المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(69) باب قاتل النفس لا يكفر - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ١

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌كتاب الإيمان

- ‌(1) باب الإيمان بالقدر

- ‌(2) باب أمور الإسلام

- ‌(3) باب سؤال ضمام عن أركان الإسلام

- ‌(4) باب ما يقرب من الجنة وما يباعد من النار

- ‌(5) باب إحلال الحلال وتحريم الحرام يدخل الجنة

- ‌(6) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه

- ‌(7) باب وفد عبد القيس وأمور الإسلام

- ‌(8) باب بعث معاذ إلى اليمن

- ‌(9) باب قتال أهل الردة ومانعي الزكاة

- ‌(10) باب وفاة أبي طالب، وما نزل بشأنه

- ‌(11) باب من مات على التوحيد دخل الجنة

- ‌(12) باب زيادة فضلة الطعام ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(13) باب من شهد أن لا إله إلا الله حرم الله عليه النار

- ‌(14) باب حق الله على العباد وحق العباد على الله

- ‌(15) باب التبشير بالجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله

- ‌(16) باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عتبان

- ‌(17) باب طعم الإيمان

- ‌(18) باب الحياء شعبة من الإيمان

- ‌(19) باب الحياء من الإيمان

- ‌(20) باب الحياء خير كله

- ‌(21) باب الخصلة الجامعة لأمور الإسلام

- ‌(22) باب إطعام الطعام وإفشاء السلام

- ‌(23) باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده

- ‌(24) باب ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان

- ‌(25) باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان

- ‌(26) باب من الإيمان أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك

- ‌(27) باب النهي عن إيذاء الجار

- ‌(28) باب إكرام الجار والضيف وفضيلة حفظ اللسان

- ‌(29) باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الإيمان

- ‌(30) باب ضعف الإيمان بتطاول الأزمان والحاجة إلى الأمر بالمعروف

- ‌(31) باب تفاضل أهل الإيمان

- ‌(32) باب محبة المؤمنين من الإيمان

- ‌(33) باب الدين النصيحة

- ‌(34) باب المبايعة على النصح لكل مسلم

- ‌(35) باب نقصان الإيمان بالمعاصي

- ‌(36) باب خصال المنافق

- ‌(37) باب إيمان من قال للمسلم: يا كافر

- ‌(38) باب إيمان من ادعى لغير أبيه ومن ادعى ما ليس له

- ‌(39) باب إيمان من يسب أخاه ومن يقاتله

- ‌(40) باب الطعن في النسب والنياحة على الميت

- ‌(41) باب إيمان العبد الآبق

- ‌(42) باب إيمان من قال: مطرنا بالنوء

- ‌(43) باب حب الأنصار من الإيمان

- ‌(44) باب حب علي من الإيمان

- ‌(45) باب كفران العشير

- ‌(46) باب سجود ابن آدم يغيظ الشيطان

- ‌(47) باب بين المسلم والكفر ترك الصلاة

- ‌(48) باب أفضل الأعمال: الإيمان - الجهاد - الحج - والعتق مساعدة الصانع والأخرق - الكف عن الشر

- ‌(49) باب أفضل الأعمال الصلاة لوقتها وبر الوالدين

- ‌(50) باب أعظم الذنوب الشرك بالله -ثم قتل الابن -ثم الزنا بحليلة الجار

- ‌(51) باب أكبر الكبائر الإشراك بالله -وعقوق الوالدين- وشهادة الزور

- ‌(52) باب السبع الموبقات

- ‌(53) باب من الكبائر شتم الرجل والديه

- ‌(54) باب تحريم الكبر

- ‌(55) باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار

- ‌(56) باب تحريم قتل الكافر بعد قوله: لا إله إلا الله

- ‌(57) باب قتل أسامة لمن قال: لا إله إلا الله

- ‌(58) باب من حمل علينا السلاح فليس منا

- ‌(59) باب من غشنا فليس منا

- ‌(60) باب ليس منا من ضرب الخدود

- ‌(61) باب تحريم النميمة

- ‌(62) باب تحريم إسبال الإزار، والمن بالعطية وترويج السلعة بالحلف

- ‌(63) باب الشيخ الزاني، والملك الكذاب ومانع فضل الماء، والمبايع لدنيا

- ‌(64) باب تحريم قتل الإنسان نفسه

- ‌(65) باب من حلف بملة غير الإسلام

- ‌(66) باب لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

- ‌(67) باب تحريم الجنة على قاتل نفسه

- ‌(68) باب تحريم الغلول

- ‌(69) باب قاتل النفس لا يكفر

- ‌(70) باب الريح التي تكون قرب القيامة

- ‌(71) باب الحث على المبادرة بالأعمال

- ‌(72) باب خوف المؤمن أن يحبط عمله

- ‌(73) باب هل يؤاخذ بما عمل في الجاهلية

- ‌(74) باب الإسلام يهدم ما قبله، وكذا الحج والعمرة (وفاة عمرو بن العاص)

