المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(12) باب زيادة فضلة الطعام ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ١

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌كتاب الإيمان

- ‌(1) باب الإيمان بالقدر

- ‌(2) باب أمور الإسلام

- ‌(3) باب سؤال ضمام عن أركان الإسلام

- ‌(4) باب ما يقرب من الجنة وما يباعد من النار

- ‌(5) باب إحلال الحلال وتحريم الحرام يدخل الجنة

- ‌(6) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه

- ‌(7) باب وفد عبد القيس وأمور الإسلام

- ‌(8) باب بعث معاذ إلى اليمن

- ‌(9) باب قتال أهل الردة ومانعي الزكاة

- ‌(10) باب وفاة أبي طالب، وما نزل بشأنه

- ‌(11) باب من مات على التوحيد دخل الجنة

- ‌(12) باب زيادة فضلة الطعام ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(13) باب من شهد أن لا إله إلا الله حرم الله عليه النار

- ‌(14) باب حق الله على العباد وحق العباد على الله

- ‌(15) باب التبشير بالجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله

- ‌(16) باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عتبان

- ‌(17) باب طعم الإيمان

- ‌(18) باب الحياء شعبة من الإيمان

- ‌(19) باب الحياء من الإيمان

- ‌(20) باب الحياء خير كله

- ‌(21) باب الخصلة الجامعة لأمور الإسلام

- ‌(22) باب إطعام الطعام وإفشاء السلام

- ‌(23) باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده

- ‌(24) باب ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان

- ‌(25) باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان

- ‌(26) باب من الإيمان أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك

- ‌(27) باب النهي عن إيذاء الجار

- ‌(28) باب إكرام الجار والضيف وفضيلة حفظ اللسان

- ‌(29) باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الإيمان

- ‌(30) باب ضعف الإيمان بتطاول الأزمان والحاجة إلى الأمر بالمعروف

- ‌(31) باب تفاضل أهل الإيمان

- ‌(32) باب محبة المؤمنين من الإيمان

- ‌(33) باب الدين النصيحة

- ‌(34) باب المبايعة على النصح لكل مسلم

- ‌(35) باب نقصان الإيمان بالمعاصي

- ‌(36) باب خصال المنافق

- ‌(37) باب إيمان من قال للمسلم: يا كافر

- ‌(38) باب إيمان من ادعى لغير أبيه ومن ادعى ما ليس له

- ‌(39) باب إيمان من يسب أخاه ومن يقاتله

- ‌(40) باب الطعن في النسب والنياحة على الميت

- ‌(41) باب إيمان العبد الآبق

- ‌(42) باب إيمان من قال: مطرنا بالنوء

- ‌(43) باب حب الأنصار من الإيمان

- ‌(44) باب حب علي من الإيمان

- ‌(45) باب كفران العشير

- ‌(46) باب سجود ابن آدم يغيظ الشيطان

- ‌(47) باب بين المسلم والكفر ترك الصلاة

- ‌(48) باب أفضل الأعمال: الإيمان - الجهاد - الحج - والعتق مساعدة الصانع والأخرق - الكف عن الشر

