المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(57) باب قتل أسامة لمن قال: لا إله إلا الله - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ١

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌كتاب الإيمان

- ‌(1) باب الإيمان بالقدر

- ‌(2) باب أمور الإسلام

- ‌(3) باب سؤال ضمام عن أركان الإسلام

- ‌(4) باب ما يقرب من الجنة وما يباعد من النار

- ‌(5) باب إحلال الحلال وتحريم الحرام يدخل الجنة

- ‌(6) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه

- ‌(7) باب وفد عبد القيس وأمور الإسلام

- ‌(8) باب بعث معاذ إلى اليمن

- ‌(9) باب قتال أهل الردة ومانعي الزكاة

- ‌(10) باب وفاة أبي طالب، وما نزل بشأنه

- ‌(11) باب من مات على التوحيد دخل الجنة

- ‌(12) باب زيادة فضلة الطعام ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(13) باب من شهد أن لا إله إلا الله حرم الله عليه النار

- ‌(14) باب حق الله على العباد وحق العباد على الله

- ‌(15) باب التبشير بالجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله

- ‌(16) باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عتبان

- ‌(17) باب طعم الإيمان

- ‌(18) باب الحياء شعبة من الإيمان

- ‌(19) باب الحياء من الإيمان

- ‌(20) باب الحياء خير كله

- ‌(21) باب الخصلة الجامعة لأمور الإسلام

- ‌(22) باب إطعام الطعام وإفشاء السلام

- ‌(23) باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده

- ‌(24) باب ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان

- ‌(25) باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان

- ‌(26) باب من الإيمان أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك

- ‌(27) باب النهي عن إيذاء الجار

- ‌(28) باب إكرام الجار والضيف وفضيلة حفظ اللسان

- ‌(29) باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الإيمان

- ‌(30) باب ضعف الإيمان بتطاول الأزمان والحاجة إلى الأمر بالمعروف

- ‌(31) باب تفاضل أهل الإيمان

- ‌(32) باب محبة المؤمنين من الإيمان

- ‌(33) باب الدين النصيحة

- ‌(34) باب المبايعة على النصح لكل مسلم

- ‌(35) باب نقصان الإيمان بالمعاصي

- ‌(36) باب خصال المنافق

- ‌(37) باب إيمان من قال للمسلم: يا كافر

- ‌(38) باب إيمان من ادعى لغير أبيه ومن ادعى ما ليس له

- ‌(39) باب إيمان من يسب أخاه ومن يقاتله

- ‌(40) باب الطعن في النسب والنياحة على الميت

- ‌(41) باب إيمان العبد الآبق

- ‌(42) باب إيمان من قال: مطرنا بالنوء

- ‌(43) باب حب الأنصار من الإيمان

- ‌(44) باب حب علي من الإيمان

- ‌(45) باب كفران العشير

- ‌(46) باب سجود ابن آدم يغيظ الشيطان

- ‌(47) باب بين المسلم والكفر ترك الصلاة

- ‌(48) باب أفضل الأعمال: الإيمان - الجهاد - الحج - والعتق مساعدة الصانع والأخرق - الكف عن الشر

