الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(79) باب الوسوسة في الإيمان
222 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال "وقد وجدتموه؟ " قالوا: نعم. قال: "ذاك صريح الإيمان".
بهذا الحديث.
223 -
عن عبد الله رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة. قال: "تلك محض الإيمان".
-[المعنى العام]-
لا يفتأ الشيطان يحارب المؤمن، يأتيه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، ليحول بينه وبين الجنة، ليخرجه من حزب الله إلى حزب إبليس وجنوده.
وللشيطان في هذه الحرب وسائله التي تختلف باختلاف عدوه، فمع ضعيف الإيمان يستعمل الإغواء في الشهوات، والترغيب في المعاصي والموبقات، والإبعاد عن الطاعات والتكاسل عن الواجبات حتى يصل به إلى سهولة الخلاعة من الدين، وزعزعة الإيمان واليقين.
أما المؤمن القوي الذي يئس الشيطان من جره إلى المعاصي، ومنعه من الطاعات فإنه يدخل عليه باسم التفكير في الخالق وصفاته وكماله وقدرته التي خلقت السماء والأرض والكائنات، ثم يقفز به إلى التساؤل عن الذي خلق الله، فيتعاظم هذا الهاجس في نفس المؤمن، ويكبر أمام عقيدته هذه الوسوسة، ويعجب كيف وصل به الشيطان إلى هذه النقطة؟ ويستحي أن ينطق أمام أحد بما يسول له الشيطان، أمام هذا سأل ناس من الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يجدون، فطمأنهم على إيمانهم، وأخبرهم أنه إذا وصل المؤمن إلى استعظام ما يوسوس به الشيطان فإنه يكون قد وصل إلى محض
الإيمان، وصريح الإيمان، وخالص الإيمان، وعلى المؤمن أن يمسك حينئذ عن الاسترسال فيه، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
-[المباحث العربية]-
(إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به)"ما" نكرة موصوفة، و"أن" وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول "يتعاظم" وفي القاموس: تعاظم الرجل الأمر أي عظم عليه، وجملة "إنا نجد" مستأنفة استئنافا بيانيا، في جواب سؤال، تقديره: ماذا قالوا في سؤالهم؟ فقيل: إنا نجد في أحاديث النفس شيئا قبيحا يعظم علينا أن ننطق به لقبحه ونفورنا عنه. فما حكمه؟
(وقد وجدتموه؟ ) الواو عاطفة على محذوف، والجملة استفهامية على تقدير حرف الاستفهام، أي أوقع هذا في نفوسكم وقد وجدتموه؟
(ذلك صريح الإيمان) المشار إليه هو اليقين والاطمئنان الذي منعهم من قبول ما يلقيه الشيطان في أنفسهم، وهو الذي دفعهم إلى تعاظمه واستنكار النطق به، و"صريح الإيمان" من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي ذاك اليقين هو الإيمان الصريح الواضح الخالص من الشوائب، وفي القاموس: الصريح هو الخالص من كل شيء.
(سئل عن الوسوسة) الوسوسة: حديث النفس وحديث الشيطان بما لا نفع فيه ولا خير، و"أل" في "الوسوسة" للعهد، أي الوسوسة في الإيمان.
(تلك محض الإيمان) أي تلك الحالة التي تقف أمام الوسوسة هي الإيمان المحض الخالص، ففي القاموس: فضة محضة أي خالصة.
-[فقه الحديث]-
في مضمون روايات هذا الحديث أخرج أبو داود عن أبي هريرة قال: جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه، فقالوا: يا رسول الله، إنا نجد في أنفسنا الشيء يعظم أن نتكلم به، ما نحب أن لنا الدنيا وأنا تكلمنا به (أي لو أعطينا زينة الدنيا مقابل أن نتكلم به ما قبلنا وما تكلمنا) فقال: أوقد وجدتموه؟ ذاك صريح الإيمان.
ولابن أبي شيبة من حديث ابن عباس "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أحدث نفسي بالأمر، لأن أكون حممة (بضم الحاء وفتح الميمين، أي نارا مستعرة) أحب إلي من أن أتكلم به. قال: الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة".