- ‌(49) باب أفضل الأعمال الصلاة لوقتها وبر الوالدين

- ‌(50) باب أعظم الذنوب الشرك بالله -ثم قتل الابن -ثم الزنا بحليلة الجار

- ‌(51) باب أكبر الكبائر الإشراك بالله -وعقوق الوالدين- وشهادة الزور

- ‌(52) باب السبع الموبقات

- ‌(53) باب من الكبائر شتم الرجل والديه

- ‌(54) باب تحريم الكبر

- ‌(55) باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار

- ‌(56) باب تحريم قتل الكافر بعد قوله: لا إله إلا الله

- ‌(57) باب قتل أسامة لمن قال: لا إله إلا الله

- ‌(58) باب من حمل علينا السلاح فليس منا

- ‌(59) باب من غشنا فليس منا

- ‌(60) باب ليس منا من ضرب الخدود

- ‌(61) باب تحريم النميمة

- ‌(62) باب تحريم إسبال الإزار، والمن بالعطية وترويج السلعة بالحلف

- ‌(63) باب الشيخ الزاني، والملك الكذاب ومانع فضل الماء، والمبايع لدنيا

- ‌(64) باب تحريم قتل الإنسان نفسه

- ‌(65) باب من حلف بملة غير الإسلام

- ‌(66) باب لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

- ‌(67) باب تحريم الجنة على قاتل نفسه

- ‌(68) باب تحريم الغلول

- ‌(69) باب قاتل النفس لا يكفر

- ‌(70) باب الريح التي تكون قرب القيامة

- ‌(71) باب الحث على المبادرة بالأعمال

- ‌(72) باب خوف المؤمن أن يحبط عمله

- ‌(73) باب هل يؤاخذ بما عمل في الجاهلية

- ‌(74) باب الإسلام يهدم ما قبله، وكذا الحج والعمرة (وفاة عمرو بن العاص)

- ‌(75) باب حكم العمل الصالح قبل الإسلام

- ‌(76) باب صدق الإيمان وإخلاصه

- ‌(77) باب تجاوز الله عن حديث النفس

- ‌(78) باب حكم الهم بالحسنة والهم بالسيئة

- ‌(79) باب الوسوسة في الإيمان

- ‌(80) باب من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة

- ‌(81) باب من قتل دون ماله فهو شهيد

- ‌(82) باب الوالي الغاش لرعيته

- ‌(83) باب رفع الأمانة

- ‌(84) باب الفتن التي تموج موج البحر

- ‌(85) باب بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا

- ‌(86) باب ذهاب الإيمان آخر الزمان

- ‌(87) باب الاستسرار بالإيمان للخائف

- ‌(88) باب تأليف ضعيف الإيمان

- ‌(89) باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة

- ‌(90) باب القرآن المعجزة الكبرى والرسول صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء تابعا

- ‌(91) عموم رسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌(92) باب أجر الكتابي إذا أسلم: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين

- ‌(93) باب نزول عيسى ابن مريم حاكما

- ‌(94) باب الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان

- ‌(95) باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(96) باب فترة الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(97) باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه

- ‌(98) باب رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء والمعراج

- ‌(99) باب رؤية الله تعالى في الدنيا

- ‌(100) باب رؤية المؤمنين لربهم في الجنة

الفصل: ‌(12) باب زيادة فضلة الطعام ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم

(12) باب زيادة فضلة الطعام ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم

43 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير. قال فنفدت أزواد القوم قال حتى هم بنحر بعض حمائلهم. قال فقال عمر: يا رسول الله لو جمعت ما بقي من أزواد القوم، فدعوت الله عليها. قال ففعل. قال فجاء ذو البر ببره. وذو التمر بتمره. قال (وقال مجاهد وذو النواة بنواه) قلت: وما كانوا يصنعون بالنوى؟ قال: كانوا يمصونه ويشربون عليه الماء. قال فدعا عليها. حتى ملأ القوم أزودتهم. قال فقال عند ذلك "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. لا يلقى الله بهما عبد، غير شاك فيهما، إلا دخل الجنة".

44 -

عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد (شك الأعمش) قال: لما كان غزوة تبوك، أصاب الناس مجاعة. قالوا: يا رسول الله! لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " افعلوا" قال فجاء عمر، فقال: يا رسول الله! إن فعلت قل الظهر ولكن ادعهم بفضل أزوادهم. ثم ادع الله لهم عليها بالبركة. لعل الله أن يجعل في ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نعم" قال فدعا بنطع فبسطه. ثم دعا بفضل أزوادهم. قال فجعل الرجل يجيء بكف ذرة. قال ويجيء الآخر بكف تمر. قال ويجيء الآخر بكسرة. حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير. قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه بالبركة. ثم قال "خذوا في أوعيتكم" قال فأخذوا في أوعيتهم. حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه. قال فأكلوا حتى شبعوا. وفضلت فضلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله. لا يلقى الله بهما عبد، غير شاك فيحجب عن الجنة".