- ‌(49) باب أفضل الأعمال الصلاة لوقتها وبر الوالدين

- ‌(50) باب أعظم الذنوب الشرك بالله -ثم قتل الابن -ثم الزنا بحليلة الجار

- ‌(51) باب أكبر الكبائر الإشراك بالله -وعقوق الوالدين- وشهادة الزور

- ‌(52) باب السبع الموبقات

- ‌(53) باب من الكبائر شتم الرجل والديه

- ‌(54) باب تحريم الكبر

- ‌(55) باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار

- ‌(56) باب تحريم قتل الكافر بعد قوله: لا إله إلا الله

- ‌(57) باب قتل أسامة لمن قال: لا إله إلا الله

- ‌(58) باب من حمل علينا السلاح فليس منا

- ‌(59) باب من غشنا فليس منا

- ‌(60) باب ليس منا من ضرب الخدود

- ‌(61) باب تحريم النميمة

- ‌(62) باب تحريم إسبال الإزار، والمن بالعطية وترويج السلعة بالحلف

- ‌(63) باب الشيخ الزاني، والملك الكذاب ومانع فضل الماء، والمبايع لدنيا

- ‌(64) باب تحريم قتل الإنسان نفسه

- ‌(65) باب من حلف بملة غير الإسلام

- ‌(66) باب لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

- ‌(67) باب تحريم الجنة على قاتل نفسه

- ‌(68) باب تحريم الغلول

- ‌(69) باب قاتل النفس لا يكفر

- ‌(70) باب الريح التي تكون قرب القيامة

- ‌(71) باب الحث على المبادرة بالأعمال

- ‌(72) باب خوف المؤمن أن يحبط عمله

- ‌(73) باب هل يؤاخذ بما عمل في الجاهلية

- ‌(74) باب الإسلام يهدم ما قبله، وكذا الحج والعمرة (وفاة عمرو بن العاص)

- ‌(75) باب حكم العمل الصالح قبل الإسلام

- ‌(76) باب صدق الإيمان وإخلاصه

- ‌(77) باب تجاوز الله عن حديث النفس

- ‌(78) باب حكم الهم بالحسنة والهم بالسيئة

- ‌(79) باب الوسوسة في الإيمان

- ‌(80) باب من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة

- ‌(81) باب من قتل دون ماله فهو شهيد

- ‌(82) باب الوالي الغاش لرعيته

- ‌(83) باب رفع الأمانة

- ‌(84) باب الفتن التي تموج موج البحر

- ‌(85) باب بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا

- ‌(86) باب ذهاب الإيمان آخر الزمان

- ‌(87) باب الاستسرار بالإيمان للخائف

- ‌(88) باب تأليف ضعيف الإيمان

- ‌(89) باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة

- ‌(90) باب القرآن المعجزة الكبرى والرسول صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء تابعا

- ‌(91) عموم رسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌(92) باب أجر الكتابي إذا أسلم: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين

- ‌(93) باب نزول عيسى ابن مريم حاكما

- ‌(94) باب الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان

- ‌(95) باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(96) باب فترة الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(97) باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه

- ‌(98) باب رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء والمعراج

- ‌(99) باب رؤية الله تعالى في الدنيا

- ‌(100) باب رؤية المؤمنين لربهم في الجنة

الفصل: ‌(57) باب قتل أسامة لمن قال: لا إله إلا الله

(57) باب قتل أسامة لمن قال: لا إله إلا الله

164 -

عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية. فصبحنا الحرقات من جهينة. فأدركت رجلا. فقال: لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك. فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أقال لا إله إلا الله وقتلته؟ " قال قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفا من السلاح. قال "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا"؟ فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ. قال فقال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلما حتى يقتله ذو البطين [يعني أسامة]. قال: قال رجل: ألم يقل الله: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} [الأنفال: 39]. فقال سعد: قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة. وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة.

165 -

عن أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة. فصبحنا القوم. فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم. فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله. فكف عنه الأنصاري. وطعنته برمحي حتى قتلته. قال فلما قدمنا. بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي "يا أسامة! أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ " قال قلت يا رسول الله، إنما كان متعوذا. قال، فقال:"أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ " قال فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.

166 -

عن صفوان بن محرز، أنه حدث، أن جندب بن عبد الله البجلي بعث إلى عسعس بن سلامة، زمن فتنة ابن الزبير، فقال: اجمع لي نفرا من إخوانك حتى أحدثهم. فبعث رسولا إليهم. فلما اجتمعوا جاء جندب وعليه برنس أصفر. فقال: تحدثوا بما كنتم تحدثون به. حتى دار الحديث. فلما دار الحديث إليه حسر البرنس عن رأسه. فقال: إني أتيتكم ولا أريد أن أخبركم عن نبيكم. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين. وإنهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا

ص: 319

شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله. وإن رجلا من المسلمين قصد غفلته. قال وكنا نحدث أنه أسامة بن زيد. فلما رفع عليه السيف قال: لا إله إلا الله، فقتله. فجاء البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فسأله فأخبره. حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع. فدعاه. فسأله. فقال "لم قتلته؟ " قال: يا رسول الله أوجع في المسلمين. وقتل فلانا وفلانا. وسمى له نفرا. وإني حملت عليه. فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أقتلته؟ " قال: نعم قال "فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ " قال: يا رسول الله! استغفر لي. قال "وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ " قال فجعل لا يزيده على أن يقول "كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ ".

