المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة التحريم (66) : آية 3] - التحرير والتنوير - جـ ٢٨

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌58- سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 22]

- ‌59- سُورَةُ الْحَشْرِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 24]

- ‌60- سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 13]

- ‌61- سُورَةُ الصَّفِّ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : الْآيَات 10 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 14]

- ‌62- سُورَةُ الْجُمُعَةِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 11]

- ‌63- سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 11]

- ‌64- سُورَةُ التَّغَابُنِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : الْآيَات 17 الى 18]

- ‌65- سُورَةُ الطَّلَاقِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 2 الى 3]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 8 الى 11]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 12]

- ‌66- سُورَةُ التَّحْرِيمِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 12]

الفصل: ‌[سورة التحريم (66) : آية 3]

الثَّانِي: تَجِبُ كَفَّارَةُ مِثْلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَهَذَا جَارٍ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ مِنْ قَوْلِهِ: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ.

الثَّالِثُ: لَا يَلْزَمُهُ فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَقِيلَ: إِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا كَانَ التَّحْرِيمُ ثَلَاثًا، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا يَنْوِ فِيمَا أَرَادَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالْحَكَمِ وَمَالِكٍ فِي الْمَشْهُورِ.

وَقِيلَ هِيَ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ دَخَلَ بِهَا أَمْ لَمْ يَدْخُلْ. وَنُسِبَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي ليلى وَهُوَ عِنْد عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجْشُونِ فِي «الْمَبْسُوطِ» .

وَقِيلَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ. وَنُسِبَ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَحَمَّادِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَنَسَبَهُ ابْنُ خُوَيْزَ مَنْدَادَ إِلَى مَالِكٍ وَهُوَ غَيْرُ الْمَشْهُورِ عَنْهُ. وَقِيلَ: طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ فِي الزَّوْجَةِ مُطْلَقًا، وَنُسِبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَيَكُونُ قَيْدًا لِمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي. وَقَالَهُ الزُّهْرِيُّ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَابْنُ الْمَاجْشُونِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَعْنِي فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: إِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَعَلَيْهِ مَا نَوَى مِنْ أَعْدَادِهِ وَإِلَّا فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ. وَقِيلَ: هِيَ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَوَاحِدَةٌ فِي الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا دُونَ تَنْوِيَةٍ.

الرَّابِعُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِنْ نَوَى بِالْحَرَامِ الظِّهَارَ كَانَ مَا نَوَى فَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الثَّلَاثَ. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَانَتْ يَمِينًا وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَإِنْ أَبَاهَا كَانَ مُولِّيًا.

وَتَحْرِيم النبيء صلى الله عليه وسلم سُرِّيَّتَهُ مَارِيَةَ عَلَى نَفْسِهِ هُوَ أَيْضًا مِنْ قَبِيلِ تَحْرِيمِ أَحَدٍ شَيْئًا مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ غَيْرَ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ مَارِيَةَ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً لَهُ بَلْ هِيَ مَمْلُوكَتُهُ فَحُكْمُ قَوْلِهِ: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ جَارٍ فِي قَضِيَّةِ تَحْرِيمِ مَارِيَةَ بِيَمِينٍ أَوْ بِغَيْرِ يَمِينٍ بِلَا فَرْقٍ. وتَحِلَّةَ تَفْعِلَةٌ مِنْ حَلَّلَ جَعَلَ الْفِعْلَ حَلَالًا. وَأَصْلُهُ تَحِلْلَةَ فَأُدْغِمَ اللَّامَانِ وَهُوَ مَصْدَرٌ سَمَاعِيٌّ لِأَنَّ الْهَاءَ فِي آخِرِهِ لَيْسَتْ بِقِيَاسٍ إِذْ لَمْ يُحْذَفْ مِنْهُ حَرْفٌ حَتَّى يُعَوَّضَ عَنْهُ الْهَاءُ مِثْلَ تَزْكِيَةٍ وَلَكِنَّهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ مثل تعلة.