-[المعنى العام]-

في شهر رجب سنة تسع من الهجرة، وقبيل حجة الوداع بلغ المسلمين أن الروم جمعوا جموعا لقتالهم، فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى ملاقاتهم، وكان المسلمون في ضيق من العيش، فاستعدوا بقليل الزاد الذي يملكون، ورأى عثمان شدة المسلمين وعسرتهم، وكان قد جهز عيرا إلى الشام فقال: يا رسول الله، هذه مائة بعير بأقتابها وأحلاسها، ومائتا أوقية.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يضر عثمان ما عمل بعدها.

ص: 98

ومع هذه المعونة الكبرى خرج المسلمون في قلة من الظهر، ركبانهم بالنسبة لمشاتهم ندرة وقليل، والوقت صيف والحر شديد.

وبهذه الحالة قطعوا أربع عشرة مرحلة. في اتجاه دمشق، حتى وصلوا إلى موضع سمي "تبوك".

وصلوا وقد بلغ بهم الجهد، واشتد بهم العطش، ولم يسعفهم ماء عين تبوك الناضبة، فكانوا ينحرون البعير، فيشربون ما في كرشه من الماء.

فطلب الرسول صلى الله عليه وسلم قليلا من ماء عين تبوك، فغسل وجهه ويديه بشيء منه، ثم أعاده فيها، فجرت العين، فاستقى الناس، وانفرجت عسرة الماء، ولكن ما لبثوا بعد ذلك أن خفت أزوادهم.

ونفد طعام أكثرهم، وأملقوا، وأصابتهم مجاعة كبرى، ولجئوا إلى النوى بعد نفاد التمر يمصون النواة كغذاء، ويشربون عليها الماء.

وهب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنونه في ذبح ما تبقى لديهم من إبلهم التي يركبونها وينضحون عليها الماء. قالوا: يا رسول الله: لو أذنت لنا ذبحنا إبلنا، فسددنا منها رمقنا، وادخرنا للشدة ما يمكن ادخاره من لحم ودهن.

ولم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم منقذا - من هذه الضائقة - إلا أن يأذن لهم، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

ورأى عمر الناس يعقلون إبلهم لنحرها، فقال لهم: ما شأنكم؟ قالوا: استأذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحرها، فأذن لنا، فقال: وما بقاؤكم بعد إبلكم؟ أمسكوا حتى ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ودخل عمر فزعا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ما بقاء الناس بعد إبلهم؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه يقول: وماذا ينقذ الناس غير ذلك؟ - وتذكر عمر ما كان من جريان عين تبوك بعد نضوب، وهو يؤمن بمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم ويطمع في رحمة الله لإنقاذ المسلمين على يد نبيه، فقال: يا رسول الله، لو جمعت ما بقي من أزواد القوم وطعامهم، فدعوت الله عليها بالبركة لكان ذلك خيرا.

وسكت الرسول صلى الله عليه وسلم للمرة الثانية، إنه لم يكن يغيب عنه ما أشار به عمر، بل كان يؤمن بأن الله لن يخيب رجاءه إذا رجاه، ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يقصد تعويد الأمة على الاعتماد على نواميس الحياة دون خوارق العادات، أما وقد طلبت المعجزة - من عمر - فالطريق الموافقة عليها والاستجابة لطالبها.

فقال: نعم يا عمر. ناد في الناس فليأتوا ببقايا أطعمتهم، ثم مد فراش الطعام ليلقوا عليه ما يجمعون.

فنادى عمر: فجعل الرجل يلقي بما يملأ الكف من الذرة، والآخر يلقي بما يملأ الكف من القمح، والآخر يلقي بما يملأ الكف من التمر، والآخر يلقي بالكسرة التي يملكها، حتى صاحب النوى ألقى بنواه، فاجتمع على النطع من ذلك كله شيء يسير.

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا وبرك عليه.

ص: 99

ثم قال: هاتوا أوعيتكم فخذوا فيها، فجاء كل بأوعيته فملأ، فما بقي في الجيش وعاء إلا ملئ، وفضلت فضلة كبيرة، وبقي على النطع قدر ما أخذ الناس.

فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، سرورا بإكرام ربه له ولأمته، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يموت عبد وهو يشهد هاتين الشهادتين، لا يشك فيهما إلا دخل الجنة، لا يحجبه عنها ولا يمنعه منها ما عمل من سوء.

