المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(36) باب خصال المنافق - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ١

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌كتاب الإيمان

- ‌(1) باب الإيمان بالقدر

- ‌(2) باب أمور الإسلام

- ‌(3) باب سؤال ضمام عن أركان الإسلام

- ‌(4) باب ما يقرب من الجنة وما يباعد من النار

- ‌(5) باب إحلال الحلال وتحريم الحرام يدخل الجنة

- ‌(6) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه

- ‌(7) باب وفد عبد القيس وأمور الإسلام

- ‌(8) باب بعث معاذ إلى اليمن

- ‌(9) باب قتال أهل الردة ومانعي الزكاة

- ‌(10) باب وفاة أبي طالب، وما نزل بشأنه

- ‌(11) باب من مات على التوحيد دخل الجنة

- ‌(12) باب زيادة فضلة الطعام ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(13) باب من شهد أن لا إله إلا الله حرم الله عليه النار

- ‌(14) باب حق الله على العباد وحق العباد على الله

- ‌(15) باب التبشير بالجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله

- ‌(16) باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عتبان

- ‌(17) باب طعم الإيمان

- ‌(18) باب الحياء شعبة من الإيمان

- ‌(19) باب الحياء من الإيمان

- ‌(20) باب الحياء خير كله

- ‌(21) باب الخصلة الجامعة لأمور الإسلام

- ‌(22) باب إطعام الطعام وإفشاء السلام

- ‌(23) باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده

- ‌(24) باب ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان

- ‌(25) باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان

- ‌(26) باب من الإيمان أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك

- ‌(27) باب النهي عن إيذاء الجار

- ‌(28) باب إكرام الجار والضيف وفضيلة حفظ اللسان

- ‌(29) باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الإيمان

- ‌(30) باب ضعف الإيمان بتطاول الأزمان والحاجة إلى الأمر بالمعروف

- ‌(31) باب تفاضل أهل الإيمان

- ‌(32) باب محبة المؤمنين من الإيمان

- ‌(33) باب الدين النصيحة

- ‌(34) باب المبايعة على النصح لكل مسلم

- ‌(35) باب نقصان الإيمان بالمعاصي

- ‌(36) باب خصال المنافق

- ‌(37) باب إيمان من قال للمسلم: يا كافر

- ‌(38) باب إيمان من ادعى لغير أبيه ومن ادعى ما ليس له

- ‌(39) باب إيمان من يسب أخاه ومن يقاتله

- ‌(40) باب الطعن في النسب والنياحة على الميت

- ‌(41) باب إيمان العبد الآبق

- ‌(42) باب إيمان من قال: مطرنا بالنوء

- ‌(43) باب حب الأنصار من الإيمان

- ‌(44) باب حب علي من الإيمان

- ‌(45) باب كفران العشير

- ‌(46) باب سجود ابن آدم يغيظ الشيطان

- ‌(47) باب بين المسلم والكفر ترك الصلاة

- ‌(48) باب أفضل الأعمال: الإيمان - الجهاد - الحج - والعتق مساعدة الصانع والأخرق - الكف عن الشر

- ‌(49) باب أفضل الأعمال الصلاة لوقتها وبر الوالدين

- ‌(50) باب أعظم الذنوب الشرك بالله -ثم قتل الابن -ثم الزنا بحليلة الجار

- ‌(51) باب أكبر الكبائر الإشراك بالله -وعقوق الوالدين- وشهادة الزور

- ‌(52) باب السبع الموبقات

- ‌(53) باب من الكبائر شتم الرجل والديه

- ‌(54) باب تحريم الكبر

- ‌(55) باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار

- ‌(56) باب تحريم قتل الكافر بعد قوله: لا إله إلا الله

- ‌(57) باب قتل أسامة لمن قال: لا إله إلا الله

- ‌(58) باب من حمل علينا السلاح فليس منا

- ‌(59) باب من غشنا فليس منا

- ‌(60) باب ليس منا من ضرب الخدود

- ‌(61) باب تحريم النميمة

- ‌(62) باب تحريم إسبال الإزار، والمن بالعطية وترويج السلعة بالحلف

- ‌(63) باب الشيخ الزاني، والملك الكذاب ومانع فضل الماء، والمبايع لدنيا

- ‌(64) باب تحريم قتل الإنسان نفسه

- ‌(65) باب من حلف بملة غير الإسلام

- ‌(66) باب لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

- ‌(67) باب تحريم الجنة على قاتل نفسه

- ‌(68) باب تحريم الغلول

- ‌(69) باب قاتل النفس لا يكفر

- ‌(70) باب الريح التي تكون قرب القيامة

- ‌(71) باب الحث على المبادرة بالأعمال

- ‌(72) باب خوف المؤمن أن يحبط عمله

- ‌(73) باب هل يؤاخذ بما عمل في الجاهلية

- ‌(74) باب الإسلام يهدم ما قبله، وكذا الحج والعمرة (وفاة عمرو بن العاص)

