المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة المجادلة (58) : آية 4] - التحرير والتنوير - جـ ٢٨

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌58- سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 22]

- ‌59- سُورَةُ الْحَشْرِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 24]

- ‌60- سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 13]

- ‌61- سُورَةُ الصَّفِّ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : الْآيَات 10 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 14]

- ‌62- سُورَةُ الْجُمُعَةِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 11]

- ‌63- سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 11]

- ‌64- سُورَةُ التَّغَابُنِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : الْآيَات 17 الى 18]

- ‌65- سُورَةُ الطَّلَاقِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 2 الى 3]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 8 الى 11]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 12]

- ‌66- سُورَةُ التَّحْرِيمِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 12]

الفصل: ‌[سورة المجادلة (58) : آية 4]

مَسَّ اسْتِمْتَاعٍ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ فِي اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ، كَمَا قَالَ: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الْبَقَرَة: 237] .

وَلِذَلِكَ جُعِلَتِ الْكَفَّارَةُ عِتْقَ رَقَبَةٍ لِأَنَّهُ يَفْتَدِي بِتِلْكَ الرَّقَبَةِ رَقَبَةَ زَوْجِهِ.

وَقَدْ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى مَوْعِظَةً بِقَوْلِهِ: ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ. وَاسْمُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ:

ذلِكُمْ عَائِدٌ إِلَى تَحْرِيرِ رَقَبَةٍ. وَالْوَعْظُ: التَّذْكِيرُ بِالْخَيْرِ وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الشَّرِّ بِتَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ، أَيْ فَرْضُ الْكَفَّارَةِ تَنْبِيهٌ لَكُمْ لِتَتَفَادَوْا مَسِيسَ الْمَرْأَةِ الَّتِي طُلِّقَتْ أَوْ تَسْتَمِرُّوا عَلَى مُفَارَقَتِهَا مَعَ الرَّغْبَةِ فِي الْعَوْدِ إِلَى مُعَاشَرَتِهَا لِئَلَّا تَعُودُوا إِلَى الظِّهَارِ. وَلَمْ يُسَمِّ اللَّهُ ذَلِكَ كَفَّارَةً هُنَا وسمّاها النبيء صلى الله عليه وسلم كَفَّارَةً كَمَا فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ فِي «جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ» وَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ مِنْ نَوْعِ الْعُقُوبَةِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «الْأَحْكَامِ» .

فَالْمُظَاهِرُ مَمْنُوعٌ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِزَوْجَتِهِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا، أَيْ مَمْنُوعٌ مِنْ عَلَائِقَ الزَّوْجِيَّةِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَعْطِيلَ الْعِصْمَةِ مَا لَمْ يُكَفِّرْ لِأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ ذَلِكَ فَإِنِ اسْتَمْتَعَ بِهَا قَبْلَ الْكَفَّارَةِ كُلِّهَا فَلْيَتُبْ إِلَى اللَّهِ وَلْيَسْتَغْفِرْ وَتَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ بِسَبَبِ الِاسْتِمْتَاع قبل التَّكْفِير لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَلَا يَضُرُّ تَكَرُّرُ مُسَبِّبِهِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتِ الْكَفَّارَةُ زَجْرًا وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَطْءُ الْمُظَاهِرِ امْرَأَتَهُ قبل الْكَفَّارَة زنا. وَقَدْ

رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ أَنَّهُ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ فَأمره النبيء صلى الله عليه وسلم بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ،

وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيِّ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَتَيْنِ.

وَتَفَاصِيلُ أَحْكَامِ الظِّهَارِ فِي صِيغَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مُفَصَّلَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.

وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ، أَيْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِجَمِيعِ مَا تَعْمَلُونَهُ مِنْ هَذَا التَّكْفِيرِ وَغَيْرِهِ.

[4]

[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 4]

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (4)

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً.