-[المعنى العام]-

في رمضان سنة سبع من الهجرة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية بإمارة غالب بن عبد الله الليثي لتأديب بطن من بطون جهينة ولتأمين المسلمين في الأرض الإسلامية، وكان في هذه السرية أسامة بن زيد. فاجأت السرية القوم صباحا فقاتلتهم، وراع المسلمين رجل من المشركين أوجع في الضرب وأكثر من قتل المسلمين، ولكن الدائرة سرعان ما دارت على المشركين فانهزموا وفروا، وتعقب أسامة ورجل من الأنصار هذا المشرك الذي قتل كثيرا من المسلمين حتى أدركاه وأحاطا به، فقال: لا إله إلا الله لينجو من القتل. وكان معلوما مشهورا أن من قالها عصم دمه وماله، فكف الأنصاري عن الرجل، لكن أسامة اعتقد أنه يخادع بها لينجو من السيف، فقاتله بالسيف فاحتمى منه، فطعنه أسامة برمحه حتى قضى عليه، وذهب البشير بخبر السرية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثه حديث أسامة وقتيله، فلما وصل أسامة إلى المدينة سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقتلته يا أسامة بعد أن قال لا إله إلا الله؟ قال: إنه قالها خوفا من السلاح. قال له: هل شققت عن حقيقة قلبه ودخيلة نفسه لتعلم أقالها من قلبه أو خداعا؟ قال: يا رسول الله. إنه أوجع في القتل، وقتل فلانا وفلانا من المسلمين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ قال أسامة: يا رسول الله استغفر لي. قال: وبم تجيب يوم القيامة إذا جاءت لا إله إلا الله تطالبك بحقها في حقن الدم والمال؟ قال استغفر لي يا رسول الله. قال: وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ أعاد أسامة وكرر طلب الاستغفار، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزد على قوله له: كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟

وحلف أسامة ألا يقاتل مسلما بعد اليوم، وجاء يوم الفتنة، وقامت الحرب بين علي وبعض المسلمين في الجمل وصفين، واستنفر على أصحابه، ومنهم أسامة، لكن أسامة أحجم عن مناصرة علي، لا ضنا بنفسه عن علي، ولا كراهة له، ولكن كما قال لرسوله: قل له لو كان في أشد الأماكن هولا

ص: 320

لأحب أن يكون معه فيه، قال لرسوله قل له: لو كنت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه، ولكنه يكره قتال المسلمين. واقتدى بأسامة في ذلك سعد بن أبي وقاص، فكف عن الدخول في الفتنة قائلا: لا أقاتل مسلما حتى يقاتله أسامة. وكانت الحجة البالغة لسعد ألا يقاتل مسلما، حتى حين قال له أحد دعاة الحرب في الفتنة: أليس الله يقول: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} [الأنفال: 39] قال سعد: كان الدين لله، والمقاتلون اليوم يريدون بقتالهم الفتنة، وقانا الله شرها، وجمع الأمة على حبله المتين.

-[المباحث العربية]-

(بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمير "بعثنا" للمتكلم أسامة ومن كان معه، وليس ضمير العظمة.

(في سرية) -بفتح السين وكسر الراء وتشديد الياء- وهي: الجماعة تخرج بالليل قيل: سميت بذلك لأنها تخفي ذهابها. والسرية في العرف: قطعة من الجيش تخرج منه وتعود إليه، وهي من مائة إلى خمسمائة، وما افترق من السرية يسمى بعثا.

وهذه السرية يقال لها سرية غالب بن عبد الله الليثي، وكانت في رمضان سنة سبع من الهجرة.

(فصبحنا الحرقات من جهينة) الحرقات- بضم الحاء وفتح الراء بعدها قاف - وهم: بطن من جهينة، سموا بذلك لواقعة كانت بينهم وبين بني مرة بن عوف، فأحرقوا بني مرة بالسهام وأكثروا من قتلهم، ومكان إقامتهم بناحية نجد، على مسافة ستة وتسعين ميلا من المدينة، أي نحو (152 كيلو مترا).