- ‌(75) باب حكم العمل الصالح قبل الإسلام

- ‌(76) باب صدق الإيمان وإخلاصه

- ‌(77) باب تجاوز الله عن حديث النفس

- ‌(78) باب حكم الهم بالحسنة والهم بالسيئة

- ‌(79) باب الوسوسة في الإيمان

- ‌(80) باب من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة

- ‌(81) باب من قتل دون ماله فهو شهيد

- ‌(82) باب الوالي الغاش لرعيته

- ‌(83) باب رفع الأمانة

- ‌(84) باب الفتن التي تموج موج البحر

- ‌(85) باب بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا

- ‌(86) باب ذهاب الإيمان آخر الزمان

- ‌(87) باب الاستسرار بالإيمان للخائف

- ‌(88) باب تأليف ضعيف الإيمان

- ‌(89) باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة

- ‌(90) باب القرآن المعجزة الكبرى والرسول صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء تابعا

- ‌(91) عموم رسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌(92) باب أجر الكتابي إذا أسلم: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين

- ‌(93) باب نزول عيسى ابن مريم حاكما

- ‌(94) باب الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان

- ‌(95) باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(96) باب فترة الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(97) باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه

- ‌(98) باب رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء والمعراج

- ‌(99) باب رؤية الله تعالى في الدنيا

- ‌(100) باب رؤية المؤمنين لربهم في الجنة

الفصل: ‌(36) باب خصال المنافق

(36) باب خصال المنافق

109 -

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا. ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق، حتى يدعها: إذا حدث كذب. وإذا عاهد غدر. وإذا وعد أخلف. وإذا خاصم فجر". غير أن في حديث سفيان "وإن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق".

110 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب. وإذا وعد أخلف. وإذا اؤتمن خان".

111 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من علامات المنافق ثلاثة: إذا حدث كذب. وإذا عاهد غدر. وإذا وعد أخلف. وإذا اؤتمن خان".

112 -

عن العلاء بن عبد الرحمن يحدث بهذا الإسناد وقال "آية المنافق ثلاث. وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم".

113 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث يحيى بن محمد عن العلاء ذكر فيه "وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم".

-[المعنى العام]-

يحذر صلى الله عليه وسلم من خصال السوء التي لا تليق بالمسلم، يحذر من آفات اللسان والعمل والنية، يحذر من خمس خلال، يجعلها سمة المنافق، ويجعل وجودها دليلا على نفاق صاحبها، بل يجعل وجود الواحدة منها دليلا على وجود شعبة من شعب النفاق، يظل صاحبها يوصم بهذا الوصم حتى يتركها.

ص: 218

فيقول: صفات من كن فيه كان منافقا خالصا متمحضا للنفاق، بالغا فيه درجة عليا.

أولاها: الكذب في الحديث، فإنه يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا.

ثانيتها: الغدر في المعاهدات، والإخلال بالمواثيق، والنكث بعد إعطاء الأمان.

{فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما} [الفتح: 10].

{وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا} [النحل: 91، 92].

ثالثتها: الخلف في الوعد بالخير، عن عزم وتصميم من حين إعطائه، وسوء النية والمراوغة في الوفاء به للإضرار بالناس.

رابعتها: الفجور في المخاصمة، واللجاج في المطالبة بغير الحق، والمراء والجدال للوصول إلى حق الغير غلبة وبهتانا، اعتمادا على قوة اللسان واللحن في القول.

خامستها: خامسة الأثافي خيانة الأمانة، ونقل العلم أمانة، ونقل الحديث أمانة والأزواج أمانة، والأولاد أمانة، والأموال أمانة، والعبادات أمانة، وفي ذلك يقول الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} [الأنفال: 27].

