المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(3) باب سؤال ضمام عن أركان الإسلام - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ١

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌كتاب الإيمان

- ‌(1) باب الإيمان بالقدر

- ‌(2) باب أمور الإسلام

- ‌(3) باب سؤال ضمام عن أركان الإسلام

- ‌(4) باب ما يقرب من الجنة وما يباعد من النار

- ‌(5) باب إحلال الحلال وتحريم الحرام يدخل الجنة

- ‌(6) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه

- ‌(7) باب وفد عبد القيس وأمور الإسلام

- ‌(8) باب بعث معاذ إلى اليمن

- ‌(9) باب قتال أهل الردة ومانعي الزكاة

- ‌(10) باب وفاة أبي طالب، وما نزل بشأنه

- ‌(11) باب من مات على التوحيد دخل الجنة

- ‌(12) باب زيادة فضلة الطعام ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(13) باب من شهد أن لا إله إلا الله حرم الله عليه النار

- ‌(14) باب حق الله على العباد وحق العباد على الله

- ‌(15) باب التبشير بالجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله

- ‌(16) باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عتبان

- ‌(17) باب طعم الإيمان

- ‌(18) باب الحياء شعبة من الإيمان

- ‌(19) باب الحياء من الإيمان

- ‌(20) باب الحياء خير كله

- ‌(21) باب الخصلة الجامعة لأمور الإسلام

- ‌(22) باب إطعام الطعام وإفشاء السلام

- ‌(23) باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده

- ‌(24) باب ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان

- ‌(25) باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان

- ‌(26) باب من الإيمان أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك

- ‌(27) باب النهي عن إيذاء الجار

- ‌(28) باب إكرام الجار والضيف وفضيلة حفظ اللسان

- ‌(29) باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الإيمان

- ‌(30) باب ضعف الإيمان بتطاول الأزمان والحاجة إلى الأمر بالمعروف

- ‌(31) باب تفاضل أهل الإيمان

- ‌(32) باب محبة المؤمنين من الإيمان

- ‌(33) باب الدين النصيحة

- ‌(34) باب المبايعة على النصح لكل مسلم

- ‌(35) باب نقصان الإيمان بالمعاصي

- ‌(36) باب خصال المنافق

- ‌(37) باب إيمان من قال للمسلم: يا كافر

- ‌(38) باب إيمان من ادعى لغير أبيه ومن ادعى ما ليس له

- ‌(39) باب إيمان من يسب أخاه ومن يقاتله

- ‌(40) باب الطعن في النسب والنياحة على الميت

- ‌(41) باب إيمان العبد الآبق

- ‌(42) باب إيمان من قال: مطرنا بالنوء

- ‌(43) باب حب الأنصار من الإيمان

- ‌(44) باب حب علي من الإيمان

- ‌(45) باب كفران العشير

- ‌(46) باب سجود ابن آدم يغيظ الشيطان

- ‌(47) باب بين المسلم والكفر ترك الصلاة

- ‌(48) باب أفضل الأعمال: الإيمان - الجهاد - الحج - والعتق مساعدة الصانع والأخرق - الكف عن الشر

- ‌(49) باب أفضل الأعمال الصلاة لوقتها وبر الوالدين

- ‌(50) باب أعظم الذنوب الشرك بالله -ثم قتل الابن -ثم الزنا بحليلة الجار

- ‌(51) باب أكبر الكبائر الإشراك بالله -وعقوق الوالدين- وشهادة الزور

- ‌(52) باب السبع الموبقات

- ‌(53) باب من الكبائر شتم الرجل والديه

- ‌(54) باب تحريم الكبر

- ‌(55) باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار

- ‌(56) باب تحريم قتل الكافر بعد قوله: لا إله إلا الله

- ‌(57) باب قتل أسامة لمن قال: لا إله إلا الله

- ‌(58) باب من حمل علينا السلاح فليس منا

- ‌(59) باب من غشنا فليس منا

- ‌(60) باب ليس منا من ضرب الخدود

- ‌(61) باب تحريم النميمة

- ‌(62) باب تحريم إسبال الإزار، والمن بالعطية وترويج السلعة بالحلف

- ‌(63) باب الشيخ الزاني، والملك الكذاب ومانع فضل الماء، والمبايع لدنيا

- ‌(64) باب تحريم قتل الإنسان نفسه

- ‌(65) باب من حلف بملة غير الإسلام

- ‌(66) باب لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

- ‌(67) باب تحريم الجنة على قاتل نفسه

- ‌(68) باب تحريم الغلول

- ‌(69) باب قاتل النفس لا يكفر

- ‌(70) باب الريح التي تكون قرب القيامة

- ‌(71) باب الحث على المبادرة بالأعمال

- ‌(72) باب خوف المؤمن أن يحبط عمله

- ‌(73) باب هل يؤاخذ بما عمل في الجاهلية

- ‌(74) باب الإسلام يهدم ما قبله، وكذا الحج والعمرة (وفاة عمرو بن العاص)