وفي معناه وفقهه قال بعضهم: ليس المراد أن الوسوسة نفسها صريح الإيمان، بل هي من قبل
الشيطان وكيده، وإنما صريح الإيمان هو العلم بقبح تلك الوساوس، وامتناع قبولها، ووجود النفرة عنها، كل ذلك دليل على خلوص الإيمان من الشوائب، فإن الكافر يصر على ما في قلبه من الكفر ولا ينفر عنه "وإن ضعيف الإيمان يتشكك بمجرد الوسوسة ولا يتعاظم عليه أمرها، ولا يستنكر الكلام بها. وكان هؤلاء السائلون من الصحابة على درجة كبيرة من اليقين الذي لا يتزعزع، والعقيدة الراسخة التي لا تؤثر فيها هواجس النفس والشيطان.
ولمعرفة هذه الوسوسة وطريقة الشيطان لزعزعة الإيمان، ووسيلة الوقاية والعلاج انظر شرح الحديث التالي.
والله أعلم
تابع باب الوسوسة في الإيمان
224 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا، خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله".
225 -
عن هشام بن عروة، بهذا الإسناد. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق السماء؟ من خلق الأرض؟ فيقول: الله" ثم ذكر بمثله.
وزاد "ورسله".
226 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته".
227 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يأتي العبد الشيطان فيقول: من خلق كذا وكذا؟ " مثل حديث ابن أخي ابن شهاب.
228 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يزال الناس يسألونكم عن العلم، حتى يقولوا: هذا الله خلقنا. فمن خلق الله؟ ". قال، وهو آخذ بيد رجل فقال: صدق الله ورسوله. قد سألني اثنان وهذا الثالث. أو قال: سألني واحد وهذا الثاني.
قال أبو هريرة رضي الله عنه، "لا يزال الناس"، بمثل حديث عبد الوارث. غير أنه لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الإسناد. ولكن قد قال في آخر الحديث: صدق الله ورسوله.
229 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يزالون يسألونك، يا أبا هريرة، حتى يقولوا: هذا الله. فمن خلق الله؟ " قال، فبينا أنا في المسجد إذ جاءني ناس من الأعراب. فقالوا: يا أبا هريرة! هذا الله. فمن خلق الله؟ قال، فأخذ حصى بكفه فرماهم. ثم قال: قوموا. قوموا. صدق خليلي.
230 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليسألنكم الناس عن كل شيء حتى يقولوا: الله خلق كل شيء. فمن خلقه؟ ".
231 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: إن أمتك لا يزالون يقولون: ما كذا؟ ما كذا؟ حتى يقولوا: هذا الله خلق الخلق. فمن خلق الله؟ ".
وعن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بهذا الحديث غير أن إسحق لم يذكر "قال قال الله إن أمتك".
-[المعنى العام]-
من وسوسة الشيطان أن يحدث إلى المؤمن، من خلق السماء؟ فيجيب المؤمن: الله، فيسأل: من خلق الأرض؟ فيجيب: الله. فيسأل: الله هو الذي خلقنا وخلق كل شيء فمن خلق الله؟ وقد يتجه المؤمن بهذا التساؤل إلى العلماء لعله يجد جوابا تسكن إليه نفسه ويثبت يقينه وإيمانه.
حدث بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يأتي الشيطان أحدكم، فيقول له: من خلق كذا وكذا؟ فإذا قال: الله، قال: إذا كان الله هو خالق كل شيء فمن خلق الله؟ كان الله قبل كل شيء، فمن كان قبله؟ يقول صلى الله عليه وسلم: إذا بلغ الشيطان بالمؤمن إلى هذا السؤال فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وليمسك عن هذا التفكير، وليتفل عن شماله وليقل: آمنت بالله ورسوله {الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد} [الإخلاص: 1 - 4].
ثم يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم علماء الصحابة (إذا جاءهم العامة يسألون) أن يوصدوا باب هذا التفكير أمامهم، وأن يأمروهم ألا يسترسلوا فيما لا يفيدهم، فإن استرسال العوام في ذلك لا يزيدهم إلا حيرة وعليهم أن يلتجئوا إلى الله، وأن يعتصموا به، {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم} [آل عمران: 101].
-[المباحث العربية]-
(لا يزال الناس يتساءلون) أي يسأل بعضهم بعضا فيما لا يفيد، وفي رواية البخاري "لن يبرح الناس يتساءلون" وفي رواية "يسألون".