بصفات السوء هذه تختل أمور الأمة، ويهتز بناؤها، وتفقد الثقة في أهلها، ويتحول رجالها من صادقين مصدقين إلى فسقة وفجرة ومنافقين، لهم عذاب جهنم وبئس المصير، أعاذنا الله منها، ووفقنا لما فيه رضاه.

-[المباحث العربية]-

(أربع من كن فيه كان منافقا) المعدود مؤنث محذوف، أي أربع من الخصال، أو أربع من الخلال.

و"أربع" مبتدأ، سوغ الابتداء به وهو نكرة ملاحظة الوصف و"من" شرطية مبتدأ ثان والشرط والجواب خبرها، وجملتها خبر "أربع".

والنفاق لغة مخالفة الظاهر للباطن، فإن كان في اعتقاد الإيمان فهو نفاق الكفر، إلا فهو نفاق العمل، ويدخل فيه القول والفعل والترك، وتتفاوت مراتبه.

(ومن كانت فيه خلة منهن) الخلة بفتح الخاء الخصلة، وبضم الخاء الصداقة المحضة التي لا خلل فيها، والمراد هنا الخصلة.

ص: 219

(إذا حدث كذب) مفعول "حدث" محذوف للتعميم، أي إذا حدث بأي حديث كذب فيه، أو الفعل منزل منزلة اللازم، أي إذا حصل منه تحديث حصل فيه كذب، وهذا الأسلوب مع التعبير بـ "إذا" يدل على تكرر الفعل، فيكون المقصود من الجملة من اعتاد ذلك، وصار له ديدنا.

(وإذا عاهد غدر)"عاهده" أعطاه الأمان والموثق، و"غدره وغدر به" خانه ولم يف له بما التزم.

(وإذا وعد أخلف) يقال: وعدته خيرا، ووعدته شرا، فإذا حذفوا المفعول الثاني [خيرا. شرا] قالوا في الخير وعدته، وفي الشر أوعدته. قاله صاحب المحكم.

(وإذا خاصم فجر) خاصمه مخاصمة: غالبه في الجدل، وكثر في المجادلة على الحقوق المالية لدي الحكام، والفجور الميل عن الحق، والانبعاث في المعاصي والخروج عن الحدود الشرعية.

(وإن كانت فيه خصلة منهن) الخصلة بفتح الخاء: الخلة، والفضيلة والرذيلة، وغلبت الخصلة على الفضيلة، واستعمالها هنا من غير الغالب.

(آية المنافق ثلاث) الآية العلامة، وكان الظاهر أن يقول: آيات المنافق ثلاث، لأن كل خصلة آية، لكنه أفرد على إرادة الجنس، أو أن العلامة إنما تحصل باجتماع الثلاث لا بواحدة منها، والأول أليق بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من النفاق".

(من علامات المنافق ثلاثة) هكذا هو في الأصول بتأنيث العدد، بناء على أنه إذا حذف المعدود جاز تذكير العدد وتأنيثه، ويقدر المعدود هنا مذكرا، فكأنه قال: ثلاثة أوصاف، أو ثلاثة أمور مثلا.

(وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم) جواب الشرط محذوف للعلم به، والتقدير: وإن صام وصلى فآية نفاقه ثلاث.

-[فقه الحديث]-

يحصل من مجموع الروايات خمس خصال:

1 -

الكذب في الحديث.

2 -

والغدر في المعاهدات.

3 -

والخلف في الوعد.

4 -

والفجور في المخاصمة.

5 -

والخيانة في الأمانة.

ص: 220

وهذا يتعارض مع ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم "أربع من كن فيه" وقوله في الرواية الثانية "آية المنافق ثلاث" بل الروايتان تعارض كل منهما الأخرى، وقد حاول بعض العلماء رفع هذا التعارض، فقال القرطبي: يحتمل أنه استجد له صلى الله عليه وسلم من العلم بخصالهم ما لم يكن عنده. اهـ أي فأخبر أولا بالأقل، ثم أخبر بالأكثر.

وقال الحافظ ابن حجر ما حاصله: يحتمل أن تكون العلامات الثلاث دالات على أصل النفاق، والخلة الزائدة إذا أضيفت إلى ذلك كمل بها خلوص النفاق. اهـ.