رُخْصَةٌ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ عِتْقَ رَقَبَةٍ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَى صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِدْ

ص: 19

رَقَبَةً يَعْتَاضُ بِفَكِّهَا عَنْ فَكِّ عِصْمَةِ الزَّوْجَةِ نُقِلَ إِلَى كَفَّارَةٍ فِيهَا مَشَقَّةُ النَّفْسِ بِالصَّبْرِ عَلَى لَذَّةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِيَدْفَعَ مَا الْتَزَمَهُ بِالظِّهَارِ مِنْ مَشَقَّةِ الصَّبْرِ عَلَى ابْتِعَادِ حَلِيلَتِهِ فَكَانَ الصَّوْمُ دَرَجَةً ثَانِيَةً قَرِيبَةً مِنْ دَرَجَةِ تَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ فِي الْمُنَاسَبَةِ.

وَأُعِيدَ قَيْدُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا لِلدِّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْمَسُّ إِلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الصِّيَامِ، فَلَا يَظُنُّ أَنَّ مُجَرَّدَ شُرُوعِهِ فِي الصِّيَامِ كَافٍ فِي الْعَوْدِ إِلَى الِاسْتِمْتَاعِ.

فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، أَيْ لِعَجْزِهِ أَوْ ضَعْفِهِ رَخَّصَ اللَّهَ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَى إِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا عِوَضًا عَنِ الصِّيَامِ فَالْإِطْعَامُ دَرَجَةٌ ثَالِثَةٌ يَدْفَعُ عَنْ سِتِّينَ مِسْكِينًا أَلَمَ الْجُوعِ عِوَضًا عَمَّا كَانَ الْتَزَمَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَشَقَّةِ الِابْتِعَادِ عَنْ لَذَّاتِهِ، وَإِنَّمَا حُدِّدَتْ بِسِتِّينَ مِسْكِينًا إِلْحَاقًا لِهَذَا بِكَفَّارَةِ فِطْرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ عَمْدًا بِجَامِعِ أَنَّ كِلَيْهِمَا كَفَّارَةٌ عَنْ صِيَامٍ فَكَانَتِ الْكَفَّارَةُ مُتَنَاسِبَةً مَعَ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ مُرَتَّبَةً تَرْتِيبًا مُنَاسِبًا.

وَقَدْ أُجْمِلَ مِقْدَارُ الطَّعَامِ فِي الْآيَةِ اكْتِفَاءً بِتَسْمِيَتِهِ إِطْعَامًا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا يَقْصِدُهُ النَّاسُ مِنَ الطَّعَامِ وَهُوَ الشِّبَعُ الْوَاحِدُ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي فِعْلِ طَعِمَ. فَحَمَلَهُ عُلَمَاؤُنَا عَلَى مَا بِهِ شِبَعُ الْجَائِعِ فَيُقَدَّرُ فِي كُلِّ قَوْمٍ بِحَسْبِ مَا بِهِ شِبَعُ مُعْتَادِ الْجَائِعِينَ. وَعَنْ مَالِكٍ رحمه الله فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ مُدٌّ وَاحِدٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ بمدّ النبيء صلى الله عليه وسلم وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ مُدَّانِ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنَ الْمُدَّيْنِ وَهُوَ مُدٌّ بِمُدِّ هِشَامِ (بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمَخْزُومِيِّ أَمِيرِ الْمَدِينَةِ) وَقَدْرُهُ مُدَّانِ إِلَّا ثُلُثَ مُدٍّ قَالَ: قَالَ أَشْهَبُ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: أَيَخْتَلِفُ الشِّبَعُ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ؟ قَالَ: نَعَمِ الشِّبَعُ عِنْدَنَا مُدٌّ بمدّ النبيء صلى الله عليه وسلم وَالشِّبَعُ عِنْدَكُمْ أَكْثَرُ (أَيْ لِأَن النبيء صلى الله عليه وسلم دَعَا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ بِالْبَرَكَةِ) . وَقَوْلُهُ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِطْعَامُ فِي الْمَدِينَةِ مُدًّا بمدّ النبيء صلى الله عليه وسلم مِثْلُ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فَكَيْفَ جَعَلَهُ مَالِكٌ مُقَدَّرًا بِمُدَّيْنِ أَوْ بِمُدٍّ وَثُلُثَيْنِ، وَقَالَ: لَوْ أَطْعَمَ مُدًّا وَنِصْفَ مُدٍّ أَجْزَأَهُ. فَتَعَيَّنَ أَنَّ تَضْعِيفَ الْمِقْدَارِ فِي الْإِطْعَامِ مُرَاعًى فِيهِ مَعْنَى الْعُقُوبَةُ عَلَى مَا صَنَعَ، وَإِلَّا فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ نَصٍّ وَلَا قِيَاسٍ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ: إِنَّمَا أَخَذَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِمُدِّ هِشَامٍ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ تَغْلِيظًا عَلَى الْمُتَظَاهِرِينَ الَّذِينَ شَهِدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا فَهَذَا مِمَّا ثَبَتَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.