(حتى يقال) مبني للمجهول، وقد أبرز الفاعل في بعض الروايات على أنه الشيطان "أو على أنهم القائلون. ففي الرواية الثانية والثالثة والرابعة "يأتي الشيطان أحدكم فيقول" وفي الرواية الخامسة والسادسة "حتى يقولوا" أي في أنفسهم أو لغيرهم، كما يأتي.
(هذا خلق الله الخلق) قيل: إن اسم الإشارة نائب فاعل "يقال" أو مفعول "يقولون" والمعنى: حتى يقال هذا، أو حتى يقولون هذا القول وهو: خلق الله الخلق إلخ، وقيل: إن اسم الإشارة مبتدأ حذف خبره. أي هذا الأمر قد علم.
(فمن خلق الله) في جواب شرط مقدر، و"من" اسم استفهام مبتدأ، والجملة بعده خبر، والتقدير: إذا ثبت أن الله خلق كل شيء فمن خلق الله؟ .
(فمن وجد من ذلك شيئا) أي من هذه الوسوسة في نفسه، أو من سائل.
(فليقل: آمنت بالله) أي فليقل في نفسه، أو يتلفظ لنفسه أو لغيره بقوله: آمنت بالله، وأنه منزه عن هذا، وأنه أحد صمد. لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. والمقصود من هذا القول قطع الوسوسة، والاشتغال بإثبات نقيضها.
(يأتي الشيطان أحدكم) الظاهر أن المراد به شيطان الجن، إبليس أو جنده، وإتيانه إنما يعرف بالوسوسة، لأننا لا نراه.
(فيقول: من خلق السماء؟ من خلق الأرض؟ فيقول: الله) فاعل "يقول" الأولى الشيطان، وفاعل الثانية "أحدكم" وسؤال الشيطان هذين السؤالين للاستدراج لما بعدهما، ولفظ الجلالة خبر مبتدأ محذوف أي خالق ذلك الله.
(وزاد: ورسله) أي فليقل: آمنت بالله ورسله.
(من خلق كذا وكذا)"كذا" أصلها كاف التشبيه "وذا" الإشارية، ثم استعملتا هنا كلمة واحدة مكنيا بها عن غير عدد، فهي في محل النصب، مفعول "خلق".
(فليستعذ بالله ولينته) أي فليستعذ بالله من وسوسة الشيطان، ولينته عن الاسترسال في ذلك.
(يأتي العبد الشيطان) بتقديم المفعول به على الفاعل.
(هذا الله خلقنا)"هذا" مبتدأ خبره محذوف، أي هذا الأمر معلوم، وهو أن الله خلقنا، ويصح أن يكون مبتدأ، ولفظ الجلالة عطف بيان، و"خلقنا" الخبر.
(قال: وهو آخذ بيد رجل فقال) أعاد كلمة "قال" لطول الفصل بينها وبين مقولها، والقائل أبو هريرة: وإمساكه بيد الرجل ليشير إليه بأنه السائل الثالث.
(صدق الله ورسوله) في كل ما أخبر به، وفي قوله:"لا يزال الناس يسألونكم".
(قد سألني اثنان) عمن خلق الله.
(أو قال: سألني واحد) شك من الراوي عن أبي هريرة [وهو محمد بن سيرين] في أي العبارتين صدر عن أبي هريرة.
(هذا الله) مبتدأ وخبر، أي هذا الخالق لكل شيء الله.
(فبينا أنا في المسجد إذ جاءني ناس)"بين" ظرف زمان، أشبعت فتحة النون فجاءت الألف، وهو ملازم للإضافة إلى جملة، ولا بد لها من جواب هو العامل فيها إذا كان الكلام مجردا عن كلمة المفاجأة، فإن وجدت -كما هنا- فالعامل معنى المفاجأة.
(قوموا. قوموا) تأكيد لفظي، والمقصود من الأمر بالقيام الانصراف عن السؤال.
(صدق خليلي) محمد صلى الله عليه وسلم في أخباره عامة، وفي قوله "لا يزالون يسألونك".
(ليسألنكم الناس عن كل شيء) مبالغة في كثرة الأسئلة، وليس المقصود كل شيء حقيقة.
