المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(20) باب الحياء خير كله - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ١

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌كتاب الإيمان

- ‌(1) باب الإيمان بالقدر

- ‌(2) باب أمور الإسلام

- ‌(3) باب سؤال ضمام عن أركان الإسلام

- ‌(4) باب ما يقرب من الجنة وما يباعد من النار

- ‌(5) باب إحلال الحلال وتحريم الحرام يدخل الجنة

- ‌(6) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه

- ‌(7) باب وفد عبد القيس وأمور الإسلام

- ‌(8) باب بعث معاذ إلى اليمن

- ‌(9) باب قتال أهل الردة ومانعي الزكاة

- ‌(10) باب وفاة أبي طالب، وما نزل بشأنه

- ‌(11) باب من مات على التوحيد دخل الجنة

- ‌(12) باب زيادة فضلة الطعام ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(13) باب من شهد أن لا إله إلا الله حرم الله عليه النار

- ‌(14) باب حق الله على العباد وحق العباد على الله

- ‌(15) باب التبشير بالجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله

- ‌(16) باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عتبان

- ‌(17) باب طعم الإيمان

- ‌(18) باب الحياء شعبة من الإيمان

- ‌(19) باب الحياء من الإيمان

- ‌(20) باب الحياء خير كله

- ‌(21) باب الخصلة الجامعة لأمور الإسلام

- ‌(22) باب إطعام الطعام وإفشاء السلام

- ‌(23) باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده

- ‌(24) باب ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان

- ‌(25) باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان

- ‌(26) باب من الإيمان أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك

- ‌(27) باب النهي عن إيذاء الجار

- ‌(28) باب إكرام الجار والضيف وفضيلة حفظ اللسان

- ‌(29) باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الإيمان

- ‌(30) باب ضعف الإيمان بتطاول الأزمان والحاجة إلى الأمر بالمعروف

- ‌(31) باب تفاضل أهل الإيمان

- ‌(32) باب محبة المؤمنين من الإيمان

- ‌(33) باب الدين النصيحة

- ‌(34) باب المبايعة على النصح لكل مسلم

- ‌(35) باب نقصان الإيمان بالمعاصي

- ‌(36) باب خصال المنافق

- ‌(37) باب إيمان من قال للمسلم: يا كافر

- ‌(38) باب إيمان من ادعى لغير أبيه ومن ادعى ما ليس له

- ‌(39) باب إيمان من يسب أخاه ومن يقاتله

- ‌(40) باب الطعن في النسب والنياحة على الميت

- ‌(41) باب إيمان العبد الآبق

- ‌(42) باب إيمان من قال: مطرنا بالنوء

- ‌(43) باب حب الأنصار من الإيمان

- ‌(44) باب حب علي من الإيمان

- ‌(45) باب كفران العشير

- ‌(46) باب سجود ابن آدم يغيظ الشيطان

- ‌(47) باب بين المسلم والكفر ترك الصلاة

- ‌(48) باب أفضل الأعمال: الإيمان - الجهاد - الحج - والعتق مساعدة الصانع والأخرق - الكف عن الشر

- ‌(49) باب أفضل الأعمال الصلاة لوقتها وبر الوالدين

- ‌(50) باب أعظم الذنوب الشرك بالله -ثم قتل الابن -ثم الزنا بحليلة الجار

- ‌(51) باب أكبر الكبائر الإشراك بالله -وعقوق الوالدين- وشهادة الزور

- ‌(52) باب السبع الموبقات

- ‌(53) باب من الكبائر شتم الرجل والديه

- ‌(54) باب تحريم الكبر

- ‌(55) باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار

- ‌(56) باب تحريم قتل الكافر بعد قوله: لا إله إلا الله

- ‌(57) باب قتل أسامة لمن قال: لا إله إلا الله

- ‌(58) باب من حمل علينا السلاح فليس منا

- ‌(59) باب من غشنا فليس منا

- ‌(60) باب ليس منا من ضرب الخدود

- ‌(61) باب تحريم النميمة

- ‌(62) باب تحريم إسبال الإزار، والمن بالعطية وترويج السلعة بالحلف

- ‌(63) باب الشيخ الزاني، والملك الكذاب ومانع فضل الماء، والمبايع لدنيا

- ‌(64) باب تحريم قتل الإنسان نفسه

- ‌(65) باب من حلف بملة غير الإسلام

- ‌(66) باب لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

- ‌(67) باب تحريم الجنة على قاتل نفسه

- ‌(68) باب تحريم الغلول

- ‌(69) باب قاتل النفس لا يكفر

- ‌(70) باب الريح التي تكون قرب القيامة

- ‌(71) باب الحث على المبادرة بالأعمال

- ‌(72) باب خوف المؤمن أن يحبط عمله

- ‌(73) باب هل يؤاخذ بما عمل في الجاهلية

- ‌(74) باب الإسلام يهدم ما قبله، وكذا الحج والعمرة (وفاة عمرو بن العاص)

