الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْآيَة [الْمَائِدَة: 6] وَقَوْلِهِ: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [النَّحْل: 98] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [الْبَقَرَة: 226]، أَيْ يُرِيدُونَ الْعَوْدَ إِلَى مَا امْتَنَعُوا مِنْهُ بِالْإِيلَاءِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا نَصْرَهُمْ فَإِنَّ أَمْثَالَهُمْ لَا يُتَرَقَّبُ مِنْهُمُ الثَّبَاتُ فِي الْوَغَى فَلَوْ أَرَادُوا نَصْرَهُمْ وَتَجَهَّزُوا مَعَهُمْ لَفَرُّوا عِنْدَ الْكَرِيهَةِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ [التَّوْبَة: 47] .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُطْلِقَ النَّصْرُ عَلَى الْإِعَانَةِ بِالرِّجَالِ وَالْعَتَادِ وَهُوَ من مَعَاني النَّصْرِ.
وثُمَّ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِي كَمَا هُوَ شَأْنُهَا فِي عَطْفِ الْجُمَلِ فَإِنَّ انْتِفَاءَ النَّصْرِ أَعْظَمُ رُتْبَةً فِي تَأْيِيسِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِإِعَانَةِ الْمُنَافِقِينَ فَهُوَ أَقْوَى مِنَ انْهِزَامِ الْمُنَافِقين إِذا جاؤوا لِإِعَانَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْقِتَالِ.
وَالنَّصْرُ هُنَا بِمَعْنَى: الْغَلَبُ.
وَضَمِيرُ لَا يُنْصَرُونَ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِذِ الْكَلَامُ جَارٍ عَلَى وَعْدِ الْمُنَافِقِينَ بِنَصْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَالْمَقْصُودُ تَثْبِيتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِينَ وَتَأْمِينُهُمْ مِنْ بَأْس أعدائهم.
[13]
[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 13]
لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13)
لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ وَهْنِ الْمُنَافِقِينَ فِي الْقِتَالِ تَشْدِيدَ نفس النبيء صلى الله عليه وسلم وَأَنْفُسِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى لَا يَرْهَبُوهُمْ وَلَا يَخْشَوْا مُسَانَدَتَهُمْ لِأَهْلِ حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ أَحْلَافِ الْمُنَافِقِينَ قُرَيْظَةَ وَخَيْبَرَ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِإِعْلَامِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ وَأَحْلَافَهُمْ يَخْشَوْنَ الْمُسْلِمِينَ خشيَة شَدِيدَة وصف شِدَّتُهَا بِأَنَّهَا أَشَدُّ مِنْ خَشْيَتِهِمُ اللَّهَ
تَعَالَى، فَإِنَّ خَشْيَةَ جَمِيعِ الْخَلْقِ مِنَ اللَّهِ أَعْظَمُ خَشْيَةً فَإِذَا بَلَغَتِ الْخَشْيَةُ فِي قَلْبِ أَحَدٍ أَنْ تَكُونَ أَعْظَمَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ فَذَلِكَ مُنْتَهَى الْخَشْيَةِ.
وَالْمَقْصُودُ تَشْدِيدُ نُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ لِيَعْلَمُوا أَنَّ عَدُوَّهُمْ مُرْهَبٌ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُ الْمُسْلِمِينَ إِقْدَامًا فِي مُحَارَبَتِهِمْ إِذْ لَيْسَ سِيَاقُ الْكَلَامِ لِلتَّسْجِيلِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ قِلَّةَ رَهْبَتِهِمْ لِلَّهِ بَلْ إِعْلَامَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّهُمْ أَرْهَبُ لَهُمْ مِنْ كُلِّ أَعْظَمِ الرَّهَبَاتِ.
وَالْخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَالصُّدُورُ مُرَادٌ بِهَا: النُّفُوسُ وَالضَّمَائِرُ لِأَنَّ مَحَلَّ أَجْهِزَتِهَا فِي الصُّدُورِ.
وَالرَّهْبَةُ: مَصْدَرُ رَهِبَ، أَيْ خَافَ.
وَقَوْلُهُ: فِي صُدُورِهِمْ لِ رَهْبَةً فَهِيَ رَهْبَةُ أُولَئِكَ.
وَضَمِيرُ صُدُورِهِمْ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا [الْحَشْر: 11] والَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ [الْحَشْر: 11] إِذْ لَيْسَ اسْمُ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ أَوْلَى بِعَوْدِ الضَّمِيرِ إِلَيْهِ مَعَ صَلَاحِيَّةِ الضَّمِيرِ لِكِلَيْهِمَا، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودِينَ بِالْقِتَالِ هُمْ يَهُودُ قُرَيْظَةَ وَخَيْبَرَ وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ فَكَانُوا أَعْوَانًا لَهُمْ.
وَإِسْنَادُ أَشَدُّ إِلَى ضَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُخَاطَبِينَ إِسْنَادٌ سَبَبِيٌّ كَأَنَّهُ قِيلَ: لَرَهْبَتُكُمِ فِي صُدُورِهِمْ أَشَدُّ مِنْ رَهْبَةٍ فِيهَا. فَالرَّهْبَةُ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ الْمُضَافِ إِلَى مَفْعُولِهِ، وَكُلُّ مَصْدَرٍ لِفِعْلٍ مُتَعَدٍّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُضَافَ إِلَى فَاعِلِهِ أَوْ إِلَى مَفْعُولِهِ، وَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِأَشَدَّ مَرْهُوبِيَّةً.
ومِنَ اللَّهِ هُوَ الْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ مِنْ رَهْبَةِ اللَّهِ، أَيْ مِنْ رَهْبَتِهِمُ اللَّهَ كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
وَقَدْ خِفْتُ حَتَّى مَا تَزِيدُ مَخَافَتِي
…
عَلَى وَعْلٍ فِي ذِي الْمَطَارَةِ عَاقِلِ
أَيْ عَلَى مَخَافَةِ وَعْلٍ.
وَهَذَا تَرْكِيبٌ غَرِيبُ النَّسْجِ بَدِيعُهُ. وَالْمَأْلُوفُ فِي أَدَاءِ مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يُقَالَ:
لَرَهْبَتُهُمْ مِنْكُمْ فِي صُدُورِهِمْ أَشَدُّ مِنْ رَهْبَتِهِمْ مِنَ اللَّهِ، فَحُوِّلَ عَنْ هَذَا النَّسْجِ إِلَى
النَّسْجِ الَّذِي حَبَكَ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ، لِيَتَأَتَّى الِابْتِدَاءُ بِضَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ اهْتِمَامًا بِهِ وَلِيَكُونَ مُتَعَلِّقُ الرَّهْبَةِ ذَوَاتِ الْمُسْلِمِينَ لِتَوَقُّعِ بَطْشِهِمْ وَلِيَأْتِيَ التَّمْيِيزُ الْمُحَوَّلُ عَنِ الْفَاعِلِ لِمَا فِيهِ مِنْ خُصُوصِيَّةِ الْإِجْمَالِ مَعَ التَّفْصِيلِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي خُصُوصِيَّةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً [مَرْيَم: 4] دُونَ: وَاشْتَعَلَ شَيْبُ رَأْسِي. وَلِيَتَأَتَّى حَذْفُ الْمُضَافِ فِي تَرْكِيبِ مِنَ اللَّهِ، إِذِ التَّقْدِيرُ:
مِنْ رَهْبَةِ اللَّهِ لِأَنَّ حَذْفَهُ لَا يَحْسُنُ إِلَّا إِذَا كَانَ مَوْقِعُهُ مُتَّصِلًا بِلَفْظِ رَهْبَةً، إِذْ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: لَرَهْبَتُهُمْ أَشَدُّ مِنَ اللَّهِ. وَانْظُرْ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [77] .
فَالْيَهُودُ وَالْمُنَافِقُونَ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يَخْشُوا اللَّهَ. أَمَّا الْيَهُودُ فَلِأَنَّهُمْ أَهْلُ دِينٍ فَهُمْ يَخَافُونَ اللَّهَ وَيَحْذَرُونَ عِقَابَ الدُّنْيَا وَعِقَابَ الْآخِرَةِ. وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ فَهُمْ مُشْرِكُونَ وَهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْإِلَهُ الْأَعْظَمُ، وَأَنَّهُ أَوْلَى الْمَوْجُودَاتِ بِأَنْ يُخْشَى لِأَنَّهُ رَبُّ الْجَمِيعِ وَهُمْ لَا يُثْبِتُونَ الْبَعْثَ وَالْجَزَاءَ فَخَشِيَتْهُمُ اللَّهَ قَاصِرَةٌ عَلَى خَشْيَةِ عَذَابِ الدُّنْيَا مِنْ خَسْفٍ وَقَحْطٍ وَاسْتِئْصَالٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ خَشْيَةٌ. وَهَذَا بِشَارَة للنبيء صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ اللَّهَ أَوْقَعَ الرُّعْبَ مِنْهُمْ فِي نُفُوسِ عَدُوِّهُمْ كَمَا
قَالَ النبيء صلى الله عليه وسلم: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ»
. وَوَجْهُ وَصْفِ الرَّهْبَةِ بِأَنَّهَا فِي صُدُورِهِمُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهَا رَهْبَةٌ جَدُّ خَفِيَّةٍ، أَيْ أَنَّهُمْ يَتَظَاهَرُونَ بِالِاسْتِعْدَادِ لِحَرْبِ الْمُسْلِمِينَ وَيَتَطَاوَلُونَ بِالشَّجَاعَةِ لِيَرْهَبَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَمَا هُمْ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ فَأَطْلَعَ الله رَسُوله صلى الله عليه وسلم عَلَى دَخِيلَتِهِمْ فَلَيْسَ قَوْلُهُ: فِي صُدُورِهِمْ وَصْفًا كَاشِفًا.
وَإِذْ قَدْ حَصُلَتِ الْبِشَارَةُ مِنَ الْخَبَرِ عَنِ الرُّعْبِ الَّذِي فِي قُلُوبِهِمْ ثُنِيَ عَنَانُ الْكَلَامِ إِلَى مَذَمَّةِ هَؤُلَاءِ الْأَعْدَاءِ مِنْ جَرَّاءِ كَوْنِهِمْ أَخْوَفَ لِلنَّاسِ مِنْهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِلَّةٍ فَقْهِ نُفُوسِهِمْ، وَلَوْ فَقِهُوا لَكَانُوا أَخْوَفَ لِلَّهِ مِنْهُمْ لِلنَّاسِ فَنَظَرُوا فِيمَا يُخَلِّصُهُمْ مِنْ عِقَابِ التَّفْرِيطِ فِي النَّظَرِ فِي دَعْوَة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فَعَلِمُوا صِدْقَهُ فَنَجَوْا مِنْ عَوَاقِبِ كُفْرِهِمْ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَكَانَتْ رَهْبَتُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ هَذِهِ الرَّهْبَةُ مُصِيبَةً عَلَيْهِمْ وَفَائِدَةً لِلْمُسْلِمِينَ.
فَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْبَيَانِ وَمُبَيِّنِهِ.