[3]

[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 3]

وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ

ص: 349

(3)

هَذَا تَذْكِيرٌ وَمَوْعِظَةٌ بِمَا جَرَى فِي خِلَالِ تَيْنِكَ الْحَادِثَتَيْنِ ثُنِيَ إِلَيْهِ عِنَانُ الْكَلَامِ بَعْدَ أَنْ قُضِيَ مَا يُهِمُّ مِنَ التشريع للنبيء صلى الله عليه وسلم بِمَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ جَرَّائِهِمَا.

وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى جُمْلَةِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التَّحْرِيم: 1] بِتَقْدِيرِ وَاذْكُرْ.

وَقَدْ أُعِيدَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ السَّابِقَةُ ضِمْنًا بِمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ بأسلوب آخر ليبن عَلَيْهِ مَا فِيهِ مِنْ عِبَرٍ وَمَوَاعِظَ وَأَدَبٍ، وَمَكَارِمَ وَتَنْبِيهٍ وَتَحْذِيرٍ.

فَاشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ على عشْرين معنى مِنْ مَعَانِي ذَلِكَ. إِحْدَاهَا مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ:

إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ.

الثَّانِي: قَوْلُهُ: فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ.

وَالثَّالِث: وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ.

الرَّابِعُ: عَرَّفَ بَعْضَهُ.

الْخَامِسُ: وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ.

السَّادِسُ: قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا.

السَّابِعُ: قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ.

الثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ إِلَى فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ [التَّحْرِيم: 4] .

الْحَادِي عَشَرَ وَالثَّانِي عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ: وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ [التَّحْرِيم: 4] .

الرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً [التَّحْرِيم: 5] .

السَّادِسَ عَشَرَ: خَيْراً مِنْكُنَّ [التَّحْرِيم: 5] .

السَّابِعَ عشر: مُسْلِماتٍ [التَّحْرِيم: 5] إِلَخْ.

الثَّامِنَ عشر: سائِحاتٍ [التَّحْرِيم: 5] .

التَّاسِعَ عَشَرَ: ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً [التَّحْرِيم: 5] ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا عِنْدَ تَفْسِيرِ كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا.

ص: 350

الْعِشْرُونَ: مَا فِي ذِكْرِ حَفْصَةَ أَوْ غَيْرِهَا بِعُنْوَانِ بَعْضِ أَزْواجِهِ دُونَ تَسْمِيَتِهِ مِنَ الِاكْتِفَاءِ فِي الْمَلَامِ بِذِكْرِ مَا تَسْتَشْعِرُ بِهِ أَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ بِاللَّوْمِ.

وَإِنَّمَا نبّأها النبيء صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ عَلِمَ إِفْشَاءَهَا الْحَدِيثَ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ الْمَوْعِظَةَ وَالتَّأْدِيبَ فَإِنَّ اللَّهَ مَا أَطْلَعَهُ عَلَى إِفْشَائِهَا إِلَّا لِغَرَضٍ جَلِيلٍ.

وَالْحَدِيثُ هُوَ مَا حَصَلَ مِنِ اختلاء النبيء صلى الله عليه وسلم بِجَارِيَتِهِ مَارِيَةَ وَمَا دَارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَفْصَةَ

وَقَوْلُهُ لِحَفْصَةَ: «هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَا تُخْبِرِي عَائِشَةَ»

وَكَانَتَا مُتَصَافِيَتَيْنِ وَأَطْلَعَ الله نبيئه صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّ حَفْصَةَ أَخْبَرَتْ عَائِشَةَ بِمَا أَسَرَّ إِلَيْهَا.

وَالْوَاوُ عَاطِفَةٌ قِصَّةً عَلَى قِصَّةٍ لِأَنَّ قِصَّةَ إِفْشَاءِ حَفْصَةَ السِّرَّ غَيْرُ قِصَّةِ تَحْرِيم النبيء صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفْسِهِ بَعْضَ مَا أُحِلَّ لَهُ.

وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَنَّ الَّتِي أَسَرَّ إِلَيْهَا النبيء صلى الله عليه وسلم الْحَدِيثَ هِيَ حَفْصَةُ وَيَأْتِي أَنَّ الَّتِي نَبَّأَتْهَا حَفْصَةُ هِيَ عَائِشَةُ. وَفِي «الصَّحِيحِ» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ فَلَمَّا رَجَعَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنْ أَزْوَاجِهِ؟ فَقَالَ: تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ وَسَاقَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا.

وَأَصْلُ إِطْلَاقِ الْحَدِيثِ عَلَى الْكَلَامِ مَجَازٌ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَدَثَانِ فَالَّذِي حَدَثَ هُوَ الْفِعْل وَنَحْوه ثمَّ شَاعَ حَتَّى صَارَ حَقِيقَةً فِي الْخَبَرِ عَنْهُ وَصَارَ إِطْلَاقُهُ عَلَى الْحَادِثَةِ هُوَ الْمَجَازُ فَانْقَلَبَ حَالُ وَضْعِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ.

وأَسَرَّ أَخْبَرَ بِمَا يُرَادُ كِتْمَانُهُ عَنْ غَيْرِ الْمُخْبِرِ أَوْ سَأَلَهُ عَدَمَ إِفْشَاءِ شَيْءٍ وَقَعَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِخْبَارًا وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْخَبَرُ أَوِ الْفِعْلُ يُرَادُ عَدَمُ فَشَوِّهِ فَيَقُولُهُ صَاحِبُهُ سِرًّا وَالسِّرُّ ضِدُّ الْجَهْرِ، قَالَ تَعَالَى: وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ [التغابن: 4] فَصَارَ أَسَرَّ يُطْلَقُ

بِمَعْنَى الْوِصَايَةِ بِعَدَمِ الْإِفْشَاءِ، أَيْ عَدَمِ الْإِظْهَارِ قَالَ تَعَالَى: فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ [يُوسُف: 77] .

وَأَسَرَّ: فِعْلٌ مُشْتَقٌّ مِنَ السِّرِّ فَإِنَّ الْهَمْزَةَ فِيهِ لِلْجَعْلِ، أَيْ جَعَلَهُ ذَا سِرًّ، يُقَالُ: أَسَرَّ فِي نَفْسِهِ، إِذَا كَتَمَ سِرَّهُ. وَيُقَالُ: أَسَرَّ إِلَيْهِ، إِذَا حَدَّثَهُ بِسِرٍّ فَكَأَنَّهُ

ص: 351

أَنْهَاهُ إِلَيْهِ، وَيُقَالُ: أَسَرَّ لَهُ إِذَا أَسَرَّ أَمْرًا لِأَجْلِهِ، وَذَلِكَ فِي إِضْمَارِ الشَّرِّ غَالِبًا وَأَسَرَّ بِكَذَا، أَيْ أَخْبَرَ بِخَبَر سرّ، وأسرّ، إِذَا وَضَعَ شَيْئًا خَفِيًّا. وَفِي الْمَثَلِ «يُسِرُّ حَسْوًا فِي ارْتِغَاءِ» .

وبَعْضِ أَزْواجِهِ هِيَ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَعَدَلَ عَنْ ذِكْرِ اسْمِهَا تَرَفُّعًا عَنْ أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ مَعْرِفَةَ الْأَعْيَانِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْعِلْمُ بِمَغْزَى الْقِصَّةِ وَمَا فِيهَا مِمَّا يُجْتَنَبُ مِثْلُهُ أَوْ يُقْتَدَى بِهِ. وَكَذَلِكَ طَيُّ تَعْيِينِ الْمُنَبَّأَةِ بِالْحَدِيثِ وَهِيَ عَائِشَةُ.