عفا الله عنا بفضله وكرمه وجعلنا من أهلها، إنه عفو كريم حليم.

-[المباحث العربية]-

(في مسير) أي في سفر، وقد بينته الرواية الثانية بأنه كان في غزوة تبوك، وهي غزوة العسرة، و"تبوك" ممنوع من الصرف على المشهور للعلمية والتأنيث ومن صرفه أراد الموضع، وهو في نصف الطريق بين المدينة ودمشق.

(فنفدت أزواد القوم) أي كادت تنفد، أو نفدت أزواد أكثر القوم، ففيه مضاف محذوف، بدليل جمع ما بقي من أزوادهم، ونفد الزاد من باب سمع فنى وذهب، والزاد طعام السفر والحضر جميعا والجمع أزواد، وعلى غير القياس أزودة.

(حتى هم بنحر بعض حمائلهم) فاعل "هم" ضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم والهم وسط بين العزم والخطرات التي لا تندفع، و"الحمائل" الإبل يحمل عليها، واحدها حمولة بفتح الحاء.

وروى "جمائلهم" بالجيم بدل الحاء جمع "جمالة" بكسرها، جمع جمل، وهو الذكر دون الناقة، قال ابن الصلاح: وكلاهما صحيح.

(لو جمعت ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله عليها)"لو" هنا للعرض ويصح أن تكون حرف شرط غير جازم، وجوابها محذوف، تقديره لكان خيرا.

(ففعل) أي فوافق على الفعل، يؤيد ذلك ما جاء في الرواية الثانية وقال: نعم.

(وذو النواة بنواه) هو هكذا في الأصل، وكان الظاهر أن يقول "وذو النوى بنواه" على طريق الجمع، كما قال "ذو التمر بتمره" بالجمع، وخرجه بعضهم بأن المراد من النواة جملة من النوى أفردت عن غيرها كما أطلق اسم الكلمة على القصيدة، أو أن تكون النواة من قبيل ما يستعمل في الواحد والجمع.

(كانوا يمصونه) بفتح الميم في اللغة الفصيحة المشهورة، وحكي فيها الضم.

(حتى ملأ القوم أزودتهم) الأزودة جمع زاد، وهي لا تملأ، وإنما تملأ أوعيتها، ففي

ص: 100

الكلام مضاف محذوف، ويحتمل أنه سمى الأوعية أزوادا على سبيل المجاز المرسل من إطلاق الحال وإرادة المحل، وأطلق عليه الأبي: مجاز المجاورة، كتسمية النساء ظعائن، وإنما الظعائن الهوادج التي تحملهن.

(عبد غير شاك) هو بنصب "غير" في الأصول على الحال من النكرة باعتبار أن التنوين مخصص قائم مقام الوصف والتقدير: عبد آت بهما غير شاك.

(عن أبي هريرة -أو عن أبي سعيد- شك الأعمش) شك الأعمش غير قادح في متن الحديث، فإنه شك في عين الصحابي، والصحابة كلهم عدول.

(لما كان يوم غزوة تبوك) المراد من اليوم الزمن والوقت، لا اليوم نفسه، ولفظ "يوم" فاعل "كان" لأنها تامة، وليس في كثير من الأصول ذكر "يوم".

(أصاب الناس مجاعة) المجاعة بفتح الميم الجوع الشديد.

(فنحرنا نواضحنا) النواضح من الإبل التي يستقى عليها، قال أبو عبيد: الذكر منها ناضح والأنثى ناضحة.

(فأكلنا وادهنا) ليس المقصود الادهان المعروف بطلاء الجسم، وإنما المراد اتخذنا دهنا من شحومها.

(إن فعلت قل الظهر) المراد بالظهر الدواب، سميت ظهرا لكونها يركب على ظهورها، أو لكونها يستظهر بها ويستعان بها على السفر.

(لعل الله يجعل في ذلك) مفعول "يجعل" محذوف للعلم به" والتقدير أن يجعل في ذلك خيرا وبركة.

(فدعا بنطع) فيه أربع لغات مشهورة: فتح الطاء وسكونها مع كسر النون وفتحها وهو ما يبسط للطعام.

(ثم دعا بفضل أزوادهم) أي بقاياهم.

