الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخِطَابُ مُوَجَّهٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ حَالُهُمْ كَحَالِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ نَبَأَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِثْلَ كُفْرِهِمْ، مِثْلُ عَادٍ وَثَمُودَ وَمَدْيَنَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ.
وَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِيٌّ، وَالتَّقْرِيرِيُّ يُؤْتَى مَعَهُ بِالْجُمْلَةِ مَنْفِيَّةً تَوْسِعَةً عَلَى الْمُقَرَّرِ إِنْ كَانَ يُرِيدُ الْإِنْكَارَ حَتَّى إِذَا أَقَرَّ لَمْ يَسْتَطِعْ بَعْدَ إِقْرَارِهِ إِنْكَارًا لِأَنَّهُ قَدْ أُعْذِرَ لَهُ مِنْ قَبْلُ بِتَلْقِينِهِ النَّفْيَ وَقَدْ تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَحُذِفَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ قَبْلُ وَنُوِيَ مَعْنَاهُ، وَالتَّقْدِيرُ: مِنْ قَبْلِكُمْ، أَيْ فِي الْكُفْرِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: فَمِنْكُمْ كافِرٌ [التغابن: 2] . وَالْكَافِرُونَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ لِأَنَّهُمْ مُقْدِمُونَ عَلَى الْكُفْرِ وَمُسْتَمِرُّونَ عَلَيْهِ.
وَالْوَبَالُ: السُّوءُ وَمَا يُكْرَهُ.
وَالْأَمْرُ: الشَّأْنُ وَالْحَالُ.
وَالذَّوْقُ مَجَازٌ فِي مُطْلَقِ الْإِحْسَاسِ وَالْوِجْدَانِ، شَبَّهَ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ بِشَيْءٍ ذِي طَعْمٍ كَرِيهٍ يَذُوقُهُ مَنْ حَلَّ بِهِ وَيَبْتَلِعُهُ لِأَنَّ الذَّوْقَ بِالْلِسَانِ أَشَدُّ مِنَ اللَّمْسِ بِالْيَدِ أَو بِالْجلدِ.
وَالْمَعْنَى: أَحَسُّوا الْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا إِحْسَاسًا مَكِينًا.
وَقَوْلُهُ: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ مُرَادٌ بِهِ عَذَابُ الْآخِرَةِ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايرَة.
[6]
[سُورَة التغابن (64) : آيَة 6]
ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6)
ارْتِقَاءٌ فِي التَّعْرِيضِ إِلَى ضَرْبٍ مِنْهُ قَرِيبٍ مِنَ الصَّرِيحِ. وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي الْكِنَايَةِ بِالْإِشَارَةِ. كَانَتْ مَقَالَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ مُمَاثِلَةً لِمَقَالَةِ الْمُخَاطَبِينَ فَإِذَا كَانَتْ هِيَ سَبَبُ مَا ذَاقُوهُ مِنَ الْوَبَالِ فَيُوشِكُ أَنْ يَذُوقَ مُمَاثِلُوهُمْ فِي الْمَقَالَةِ مِثْلَ ذَلِكَ الْوَبَالِ.
فَاسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ إِلَى الْمَذْكُورِ مِنَ الْوَبَالِ وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ.
فَهَذَا عَدٌّ لِكُفْرٍ آخَرَ مِنْ وُجُوهِ كُفْرِهِمْ وَهُوَ تكذيبهم الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ بَيِّنَةٌ مِنَ الْبَيِّنَاتِ لِأَنَّهُ مُعْجِزَةٌ.
وَالْبَاء للسَّبَبِيَّة فالجملة فِي مَوْقِعِ الْعِلَّةِ. وَالضَّمِيرُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ لِقَصْدِ تَهْوِيلِ مَا يُفَسِّرُ الضَّمِيرُ، وَهُوَ جُمْلَةُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ إِلَى آخِرِهَا.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَبَشَرٌ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَإِبْطَالٍ فَهُمْ أَحَالُوا أَنْ يَكُونَ بَشَرٌ مِثْلُهُمْ يَهْدُونَ بَشَرًا أَمْثَالَهُمْ، وَهَذَا مِنْ جَهْلِهِمْ بِمَرَاتِبِ النُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ وَمَنْ يَصْطَفِيهِ اللَّهُ مِنْهَا، وَيَخْلُقُهُ مُضْطَلِعًا بِتَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ إِلَى عِبَادِهِ. كَمَا قَالَ: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ [الْفرْقَان: 7] وَجَهِلُوا أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِإِرْشَادِ النَّاسِ إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ نَوْعِهِمْ قَالَ تَعَالَى: قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا [الْإِسْرَاء: 95] وَلَمَّا أَحَالُوا أَنْ يَكُونَ الْبَشَرُ أَهْلًا لِهِدَايَةِ بَشَرٍ مِثْلِهِ جَعَلُوا ذَلِكَ كَافِيًا فِي إِعْرَاضِهِمْ عَنْ قَبُولِ الْقُرْآنِ وَالتَّدَبُّرِ فِيهِ.
وَالْبَشَرُ: اسْمُ جِنْسٍ لِلْإِنْسَانِ يَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [الْكَهْف: 110] وَيُقَالُ عَلَى الْجَمْعِ كَمَا هُنَا. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً فِي سُورَةِ يُوسُفَ [31] وَفِي سُورَةِ مَرْيَمَ [17] عِنْدَ قَوْلِهِ: فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا.
وَتَنْكِيرُ بَشَرٌ لِلنَّوْعِيَّةِ لِأَنَّ مَحَطَّ الْإِنْكَارِ عَلَى كَوْنِهِمْ يَهْدُونَهُمْ، هُوَ نَوْعُ الْبَشَرِيَّةِ.
وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ لِقَصْدِ تَقَوِّي حُكْمِ الْإِنْكَارِ، وَمَا قَالُوا ذَلِكَ حَتَّى اعْتَقَدُوهُ فَلِذَلِكَ أَقْدَمُوا عَلَى الْكُفْرِ بِرُسُلِهِمْ إِذْ قَدِ اعْتَقَدُوا اسْتِحَالَةَ إِرْسَالِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ فَجَزَمُوا بِكَذِبِهِمْ فِي دَعْوَى الرِّسَالَةِ فَلِذَلِكَ فَرَّعَ عَلَيْهِ فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا.
وَالتَّوَلِّي أَصْلُهُ: الِانْصِرَافُ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلْإِعْرَاضِ عَنْ قَبُولِ دَعْوَةِ رُسُلِهِمْ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [64] .
وَاسْتَغْنَى غَنِيَ فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِ: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى [عبس: 5] .
وَالْمَعْنَى: غَنِيَ اللَّهُ عَنْ إِيمَانِهِمْ قَالَ تَعَالَى: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ [الزمر: 7] .
وَالْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ، أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْهُمْ مِنْ زَمَنٍ مَضَى فَإِنَّ غِنَى اللَّهِ عَنْ إِيمَانِهِمْ مُقْرَرٌ فِي الْأَزَلِ.