المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(64) باب تحريم قتل الإنسان نفسه - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ١

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌كتاب الإيمان

- ‌(1) باب الإيمان بالقدر

- ‌(2) باب أمور الإسلام

- ‌(3) باب سؤال ضمام عن أركان الإسلام

- ‌(4) باب ما يقرب من الجنة وما يباعد من النار

- ‌(5) باب إحلال الحلال وتحريم الحرام يدخل الجنة

- ‌(6) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه

- ‌(7) باب وفد عبد القيس وأمور الإسلام

- ‌(8) باب بعث معاذ إلى اليمن

- ‌(9) باب قتال أهل الردة ومانعي الزكاة

- ‌(10) باب وفاة أبي طالب، وما نزل بشأنه

- ‌(11) باب من مات على التوحيد دخل الجنة

- ‌(12) باب زيادة فضلة الطعام ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(13) باب من شهد أن لا إله إلا الله حرم الله عليه النار

- ‌(14) باب حق الله على العباد وحق العباد على الله

- ‌(15) باب التبشير بالجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله

- ‌(16) باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عتبان

- ‌(17) باب طعم الإيمان

- ‌(18) باب الحياء شعبة من الإيمان

- ‌(19) باب الحياء من الإيمان

- ‌(20) باب الحياء خير كله

- ‌(21) باب الخصلة الجامعة لأمور الإسلام

- ‌(22) باب إطعام الطعام وإفشاء السلام

- ‌(23) باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده

- ‌(24) باب ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان

- ‌(25) باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان

- ‌(26) باب من الإيمان أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك

- ‌(27) باب النهي عن إيذاء الجار

- ‌(28) باب إكرام الجار والضيف وفضيلة حفظ اللسان

- ‌(29) باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الإيمان

- ‌(30) باب ضعف الإيمان بتطاول الأزمان والحاجة إلى الأمر بالمعروف

- ‌(31) باب تفاضل أهل الإيمان

- ‌(32) باب محبة المؤمنين من الإيمان

- ‌(33) باب الدين النصيحة

- ‌(34) باب المبايعة على النصح لكل مسلم

- ‌(35) باب نقصان الإيمان بالمعاصي

- ‌(36) باب خصال المنافق

- ‌(37) باب إيمان من قال للمسلم: يا كافر

- ‌(38) باب إيمان من ادعى لغير أبيه ومن ادعى ما ليس له

- ‌(39) باب إيمان من يسب أخاه ومن يقاتله

- ‌(40) باب الطعن في النسب والنياحة على الميت

- ‌(41) باب إيمان العبد الآبق

- ‌(42) باب إيمان من قال: مطرنا بالنوء

- ‌(43) باب حب الأنصار من الإيمان

- ‌(44) باب حب علي من الإيمان

- ‌(45) باب كفران العشير

- ‌(46) باب سجود ابن آدم يغيظ الشيطان

- ‌(47) باب بين المسلم والكفر ترك الصلاة

- ‌(48) باب أفضل الأعمال: الإيمان - الجهاد - الحج - والعتق مساعدة الصانع والأخرق - الكف عن الشر