- ‌(75) باب حكم العمل الصالح قبل الإسلام

- ‌(76) باب صدق الإيمان وإخلاصه

- ‌(77) باب تجاوز الله عن حديث النفس

- ‌(78) باب حكم الهم بالحسنة والهم بالسيئة

- ‌(79) باب الوسوسة في الإيمان

- ‌(80) باب من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة

- ‌(81) باب من قتل دون ماله فهو شهيد

- ‌(82) باب الوالي الغاش لرعيته

- ‌(83) باب رفع الأمانة

- ‌(84) باب الفتن التي تموج موج البحر

- ‌(85) باب بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا

- ‌(86) باب ذهاب الإيمان آخر الزمان

- ‌(87) باب الاستسرار بالإيمان للخائف

- ‌(88) باب تأليف ضعيف الإيمان

- ‌(89) باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة

- ‌(90) باب القرآن المعجزة الكبرى والرسول صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء تابعا

- ‌(91) عموم رسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌(92) باب أجر الكتابي إذا أسلم: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين

- ‌(93) باب نزول عيسى ابن مريم حاكما

- ‌(94) باب الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان

- ‌(95) باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(96) باب فترة الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(97) باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه

- ‌(98) باب رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء والمعراج

- ‌(99) باب رؤية الله تعالى في الدنيا

- ‌(100) باب رؤية المؤمنين لربهم في الجنة

الفصل: ‌(69) باب قاتل النفس لا يكفر

(69) باب قاتل النفس لا يكفر

197 -

عن جابر رضي الله عنه أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل لك في حصن حصين ومنعة؟ (قال حصن كان لدوس في الجاهلية) فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. للذي ذخر الله للأنصار. فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. هاجر إليه الطفيل بن عمرو. وهاجر معه رجل من قومه. فاجتووا المدينة. فمرض، فجزع فأخذ مشاقص له، فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات. فرآه الطفيل بن عمرو في منامه. فرآه وهيئته حسنة. ورآه مغطيا يديه. فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي أراك مغطيا يديك؟ قال قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت. فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم وليديه فاغفر".

-[المعنى العام]-

قدم الطفيل بن عمرو الدوسي من وطنه باليمن إلى مكة، وكان من وجهاء قومه، فخافت قريش أن يتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، فحذرته منه بأنه يفرق بين المرء وزوجه، وبأنه ساحر إلخ، فدفعه حب الاستطلاع إلى القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث لا يشعر، فسمع منه بعض آيات القرآن الكريم، فوقعت في قلبه، فما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته أدركه الطفيل، فطلب منه أن يعرض عليه الإسلام فأسلم، ورجع إلى قومه، ودعاهم إلى الإسلام، فكان ممن أجابه أبو هريرة رضي الله عنه وجماعة من أهله، وبعد مدة رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأى إيذاء قريش له وللمسلمين، فعرض عليه أن يهاجر إلى اليمن ويقيم في حصن دوس المنيع، وفي حماية جماعة من قوم الطفيل المسلمين، فاعتذر عن الهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان ربه قد أراه أرض طيبة، وأعلمه أنها أرض الهجرة، ولم يكن قد أذن له فيها، فعاد الطفيل إلى أهله، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وبعد بدر وأحد والخندق، وفي عمرة القضية هاجر الطفيل بن عمرو، ومعه رجل من قومه، واستقر بهم المقام في المدينة، لكن هواءها لم يناسبهما، فأصابتهما بعض الأمراض، واشتد المرض بصاحبه، وبرحت به الآلام، فلم يطق عليها صبرا، فأخذ سهما عريضا حادا كالسكين، وقطع به أصابعه، ففجر شرايينه، فسال دمه بغزارة، ولم ينقطع حتى مات، فرآه الطفيل في المنام، رآه حسن الهيئة، وقد كان يعلم أنه مات عاصيا بانتحاره، فتعجب من حسن هيئته فقال له: ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي خطاياي بفضل هجرتي إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، قال له: فما بالك تغطي يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فبقي الأذى

ص: 380

الذي فعلته، بقي في يدي. فقص الطفيل رؤياه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فعلم منه أنها حق، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن تشمل المغفرة والرحمة اليدين، كما شملت الرجل كله، فقال اللهم وليديه فاغفر.

-[المباحث العربية]-

(هل لك في حصن حصين) الحصن: القصر المسور بسور خاص لحماية من به من الأعداء، والوصف بحصين للتأكيد، فعيل بمعنى اسم الفاعل، أي محصن من بداخله.

(ومنعة) بفتح الميم، وبفتح النون وإسكانها لغتان، والفتح أفصح، وهي: العز والامتناع ممن يريده، فهي بمعنى الحصن الحصين، والعطف تفسيري، وقيل: المنعة جمع مانع، كظلمة جمع ظالم، أي جماعة يمنعونك ممن يقصدك بمكروه.

(قال: حصن كان لدوس في الجاهلية) أي قال الطفيل ذلك تكميلا لعرضه و"حصن" خبر لمبتدأ محذوف. أي ما أعرضه عليك حصن كان لدوس قبيلتي.

(فأبى ذلك) أي لم يقبل العرض.

(للذي ذخر الله للأنصار) اللام في "للذي" لام العاقبة. أي رفض العرض لتكون العاقبة [الفضل والشرف الذي ادخره الله] لأهل المدينة (الأنصار).