ص: 20

وَقَدَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ الشِّبَعَ بِمُدَّيْنِ بمدّ النبيء صلى الله عليه وسلم فلعه رَاعَى الشِّبَعَ فِي مُعْظَمِ الْأَقْطَارِ غَيْرَ الْمَدِينَةِ، وَقَدَّرَهُ الشَّافِعِيُّ بِمُدٍّ وَاحِدٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ قِيَاسًا عَلَى مَا ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ فِي كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ.

وَلَمْ يُذْكَرْ مَعَ الْإِطْعَامِ قَيْدُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا اكْتِفَاءً بِذِكْرِهِ مَعَ تَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ وَصِيَامِ الشَّهْرَيْنِ وَلِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنِ الصِّيَامِ وَمُجَزَّأٌ لِمِثْلِ أَيَّامِ الصِّيَامِ. هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِطْعَامَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وُقُوعُهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا.

ثُمَّ إِنَّ وَقْعَ الْمَسِيسِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ أَوْ قَبْلَ إِتْمَامِهَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ آثِمٌ إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرٌ آخَرُ، وَهَذَا مَا بَيَّنَهُ حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الَّذِي شَكَا إِلَى النبيء صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ بَعْدَ أَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا، فَأَمَرَهُ بِأَنْ لَا يَعُودَ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ حَتَّى يُكَفِّرَ. وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ.

وَصَرِيحُ الْآيَةِ أَنَّ تَتَابُعَ الصِّيَامِ شَرْطٌ فِي التَّكْفِيرِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَفْطَرَ فِي خِلَالِهِ دُونَ عُذْرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إِعَادَتُهُ.

وَلَا يَمَسُّ امْرَأَتَهُ حَتَّى يتم الشهران مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ مَسَّهَا فِي خِلَالِ الشَّهْرَيْنِ أَثِمَ وَوَجَبَ

عَلَيْهِ إِعَادَةُ الشَّهْرَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا كَانَ الْوَطْءُ لَيْلًا لَمْ يَبْطُلِ التَّتَابُعُ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ، وَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى الْقِيَاسِ وَعَلَى مُقْتَضَى حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْر.

وَأما كَون آثِمًا بِالْمَسِيسِ قَبْلَ تَمَامِ الْكَفَّارَةِ فَمَسْأَلَةٌ أُخْرَى، فَمِنَ الْعَجَبِ قَوْلُ أَبِي بَكْرِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ كَلَامُ مَنْ لَمْ يَذُقْ طَعْمَ الْفِقْهِ لِأَنَّ الْوَطْءَ الْوَاقِعَ فِي خِلَالِ الصَّوْمِ لَيْسَ بِالْمَحَلِّ الْمَأْذُونِ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ وَطْءُ تَعَدٍّ فَلَا بُدَّ مِنَ الِامْتِثَالِ لِلْأَمْرِ بِصَوْمٍ لَا يَكُونُ فِي أَثْنَائِهِ وَطْءٌ اه.