- ‌(49) باب أفضل الأعمال الصلاة لوقتها وبر الوالدين

- ‌(50) باب أعظم الذنوب الشرك بالله -ثم قتل الابن -ثم الزنا بحليلة الجار

- ‌(51) باب أكبر الكبائر الإشراك بالله -وعقوق الوالدين- وشهادة الزور

- ‌(52) باب السبع الموبقات

- ‌(53) باب من الكبائر شتم الرجل والديه

- ‌(54) باب تحريم الكبر

- ‌(55) باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار

- ‌(56) باب تحريم قتل الكافر بعد قوله: لا إله إلا الله

- ‌(57) باب قتل أسامة لمن قال: لا إله إلا الله

- ‌(58) باب من حمل علينا السلاح فليس منا

- ‌(59) باب من غشنا فليس منا

- ‌(60) باب ليس منا من ضرب الخدود

- ‌(61) باب تحريم النميمة

- ‌(62) باب تحريم إسبال الإزار، والمن بالعطية وترويج السلعة بالحلف

- ‌(63) باب الشيخ الزاني، والملك الكذاب ومانع فضل الماء، والمبايع لدنيا

- ‌(64) باب تحريم قتل الإنسان نفسه

- ‌(65) باب من حلف بملة غير الإسلام

- ‌(66) باب لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

- ‌(67) باب تحريم الجنة على قاتل نفسه

- ‌(68) باب تحريم الغلول

- ‌(69) باب قاتل النفس لا يكفر

- ‌(70) باب الريح التي تكون قرب القيامة

- ‌(71) باب الحث على المبادرة بالأعمال

- ‌(72) باب خوف المؤمن أن يحبط عمله

- ‌(73) باب هل يؤاخذ بما عمل في الجاهلية

- ‌(74) باب الإسلام يهدم ما قبله، وكذا الحج والعمرة (وفاة عمرو بن العاص)

- ‌(75) باب حكم العمل الصالح قبل الإسلام

- ‌(76) باب صدق الإيمان وإخلاصه

- ‌(77) باب تجاوز الله عن حديث النفس

- ‌(78) باب حكم الهم بالحسنة والهم بالسيئة

- ‌(79) باب الوسوسة في الإيمان

- ‌(80) باب من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة

- ‌(81) باب من قتل دون ماله فهو شهيد

- ‌(82) باب الوالي الغاش لرعيته

- ‌(83) باب رفع الأمانة

- ‌(84) باب الفتن التي تموج موج البحر

- ‌(85) باب بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا

- ‌(86) باب ذهاب الإيمان آخر الزمان

- ‌(87) باب الاستسرار بالإيمان للخائف

- ‌(88) باب تأليف ضعيف الإيمان

- ‌(89) باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة

- ‌(90) باب القرآن المعجزة الكبرى والرسول صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء تابعا

- ‌(91) عموم رسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌(92) باب أجر الكتابي إذا أسلم: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين

- ‌(93) باب نزول عيسى ابن مريم حاكما

- ‌(94) باب الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان

- ‌(95) باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(96) باب فترة الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(97) باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه

- ‌(98) باب رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء والمعراج

- ‌(99) باب رؤية الله تعالى في الدنيا

- ‌(100) باب رؤية المؤمنين لربهم في الجنة

الفصل: ‌(64) باب تحريم قتل الإنسان نفسه

(64) باب تحريم قتل الإنسان نفسه

187 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا".

-[المعنى العام]-

إرشادا إلى أن الحياة هبة الله، وأنه ينبغي أن تترك الروح لخالقها يسلبها متى يريد ويحملها الآلام إذا شاء، يحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الإقدام على التخلص من الحياة، مهما كانت بواعثه، ومهما قست بالمرء نوائب الزمان، فمن المعلوم أن هذه الدنيا دار شقاء، وليس للمصائب والمتاعب إلا الرجال، وبقدر تحمل الرجل لكبار الأرزاء [أي المصائب] تكبر رجولته، وبقدر جزعه وانهياره أمام بعضها يظهر ضعفه وجبنه.

وقد علمتنا التجارب أن طريق السعادة مفروش بالأشواك، ومن أراد القمة تسلق الصعاب، ودون الشهد إبر النحل، وبالجهاد والصبر والتفويض يبلغ الإنسان ما يريد، ومن ظن أنه بانتحاره يتخلص من الآلام فهو واهم، لأنه إنما يدفع بنفسه من ألم صغير إلى ألم كبير، ومن ضجر محدود، وفي زمن قصير، إلى ضجر غير محدود، وفي زمن طويل.

إن الذي يقدم على الانتحار غير راض بالقضاء، محارب للقدر ساخط على الفعال لما يريد، يائس من روح الله، وإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. ومن أجل هذا كانت عقوبته عند الله قاسية، فمن قتل نفسه بحديدة، أو ضرب نفسه بمثقل، أو برصاص أو طعن نفسه بسكين أعد الله له حديدة من نار، ليطعن بها بطنه، كلما فجرها عادت كما كانت، خالدا مخلدا على هذه الحال أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه، أعد الله له يوم القيامة كأسا من السم، الذي يفوق سم الدنيا في صعوبة مذاقه، وشدة تأثيره وإيلامه كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم، يكلف أن يتجرعه خالدا مخلدا على هذه الحال أبدا، ومن تردى من جبل أو قذف نفسه من شاهق، فقتل نفسه، نصب الله له يوم القيامة جبلا من نار، على واد من جهنم يكلف الصعود إليه، ليهوي من الجبل في نار جهنم، خالدا على هذه الحال أبدا.