- ‌(75) باب حكم العمل الصالح قبل الإسلام

- ‌(76) باب صدق الإيمان وإخلاصه

- ‌(77) باب تجاوز الله عن حديث النفس

- ‌(78) باب حكم الهم بالحسنة والهم بالسيئة

- ‌(79) باب الوسوسة في الإيمان

- ‌(80) باب من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة

- ‌(81) باب من قتل دون ماله فهو شهيد

- ‌(82) باب الوالي الغاش لرعيته

- ‌(83) باب رفع الأمانة

- ‌(84) باب الفتن التي تموج موج البحر

- ‌(85) باب بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا

- ‌(86) باب ذهاب الإيمان آخر الزمان

- ‌(87) باب الاستسرار بالإيمان للخائف

- ‌(88) باب تأليف ضعيف الإيمان

- ‌(89) باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة

- ‌(90) باب القرآن المعجزة الكبرى والرسول صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء تابعا

- ‌(91) عموم رسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌(92) باب أجر الكتابي إذا أسلم: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين

- ‌(93) باب نزول عيسى ابن مريم حاكما

- ‌(94) باب الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان

- ‌(95) باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(96) باب فترة الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(97) باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه

- ‌(98) باب رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء والمعراج

- ‌(99) باب رؤية الله تعالى في الدنيا

- ‌(100) باب رؤية المؤمنين لربهم في الجنة

الفصل: ‌(3) باب سؤال ضمام عن أركان الإسلام

(3) باب سؤال ضمام عن أركان الإسلام

9 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل، فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمد، أتانا رسولك، فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك. قال:"صدق". قال: فمن خلق السماء؟ قال: "الله". قال: فمن خلق الأرض؟ قال: "الله". قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: "الله". قال: فبالذي خلق السماء، وخلق الأرض، ونصب هذه الجبال آلله أرسلك؟ قال:"نعم" قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا. قال: "صدق". قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم". قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا قال: "صدق". قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم". قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا. قال: "صدق". قال: فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا؟ قال: "نعم". قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا. قال: "صدق". قال: ثم ولى. قال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لئن صدق ليدخلن الجنة".

10 -

عن ثابت قال: قال أنس رضي الله عنه كنا نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء وساق الحديث بمثله.

-[المعنى العام]-

نهى الله المؤمنين عن الإلحاح في سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن التعنت فيه، وعن الإكثار منه فيما لا ضرورة إليه بقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101] فأحجم الصحابة عن السؤال تحرزا أن يقعوا فيما نهوا عنه، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحجامهم تقصيرا في حق أنفسهم، وحبسا لها عن استجلاء ما تحتاجه من أمور، واستيضاح ما خفي عليها من المبهمات، فطلب منهم أن يسألوه، فهابوا أن

ص: 40

يسألوه، رغم تشوقهم للسؤال، وتمنيهم مجيء الأعراب العقلاء من البادية ليسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسمعون.

وفي هذه الظروف، وفي سنة ثمان أو تسع من الهجرة بعث بنو سعد بن بكر ضماما ليأتيهم بخبر الإسلام وشرائعه مشافهة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن بلغتهم هذه الأمور على لسان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبينما الصحابة جلوس في المسجد حول رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل ضمام على بعيره، فأناخه في رحبة المسجد وعلى بابه، ثم عقله ودخل، فقال: أيكم محمد؟ فأشار له الصحابة وقالوا: هو هذا الرجل الأبيض المتكئ. فقال: يا ابن عبد المطلب. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد أجبتك. قال: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد علي في نفسك، ولا تغضب علي لسؤالي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سل عما بدا لك.

قال: أتانا رسولك وأخبرنا أن الله أرسلك إلى الناس عامة. قال: صدق فيما أخبركم، قال: فإذا كان الأمر كذلك، فمن خلق السماء؟ قال: الله وحده. قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله وحده. قال: فمن خلق الجبال وأرساها وأودع فيها من العجائب والمنافع ما أودع؟ قال: الله وحده.

قال: أنشدك بربك الذي خلق السماء والأرض وأرسى الجبال وجعل فيها ما جعل، آلله بعثك رسولا؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم.

قال: وأخبرنا رسولك أنه يجب على كل مكلف منا خمس صلوات في كل يوم وليلة.

قال: صدق.

قال: أنشدك بربك الذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: اللهم نعم.