وفي الرواية الثانية: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة فصبحنا القوم" أي فاجأناهم وهجمنا عليهم في الصباح قبل أن يشعروا. يقال: صبحته: أتيته صباحا بغتة، ومنه قوله تعالى:{ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر} [القمر: 38].

(فأدركت رجلا) معطوف على مطوي في الكلام، والتقدير: فقاتلناهم فهزمناهم، وكان رجل منهم قد أوجع في المسلمين وقتل كثيرا منهم، فلما انهزموا ولى هاربا، فأدركته. وهذا الرجل قيل: اسمه مرداس بن عمرو الفدكي، وقيل مرداس بن نهيك الفزاوي، وتقدير الكلام فأدركت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم. كما سيأتي في الرواية الثانية.

(فقال: لا إله إلا الله) كناية عن الشهادتين، وقيل إن هذه الشهادة وحدها كافية في المنع من القتل خصوصا من مشرك.

(فطعنته) برمحي ومازلت أطعنه حتى قتل.

(فوقع في نفسي من ذلك) أي فوقع في نفسي شيء من هذا القتل، وظننت أني أخطأت.

ص: 321

(فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم أي ذكرت الحدث والشأن والموضوع.

(أقال .. وقتلته)؟ الاستفهام للتقرير، أي حمل المخاطب على الإقرار بأنه قتل بعد القول، ويصح أن يكون للتهويل والتعجب، ويصح أن يكون للتوبيخ على المعطوف بعد حصول المعطوف عليه، أي ما كان ينبغي أن تقتله بعد أن قال لا إله إلا الله.

(إنما قالها خوفا من السلاح) ولم يقلها من قلبه، والضمير لكلمة الشهادة.

(أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟ ) كناية عن عدم العلم بما في القلب حتى يصح الحكم المذكور، قال النووي: الفاعل في قوله "أقالها" هو القلب، فليس لك طريق إلى ما فيه، فأنكر عليه ترك العمل بما ظهر من اللسان، فقال: أفلا شققت عن قلبه لتنظر هل كانت فيه حين قالها واعتقدها أو لا؟ والمعنى أنك إذا كنت لست قادرا على ذلك فاكتف منه باللسان. اهـ.

(فما زال يكررها على) أي يكرر جملة "أفلا شققت عن قلبه؟ ".

(حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ) التنوين عوض عن جملة، والتقدير: يوم إذ حاسبني وعنفني رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعنى: تمنيت أنه لم يكن تقدم إسلامي. بل ابتدأت الآن الإسلام ليمحو عني هذا الذنب.

(فقال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلما حتى يقتله ذو البطين) المراد سعد بن أبي وقاص، والمراد من ذي البطين أسامة، وقيل له ذلك لأنه كان له بطن عظيم، فالتصغير للتعظيم. وكان أسامة قد حلف ألا يقاتل مسلما، لانزعاجه من هذه الحادثة، فاقتدى به سعد والمراد من "أقتل" أقاتل، أي لا أقاتل مسلما حتى يقاتله أسامة، أو المراد لا أقتل مسلما حتى يشرع في قتله أسامة، وليس مراد سعد أنه إن قاتل أسامة أقاتل، وإنما هو من قبيل التعليق على الممتنع وقوعه.

(قال: قال رجل: ألم يقل الله .. إلخ) أي قال أسامة: قال رجل من دعاة القتال في فتنة علي، ردا على توقف أسامة وسعد عن القتال.

(ولحقت أنا ورجل من الأنصار) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم هذا الأنصاري.

(فلما غشيناه) -بفتح الغين وكسر الشين- أي لحقنا به حتى تغطى بنا.

(إنما كان متعوذا) -بكسر الواو- أي طالبا العصمة.

(فمازال يكررها) أي يكرر "أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله" وفي الرواية السابقة فمازال يكرر "أفلا شققت عن قلبه؟ " وفي الرواية الآتية أنه كرر "كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ " فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كرر الألفاظ الثلاثة، فنقل راو واحدة، ونقل الآخر الأخرى.

(وعليه برنس أصفر) البرنس -بضم الباء والنون-: كل ثوب رأسه ملتصق به.