(بكف ذرة) أي بما يعادل ما يملأ الكف، والإضافة بمعنى "من".

(وفضلت فضلة) فعل "فضل" فيه فتح الضاد وكسرها لغتان مشهورتان.

-[فقه الحديث]-

تكثير القليل من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، وهو في حكم المتواتر حيث أخبر الصحابي عن

ص: 101

واقع مشاهد أمام ملأ منهم، ولم ينكروه مع أنهم لا يقرون منكرا، فينزل مثله منزلة المتواتر، لأن سكوتهم كالنطق.

ثم الأظهر أن التكثير إنما وقع في النوع الذي يقتات به غالبا كالذرة والبر، والتمر والكسرة، بخلاف النوى، فإنه لا يقتات به إلا عند الضرورة وقد زالت.

وقال بعضهم: لا مانع من تكثيره لعلف الرواحل، وهو توجيه حسن.

أما كيفية التكثير فيحتمل أنها كانت بإعادة أمثال ما يرفع أو بتضعيف المثال وزيادة الكمية دفعة واحدة، والأول أولى بالقبول حيث لم يتعرض الرواة لعظم الكمية، ولو صح الاحتمال الثاني لقالوا مثلا: فكثر اليسير حتى صار مثل الجبل.

ويشهد لهذا الترجيح قوله في الرواية الثانية "وفضلت فضلة".

وقد جاء في الرواية الأولى أن الرسول صلى الله عليه وسلم هم بنحر بعض حمائلهم، وفي الرواية الثانية أنهم استأذنوه في نحرها فأذن، وجمع بينهما باحتمال أنهم استأذنوه أولا فأذن ثم هم.

ولم يكن همه صلى الله عليه وسلم بوحي، وإلا لما حصل من عمر ما حصل وإنما كان باجتهاد منه صلى الله عليه وسلم، مستندا إلى مراعاة المصالح وتقديم الأهم فالأهم، واحتمال أخف الضررين.

ولم يكن قول عمر اعتراضا منه على تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هو عرض لما ظهر له أنه مصلحة، ليرى الإمام فيه رأيه.

-[ويؤخذ من الحديث]-

1 -

حسن خلقه صلى الله عليه وسلم، وإجابته إلى ما يلتمس منه أصحابه وإجراؤهم على العادة البشرية.

2 -

جواز المشورة مع الإمام بالمصلحة وإن لم يطلبها، وجواز عرض المفضول على الفاضل ما يراه مصلحة.

3 -

منقبة ظاهرة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه دالة على قوة ثقته بإجابة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم.

4 -

جواز خلط المسافرين أزوادهم، وأكلهم منها مجتمعين وإن كان بعضهم يأكل أكثر من بعض، وقد نص بعض الفقهاء على أن ذلك سنة.

وقد اعترض على أخذ هذا الحكم من الحديث، بأن الذي حصل جمع خاص للضرورة على أن الأكل لم يكن من الأزودة، بل من الزيادة ولا حق لأحد فيها.

5 -

أن الأزودة والمياه إذا قلت كان للإمام أن يجمع ما بقي منها ويطعمهم منه بالسوية، دون نظر إلى من يملك أكثر أو يأكل أكثر واعترض على هذا المأخذ بنفس الاعتراض السابق.

6 -

حسن آداب خطاب العظماء والسؤال منهم، فيقال: لو فعلت كذا أو أمرت بكذا، أو أذنت بكذا، فهذا أجمل من قولهم للكبير: افعل كذا بصيغة الأمر.

ص: 102

7 -

أنه لا ينبغي للجيش أن يتصرفوا في دوابهم، ولا في أدواتهم التي يستعينون بها في القتال بغير إذن الإمام، ولا يأذن لهم إلا إذا رأى مصلحة، أو خاف مفسدة ظاهرة.

8 -

أخذ بعضهم من الحديث وقوع النسخ قبل الفعل، لأن إذنه الأول إباحة، والإباحة حكم شرعي، فرفعها نسخ.

9 -

فيه حجة لأهل السنة أن من مات على الشهادتين دخل الجنة، وقد تقدم تفصيل هذا الموضوع والمذاهب فيه في الحديث السابق.

والله أعلم

ص: 103