وهذا الجمع من الحافظ ابن حجر إنما بناه على روايتي البخاري، وليس فيهما "إذا وعد أخلف" وحاول الخروج من روايتي مسلم بأن الغدر في المعاهدة والخلف في الوعد معناهما قد يتحد، فعدهما خصلة واحدة، وقال: كأن بعض الرواة تصرف في لفظه، والمزيد خصلة واحدة ومجموع الخصال الواردة أربع. اهـ.

والمحقق في هذا الاحتمال يستبعده، لأن تصرف بعض الرواة في اللفظ إنما يحتمل في الروايتين المختلفتين، أما الرواية الواحدة التي تعدد خصلتين فاحتمال التصرف من الرواة بعيد.

والأولى في الجواب أن يقال: إن كل واحدة من الخمس علامة من علامات النفاق، بل الخمس من علامات النفاق، فهي أكثر من ذلك، إذ منها الملق وإظهار الرضا والإعجاب بالرؤساء مع بغضهم وكراهيتهم، فالأربع إذا اجتمعت في شخص كان منافقا خالصا، وإذا وجدت فيه خصلة منها كان فيه خصلة من النفاق، وهناك غير هذه الأربع ما هو من علامات النفاق، أما رواية:"آية المنافق ثلاث" فهي على تقدير "من " أي من آيات المنافق الكثيرة ثلاث، يدل على ذلك ما ورد في الرواية الثانية "من علامات المنافق ثلاثة".

والمقصود من هذه الخصال المذكورة التنبيه على ما عداها من خصال النفاق، إذ أصل الديانة منحصر في ثلاث: القول، والفعل، والنية، فنبه على فساد القول بالكذب، والفجور في المخاصمة، وعلى فساد الفعل بالخيانة في الأمانة والغدر في المعاهدة، وعلى فساد النية بالخلف في الوعد، لأن الخلف في الوعد لا يقدح إلا إذا كان العزم عليه مقارنا للوعد، أما لو كان عازما على الوفاء ثم عرض له مانع، أو بدا رأي، فهذا لا توجد فيه صورة النفاق قاله الغزالي في الإحياء، وقد ورد عند الترمذي وأبي داود" إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي له فلم يف، فلا إثم عليه".

وقال المهلب: إنجاز الوعد مأمور به مندوب إليه عند الجميع، وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه واجب، استدلالا بهذا الحديث، وبقوله تعالى:{كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} [الصف: 3].

والتحقيق أن حكمه يختلف باختلاف الموعود به، والأثر المترتب على الإخلاف.

ولا شك أن المراد بالوعد المطلوب الوفاء به الوعد بالخير، أما الوعد بالشر فيستحب إخلافه، بل قد يجب إخلافه.

ص: 221

وأما الكذب في الحديث الذي هو علامة من علامات المنافق فهو الكذب المتعمد الذي يترتب عليه ضرر، أما المبالغة في الوصف، أو في الإخبار عن أحوال ماضية، مما يخالف الواقع ولا يترتب عليه ضرر، فهذا وإن كان كذبا في الصورة، وإن كان ينبغي الحذر منه، إلا أنه لا يأثم كثيرا بسببه ولا يكون به منافقا.

وللغزالي كلام نفيس في هذا الموضوع لا بأس باقتباس بعضه، قال: إن الكذب ليس حراما لعينه، بل لما فيه من الضرر على المخاطب أو على غيره. ثم نقل عن ميمون بن مهران قوله: الكذب في بعض المواطن خير من الصدق. أرأيت لو أن رجلا سعى خلف إنسان بالسيف ليقتله ظلما، فدخل دارا فانتهى إليك، فقال: أرأيت فلانا؟ ما كنت قائلا؟ ألست تقول: لم أره؟ وهذا الكذب واجب.

ثم قال الغزالي: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك القصد مباحا، وواجب إن كان المقصود واجبا، كما أن عصمة دم المسلم واجبة فمهما كان في الصدق سفك دم امرئ مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب، ومهما كان لا يتم مقصود الحرب، أو إصلاح ذات البين، أو استمالة قلب المحني عليه إلا بكذب فالكذب مباح.

إلا أنه ينبغي أن يحترز منه ما أمكن، لأنه إذا فتح باب الكذب على نفسه، فيخشى أن يتداعى إلى ما يستغنى عنه، وإلى ما لا يقتصر على حد الضرورة، فيكون الكذب حراما في الأصل إلا لضرورة. اهـ.