- ‌(75) باب حكم العمل الصالح قبل الإسلام

- ‌(76) باب صدق الإيمان وإخلاصه

- ‌(77) باب تجاوز الله عن حديث النفس

- ‌(78) باب حكم الهم بالحسنة والهم بالسيئة

- ‌(79) باب الوسوسة في الإيمان

- ‌(80) باب من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة

- ‌(81) باب من قتل دون ماله فهو شهيد

- ‌(82) باب الوالي الغاش لرعيته

- ‌(83) باب رفع الأمانة

- ‌(84) باب الفتن التي تموج موج البحر

- ‌(85) باب بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا

- ‌(86) باب ذهاب الإيمان آخر الزمان

- ‌(87) باب الاستسرار بالإيمان للخائف

- ‌(88) باب تأليف ضعيف الإيمان

- ‌(89) باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة

- ‌(90) باب القرآن المعجزة الكبرى والرسول صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء تابعا

- ‌(91) عموم رسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌(92) باب أجر الكتابي إذا أسلم: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين

- ‌(93) باب نزول عيسى ابن مريم حاكما

- ‌(94) باب الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان

- ‌(95) باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(96) باب فترة الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(97) باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه

- ‌(98) باب رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء والمعراج

- ‌(99) باب رؤية الله تعالى في الدنيا

- ‌(100) باب رؤية المؤمنين لربهم في الجنة

الفصل: ‌(20) باب الحياء خير كله

(20) باب الحياء خير كله

61 -

عن قتادة، قال: سمعت أبا السوار يحدث، أنه سمع عمران بن حصين يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "الحياء لا يأتي إلا بخير" فقال بشير بن كعب: إنه مكتوب في الحكمة: أن منه وقارا ومنه سكينة. فقال عمران: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن صحفك.

62 -

عن إسحاق أن أبا قتادة حدث قال: كنا عند عمران بن حصين في رهط منا. وفينا بشير بن كعب. فحدثنا عمران يومئذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحياء خير كله" قال أو قال "الحياء كله خير" فقال بشير بن كعب: إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أن منه سكينة ووقارا لله. ومنه ضعف. قال فغضب عمران حتى احمرتا عيناه. وقال ألا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعارض فيه؟ قال فأعاد عمران الحديث. قال فأعاد بشير. فغضب عمران. قال، فمازلنا نقول فيه: إنه منا يا أبا نجيد! إنه لا بأس به.

-[المعنى العام]-

في مجلس من مجالس العلم والوعظ حدث عمران بن حصين، يرغب في الحياء، ويدعو إلى التخلق به، حدث بقول النبي صلى الله عليه وسلم "الحياء لا يأتي إلا بخير"، "الحياء خير كله"، "الحياء كله خير".

وفي القوم بشير بن كعب، وكان على علم ببعض الكتب السابقة، وكتب الحكمة وكان فيما علم أن الحياء منه الممدوح، وهو الناشئ عن السكينة والوقار لله، ومنه المذموم وهو الناشئ عن الضعف والخور، فأشكل عليه الحديث، فقال لعمران: كيف نوفق بين الحديث وبين ما جاء في كتب الحكمة أن من الحياء وقارا، ومنه ضعفا؟ .

وغضب عمران من بشير، لمقابلته الحديث بالحكمة، ولوضعه ما في الكتب الأخرى في صف واحد مع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاف أن يتطرق الشك في الحديث لمن في قلبه ريب ونفاق إذا سمع بهذه الحكمة.

ص: 139

وأراد أن يصون السنة عن أن يذكر معها غيرها، فقال لبشير: لا أحب أن أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث، فتعارض فيه بأي قول آخر.

ثم أعاد عمران الحديث، وهو مغضب مكفهر الوجه، محمر العينين.

وأخذت بشير العزة والحمية، فإن في قول عمران طعنا لعقيدته، وفهمه وتصرفه، وما قصد بكلامه الغض من شأن السنة، ولا معارضتها بقول أحد، وإنما قصد أن يفهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه يتمشى مع ما هو معروف من إطلاق الحياء أحيانا على ما لا خير فيه.