وَذُكِرَتْ حَفْصَة بعنوان بعض أَزْوَاجِهِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَضَعَ سِرَّهُ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِمَعْرِفَةِ سِرِّ الرَّجُلِ زَوْجُهُ. وَفِي ذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِمَلَامِهَا عَلَى إِفْشَاءِ سِرِّهِ لِأَنَّ وَاجِبَ الْمَرْأَةِ أَنْ تَحْفَظَ سِرَّ زَوْجِهَا إِذَا أَمَرَهَا بِحِفْظِهِ أَوْ كَانَ مثله مِمَّا يجب حِفْظَهُ.

وَهَذَا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ مِنَ الْمَعَانِي التَّهْذِيبِيَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا.

وَنَبَّأَ: بِالتَّضْعِيفِ مُرَادِفُ أَنْبَأَ بِالْهَمْزِ وَمَعْنَاهُمَا: أَخْبَرَ، وَقَدْ جَمَعَهُمَا قَوْلُهُ: فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ.

وَقَدْ قِيلَ: السِّرُّ أَمَانَةٌ، أَيْ وَإِفْشَاؤُهُ خِيَانَةٌ.

وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ مِنْ آدَابِهِمُ الْعَرَبِيَّةِ الْقَدِيمَةِ قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: «جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا وَلَا تَنْفِثُ مِيرَثَنَا تَنْفِيثًا» .

وَكَلَامُ الْحُكَمَاءِ وَالشُّعَرَاءِ فِي السِّرِّ وَحِفْظِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى. وَهُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي مِنَ الْمَعَانِي التَّهْذِيبِيَّةِ الَّتِي ذَكرنَاهَا.

وَمعنى ووَ أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَطْلَعَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الظُّهُورِ بِمَعْنَى التَّغَلُّبِ.

اسْتُعِيرَ الْإِظْهَارُ إِلَى الْإِطْلَاعِ لِأَنَّ إِطْلَاعَ الله نبيئه صلى الله عليه وسلم عَلَى السِّرِّ الَّذِي بَيْنَ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ كَانَ غَلَبَةً لَهُ عَلَيْهِمَا فِيمَا دَبَّرَتَاهُ فَشُبِّهَتِ الْحَالَةُ الْخَاصَّةُ مِنْ تَآمُرِ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ عَلَى مَعْرِفَةِ سرّ النبيء صلى الله عليه وسلم وَمِنْ عِلْمِهِ بِذَلِكَ بِحَالِ مَنْ يُغَالِبُ

ص: 352

غَيْرَهُ فَيَغْلِبُهُ الْغَيْرُ وَيَكْشِفُ أَمْرَهُ.

فَالْإِظْهَارُ هُنَا مِنَ الظُّهُورِ بِمَعْنَى الِانْتِصَارِ. وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الظُّهُورِ ضِدَّ الْخَفَاءِ، لِأَنَّهُ لَا

يَتَعَدَّى بِحَرْفِ (عَلَى) .

وَضَمِيرُ عَلَيْهِ عَائِد إِلَى الْإِنْبَاءِ الْمَأْخُوذِ مِنْ نَبَّأَتْ بِهِ أَوْ عَلَى الْحَدِيثِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: نَبَّأَتْ بِهِ تَقْدِيرُهُ: أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَى إِفْشَائِهِ.

وَهَذَا تَنْبِيهٌ إِلَى عِنَايَةِ الله بِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَانْتِصَارِهِ لَهُ لِأَنَّ إِطْلَاعَهُ عَلَى مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ مِمَّا يُهِمُّهُ، عِنَايَةٌ وَنُصْحٌ لَهُ.

وَهَذَا حَاصِلُ الْمَعْنَى الثَّالِثِ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا الْآيَاتُ وذكرناها آنِفا.

