الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَعْنَاهَا وَهُوَ اخْتِصَاصُ النُّورِ بِهِمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِحَيْثُ يُمَيِّزُهُ النَّاسُ مِنْ بَيْنِ الْأَنْوَارِ يَوْمَئِذٍ.
وُسَعْيُ النُّورِ: امْتِدَادُهُ وَانْتِشَارُهُ. شُبِّهَ ذَلِكَ بِاشْتِدَادِ مَشْيِ الْمَاشِي وَذَلِكَ أَنَّهُ يَحِفُّ بِهِمْ حَيْثُمَا انْتَقَلُوا تَنْوِيهًا بِشَأْنِهِمْ كَمَا تُنْشَرُ الْأَعْلَامُ بَيْنَ يَدَيِ الْأَمِيرِ وَالْقَائِدِ وَكَمَا تُسَاقُ الْجِيَادُ بَيْنَ يَدَيِ الْخَلِيفَةِ.
وَإِنَّمَا خُصَّ بِالذِّكْرِ مِنَ الْجِهَاتِ الْأَمَامُ وَالْيَمِينُ لِأَنَّ النُّورَ إِذَا كَانَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ تَمَتَّعُوا بِمُشَاهَدَتِهِ وَشَعَرُوا بِأَنَّهُ كَرَامَةٌ لَهُمْ وَلِأَنَّ الْأَيْدِيَ هِيَ الَّتِي تُمْسَكُ بِهَا الْأُمُورُ النَّفِيسَةُ وَبِهَا بَايعُوا النبيء صلى الله عليه وسلم عَلَى الْإِيمَانِ وَالنَّصْرِ. وَهَذَا النُّورُ نُورٌ حَقِيقِيٌّ يَجْعَلُهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى (عَنْ) .
وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا أَوْسَعُ.
وَجُمْلَةُ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا إِلَى آخِرِهَا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ نُورُهُمْ، وَظَاهره أَن تكون حَالًا مُقَارَنَةً، أَيْ يَقُولُونَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَدُعَاؤُهُمْ طَلَبٌ لِلزِّيَادَةِ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ، فَيَكُونُ ضمير يَقُولُونَ عَائِد إِلَى جَمِيعِ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَ النبيء صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ، أَوْ يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ نُورُهُ أَقَلَّ مِنْ نُورِ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ فَيَكُونُ ضَمِيرُ يَقُولُونَ عَلَى
إِرَادَةِ التَّوْزِيعِ عَلَى طَوَائِفِ الَّذِينَ آمَنُوا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وَإِتْمَامُ النُّورِ إِدَامَتُهُ أَوِ الزِّيَادَةُ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ آنِفًا وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ بِطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ هُوَ لِطَلَبِ دَوَامِ الْمَغْفِرَةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ أَدَبٌ مَعَ اللَّهِ وَتَوَاضُعٌ لَهُ مِثْلَ مَا قِيلَ فِي اسْتِغْفَار النبيء صلى الله عليه وسلم فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً.
وَيَظْهَرُ بِذَلِكَ وَجْهُ التَّذْيِيلِ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْمُشْعِرُ بِتَعْلِيلِ الدُّعَاءِ كِنَايَةً عَنْ رَجَاءِ إجَابَته لَهُم.
[9]
[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 9]
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)
لَمَا أَبْلَغَ الْكُفَّارَ مَا سَيَحِلُّ بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ تَصْرِيحًا بِقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ [التَّحْرِيم: 7] ،
وَتَعْرِيضًا بِقَوْلِهِ: يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ [التَّحْرِيم: 8] ، أَمر رَسُوله صلى الله عليه وسلم بِمَسْمَعٍ مِنْهُمْ بِأَنْ يُجَاهِدَهُمْ وَيُجَاهِدَ الْمُسْتَتِرِينَ لِكُفْرِهِمْ بِظَاهِرِ الْإِيمَانِ نِفَاقًا، حَتَّى إِذَا لَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِمُ الْمَوْعِظَةُ بِعِقَابِ الْآخِرَةِ يَخْشَوْنَ أَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَذَابَ السَّيْفِ فِي الْعَاجِلَةِ فَيُقْلِعُوا عَنِ الْكُفْرِ فَيُصْلِحُ نُفُوسَهُمْ وَإِنَّمَا أَمر رَسُوله صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ لِأَنَّ الْكُفَّارَ تَأَلَّبُوا مَعَ الْمُنَافِقِينَ بَعْدَ هِجْرَة النبيء صلى الله عليه وسلم فَاتَّخَذُوهُمْ عُيُونًا لَهُمْ وَأَيَدِيَ يَدُسُّونَ بِهَا الْأَذَى للنبيء صلى الله عليه وسلم وَلِلْمُؤْمِنِينَ.
فَهَذَا نِدَاءٌ ثَان للنبيء صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُهُ بِإِقَامَةِ صَلَاحِ عُمُومِ الْأُمَّةِ بِتَطْهِيرِهَا مِنَ الْخُبَثَاءِ بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُ بِإِفَاقَةِ مَنْ عَلَيْهِمَا الْغَفْلَةُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ وَاجِبِ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ الزَّوْجِ.
وَجِهَاد الْكفَّار ظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَطْفُ الْمُنافِقِينَ عَلَى الْكُفَّارَ الْمَفْعُولِ لِ جاهِدِ فَيَقْتَضِي أَن النبيء صلى الله عليه وسلم مَأْمُورٌ بِجِهَادِ الْمُنَافِقِينَ وَكَانَ حَالُ الْمُنَافِقِينَ مُلْتَبِسًا إِذْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مُعْلِنًا بِالْكُفْرِ وَلَا شُهِدَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ بِذَلِكَ وَلَمْ يُعَيِّنِ الله لرَسُوله صلى الله عليه وسلم مُنَافِقًا يُوقِنُ بِنِفَاقِهِ وَكُفْرِهِ أَوْ أَطْلَعَهُ إِطْلَاعًا خَاصًّا وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعْلَانِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ أَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ فِي الْآثَارِ.
فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلَ عَطْفِ الْمُنافِقِينَ عَلَى الْكُفَّارَ إِمَّا بِأَنْ يَكُونَ فِعْلُ جاهِدِ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَهُمَا الْجِهَادُ بِالسَّيْفِ وَالْجِهَادُ بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ وَالتَّعْرِيضُ لِلْمُنَافِقِ بِنِفَاقِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ مَجَازًا كَمَا
فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم «رَجِعْنَا مِنَ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى
الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ»
،
وَقَوْلِهِ لِلَّذِي سَأَلَهُ الْجِهَادَ فَقَالَ لَهُ: «أَلَكَ أَبَوَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ»
. وَعِنْدِي أَنَّ الْأَقْرَبَ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْعَطْفِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ إِلْقَاءَ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ لِيَشْعُرُوا بِأَن النبيء صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤمنِينَ بالمرصاد بهم فَلَوْ بَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمْ بَادِرَةٌ يُعْلَمُ مِنْهَا نِفَاقُهُ عُومِلَ مُعَامَلَةَ الْكَافِرِ فِي الْجِهَادِ بِالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ فَيَحْذَرُوا وَيَكُفُّوا عَنِ الْكَيْدِ لِلْمُسْلِمِينَ خَشْيَةَ الِافْتِضَاحِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا [الْأَحْزَاب: 60، 61] .