وأما الغدر في المعاهدة فهو قبيح مذموم عند كل أمة. قال الحافظ ابن حجر: والغدر حرام باتفاق، سواء كان في حق المسلم أو الذمي. اهـ.

وقد أمر الله المسلمين بالوفاء بعهدهم للمشركين فقال: {إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين} [التوبة: 4].

وأما المخاصمة فهي لجاج في الكلام ليستوفى به مال أو حق، والفجور فيها يكون بمحاولة الوصول إلى مال الغير وإلى غير الحق، فالمخاصمة تكون على ثلاثة أحوال: مخاصمة للوصول إلى حق، ومخاصمة بغير علم، ومخاصمة للوصول إلى حق الغير.

أما المخاصمة للوصول إلى حق فالأولى تركها، حيث أمكن الوصول إليه بغيرها، لأنها تشوش الخاطر، وتنغص القلوب، وتوغر الصدور، وتهيج الغضب، إذ فيها تعريض بالطعن والتجهيل والتكذيب، وفيها تفويت لطيب الكلام، ولين الخلق مفتاح باب الجنة.

وأما المخاصمة بغير علم فهي مذمومة لما فيها من الأضرار السابقة، وزيادة عدم الهدف والغرض الصحيح.

وأما المخاصمة للوصول إلى حق الغير فهي الحالة المقصودة من الحديث "إذا خاصم فجر" أي مال عن الحق قصدا، وتلك سمة المنافق.

ص: 222

وأما الخيانة في الأمانة فهي حرام باتفاق، سواء كانت الأمانة بين العبد وربه كالفرائض التي هي أمانة لدى الأمة، أو بين الناس بعضهم بعضا.

وقد أثار العلماء على الحديث إشكالا، حكاه الإمام النووي فقال: إن هذه الخصال توجد في المسلم المصدق الذي ليس فيه شك، وقد أجمع العلماء [أي من أهل السنة] على أن من كان مصدقا بقلبه ولسانه، وفعل هذه الخصال لا يحكم عليه بكفر، ولا هو منافق يخلد في النار، فإن إخوة يوسف عليه السلام جمعوا هذا الخصال، وكذا وجد لبعض السلف والعلماء بعض هذا أو كله، ثم قال جوابا عن هذا الإشكال: الذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار، أن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال، ومتخلق بأخلاقهم، فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه، وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال، ويكون نفاقه في حق من حدثه، أو وعده، أو ائتمنه، أو خاصمه وعاهده من الناس، لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر، ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار.

قال الحافظ ابن حجر: ومحصل هذا الجواب حمل تسميته منافقا على المجاز، أي صاحب هذه الخصال كالمنافق، وهو مبني على أن المراد بالنفاق نفاق الكفر.

وقد قيل في الجواب عن الإشكال: إن المراد بالنفاق نفاق العمل. وهذا الذي ارتضاه القرطبي، واستدل له بقول عمر لحذيفة: هل تعلم في شيئا من النفاق؟ فإنه لم يرد بذلك نفاق الكفر، وإنما أراد نفاق العمل.

وقيل: المراد بإطلاق النفاق إنذار المسلم وتحذيره من أن يرتكب هذه الخصال فيعتادها فتفضي به إلى حقيقة النفاق.

وهذه الأجوبة مبنية على أن اللام في المنافق للجنس، ومن العلماء من ادعى أنها للعهد، وأن الحديث في حق شخص معين، أو في حق المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، جريا على عادة النبي صلى الله عليه وسلم في عدم المواجهة بتصريح القول، فلم يكن يقول: فلان منافق، وإنما كان يعرض بالأفعال كقوله صلى الله عليه وسلم:"ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء"؟

قال الحافظ ابن حجر: وأحسن الأجوبة ما ارتضاه القرطبي. اهـ.

ونحن نميل إلى ما اختاره النووي، ولا يضر قوله "وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم" إذ المعنى أنه شيبه بالمنافق، وإن قام بشعائر الإسلام وأركانه الظاهرة وأعلن أنه مسلم، فقد كان المنافقون الحقيقيون يفعلون ذلك.

وهذه الجملة في الرواية الأخيرة تأكيد للتنفير من هذه الخلال، والتحذير من ملابستها لإشعارها بأن الصوم والصلاة، وبقية الأركان لا تحمي الإسلام من الزعزعة والضعف، ولا تحول دون مشابهة مرتكب الخلال الخمس بالمنافقين {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور: 63].

ص: 223