ومعفول عَرَّفَ الْأَوَّلُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، أَيْ عَرَّفَهَا بَعْضَهُ، أَيْ بَعْضَ مَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَعْرَضَ عَنْ تَعْرِيفِهَا بِبَعْضِهِ. وَالْحَدِيثُ يَحْتَوِي عَلَى أَشْيَاءَ: اخْتِلَاءُ النَّبِيءِ بِسُرِّيَّتِهِ مَارِيَةَ، وَتَحْرِيمُهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَتَنَاوُلُهُ الْعَسَلَ فِي بَيْتِ زَيْنَبَ، وَتَحْرِيمُهُ الْعَوْدَةَ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا قَدْ تَخَلَّلَ ذَلِكَ كَلَامٌ فِي وَصْفِ عُثُورِ حَفْصَةِ عَلَى ذَلِكَ بَغْتَةً، أَوْ فِي التَّطَاوُلِ بِأَنَّهَا اسْتَطَاعَتْ أَنْ تُرِيحَهُنَّ مِنْ مَيْلِهِ إِلَى مَارِيَةَ. وَإِنَّمَا عرّفها النبيء صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ لِيُوقِفُهَا عَلَى مُخَالَفَتِهَا وَاجِبَ الْأَدَبِ مِنْ حَفْظِ سِرِّ زَوْجِهَا.

وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الرَّابِعُ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي سَبَقَتْ إِشَارَتِي إِلَيْهَا.

وإعراض الرَّسُول صلى الله عليه وسلم عَنْ تَعْرِيفِ زَوْجِهِ بِبَعْضِ الْحَدِيثِ الَّذِي أَفْشَتْهُ مِنْ كرم خلقه صلى الله عليه وسلم فِي مُعَاتَبَةِ الْمُفْشِيَةِ وَتَأْدِيبِهَا إِذْ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِأَنْ يُعْلِمَ بَعْضَ مَا أَفْشَتْهُ فَتُوقِنَ أَنَّ اللَّهَ يَغَارُ عَلَيْهِ.

قَالَ سُفْيَانُ: مَا زَالَ التَّغَافُلُ مِنْ فِعْلِ الْكِرَامِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا اسْتَقْصَى كَرِيمٌ قَطُّ، وَمَا زَادَ عَلَى الْمَقْصُودِ بِقَلْبِ الْعِتَابِ مِنْ عِتَابٍ إِلَى تَقْرِيعٍ.

وَهَذَا الْمَعْنَى الْخَامِسُ مِنْ مَقَاصِدِ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ آنِفًا.

وَقَوْلُهَا: مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى ثِقَتِهَا بِأَنَّ عَائِشَةَ لَا تُفْشِي سِرَّهَا وَعَلِمَتْ أَنَّهُ لَا قبل للرسول صلى الله عليه وسلم بِعِلْمِ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ قِبَلِ عَائِشَةَ أَوْ مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ فَرَامَتِ التَّحَقُّقَ مِنْ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ.

ص: 353

وَالِاسْتِفْهَامُ حَقِيقِيٌّ وَلَكَ أَن تَجْعَلهُ للتعجب مِنْ عِلْمِهِ بِذَلِكَ.

وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ مِنْ تَيَقُّظِهَا بِأَنَّ إِفْشَاءَهَا سِرَّ زَوْجِهَا زَلَّةٌ خُلُقِيَّةٌ عَظِيمَةٌ حَجَبَهَا عَنْ مُرَاعَاتِهَا شِدَّةُ الصَّفَاءِ لِعَائِشَةَ وَفَرْطُ إِعْجَابِهَا بِتَحْرِيمِ مَارِيَةَ لِأَجْلِهَا، فَلَمْ تَتَمَالَكْ عَنْ أَنْ تُبَشِّرَ

بِهِ خَلِيلَتَهَا وَنَصِيرَتَهَا وَلَوْ تَذَكَّرَتْ لَتَبَيَّنَ لَهَا أَنَّ مُقْتَضَى كَتْمِ سِرِّ زَوْجِهَا أَقْوَى مِنْ مُقْتَضَى إِعْلَامِهَا خَلِيلَتَهَا فَإِنَّ أَوَاصِرَ الزَّوْجِيَّةِ أَقْوَى مِنْ أَوَاصِرَ الْخُلَّةِ وَوَاجِبُ الْإِخْلَاصِ لِرَسُولِ اللَّهِ أَعْلَى مِنْ فَضِيلَةِ الْإِخْلَاصِ لِلْخَلَائِلَ.