(هاجر إليه الطفيل) كانت هجرة الطفيل في عمرة القضية، وقيل: قدم مع أبي هريرة في خيبر.

(وهاجر معه رجل من قومه) لم أقف على اسمه. ولعل الرواة أغفلوا اسمه (كدأبهم) للستر على أصحاب المعاصي.

(فاجتووا المدينة) بفتح الواو الأولى وضم الثانية، وضمير الجمع يعود على الطفيل والرجل المذكور ومن يتصل بهما، ومعناه: كرهوا المقام بها لضجر ونوع سقم. وأصله من الجوى وهو يصيب الجوف. وقال أبو عبيد: اجتويت البلدة كرهت المقام بها، وإن وافقتك في بدنك واستوبلتها إذا أحببتها وإن لم توافقك في بدنك. وفي رواية "فاجتوى المدينة فمرض فجزع فأخذ" بالإفراد في الجميع. وهي أنسب.

(فأخذ مشاقص له) بفتح الميم والشين وبالقاف والصاد جمع مشقص، وهو سهم فيه نصل عريض، وقيل: سهم طويل ليس بالعريض، والأول هو الظاهر هنا، لقوله "فقطع بها" ولا يحصل ذلك إلا بالعريض، ولعله جرب مشقصا ثم مشقصا ثم مشقصا، حتى قطع، ولهذا جاء بصيغة الجمع "مشاقص".

ص: 381

(فقطع بها براجمه) البراجم بفتح الباء وبالجيم: مفاصل الأصابع واحدها برجمة. قال أبو عبيد: الرواجب والبراجم مفصل الأصابع. وقال ابن العربي: الرواجب رءوس العظام في ظهر الكف، والبراجم المفاصل التي تحتها.

(فشخبت يداه) بفتح الشين والخاء. أي سال دمها، وقيل: سال بقوة.

والذي أتصوره أنه شخبت يد واحدة قطع براجمها باليد الأخرى، والتثنية بناء على أنه أمسك اليد المقطوعة باليد السليمة القاطعة، فسال الدم منهما، واحدة بالفعل وواحدة في الصورة، أو بناء على أن اليدين سال دمهما وخرج عن طريق يد واحدة، وهذا احتمال بعيد، كاحتمال أن يكون قد قطع بعضا من براجم يده. ثم أمسك المشقص بما بقي فيها من أصابع فقطع براجم الأخرى، فشخبت اليدان.

(ورآه مغطيا يديه) تثنية "يديه" هنا وفي قوله "مغطيا يديك" وقول النبي صلى الله عليه وسلم "اللهم وليديه فاغفر" ربما أيدت التصور الأخير: وأنه قطع بعض براجم كل من اليدين. فدعوى أن قبح اليدين وأذاهما باعتبار أن إحداهما قاطعة فأوخذت وشوهت والأخرى مقطوعة مشوهة لم تصلح.

(فقصها الطفيل) أي قص الرؤيا.

(اللهم وليديه فاغفر) الواو عاطفة على محذوف. أي اللهم فاغفر له وليديه.

-[فقه الحديث]-

استدل به أهل السنة على أن من قتل نفسه، أو ارتكب كبيرة غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر، ولا يقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة يجوز أن يعفو الله عنه، ويجوز أن يعاقبه على ذنبه.

فإن قيل: هل هذا الرجل عوقب أو لم يعاقب؟ إن كان عوقب فكيف التوفيق مع قوله "غفر لي بهجرتي" وإن كان لم يعاقب فكيف بيديه.

قلنا إنه لم يعاقب على قتل نفسه، إذ عقوبة القتل نار حامية، وإنما غفر له تلك المعصية وغيرها بهجرته، وأخذ مؤاخذة خفيفة بالأذى في يديه.

فإن قيل: هل قبلت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بمغفرة يديه، أو لم تقبل؟ إن كان الأول فكيف التوفيق بينه وبين قوله "لن نصلح منك ما أفسدت".

قلنا: الظاهر قبول دعوته صلى الله عليه وسلم، وأنه غفر لجميعه وعفي عنه، ومعنى "لن نصلح منك ما أفسدت" أي ما لم يدع لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لن نصلح منك الآن ما أفسدت.

وفي الحديث رد على المعتزلة في قولهم بتخليد العاصي في النار، وعلى الخوارج في قولهم بكفر مرتكب الكبيرة، وعلى المرجئة في قولهم: لا يضر مع الإيمان شيء.

ص: 382

فإن قيل: كيف يحتج برؤيا غير النبي صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي؟

قلنا: إن الاحتجاج ليس بالرؤيا، وإنما بتقرير النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أقر صلى الله عليه وسلم ما جاء فيها، وبنى عليه طلبه المغفرة ليديه.

وفي الحديث منقبة عظيمة، وفضل كبير للطفيل بن عمرو في حرصه على سلامة الرسول صلى الله عليه وسلم ورغبته في حمايته والتشرف به في دياره، وفيه حرص الصاحب على صاحبه وشفقته عليه، وشفقة الرسول صلى الله عليه وسلم بأمته.

والله أعلم.

ص: 383