ص: 322

(تحدثوا بما كنتم تحدثون به)"تحدثون" بفتح التاء، وأصله تتحدثون به، فحذفت إحدى التائين.

(حتى دار الحديث) غاية لمحذوف، أي فتحدثوا بما كانوا يتحدثون حتى دار الحديث عليهم واحدا واحدا.

(حسر البرنس) أي كشفه ونحاه عن رأسه، لتتضح شخصيته ويهتم بكلامه.

(ولا أريد أن أخبركم) قيل "لا" زائدة، والمعنى وأريد أن أخبركم، وقيل: ليست زائدة، والمعنى أنبئكم، ولا أريد أن أخبركم عن نبيكم صلى الله عليه وسلم، بل أريد أن أعظمه، وأخبركم بكلام من عند نفسي، والتأويل الأول أقرب.

(بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين) والمراد من البعث السرية من قبيل التوسع في الإطلاق، والمراد من القوم المشركين: الحرقات من جهينة.

(وأنهم التقوا) الضمير للبعث وللقوم، أي وإن الفريقين التقوا، أو البعث باعتبار أفراده، أي وإن البعث التقوا بالقوم المشركين والأول أظهر.

(فكان رجل من المشركين)"كان" تامة و"رجل" فاعلها، والمراد من الرجل مرداس.

(وإن رجلا من المسلمين قصد غفلته) بالفاء بعد الغين، وفي رواية:"غيلته" بالياء بعد الغين.

(وكنا نحدث أنه أسامة)"نحدث" بضم النون وفتح الحاء وتشديد الدال المفتوحة.

(فلما رفع عليه السيف) وفي بعض الأصول "فلما رجع عليه السيف".

قال النووي: وكلاهما صحيح، "والسيف" منصوب على الروايتين، فرفع لتعديه، "ورجع" يستعمل لازما ومتعديا، والمراد هنا المتعدي. وذكر رفع السيف عليه هنا مع أنه قد سبق في الرواية الثانية "وطعنته برمحي حتى قتلته" مشكل.

رفع الحافظ ابن حجر هذا الإشكال باحتمال أنه رفع عليه السيف أولا، فلما لم يتمكن من ضربه بالسيف طعنه بالرمح.

(فجاء البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم البشير هو الرسول الذي يسبق الغزاة ليبلغ الخبر.

(فدعاه فسأله) أي دعا أسامة فسأله عما بلغه به البشير، فاعترف أسامة. واختلاف العبارة في الروايات تثير إشكالا، ذلك أن الرواية الأولى تصرح بأن أسامة هو الذي ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، والرواية الثانية والثالثة تفيد أن التبليغ لم يكن من أسامة، وللجمع. قال النووي: يحتمل أن يجمع

ص: 323

بينهما بأن أسامة وقع في نفسه من ذلك شيء بعد قتله ونوى أن يسأل عنه، فجاء البشير فأخبر به قبل مقدم أسامة، وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم أيضا بعد قدومهم، فسأل أسامة فذكره، وليس في قوله:"فذكرته" ما يدل على أنه قاله ابتداء قبل تقدم علم النبي صلى الله عليه وسلم به، والله أعلم.

