المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة التغابن (64) : آية 14] - التحرير والتنوير - جـ ٢٨

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌58- سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 22]

- ‌59- سُورَةُ الْحَشْرِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 24]

- ‌60- سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 13]

- ‌61- سُورَةُ الصَّفِّ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : الْآيَات 10 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 14]

- ‌62- سُورَةُ الْجُمُعَةِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 11]

- ‌63- سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 11]

- ‌64- سُورَةُ التَّغَابُنِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : الْآيَات 17 الى 18]

- ‌65- سُورَةُ الطَّلَاقِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 2 الى 3]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 8 الى 11]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 12]

- ‌66- سُورَةُ التَّحْرِيمِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 12]

الفصل: ‌[سورة التغابن (64) : آية 14]

بِمَا يُصِيبُهُ فِي جَانِبِ طَاعَةِ اللَّهِ مِنْ مَصَائِبَ وَأَذًى كَمَا قَالَ حبيب بْنُ عَدِيٍّ:

لَسْتُ أُبَالِي حَيْنَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا

عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ فِي مَوْقِعِ الْعِلَّةِ لِجُمْلَةِ وَأَطِيعُوا اللَّهَ [التغابن: 12] وَتُفِيدُ أَيْضًا تَعْلِيلَ جُمْلَةِ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [التغابن: 12] لِأَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ تَرْجِعُ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ قَالَ تَعَالَى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النِّسَاء: 80] .

وَافْتِتَاحُ الْجُمْلَةِ بِاسْمِ الْجَلَالَةِ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ إِذْ لَمْ يَقُلْ هُوَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لِاسْتِحْضَارِ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا يَحْوِيهِ اسْمُ الْجَلَالَةِ مِنْ مَعَانِي الْكَمَالِ، وَلِتَكُونَ الْجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا فَتَكُونُ جَارِيَةً مَجْرَى الْأَمْثَالِ وَالْكَلِمِ الْجَوَامِعِ.

وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.

عَطْفٌ عَلَى وَأَطِيعُوا اللَّهَ فَهُوَ فِي مَعْنَى: وَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ وَأَنْتُمْ مُؤْمِنُونَ فتوكلوا عَلَيْهِ.

وَتقدم الْمَجْرُورِ لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ، أَيْ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لِا يَتَوَكَّلُونَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ.

وَجِيءَ فِي ذَلِكَ بِصِيغَةِ أَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ رَبْطًا عَلَى قُلُوبِهِمْ وَتَثْبِيتًا لِنُفُوسِهِمْ كَيْلَا يَأْسَفُوا مِنْ إِعْرَاضِ الْمُشْرِكِينَ وَمَا يُصِيبُهُمْ مِنْهُمْ وَأَنَّ ذَلِكَ لَنْ يَضُرَّهُمْ.

فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَعْتَزُّونَ بِهِمْ وَلَا يَتَقَوَّوْنَ بِأَمْثَالِهِمْ، لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَتَوَكَّلُوا إِلَّا عَلَيْهِ، وَفِيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ أَمْرَ اللَّهِ وَذَلِكَ يَغِيظُ الْكَافِرِينَ.

وَالْإِتْيَانُ بِاسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِتَكُونَ الْجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةً فَتَسِيرَ مَسْرَى الْمَثَلِ، وَلِذَلِكَ كَانَ إِظْهَارُ لَفْظِ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَقُلْ: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلُوا، وَلِمَا فِي الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْعُمُومِ الشَّامِلِ لِلْمُخَاطَبِينَ وَغَيْرِهِمْ لِيَكُونَ معنى التَّمْثِيل.

[14]

[سُورَة التغابن (64) : آيَة 14]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

ص: 282

(14)

إِقْبَالٌ عَلَى خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا يُفِيدُهُمْ كَمَالًا وَيُجَنِّبُهُمْ مَا يَفْتِنُهُمْ.

أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَسْلَمُوا وَأَرَادُوا أَنْ يَأْتُوا النبيء صلى الله عليه وسلم فَأَبَى أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ أَنْ يَدْعُوَهُمْ، فَلَمَّا أَتَوا النبيء صلى الله عليه وسلم أَيْ بَعْدَ مُدَّةٍ وَجَاءَ مَعَهُمْ أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ- وَرَأَوُا النَّاسَ قَدْ فَقِهُوا فِي الدِّينِ- أَيْ سَبَقُوهُمْ بِالْفِقْهِ فِي الدِّينِ لِتَأَخُّرِ هَؤُلَاءِ عَنِ الْهِجْرَةِ- فَهَمُّوا أَنْ يُعَاقِبُوهُمْ عَلَى مَا تَسَبَّبُوا لَهُمْ حَتَّى سَبَقَهُمُ النَّاسُ إِلَى الْفِقْهِ فِي الدِّينِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ:- أَيْ حَتَّى قَوْلِهِ:

وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ-. وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْوَاحِدِيُّ فِي «أَسْبَابِ النُّزُولِ» وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ» .

وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي شَأْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِ كَانَ ذَا أَهْلٍ وَوَلَدٍ فَكَانَ إِذَا أَرَادَ الْغَزْوَ بَكَوْا إِلَيْهِ وَرَقَّقُوهُ وَقَالُوا: إِلَى مَنْ تَدَعُنَا، فَيَرِقُّ لَهُمْ فَيَقْعُدُ عَنِ الْغَزْوِ. وَشَكَا ذَلِكَ إِلَى النبيء صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي شَأْنِهِمْ

. فَهَذِهِ الْآيَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا وَيَكُونُ مَوْقِعُهَا هَذَا سَبَبَ نُزُولِهَا صَادَفَ أَنْ كَانَ عَقِبَ مَا نَزَلَ قَبْلَهَا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ.

وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّ كِلْتَيْهِمَا تَسْلِيَةٌ عَلَى مَا أَصَابَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ غَمٍّ مِنْ مُعَامَلَةِ أَعْدَائِهِمْ إِيَّاهُمْ وَمِنِ انْحِرَافِ بَعْضِ أَزْوَاجِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ عَلَيْهِمْ.

وَإِذَا كَانَتِ السُّورَةُ كُلُّهَا مَكِّيَّةً كَمَا هُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ كَانَتِ الْآيَةُ ابْتِدَاءَ إِقْبَالٍ عَلَى تَخْصِيصِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْخِطَابِ بَعْدَ قَضَاءِ حَقِّ الْغَرَضِ الَّذِي ابْتُدِئَتْ بِهِ السُّورَةُ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي تَعْقِيبِ الْأَغْرَاضِ بِأَضْدَادِهَا مِنْ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ، وَثَنَاءٍ أَوْ مَلَامٍ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِيُوفَّى الطَّرَفَانِ حَقَّيْهِمَا، وَكَانَتْ تَنْبِيهًا لِلْمُسْلِمِينَ لِأَحْوَالٍ فِي عَائِلَاتِهِمْ قَدْ تَخْفَى عَلَيْهِمْ لِيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ، وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لَمَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ كَانَ الْمُسْلِمُونَ بِمَكَّةَ مُمْتَزِجِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِوَشَائِجِ النَّسَبِ وَالصِّهْرِ وَالْوَلَاءِ فَلَمَّا نَاصَبَهُمُ الْمُشْرِكُونَ الْعَدَاءَ لِمُفَارَقَتِهِمْ دِينِهِمْ وَأَضْمَرُوا لَهُمُ الْحِقْدَ وَأَصْبَحُوا فَرِيقَيْنِ كَانَ كُلُّ فَرِيقٍ غَيْرَ خَالٍ مِنْ أَفْرَادٍ مُتَفَاوِتِينَ فِي الْمُضَادَّةِ تَبَعًا لِلتَّفَاوُتِ فِي صَلَابَةِ الدِّينِ، وَفِي أَوَاصِرِ الْقَرَابَةِ وَالصِّهْرِ، وَقَدْ يَبْلُغُ الْعَدَاءُ إِلَى نِهَايَةِ طَرَفِهِ فَتَنْدَحِضُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الْأَوَاصِرِ فَيُصْبِحُ الْأَشَدُّ قُرْبًا أَشَدَّ مَضَرَّةً عَلَى قَرِيبِهِ مِنْ مَضَرَّةِ الْبَعِيدِ.