فلم يخش ثورة عمران، ولا احمرار عينيه، فأعاد قولته السابقة: إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أن منه سكينة ووقارا لله، ومنه ضعف، فاستشاط عمران غيظا، وانتفخت أوداجه، وتحركت أعضاؤه، وكاد يمسك ببشير أو يخرجه من مجلسه، وبشير لا يتحرك.

أما الجلساء فقد أخذوا يهدئون من روع عمران ويطمئنونه على حسن قصد بشير وعلى صحة عقيدته، يقولون: رفقا يا أبا نجيد، عفوا يا أبا نجيد، إحسانا يا أبا نجيد، إن بشيرا منا معشر المقدسين للسنة، المصدقين بكل ما جاءت به، إنه غير متهم في دينه، وليس من أهل البدع والأهواء، حتى هدأ عمران.

-[المباحث العربية]-

(إنه مكتوب في الحكمة) اسم "إن" ضمير الحال والشأن.

(أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن صحفك) الكلام على تقدير همزة الاستفهام الإنكاري التوبيخي، أي لا يليق ولا يصح أن أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن صحفك.

(كنا عند عمران في رهط) الرهط ما دون العشرة من الرجال خاصة لا يكون فيهم امرأة، وليس له واحد من لفظه، وجمعه أرهط، وأرهاط وأراهط، وأراهيط، والجار والمجرور "في رهط" متعلق بمحذوف حال من اسم كان، أو من الضمير المستكن في خبرها.

(وفينا بشير) بضم الباء وفتح الشين، مبتدأ مؤخر، وخبر مقدم، والجملة في محل النصب على الحال، من الضمير المستكن في خبر كان.

(حتى احمرتا عيناه) هو في كل الأصول بألف "احمرتا" قال النووي: وهو صحيح جار على لغة أكلوني البراغيث، ومثله {وأسروا النجوى الذين ظلموا} [الأنبياء: 3] على أحد المذاهب فيها، ومثله "يتعاقبون فيكم ملائكة" وأشباهه كثيرة معروفة، ورويناه في سنن أبي داود "واحمرت عيناه" من غير ألف، وهذا ظاهر. اهـ.

(ألا أراني أحدثك)"ألا" حرف تنبيه، و"أحدثك" في محل المفعول الثاني لأرى، والتقدير: أراني محدثك.

ص: 140

(وتعارض فيه) الجملة في محل النصب على الحال من فاعل "أحدثك" والضمير المجرور في "فيه" يعود على الحديث المفهوم من "أحدثك" والتقدير: أراني محدثك حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة معارضتك في هذا الحديث، والمقصود إنكار المعارضة بكلام مقابل مخالف.

(فأعاد بشير) مفعوله محذوف، للعلم به، أي أعاد بشير مقالته.

(ومنه ضعف) بالرفع، مبتدأ مؤخر، والجار والمجرور خبر مقدم، وهو من عطف الجمل، ويجوز في ضاد "ضعف" الفتح والضم، لغتان مشهورتان.

(إنه منا) ضمير اسم "إن" لبشير، ومعنى "إنه منا" أي من عقيدتنا واستقامتنا، وليس ممن يتهم بنفاق أو زندقة.

(إنه لا بأس به) أي لا طعن فيه باتباع أهل الهوى والبدعة، حتى يحمل كلامه على معارضة السنة.

-[فقه الحديث]-

الشبهة الواردة على الحديث هي ما قد يقال: رب حياء يمنع عن قول الحق أو فعل الخير، كأن يحجم صاحبه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكيف يكون هذا خيرا؟

وأجاب عن ذلك ابن الصلاح بأن مثله ليس بحياء حقيقة، بل هو عجز ومهانة، وإنما تسميته حياء من إطلاق بعض أهل العرف، أطلقوه مجازا لمشابهته الحياء الحقيقي، والحياء الحقيقي كله خير.

وقال الأبي ما معناه: إنه حياء حقيقة، وقوله صلى الله عليه وسلم "الحياء لا يأتي إلا بخير" من قبيل العام المخصوص، إن جعلت الأداة في الحياء للعموم، وإن لم تجعل فالحديث قضية مهملة، والمهملة في قوة الجزئية، ولا تناقض بين جزئيتين، فالمعنى بعض الحياء لا يأتي إلا بخير، وبعض الحياء لا خير فيه. اهـ.

وهذا الذي ذهب إليه الأبي إن قبل في قوله: صلى الله عليه وسلم "الحياء لا يأتي إلا بخير" فإنه لا يقبل في قوله: صلى الله عليه وسلم "الحياء خير كله" و"الحياء كله خير"، فإن ادعاء العام المخصوص، أو ادعاء أن القضية مهملة في قوة الجزئية لا يستقيم مع التأكيد بلفظ "كل".