-[فقه الحديث]-

قال ابن رشد: قتل أسامة الرجل ليس من العمد الذي فيه الإثم، ولا من الخطأ الذي فيه الدية والكفارة، وإنما هو عن اجتهاد تبين خطؤه، ففيه لأسامة أجر واحد، ولو أصاب لكان له أجران، وإنما عنفه صلى الله عليه وسلم لتركه الاحتياط، فإن الأحوط عدم قتله، قال: ولا يعترض على هذا بأنه صلى الله عليه وسلم أدى دية الخثعميين الذين قتلهم خالد، وقد اعتصموا بالسجود، ولا بقوله - حين قتل خالد أيضا بني جذيمة وهم يقولون: صبأنا، صبأنا - اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، لأن خالدا اجتهد وأخطأ كأسامة، وإنما أدى النبي صلى الله عليه وسلم الدية تفضلا واستئلافا لغيره، وعنف بذلك القول خالدا بترك الأحوط أيضا، فإن الأحوط أن يقف حتى يعلم ما معنى صبأنا. ومما لا شك فيه أن أسامة اجتهد وتأول، سواء قلنا إنه ظن أن الرجل قالها خوف السلاح فقط كما اعتذر هو بذلك، أو قلنا كما قال الخطابي: لعل أسامة تأول قوله تعالى: {فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا} [غافر: 85]. قال الحافظ ابن حجر: كأنه حمل نفي النفع على عمومه دنيا وأخرى، وليس ذلك المراد، والفرق بين المقامين أن في مثل تلك الحالة ينفعه نفعا مقيدا بأنه يجب الكف عنه حتى يختبر أمره، هل قال ذلك خالصا من قلبه؟ أو خشية من القتل؟ وهذا بخلاف ما لو هجم عليه الموت، ووصل خروج الروح إلى الغرغرة وانكشف الغطاء، فإنه إذا قالها لم تنفعه بالنسبة لحكم الآخرة، وهو المراد من الآية، اهـ.

نقول: لا شك أن أسامة اجتهد وتأول بهذا التأويل أو بذاك، ولهذا التأويل سقط القصاص عنه باتفاق، ولكن البعيد في قول ابن رشد أن تعنيف النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لترك الأحوط، وأنه لا تبعة على أسامة، لا من حيث الدية، ولا من حيث الكفارة، فجمهور العلماء على أن الدية والكفارة لا تسقط في مثل الحالة، لكن هل ألزمه الرسول صلى الله عليه وسلم إياها أو لم يلزمه؟ قال الداودي: لعله ألزمه وسكت الرواة عنه لعلم السامع، أو كان ذلك قبل نزول آية الدية والكفارة.

وقال القرطبي: حقا لا يلزم من السكوت عنه عدم الوقوع لكن فيه بعد، لأن العادة جرت بعدم السكوت عن مثل ذلك إن وقع. ثم قال: فيحتمل أنه لم يجب عليه شيء لأنه كان مأذونا له في أصل القتل فلا يضمن ما أتلف من نفس، أو مال، كالخاتن والطبيب، أو لأن المقتول كان من العدو، ولم يكن له ولي من المسلمين يستحق ديته، قال: وهذا يتمشى مع بعض الآراء، أو لأن أسامة أقر بذلك ولم تقم بذلك بينة، والعاقلة لا تحمل بالاعتراف، ولم يكن عند أسامة مال يدفع منه.

قال: ولم أر من اعتذر عن سقوط الكفارة، فلعلها أيضا لم تكن شرعت، والتأويل وإن أسقط القصاص لم يسقط التوبيخ كما وقع، ولا العقوبة في الآخرة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "كيف

ص: 324

تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة"؟ أي فبم تجيب إذا قيل: لم قتلت من قال: لا إله إلا الله؟ ولذا لم يقبل عذره. اهـ.

-[ويؤخذ من الحديث]-

1 -

أن الأحكام يعمل فيها بالظاهر والله يتولى السرائر.

2 -

استدل بفعل جندب من جمع النفر ووعظهم أنه ينبغي للعالم والرجل العظيم المطاع وذي الشهرة أن يسكن الناس عند الفتن، ويعظهم ويوضح لهم الدلائل.

3 -

استدل به بعضهم على أن من تمنى أنه لم يكن أسلم قبل اليوم لا يكفر لأنه جازم بالإسلام في الحال والاستقبال، وفي هذا الاستدلال نظر، لأن أسامة لم يرد أنه تمنى ألا يكون مسلما قبل ذلك، وإنما قصد الإشعار بأنه استصغر ما سبق له قبل من عمل صالح في مقابلة هذه الفعلة لما سمع من الإنكار الشديد، فهو إنما أورد ذلك على سبيل المبالغة لا على سبيل التمني حقيقة.

4 -

وفي الحديث جواز اللوم والتعنيف والمبالغة في الوعظ عند الأمور المهمة.

5 -

قال القرطبي: في تكريره صلى الله عليه وسلم والإعراض عن قبول العذر زجر شديد عن الإقدام على مثل ذلك.

6 -

قال بعضهم: يؤخذ من قوله: "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها" إلخ إثبات كلام النفس.

والله أعلم

ص: 325