وَالْمِسْكِينُ: الشَّدِيدُ الْفَقْرِ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ.

وَالْمُظَاهِرُ إِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى بَعْضِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَأَبَى أَنْ يُكَفِّرَ انْقَلَبَ ظِهَارُهُ إِيلَاءً.

فَإِنْ لَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ بِالْبَقَاءِ عَلَى ذَلِكَ فَلَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ فَإِنِ انْقَضَى الْأَجَلُ

ص: 21

طُلِّقَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ إِنْ طَلَبَتِ الطَّلَاقَ. وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةَ كُلِّهَا كَانَ كَالْعَاجِزِ عَنِ الْوَطْءِ بَعْدَ وُقُوعِهِ مِنْهُ فَتَبْقَى الْعِصْمَةُ بَيْنَ الْمُتَظَاهِرِ وَامْرَأَتِهِ وَلَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ.

وَقَدْ أَمر النبيء صلى الله عليه وسلم بِكَفَّارَةِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ فَحَقَّ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ أَنْ يَدْفَعُوا عَنِ الْعَاجِزِ كَفَّارَةَ ظِهَارِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ سَاقِطَةٌ عَنْهُ، وَأَنَّهُ يَعُودُ إِلَى مَسِيسِ امْرَأَتِهِ، وَتَبْقَى الْكَفَّارَةُ ذَنْبًا عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ أَبْطَلَ طَلَاقَ الظِّهَارِ.

ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا ذَكَرَ مِنَ الْأَحْكَامِ، أَيْ ذَلِكَ الْمَذْكُورُ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، أَيْ لِتُؤْمِنُوا إِيمَانًا كَامِلًا بِالِامْتِثَالِ لِمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَلَا تَشُوبُوا أَعْمَالَ الْإِيمَانِ بِأَعْمَالِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَهَذَا زِيَادَةٌ فِي تَشْنِيعِ الظِّهَارِ، وَتَحْذِيرٌ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ إِيقَاعِهِ فِيمَا بَعْدُ، أَوْ ذَلِكَ النَّقْلُ مِنْ حَرَجِ الْفِرَاقِ بِسَبَبِ قَوْلِ الظِّهَارِ إِلَى الرُّخْصَةِ فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ وَفِي الْخَلَاصِ مِنْهُ بِالْكَفَّارَةِ، لَتَيْسِيرِ الْإِيمَانِ عَلَيْكُمْ فَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الْحَج: 78] .

ولِتُؤْمِنُوا خَبَرٌ عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ، وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ. وَلَمَّا كَانَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ وَهُوَ صِيَامُ شَهْرَيْنِ أَوْ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا عِوَضًا عَنْ تَحْرِيرِ رَقَبَة كَانَ من عُلِّلَ بِهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُنْسَحِبًا عَلَى الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ، وَمَا عُلِّلَ بِهِ الصِّيَامُ وَالْإِطْعَامُ مُنْسَحِبًا عَلَى تَحْرِيرِ رَقَبَةٍ، فَأَفَادَ أَنَّ كُلًّا مِنْ تَحْرِيرِ رَقَبَةٍ وَصِيَامِ شَهْرَيْنِ وَإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُشْتَمِلٌ عَلَى كِلْتَا الْعِلَّتَيْنِ وَهُمَا:

الْمَوْعِظَةُ وَالْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ.

وَالْإِشَارَةُ فِي وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ إِلَى مَا أُشير إِلَيْهِ ب ذلِكَ، وَجِيءَ لَهُ بِاسْمِ إِشَارَةِ التَّأْنِيثِ نَظَرًا لِلْإِخْبَارِ عَنْهُ بِلَفْظِ حُدُودُ إِذْ هُوَ جَمْعٌ يَجُوزُ تَأْنِيثُ إِشَارَتِهِ كَمَا يَجُوزُ تَأْنِيثُ ضَمِيرِهِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ

ص: 22