(حتى يقولوا: الله خلق كل شيء) قال النووي: هكذا هو في بعض الأصول "يقولوا" بغير نون، وفي بعضها "يقولون" بالنون وكلاهما صحيح، وإثبات النون مع الناصب لغة قليلة، ذكرها جماعة من محققي النحويين، وجاءت متكررة في الأحاديث الصحيحة. اهـ.
-[فقه الحديث]-
ليضع المؤمن نصب عينيه قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27] وقوله: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما
يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} [فاطر: 6] ويذكر قول إبليس: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16 - 17] وهذا الحديث يبين أسلوبا من أساليب إضلاله.
قال ابن بطال: إن هذا السؤال [من خلق الله] لا ينشأ إلا عن جهل مفرط، فإن الموسوس إن قال: ما المانع أن يخلق الخالق نفسه؟ قيل له: هذا ينقض بعضه بعضا، لأنك أثبت خالقا، وأوجبت وجوده، ثم قلت: يخلق نفسه، فأوجبت عدمه، والجمع بين كونه موجودا معدوما فاسد لتناقضه، لأن الفاعل يتقدم وجوده على وجود فعله، فيستحيل كون نفسه فعلا له. اهـ.
وقال الخطابي: هذا السؤال متهافت، ينقض آخره أوله، لأن العقل أثبت أن المحدثات مفتقرة إلى محدث، فلو كان هو مفتقرا إلى محدث لكان من المحدثات.
وقال ابن التين: لو جاز لمخترع الشيء أن يكون له مخترع لتسلسل، فلا بد من الانتهاء إلى موجد قديم، والقديم من لا يتقدمه شيء، ولا يصح عدمه، وهو فاعل لا مفعول، وهو الله تبارك وتعالى. اهـ.
فإن قيل: لم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمساك عن التفكير وبالاستعاذة دون الحجة الواضحة الموصلة لرفع الشبهة، والإجابة عن السؤال؟ .
قلنا: أما بالنسبة لوسوسة الشيطان فإنه ليس لوسوسته انتهاء، بل كلما ألزم حجة زاغ إلى غيرها، ومهما عورض بالدليل وجد مسلكا آخر من المغالطة والاسترسال، فيضيع الوقت على المؤمن إن سلم من الفتنة والحيرة، نعوذ بالله من ذلك. فلا تدبير في دفعه أقوى من الالتجاء إلى الله تعالى بالاستعاذة به، كما قال تعالى:{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200].
وأما بالنسبة إلى المؤمن السائل فلنا عنه جوابان:
الأول: ما أشار إليه الطيبي، وهو أن العلم باستغناء الله جل وعلا عن الموجد أمر بديهي لا يقبل المناظرة، والاسترسال فيها لا يزيد البعض إلا حيرة.
وقال الكرماني: لما عرف بالضرورة أن الخالق غير المخلوق، أو بالكسب الذي يقارب الصدق كان السؤال عن ذلك تعنتا، ولا يجاب عن سؤال التعنت، وقال الحافظ ابن حجر: لما كان السؤال واهيا لم يستحق جوابا، أو الكف عن ذلك نظير الأمر بالكف عن الخوض في الذات والصفات.
الثاني: أن المؤمن السائل إما أن يكون من العوام، لا يستطيع هضم الدليل العقلي، ولا فهم الحجة والبرهان، وعلاجه في إيقافه عن التفكير وعدم الاسترسال معه فيما قد يدخله في تيه عميق، وفي رده إلى الله وقرآنه، والاستعاذة به من الشيطان الرجيم. وإما أن يكون ممن يستطيع الفهم والنظر والاستدلال، فهذا ينبغي أن يجاب بالحجة والبرهان.
وروايات الحديث أمرت صاحب الوسوسة بالانتهاء والاستعاذة، ولم تأمر المسئول برفض السؤال
أو الإعراض عنه، وعدم الإجابة عليه، ولعل أبا هريرة رأى سائليه من النوع الأول، بدليل قوله "من الأعراب" فزجرهم عن البحث وأمرهم بالقيام عنه.
-[ويؤخذ من الحديث]-
1 -
ذم السؤال عما لا يعني.
2 -
وفيه علم من أعلام النبوة لإخباره بوقوع ما سيقع فوقع.
3 -
وفيه وسوسة الشيطان وعلاجها.
4 -
وأن الشيطان يندفع بالاستعاذة بالله منه.
5 -
وفيه الأمر بالكف عن التفكير عند خوف الزلل.
والله أعلم