قال: وأخبرنا رسولك أن على كل مالك منا زكاة تؤخذ من أغنيائنا فتقسم على فقرائنا.

قال: صدق. قال: أنشدك بربك الذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: اللهم نعم.

قال: وأخبرنا رسولك أن علينا صوم شهر رمضان من كل عام. قال صدق.

قال: أنشدك بالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: اللهم نعم.

قال: وأخبرنا رسولك أن علينا حج البيت الحرام من استطاع إليه سبيلا. قال: صدق.

فقال الرجل: شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وآمنت بما جئت به، والذي بعثك بالحق لا أزيد على ما وجب علي ولا أنقص منه شيئا، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر، ثم قام وولى.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن صدق في قوله، ووفى بوعده ليدخلن الجنة. ثم رجع ضمام إلى قومه، فأخبرهم، وقال لهم إن الله قد بعث رسولا، وأنزل عليه كتابا، وقد جئتكم من عنده بما آمركم به وأنهاكم عنه.

ص: 41

فأطاعوه وأسلموا. قال ابن عباس: ما سمعنا بوافد قط أفضل من ضمام بن ثعلبة فوالله ما أمسى من ذلك اليوم وفي حاضره رجل أو امرأة إلا مسلما.

-[المباحث العربية]-

(نهينا أن نسأل) أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، والتقدير: نهينا عن سؤالنا.

(فكان يعجبنا أن يجيء الرجل) المصدر المنسبك من "أن" والفعل فاعل "يعجب" واسم "كان" ضمير الحال والشأن، وجملة "يعجب" خبرها.

(من أهل البادية) الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من الرجل، والبادية ضد الحاضرة والعمران، والنسبة إليها بدوي بكسر الباء، والبداوة الإقامة بالبادية، وأهل البادية هم الأعراب، ويغلب فيهم الجفاء، ولهذا جاء في الحديث "من بدا جفا".

وسبب حبهم لهذا الصنف من السائلين أن الشأن في أهل البادية أن يكونوا آخر من يصلهم النهي عن السؤال، فهم أكثر من غيرهم إقداما على السؤال، وهم أهل لأن يعذروا لما عرف عنهم من الغلظة والجهل والجفوة.

(العاقل) بالرفع صفة الرجل، والباعث على حبهم اتصافه بالعقل أن مثله يسأل عن المحتاج إليه المفيد، ومثله يجيد كيفية السؤال وآدابه، ويحسن المراجعة فيكثر النفع.

(فيسأله ونحن نسمع)"يسأل" بالنصب معطوف على" يجيء" وجملة "نحن نسمع" حال.

(فجاء رجل) هو ضمام بن ثعلبة البكري، بكسر الضاد وتخفيف الميم، وجاء اسمه في نهاية رواية البخاري إذ قال: وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر.

(فزعم لنا أنك تزعم) قوله "زعم" و"تزعم" مع تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم دليل على أن الزعم ليس مخصوصا بالكذب والقول المشكوك فيه، بل يكون أيضا في القول المحقق والصدق الذي لا شك فيه كقوله صلى الله عليه وسلم "زعم جبريل" وقوله سيبويه: زعم الخليل.

(قال: فمن خلق السماء) الفاء فصيحة في جواب شرط مقدر، أي إذا كان الله أرسلك فمن خلق السماء؟ و"من" اسم استفهام مبتدأ، وجملة "خلق" خبرها، وليس المقصود الاستفهام الحقيقي، بل التقرير ليبني عليه ما بنى.

(قال: الله) مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: الله هو الذي خلق السماء.

(فمن نصب الجبال وجعل فيها ما جعل؟ ) نصب الجبال أقامها وأرساها

ص: 42

و"ما" موصولة والجملة بعدها صلة" والمراد منها ما أودع في الجبال من معادن وكنوز ومياه وكائنات وعبر وآيات.

(فبالذي خلق السماء) التحليف ليس لاتهامه صلى الله عليه وسلم وليس لإنكار المحلف وتكذيبه، وإنما لتأكيد الخبر وتوثيقه اهتماما به.

(آلله

؟ ) بالمد في جميع المواضع، لأنها همزة الاستفهام الداخلة على ألف لفظ الجلالة، وهو مرفوع بالابتداء، وجملة "أرسلك" خبره.

(نعم) حرف جواب وتصديق" وفي المغني: حرف إعلام، إذ لا يصح أن نقول لقائل "آلله أرسلك"؟ صدقت، لأنه إنشاء لا خبر، فهي للإعلام حرف ناب عن جملة، أي أعلمك أن الله أرسلني. وهكذا في أمثاله.

(لئن صدق ليدخلن الجنة) اللام الأولى موطئة للقسم، والثانية في جوابه، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه.