وَهَذَا هُوَ الْأَدَبُ السَّادِسُ مِنْ مَعَانِي الْآدَابِ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا الْقِصَّةُ وَأَجْمَلْنَا ذِكْرَهَا آنِفًا.

وَإِيثَارُ وَصْفَيِّ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ هُنَا دُونَ الِاسْمِ الْعَلَمِ لِمَا فِيهِمَا مِنَ التَّذْكِيرِ بِمَا يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَهُ النَّاسُ مِنْ إِحَاطَةِ اللَّهِ تَعَالَى عِلْمًا وَخَبَرًا بِكُلِّ شَيْءٍ.

والْعَلِيمُ: الْقَوِيُّ الْعِلْمِ وَهُوَ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى دَالٌّ عَلَى أَكْمَلِ الْعِلْمِ، أَيِ الْعِلْمِ الْمُحِيطِ بِكُلِّ مَعْلُومٍ.

والْخَبِيرُ: أَخَصُّ مِنَ الْعَلِيمِ لِأَنَّهُ مُشْتَقّ من خبر الشَّيْءِ إِذَا أَحَاطَ بِمَعَانِيهِ وَدَخَائِلِهِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ خَبَرْتُهُ، أَيْ بَلَوْتُهُ وَتَطَلَّعْتُ بَوَاطِنَ أَمْرِهِ، قَالَ ابْنُ بُرُجَّانَ (بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَبِجِيمٍ مُشَدَّدَةٍ) فِي «شَرْحِ الْأَسْمَاءِ» :«الْفَرْقُ بَيْنَ الْخُبْرِ وَالْعِلْمِ وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى صِفَةِ الْعِلْمِ أَنْ تَتَعَرَّفَ حُصُولَ الْفَائِدَةِ مِنْ وَجْهٍ وَأَضِفْ ذَلِكَ إِلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَسَمِّ الْفَائِدَةَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ الَّذِي عَنْهُ حَصَلَتْ فَمَتَى حَصَلَتْ مِنْ مَوْضِعِ الْحُضُورِ سُمِّيَتْ مُشَاهَدَةً وَالْمُتَّصِفُ بِهَا هُوَ الشَّاهِدُ وَالشَّهِيدُ. وَكَذَلِكَ إِنْ حَصَلْتَ مِنْ وَجْهِ سَمْعٍ أَوْ بَصَرٍ فَالْمُتَّصِفُ بِهَا سَمِيعٌ وَبَصِيرٌ. وَكَذَلِكَ إِنْ حَصَلَتْ مِنْ عِلْمٍ أَوْ عَلَامَةٍ فَهُوَ الْعِلْمُ وَالْمُتَّصِفُ بِهِ الْعَالِمُ وَالْعَلِيمُ، وَإِنْ حَصَلَتْ عَنِ اسْتِكْشَافِ ظَاهِرِ الْمَخْبُورِ عَنْ بَاطِنِهِ بِبَلْوَى أَوِ امْتِحَانٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ أَوْ تَبْلِيغٍ فَهُوَ الْخَبَرُ. وَالْمُسَمَّى بِهِ الْخَبِيرُ» اه. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي «الْمَقْصِدِ الْأَسْنَى» : «الْعِلْمُ إِذَا أُضِيفَ إِلَى الْخَفَايَا الْبَاطِنَةِ سُمِّيَ خِبْرَةً وَسُمِّيَ صَاحِبُهَا خَبِيرًا اه» .

فَيَتَّضِحُ أَنَّ اتِّبَاعَ وَصْفِ الْعَلِيمُ بِوَصْفِ الْخَبِيرُ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ عَلِمَ دَخِيلَةَ الْمُخَاطَبَةِ وَمَا قَصَدَتْهُ مِنْ إِفْشَاءِ السِّرِّ لِلْأُخْرَى.

ص: 354

وَقَدْ حَصَلَ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ تَعْلِيمُهَا بِأَنَّ الله يطلع رَسُول صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا غَابَ إِنْ شَاءَ قَالَ تَعَالَى: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ [الْجِنّ:

26، 27] وَتَنْبِيهًا عَلَى مَا أَبْطَنَتْهُ مِنَ الْأَمْرِ.

وَهُوَ الْأَدَب السَّابِع من آدَابِ هَذِهِ الْآيَاتِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ نَبَّأَ وَأَنْبَأَ مُتَرَادِفَانِ وَهُمَا بِمَعْنَى أَخْبَرَ وَأَنَّ حَقَّهُمَا التَّعْدِيَةُ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ

لِأَجْلِ مَا فِيهِمَا مِنْ هَمْزَةِ تَعْدِيَةٍ أَوْ تَضْعِيفٍ. وَإِنْ كَانَ لَمْ يُسْمَعْ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ لَهُمَا وَهُوَ مِمَّا أُمِيتَ فِي كَلَامِهِمُ اسْتِغْنَاءً بِفِعْلِ عَلِمَ. وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَتَعَدَّيَا إِلَى مَا زَادَ عَلَى الْمَفْعُولِ بِحَرْفِ جَرٍّ نَحْوَ: نَبَّأَتُ بِهِ. وَقَدْ يُحْذَفُ حَرْفُ الْجَرِّ فَيُعَدَّيَانِ إِلَى مَفْعُولَيْنِ، كَقَوْلِهِ هُنَا: مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا أَيْ بِهَذَا، وَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:

نُبِّئْتُ عَبْدَ اللَّهِ بِالْجَوِّ أَصْبَحَتْ

كِرَامًا مَوَالِيهَا لِآمًا مَا صَمِيمُهَا

حَمَلَهُ سِيبَوَيْهِ عَلَى حَذْفِ الْحَرْفِ.

وَقَدْ يُضَمَّنَانِ مَعْنَى: اعْلَمْ، فَيُعَدَّيَانِ إِلَى ثَلَاثَةِ مَفَاعِيلَ كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:

نَبِئْتُ زُرْعَةَ وَالسَّفَاهَةُ كَاسْمِهَا

يُهْدِي إِلَيَّ غَرَائِبَ الْأَشْعَارِ

وَلِكَثْرَةِ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ ظُنَّ أَنَّهُ مَعْنًى لَهُمَا وَأُغْفِلَ التَّضْمِينُ فَنُسِبَ إِلْحَاقُهُمَا بِ (اعْلَمْ) إِلَى سِيبَوَيْهِ وَالْفَارِسِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَأَلْحَقَ الْفَرَّاءُ خَبَّرَ وَأَخْبَرَ، وَأَلْحَقَ الْكُوفِيُّونَ حدّث.

قَالَ زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ: لَمْ تُسْمَعْ تَعْدِيَتُهَا إِلَى ثَلَاثَةٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِلَّا إِذَا كَانَتْ مَبْنِيَّةً إِلَى الْمَجْهُولِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ عَرَّفَ بِالتَّشْدِيدِ. وَقَرَأَهُ الْكِسَائِيُّ عَرَفَ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ، أَيْ عَلِمَ بَعْضَهُ وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنِ الْمُجَازَاةِ، أَيْ جَازَى عَنْ بَعْضِهِ الَّتِي أَفْشَتْهُ بِاللَّوْمِ أَوْ بِالطَّلَاقِ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم طَلَّقَ حَفْصَةَ وَلَمْ يَصِحَّ وَقَدْ يُكَنَّى عَنِ التَّوَعُّدِ بِفِعْلِ الْعِلْمِ. وَنَحْوِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ [النِّسَاء: 63] . وَقَوْلُ الْعَرَبِ لِلْمُسِيءِ:

لَأَعْرِفَنَّ لَكَ هَذَا. وَقَوْلُكَ: لَقَدْ عَرَفْتُ مَا صنعت.

ص: 355