ص: 283

فَأَيْقَظَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْمُؤْمِنِينَ لِئَلَّا يَغُرَّهُمْ أَهْلُ قَرَابَتِهِمْ فِيمَا تُوُهِّمَ مِنْ جَانِبِ غُرُورِهِمْ فَيَكُونُ ضُرُّهُمْ أَشُدَّ عَلَيْهِمْ وَفِي هَذَا الْإِيقَاظِ مَصْلَحَةٌ لِلدِّينِ وَلِلْمُسْلِمِينَ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى:

فَاحْذَرُوهُمْ وَلَمْ يَأْمُرْ بِأَنْ يَضُرُّوهُمْ، وَأَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ

اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، جَمْعًا بَيْنَ الْحَذَرِ وَبَيْنَ الْمُسَالَمَةِ وَذَلِكَ مِنَ الْحَزْمِ.

ومِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ. وَتَقْدِيمُ خَبَرِ إِنَّ عَلَى اسْمِهَا لِلِاهْتِمَامِ بِهَذَا الْخَبَرِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَشْوِيقٍ إِلَى الِاسْمِ لِيَتَمَكَّنَ مَضْمُونُ هَذَا الْخَبَرِ فِي الذِّهْنِ أَتَمَّ تَمَكُّنٍ لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَابَةِ وَالْأَهَمِّيَّةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [8] .

وعدوّ وَصْفٌ مِنَ الْعَدَاوَةِ بِوَزْنِ فَعُولٍ بِمَعْنَى فَاعِلٍ فَلِذَلِكَ لَزَمَ حَالَةَ الْإِفْرَادِ وَالتَّذْكِيرِ إِذَا كَانَ وَصْفًا، وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [92] . فَأَمَّا إِذَا أُرِيدَ مِنْهُ مَعْنَى الِاسْمِيَّةِ فَيُطَابِقُ مَا أُجْرِي عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً [الممتحنة: 2] .

وَالْإِخْبَارُ عَنْ بَعْضِ الْأَزْوَاجِ وَالْأَوْلَادِ بِأَنَّهُمْ عَدُوٌّ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ يُضْمِرُ عَدَاوَةً لِزَوْجِهِ وَبَعْضَهُمْ لِأَبَوَيْهِ مِنْ جَرَّاءِ الْمُعَامَلَةِ بِمَا لَا يَرُوقُ عِنْدَهُ مَعَ خَبَاثَةٍ فِي النَّفْسِ وَسُوءِ تَفْكِيرٍ فَيَصِيرُ عَدُوًّا لِمَنْ حَقُّهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَدِيقًا، وَيَكْثُرُ أَنْ تَأْتِيَ هَذِهِ الْعَدَاوَةُ مِنِ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَمِنَ الِانْتِمَاءِ إِلَى الْأَعْدَاءِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، أَيْ كَالْعَدُوِّ فِي الْمُعَامَلَةِ بِمَا هُوَ مِنْ شَأْنِ مُعَامَلَةِ الْأَعْدَاءِ كَمَا قِيلَ فِي الْمَثَلِ: يَفْعَلُ الْجَاهِلُ بِنَفْسِهِ مَا يَفْعَلُ الْعَدُوُّ لِعَدُوِّهِ. وَهَذَا مِنِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ.

وَعُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ: فَاحْذَرُوهُمْ جُمْلَةُ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا إِلَى آخِرِهَا عَطْفَ الِاحْتِرَاسِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْعَفْوُ مَطْلُوبًا مَحْبُوبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ الذَّنْبِ فَإِنَّ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى مُجَرَّدِ ظَنِّ الْعَدَاوَةِ أَجْدَرُ بِالطَّلَبِ فَفُهِمَ النَّهْيُ عَنْ مُعَامَلَةِ الْأَزْوَاجِ وَالْأَبْنَاءِ مُعَامَلَةَ الْأَعْدَاءِ لِأَجْلِ إِيجَاسِ الْعَدَاوَةِ، بَلِ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّحْذِيرِ التَّوَقِّي وَأَخَذُ الْحِيطَةِ لِابْتِدَاءِ الْمُؤَاخَذَةِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ:«الْحَزْمُ سُوءُ الظَّنِّ بِالنَّاسِ» ، أَيْ لَكِنْ دُونَ أَنْ يُبْنَى عَلَى ذَلِكَ الظَّنِّ مُعَامَلَةُ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ مَا ظَنَنْتَ

ص: 284