-[فقه الحديث]-

تقدم الكثير من أحكام هذا الحديث في شرح الحديث السابق، ونقتصر هنا على ما لم يسبق له ذكر، فنقول:

استدل به البخاري على جواز القراءة والعرض على العالم، والعرض عبارة عما يعارض به الطالب أصل شيخه، معه أو مع غيره بحضرته، فإن ضماما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. فأخبر ضمام قومه بإجازة الرسول صلى الله عليه وسلم له.

وقد كان بعض السلف لا يعتدون إلا بما سمعوه من ألفاظ المشايخ، لاحتمال سهوهم حين القراءة عليهم، لكن هذا الرأي انتهى القول به، وأصبح قبول العرض وجوازه محل اتفاق، بل بالغ بعض العلماء فذهب إلى أن العرض على الشيخ أرفع من السماع من لفظه، واعتلوا بأن الشيخ لو سها في تحديثه لم يتهيأ للطالب الرد عليه.

ونقل عن مالك والثوري أنهما سويا بين السماع من العالم والقراءة عليه، وجمهور المحققين في علوم الحديث على أن السماع من لفظ الشيخ أرفع رتبة من القراءة عليه، ما لم يعرض عارض يصير القراءة أولى.

وهذا الذي فهمه البخاري مبني على أن ضماما كان مسلما قبل قدومه، وأنه جاء يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على ذلك قوله في نهاية إحدى الروايات الصحيحة "آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي".

وقال جماعة: لم يكن ضمام مسلما وقت قدومه، وإنما كان إسلامه بعد مراجعته، وأنه جاء

ص: 43

مستثبتا من الأخبار التي وصلتهم، وحملوا قوله "آمنت بما جئت به .. " على أنه إنشاء وابتداء إيمان، لا إخبار بإيمان سبق منه. واستدلوا على دعواهم برواية مسلم "زعم رسولك لنا أنك تزعم" والزعم في الأصل القول الذي لا يوثق به، كما استدلوا برواية "حتى إذا فرغ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله".

وبناء على أنه قدم مسلما استدل ابن الصلاح بالحديث على ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من أن العوام المقلدين مؤمنون، وأنه يكتفى منهم بمجرد اعتقادهم الحق جزما من غير شك وتزلزل، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أقر ضماما على ما اعتمد عليه في تعرف رسالته، وصدقه بمجرد إخباره إياه بذلك ولم ينكر عليه، ولم يقل له: يجب عليك معرفة ذلك بالنظر في معجزاتي والاستدلال بالأدلة القطعية.

كما بني على الخلاف في إسلامه قبل قدومه خلاف في توجيه سؤاله النبي صلى الله عليه وسلم باسمه أو بابن عبد المطلب مع أن الله يقول: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} [النور: 63].

فمن قال: إنه لم يكن مسلما قبل قدومه سهل عليه الجواب والتوجيه والاعتذار، لأن الكافر غير مطالب بهذه الفروع.

وأما الآخرون فقد قالوا: إنه مع إسلامه لم يكن بلغه النهي عن السؤال ولا النهي عن دعاء الرسول كدعاء الناس، على أن البدو يعذرون في مثل هذه الأمور، لما فيهم من بقية جفاء الأعراب وجهلهم.

وقد اختلف في سنة قدوم ضمام، فجزم الواقدي بأنه كان سنة خمس من الهجرة، وغلطه الحافظ ابن حجر مستدلا بوجوه:

أحدها: أن قدومه كان بعد نزول النهي في القرآن، وآية النهي في المائدة ونزولها متأخر جدا.

ثانيها: أن إرسال الرسل يدعون إلى الإسلام ابتدأ بعد الحديبية.

ثالثها: أن في القصة أن قومه أوفدوه، ومعظم الوفود كان بعد فتح مكة.

رابعها: جاء في حديث ابن عباس أن قومه أطاعوه ودخلوا في الإسلام بعد رجوعه إليهم، ولم يدخل بنو سعد في الإسلام إلا بعد وقعة حنين، وكانت في شوال سنة ثمان.

ثم قال الحافظ ابن حجر: فالصواب أن قدوم ضمام كان في سنة تسع.

وقد أخذ صاحب التحرير من حسن سؤال ضمام دليلا على قوة ذاكرته ورصانة عقله وتفكيره، فإن أجاد السياق والترتيب، إذ سأل أولا عن صانع المخلوقات من هو؟ ثم أقسم به أن يصدقه في كونه رسولا للصانع، ثم لما وقف على رسالته أقسم عليه بحق مرسله أن يؤكد له أمور الإسلام وشرائعه.

-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-

قبول خبر الواحد على أن ضماما كان رسول قومه ودعاهم إلى الإسلام فصدقوه وجواز الاستحلاف على الأمر المحقق لزيادة التأكيد.

ص: 44