوْلِهِ: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [التغابن: 2]، إِلَى قَوْلِهِ: وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [التغابن: 3]، وَقَوْلِهِ: وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ [التغابن: 4] ، إِلَى تَعْرِيضٍ أَوْضَحَ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْإِيمَاءِ إِلَى وَعِيدٍ لِعَذَابٍ دُنْيَوِيٍّ وَأُخْرَوِيٍّ مَعًا فَأَنَّ مَا يُسَمَّى فِي بَابِ الْكِنَايَةِ بِالْإِيمَانِ أَقَلَّ لَوَازِم من التَّعْرِيض وَالرَّمْزِ فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى التَّصْرِيحِ.
وَهَذَا الْإِيمَاءُ بِضَرْبِ الْمَثَلِ بِحَالِ أُمَمٍ تَلَقَّوْا رُسُلَهُمْ بِمِثْلِ مَا تَلَقَّى بِهِ الْمُشْركُونَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم
تَحْذِيرًا لَهُمْ مِنْ أَنْ يَحُلَّ بِهِمْ مِثْلُ مَا حَلَّ بِأُولَئِكَ، فَالْجُمْلَةُ ابْتِدَائِيَّةُ لِأَنَّهَا عَدٌّ لِصَنْفٍ ثَانٍ مِنْ أَصْنَافِ كُفْرِهِمْ وَهُوَ إِنْكَارُ الرِّسَالَةِ.
فَالْخِطَابُ لِخُصُوصِ الْفَرِيقِ الْكَافِرِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَهَذَا