المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الحشر (59) : آية 7] - التحرير والتنوير - جـ ٢٨

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌58- سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة المجادلة (58) : آيَة 22]

- ‌59- سُورَةُ الْحَشْرِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 24]

- ‌60- سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ

- ‌أغراض هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الممتحنة (60) : آيَة 13]

- ‌61- سُورَةُ الصَّفِّ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : الْآيَات 10 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الصَّفّ (61) : آيَة 14]

- ‌62- سُورَةُ الْجُمُعَةِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 11]

- ‌63- سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة المُنَافِقُونَ (63) : آيَة 11]

- ‌64- سُورَةُ التَّغَابُنِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة التغابن (64) : الْآيَات 17 الى 18]

- ‌65- سُورَةُ الطَّلَاقِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 2 الى 3]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : الْآيَات 8 الى 11]

- ‌[سُورَة الطَّلَاق (65) : آيَة 12]

- ‌66- سُورَةُ التَّحْرِيمِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة التَّحْرِيم (66) : آيَة 12]

الفصل: ‌[سورة الحشر (59) : آية 7]

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا فَتَحَ الله على الْأَئِمَّة مِمَّا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ خَاصَّةً اه. وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ بَعْدَهَا.

[7]

[سُورَة الْحَشْر (59) : آيَة 7]

مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (7)

مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ.

جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ جَعَلُوا هَذِهِ الْآيَةَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ، أَيْ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ الِابْتِدَائِيِّ، وَأَنَّهَا قُصِدَ مِنْهَا حُكْمٌ غَيْرُ الْحُكْمِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ الَّتِي قَبْلَهَا. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَالِكٌ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ فَجَعَلُوا مَضْمُونَ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ خَاصَّةً، وَجَعَلُوا الْآيَةَ الثَّانِيَةَ هَذِهِ إِخْبَارًا عَنْ حُكْمِ الْأَفْيَاءِ الَّتِي حُصِّلَتْ عِنْدَ فَتْحِ قُرًى أُخْرَى بَعْدَ غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ. مِثْلِ

قُرَيْظَةَ سَنَةَ خَمْسٍ، وَفَدَكَ سَنَةَ سَبْعٍ، وَنَحْوِهِمَا فَعَيَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ لِلْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا، وَلَا حَقَّ فِي ذَلِكَ لِأَهْلِ الْجَيْشِ أَيْضًا وَهَذَا الَّذِي يَجْرِي عَلَى وِفَاقِ كَلَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَضَائِهِ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ فِيمَا بِأَيْدِيهِمَا مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ عَلَى احْتِمَالٍ فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ تَغْيِيرُ أُسْلُوبِ التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ هُنَا: مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى بَعْدَ أَنْ قَالَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ [الْحَشْر: 6] فَإِنَّ ضَمِيرَ مِنْهُمْ رَاجِعٌ لِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ [الْحَشْر: 2] وَهُمْ بَنُو النَّضِيرِ لَا مَحَالَةَ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ عَقِبَ الْآيَةِ الْأُولَى، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ فَإِنَّ فَتْحَ الْقُرَى وَقَعَ بَعْدَ فَتْحِ النَّضِيرِ بِنَحْوِ سَنَتَيْنِ.

وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَعَلَ هَذِهِ الْآيَةَ كَلِمَةً وَبَيَانًا لِلْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، أَي بَيَانا للإجمال الْوَاقِعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ الْآيَة [الْحَشْر: 6] ، لِأَنَّ الْآيَةَ الَّتِي قَبْلَهَا اقْتَصَرَتْ عَلَى الْإِعْلَامِ بِأَنَّ أَهْلَ الْجَيْشِ لَا حَقَّ لَهُمْ فِيهِ، وَلَمْ تُبَيِّنْ مُسْتَحِقَّهُ وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ [الْحَشْر: 6] أَنَّهُ مَالٌ لِلَّهِ تَعَالَى يَضَعهُ حَيْثُ شَاءَ عَلَى يَد رَسُوله صلى الله عليه وسلم فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ مُسْتَحِقِّيهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْجَيْشِ. فَمَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا مَوْقِعُ عَطْفِ الْبَيَانِ. وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ.

وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الشَّافِعِيُّ وَعَلَيْهِ جَرَى تَفْسِيرُ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» . وَمُقْتَضَى هَذَا

ص: 81

أَنْ تَكُونَ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا يُخَمَّسُ وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خَمَّسَهَا بَلْ ثَبَتَ ضِدُّهُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ حُكْمًا خَاصًّا، أَوْ تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةً لِلْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا إِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ بَعْدَهَا بِمُدَّةٍ.

قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: آيَةُ مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى. وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الْمُشْكِلَاتِ إِذَا نُظِرَتْ مَعَ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَمَعَ آيَةِ الْغَنِيمَةِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ الْآيَة [الْحَشْر: 6] إِنَّمَا نَزَلَتْ فِيمَا صَارَ لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إِيجَافٍ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَهَا عُمَرُ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ.

وَأَمَّا آيَةُ الْأَنْفَالِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَا صَارَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بِإِيجَافٍ، وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْحَشْرِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهَا فَمِنْهُمْ مَنْ أَضَافَهَا إِلَى الَّتِي قَبْلَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَضَافَهَا إِلَى آيَةِ الْأَنْفَالِ وَأَنَّهُمَا نَزَلَتَا بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الْغَنِيمَةِ الْمُوجَفِ عَلَيْهَا، وَأَنَّ آيَةَ الْأَنْفَالِ نَسَخَتْ آيَةَ الْحَشْرِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَعْنًى ثَالِثٍ غَيْرِ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَتَيْنِ:

وَاخْتَلَفَ الذَّاهِبُونَ إِلَى هَذَا: فَقِيلَ نَزَلَتْ فِي خَرَاجِ الْأَرْضِ وَالْجِزْيَةِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَمْوَالِ، وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي حُكْمِ الْأَرْضِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ (فَتَكُونُ تَخْصِيصًا لِآيَةِ الْأَنْفَالِ) وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ. وَالْآيَةُ عِنْدَ أَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى تَخْيِيرِ الْإِمَامِ اه.

وَالتَّعْرِيفُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ أَهْلِ الْقُرى تَعْرِيفُ الْعَهْدِ وَهِيَ قُرًى مَعْرُوفَةٌ عُدَّتْ مِنْهَا: قُرَيْظَةُ، وَفَدَكُ، وَقُرَى عُرَيْنَةَ، وَالْيَنْبُعُ، وَوَادِي الْقُرَى، وَالصَّفْرَاءُ، فُتِحَتْ فِي عهد النبيء صلى الله عليه وسلم، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي فَتْحِهَا أَكَانَ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا أَوْ فَيْئًا. وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ فَدَكَ كَانَتْ مَثَلَ النَّضِيرِ.

وَلَا يَخْتَصُّ جَعْلُهُ لِلرَّسُولِ بِخُصُوصِ ذَات الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بَلْ مِثْلُهُ فِيهِ أَيِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ.

وَتَقْيِيدُ الْفَيْءِ بِفَيْءِ الْقُرَى جَرَى عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ لَا تُفْتَحَ إِلَّا الْقُرَى لِأَنَّ أَهْلَهَا يُحَاصَرُونَ فَيَسْتَسْلِمُونَ وَيُعْطُونَ بِأَيْدِيهِمْ إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ، فَأَمَّا

ص: 82

النَّازِلُونَ بِالْبَوَادِي فَلَا يُغْلَبُونَ إِلَّا بَعْدَ إِيجَافٍ وَقِتَالٍ فَلَيْسَ لِقَيْدِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى مَفْهُومٌ عِنْدِنَا، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْفَيْءِ الَّذِي يَحْصُلُ لِلْمُسْلِمِينَ بِدُونِ إِيجَافٍ. فَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ وَإِنَّمَا تُخَمَّسُ الْغَنَائِمُ وَهِيَ مَا غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ بِإِيجَافٍ وَقِتَالٍ.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْأَمْوَالِ غَيْرَ الْأَرْضِينَ وَبَيْنَ الْأَرْضِينَ. فَأَمَّا غَيْرُ الْأَرْضِينَ فَهُوَ مُخَمَّسٌ، وَأَمَّا الْأَرْضُونَ فَالْخِيَارُ فِيهَا لِلْإِمَامِ بِمَا يَرَاهُ أَصْلَحَ إِنْ شَاءَ قَسَّمَهَا وَخَمَّسَ أَهْلَهَا فَهُمْ أَرِقَّاءُ، وَإِن شَاءَ تَركهَا على ملك أَهْلَهَا وَجَعَلَ خَرَاجًا عَلَيْهَا وَعَلَى أَنْفُسِهِمْ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ جَمِيعَ أَمْوَالِ الْحَرْبِ مُخَمَّسَةٌ وَحَمَلَ حُكْمَ هَاتِهِ الْآيَةِ عَلَى حُكْمِ آيَةِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ بِالتَّخْصِيصِ أَوْ بِالنَّسْخِ.

وَذهب أَبُو حنيفَة إِلَى التَّفْصِيل بَين الْأَمْوَال غير الْأَرْضين وَبَين الْأَرْضين. فَأَما غير الْأَرْضين فَهُوَ مخمّس، وَأما الأرضون فالتفويض فِيهَا للْإِمَام بِمَا يرَاهُ أصلح إِن شَاءَ قسّمها وَخمْس أَهلهَا فهم أرقاء، وَإِن شَاءَ أقرّ أَهلهَا بهَا وَجعل خراجا عَلَيْهَا وعَلى أنفسهم.

وَهَذِهِ الْآيَةُ اقْتَضَتْ أَنَّ صِنْفًا مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِيهِ نَصِيبًا لِلْغُزَاةِ وَبِذَلِكَ تَحْصُلُ مُعَارَضَةٌ بَيْنَ مُقْتَضَاهَا وَبَيْنَ قَصْرِ آيَةِ الْأَنْفَالِ الَّتِي لَمْ تَجْعَلْ لِمَنْ ذُكِرُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَّا الْخُمْسَ، فَقَالَ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ آيَةَ الْأَنْفَالِ نَسَخَتْ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ.

وَقَالَ جَمْعٌ: هَذِهِ الْآيَةُ نَسَخَتْ آيَةَ الْأَنْفَالِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَتِ الْغَنَائِمُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ لِهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ الْأَنْفَالِ، وَبِذَلِك قَالَ زَيْدُ بْنُ رُومَانَ: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَنَحْوُهُ عَنْ مَالِكٍ اه. عَلَى أَنَّ سُورَةَ الْأَنْفَالِ سَابِقَةٌ فِي النُّزُولِ عَلَى سُورَةِ الْحَشْرِ لِأَنَّ الْأَنْفَالَ نَزَلَتْ فِي غَنَائِمِ بَدْرٍ وَسُورَةُ الْحَشْرِ نَزَلَتْ بَعْدَهَا بِسَنَتَيْنِ.

إِلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: إِنَّ آيَةَ الْأَنْفَالِ نَزَلَتْ بَعْدَ آيَةِ الْحَشْرِ تَجْدِيدًا لِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنَ التَّخْمِيسِ فِي غَنَائِمِ بَدْرٍ، أَيْ فَتَكُونُ آيَةُ الْحَشْرِ نَاسِخَةً لِمَا فَعَلَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي قِسْمَةِ مَغَانِمِ بَدْرٍ، ثُمَّ نَسَخَتْ آيَةُ الْأَنْفَالِ آيَةَ الْحَشْرِ. فَيَكُونُ إِلْحَاقُهَا بِسُورَةِ الْأَنْفَالِ بِتَوْقِيفٍ من النبيء صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قِيلَ إِنَّ سُورَةَ الْحَشْرِ

ص: 83

نَزَلَتْ بَعْدَ الْأَنْفَالِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ تَخْمِيسَ الْغَنَائِمِ هُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ، أَيْ بِفعل النبيء صلى الله عليه وسلم، وَبِالْإِجْمَاعِ.

وَلَيْسَ يَبْعُدُ عِنْدِي أَنْ تَكُونَ الْقُرَى الَّتِي عَنَتْهَا آيَةُ الْحَشْرِ فُتِحَتْ بِحَالَةٍ مُتَرَدِّدَةٍ بَيْنَ مُجَرَّدِ الْفَيْءِ وَبَيْنَ الْغَنِيمَةِ، فَشُرِعَ لَهَا حُكْمٌ خَاصٌّ بِهَا، وَإِذْ قَدْ كَانَتْ حَالَتُهَا غَيْرَ مُنْضَبِطَةٍ تَعَذَّرَ أَنْ نَقِيسَ عَلَيْهَا وَنُسِخَ حُكْمُهَا وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى انْحِصَارِ الْفُتُوحِ فِي حَالَتَيْنِ: حَالَةُ الْفَيْءِ الْمُجَرَّدِ وَمَا لَيْسَ مُجَرَّدَ فَيْءٍ. وَسَقَطَ حُكْمُ آيَةِ الْحَشْرِ بِالنَّسْخِ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ.

وَالْإِجْمَاعُ عَلَى مُخَالَفَةِ حُكْمُ النَّصِّ يُعْتَبَرُ نَاسِخًا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ نَاسِخًا. وَعَنْ مَعْمَرٍ أَنَّهُ قَالَ:

بَلَغَنِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ- أَيْ آيَةَ مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى - نَزَلَتْ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ.

وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ إِذَا أُخِذَتْ عَنْوَةً مِثْلُ سَوَادِ الْعِرَاقِ دُونَ مَا كَانَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ غَيْرَ أَرْضٍ. كُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْحَيْرَةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَآيَةِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ مَعَ أَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى هَذِهِ مَعَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي قَضِيَّةِ حُكْمِهِ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ، وَمَعَ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ، وَقَدْ عَرَفْتَ مَوْقِعَ كُلٍّ. وَسَتَعْرِفُ وَجْهَ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ [الْحَشْر: 10] .

وَمن الْعُلَمَاءِ مَنْ جَعَلَ مَحْمَلَ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْغَنَائِمِ كُلِّهَا بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِهِمُ الْفَيْءَ بِمَا يُرَادِفُ الْغَنِيمَةَ. وَزَعَمُوا أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْأَنْفَالِ. وَتَقَدَّمَ مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي عِدَادِ مَنْ لَهُمُ الْمَغَانِمُ وَالْفَيْءُ وَالْأَصْنَافُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي سُورَة الْأَنْفَال.

وكَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً إِلَخْ تَعْلِيلٌ لِمَا اقْتَضَاهُ لَامُ التَّمْلِيكِ مِنْ جَعْلِهِ مِلْكًا لِأَصْنَافٍ كَثِيرَةِ الْأَفْرَادِ، أَيْ جَعَلْنَاهُ مَقْسُومًا عَلَى هَؤُلَاءِ لِأَجْلِ أَنْ لَا يَكُونَ الْفَيْءُ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ

مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَيْ لِئَلَّا يَتَدَاوَلَهُ الْأَغْنِيَاءُ وَلَا يَنَالُ أَهْلَ الْحَاجَةِ نَصِيبٌ مِنْهُ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ. إِبْطَالُ مَا كَانَ مُعْتَادا فِي الْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنَ اسْتِئْثَارِ قَائِدِ الْجَيْشِ بِأُمُورٍ مِنَ الْمَغَانِمِ وَهِيَ: الْمِرْبَاعُ، وَالصَّفَايَا، وَمَا صَالَحَ عَلَيْهِ عَدُوَّهُ دُونَ قِتَالٍ، وَالنَّشِيطَةُ، وَالْفُضُولُ.

ص: 84

قَالَ عَبْدُ الله بن عنمة الضَّبِّيُّ يُخَاطِبُ بِسْطَامَ بَنَ قَيْسٍ سَيِّدَ بَنِي شَيْبَانَ وَقَائِدَهُمْ فِي أَيَّامِهِمْ:

لَك المرباع مِنْهَا وَالصَّفَايَا

وَحُكْمُكَ وَالنَّشِيطَةُ وَالْفُضُولُ

فَالْمِرْبَاعُ: رُبْعُ الْمَغَانِمِ كَانَ يَسْتَأْثِرُ بِهِ قَائِدُ الْجَيْشِ.

وَالصَّفَايَا: النَّفِيسُ مِنَ الْمَغَانِمِ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ فَتَتَعَذَّرُ قِسْمَتُهُ، كَانَ يَسْتَأْثِرُ بِهِ قَائِدُ الْجَيْشِ، وَأَمَّا حُكْمُهُ فَهُوَ مَا أَعْطَاهُ الْعَدُوُّ مِنَ الْمَالِ إِذَا نَزَلُوا عَلَى حَكَمِ أَمِيرِ الْجَيْشِ.

وَالنَّشِيطَةُ: مَا يُصِيبُهُ الْجَيْشُ فِي طَرِيقِهِ مِنْ مَالِ عَدُوِّهِمْ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إِلَى مَوْضِعِ الْقِتَالِ.

وَالْفُضُولُ: مَا يَبْقَى بَعْدَ قِسْمَةِ الْمَغَانِمِ مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ عَلَى رُؤُوس الْغُزَاة مثل بَعِيرٍ وَفَرَسٍ.

وَقَدْ أَبْطَلَ الْإِسْلَامُ ذَلِكَ كُلَّهُ فَجَعَلَ الْفَيْءَ مَصْرُوفًا إِلَى سِتَّة مصارف رَاجِعَةٍ فَوَائِدُهَا إِلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ لَسَدِّ حَاجَاتِهِمُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، فَإِنَّ مَا هُوَ لله وَلِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا يَجْعَلُهُ اللَّهُ لِمَا يَأْمُرُ بِهِ رَسُوله صلى الله عليه وسلم وَجَعَلَ الْخُمْسَ مِنَ الْمَغَانِمِ كَذَلِكَ لِتِلْكَ الْمَصَارِفِ.

وَقَدْ بَدَا مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ دُولَةً بَيْنَ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ عَلَى نِظَامٍ مُحْكَمٍ فِي انْتِقَالِهِ مِنْ كُلِّ مَالٍ لَمْ يَسْبِقْ عَلَيْهِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ مِثْلُ الْمَوَاتِ، وَالْفَيْءِ، وَاللُّقَطَاتِ، وَالرِّكَازِ، أَوْ كَانَ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِثْلَ: الزَّكَاةِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَتَخْمِيسِ الْمَغَانِمِ، وَالْخَرَاجِ، وَالْمَوَارِيثِ، وَعُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي بَيَنَ جَانِبِيِّ مَالٍ وَعَمَلٍ مِثْلِ:

الْقِرَاضِ وَالْمُغَارَسَةِ، وَالْمُسَاقَاةِ، وَفِي الْأَمْوَالِ الَّتِي يَظْفَرُ بِهَا الظَّافِرُ بِدُونِ عَمَلٍ وَسَعْيٍ مثل:

الْفَيْء والرّكاز، وَمَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي سَمَّيْتُهُ «مَقَاصِدَ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ» .

وَالدُّولَةُ بِضَمِّ الدَّالِ: مَا يَتَدَاوَلُهُ الْمُتَدَاوِلُونَ. وَالتَّدَاوُلُ: التَّعَاقُبُ فِي التَّصَرُّفِ فِي

شَيْءٍ. وَخَصَّهَا الِاسْتِعْمَالُ بِتَدَاوُلِ الْأَمْوَالِ.

ص: 85

وَالدَّوْلَةُ بِفَتْحِ الدَّالِ: النَّوْبَةُ فِي الْغَلَبَةِ وَالْمِلْكُ. وَلِذَلِكَ أَجْمَعَ الْقُرَّاءُ الْمَشْهُورُونَ عَلَى قِرَاءَتِهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِضَمِّ الدَّالِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بِنَصْبِ دُولَةً عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ يَكُونَ. وَاسْمُ يَكُونَ ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى مَا أَفَاءَ اللَّهُ، وَقَرَأَهُ هِشَامٌ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بِرَفْعِ دُولَةٌ عَلَى أَنَّ يَكُونَ تَامَّةٌ ودولة فَاعِلُهُ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يَكُونَ بِتَحْتِيَّةٍ فِي أَوَّلِهِ. وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ تَكُونُ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ جَرْيًا عَلَى تَأْنِيثِ فَاعِلِهِ. وَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنْ هِشَامٍ فَبَعْضُهُمْ رَوَى عَنهُ مُوَافقَة (أَي جَعْفَرٍ) فِي تَاءِ تَكُونُ وَبَعْضُهُمْ رَوَى عَنْهُ مُوَافَقَةَ الْجُمْهُورِ فِي الْيَاءِ.

وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ خُوطِبُوا فِي ابْتِدَاءِ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ: مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا [الْحَشْر: 2] ثُمَّ قَوْلُهُ: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ [الْحَشْر: 5] وَمَا بَعْدَهُ. وَجَعَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ خِطَابًا لِلْأَنْصَارِ لِأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غِنًى.

وَالْمُرَادُ بِ الْأَغْنِياءِ الَّذِينَ هُمْ مَظَنَّةُ الْغِنَى، وَهُمُ الْغُزَاةُ لِأَنَّهُمْ أَغْنِيَاءُ بِالْمَغَانِمِ وَالْأَنْفَالِ.

وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.

اعْتِرَاضٌ ذَيَّلَ بِهِ حُكْمَ فَيْءِ بَنِي النَّضِيرِ إِذْ هُوَ أَمَرَ بِالْأَخْذِ بِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وَمِمَّا جَاءَتْ بِهِ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي شَأْنِ فَيْءِ النَّضِيرِ، وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ، وَالْقَصْدُ مِنْ هَذَا التَّذْيِيلِ إِزَالَةُ مَا فِي نُفُوسِ بَعْضِ الْجَيْشِ مِنْ حَزَازَةِ حِرْمَانِهِمْ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُوله صلى الله عليه وسلم مِنْ أَرْضِ النَّضِيرِ.

وَالْإِيتَاءُ مُسْتَعَارٌ لِتَبْلِيغِ الْأَمْرِ إِلَيْهِمْ، جَعَلَ تَشْرِيعَهُ وَتَبْلِيغَهُ كَإِيتَاءِ شَيْءٍ بِأَيْدِيهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ [الْبَقَرَة: 63 و93] وَاسْتُعِيرَ الْأَخْذُ أَيْضًا لِقَبُولِ الْأَمْرِ والرضى بِهِ وَالْعَمَل.

ص: 86