وتحقيق المسألة أن الحياء في اللغة تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، وهو بهذا المعنى منه الممدوح، ومنه المذموم، منه السكينة والوقار لله، ومنه الضعف والخور، منه ما يأتي بخير، ومنه ما لا يأتي بخير، بل قد يأتي بالضرر والشر.

وهذا هو المقصود بما جاء في بعض كتب الحكمة.

ص: 141

أما على تفسير الشرع له بأنه خلق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، فإنه بهذا المعنى لا يأتي إلا بخير، وهو خير كله.

وهذا هو المقصود بالحديث، فإن كان الحياء عن محرم فهو واجب، وإن كان عن مكروه فهو مندوب، وإن كان عن مباح فهو على وفق الشرع مباح، وهو في جميع هذه الحالات لا يأتي إلا بخير، وكله خير.

وعلى هذا التفسير يمكن أن يقال: إن انكسار النفس وانقباضها عن السؤال في العلم والتزود منه، ليس حياء شرعيا، لأنه لا يبعث على اجتناب القبيح، بل هو - والحالة هذه- باعث على اجتناب الحسن، مؤد إلى التقصير في حق صاحبه.

ولكنه حياء لغوي، تغير وانكسار خوف ارتكاب ما يعاب به، ولهذا صح قول ابن عمر:"فاستحييت" حين أحجم عن الجواب والكلام في العلم، وصح قول أبيه معاتبا له على هذا الانقباض النفسي، لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا (أي حمر النعم).

وصح قول عائشة: "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين".

وصح قول مجاهد: "لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر".

فكل هذه النصوص من قبيل إطلاق الحياء بمعناه اللغوي، وليس بالمعنى الشرعي.

وحين نتساءل - بعد هذا التفصيل- عن وجه إنكار عمران على بشير مع أن ما حكاه بشير صحيح من الناحية اللغوية نقول:

نستبعد أن يكون عمران قد حمل ما في الحكمة من الحياء على الحياء الشرعي، وأن يكون بشير يعارض الحديث بما جاء فيها.

وإنما الذي أنكره عمران وضع بشير قول الحكماء في مقابلة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصد عمران بذلك صون السنة أن يذكر معها غيرها، حتى ولو كان هذا الغير موافقا لها، لأنها أجل من أن يستشهد على صحتها، فما بالنا والمقابل يوهم معارضتها، وأسلوب سياقه يوهم الميل إليه لا إليها.

إنه باب لو فتح لاستهان الناس بها، ولتطرق الشك فيها عند مرضى القلوب ومن يعبد الله على حرف، وأصحاب البدع والأهواء، وعليه فإن إصرار بشير على موقفه بعيد عن الحكمة والصواب.

هذا، والحياء كما قال الراغب من خصائص الإنسان، ليرتدع عن ارتكاب ما يشتهي، فلا يكون كالبهيمة، وهو مركب من جبن وعفة، فلذلك لا يكون المستحي فاسقا، وقلما يكون الشجاع مستحيا.

والحياء الشرعي درجات، أعلاها أن يستحي المتقلب في نعم الله أن يستعين بها على معصيته، وأن يعبد الله كأنه يراه، ويحرص على أن لا يفقده ربه حيث أمره، وأن لا يراه حيث نهاه، وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه "استحيوا من الله حق الحياء". قالوا: إنا نستحي والحمد لله، فقال: ليس ذلك، وإنما الاستحياء من الله تعالى حق الحياء

ص: 142

أن تحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، وتذكر الموت والبلى، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء".

-[ويؤخذ من الحديث]-

1 -

الحث على التخلق بخلق الحياء.

2 -

أن الحياء الشرعي خير كله، ولو أدى إلى ضياع بعض الحقوق الدنيوية.

3 -

أن ما يمنع من السؤال في العلم، أو يمنع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو يمنع من أداء واجب، أو يسمح بفعل محرم، كل ذلك ليس حياء شرعيا، وكل ذلك ليس من الإيمان، وكل ذلك لا خير فيه.

4 -

حرص السلف على صيانة السنة من المعارضة، ودفاعهم عنها وغيرتهم عليها.

5 -

عمل علمائهم على نشر السنة والوعظ والتذكير في مجالسهم.

6 -

أنه يجب على من حضر خصومة أن يهدئ من ثورتها، ويلطف من حرارتها، ولا يشعل نارها.

والله أعلم

ص: 143