ص: 355

فليتدبر العاقل، وليؤمن بالقضاء والقدر، وليعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا} [الطلاق: 2 - 3].

-[المباحث العربية]-

(من قتل نفسه بحديدة) لفظ الحديدة أعم من السكين، فيشمل آلات النجار وآلات الحداد وغيرهما، لكن المراد بها السكين وما شابهها لأنها التي يطعن بها البطن.

(فحديدته في يده) مبتدأ وخبر، أو مبتدأ وحال. وجملة "يتوجأ" الخبر.

(يتوجأ) -بواو مفتوحة وجيم مشددة- على وزن يتكبر، ويجوز تسهيله بقلب الهمزة ألفا، ومعناه يطعن.

وفي رواية: "يجأ" بتخفيف الجيم وبالهمز، وقد تسهل الهمزة أيضا. وأصل "يجأ" مضارع وجا وأصله يوجئ -بفتح الياء وكسر الجيم- فحذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة، ثم فتحت الجيم لأجل الهمزة.

(جهنم) اسم لنار الآخرة، وأكثر النحويين على أنها أعجمية، لا تنصرف للعلمية والعجمة، وقال آخرون: هي عربية، لا تنصرف للتأنيث والعلمية، وسميت بذلك لبعد قعرها. قال رؤبة: يقال: بئر جهنام أي بعيدة القعر، وقيل: مشتقة من الجهومة وهي الغلظ سميت بذلك لغلظ أمرها.

(خالدا مخلدا فيها أبدا) حال مقدرة من فاعل "يتوجأ" وفي ذكر "مخلدا" بفتح اللام المشددة بعد ذكر "خالدا" ما يشعر بالإهانة والإذلال والتحقير، و"أبدا" منصوب على الظرفية.

(ومن شرب سما) -بفتح السين وضمها وكسرها- ثلاث لغات أفصحها الفتح.

وفي رواية: "ومن تحسى" أي تجرع، وأصله من "حسوت المرق" إذا شربت منه شيئا فشيئا.

(فقتل نفسه) فائدة ذكر هذه الجملة بعد ما قبلها توقف الجزاء المذكور عليها.

(ومن تردى من جبل) أي أسقط نفسه منه، بدليل قوله:"فقتل نفسه".

(فقتل نفسه) فائدة ذكرها توقف الجزاء المذكور عليها، وهي التي أفادت التعمد، إذ التردي يكون عن عمد وعن غير عمد، أما إذا تعمد الإلقاء، ولم يحدث بذلك قتل فله جزاء آخر يعلمه الله.

(فهو يتردى في نار جهنم) أي يسقط، وذلك بأن يهيأ له جبل من نار، يكلف الصعود إليه والسقوط منه في نار جهنم، تشير إلى ذلك رواية البخاري "يتردى فيه" أي في الجبل، أي في مثله.

ص: 356

-[فقه الحديث]-

اقتصر هذا الحديث على ثلاث من طرق الانتحار وقتل النفس لما أنها هي التي كانت شائعة آنذاك، فهي أمثلة فقط، وليست للحصر، فيقاس عليها: من تردى في بحر فغرق، ومن أشعل في نفسه نارا فاحترق. وقد جاءت بعض الروايات بطريقة أخرى غير الطرق الثلاثة المذكورة فقد روى البخاري "الذي يخنق نفسه يخنقها في النار" كما جاءت بعض الروايات بلفظ العموم، فقد روي في الحديث الآتي:"ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة".

وقد تمسك المعتزلة وغيرهم ممن قال بتخليد أصحاب المعاصي في النار بقوله "في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا" على أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، ولما كان أهل السنة لا يقولون بتخليد العصاة من الموحدين في النار، وكانت الأحاديث الصحيحة تدل على أن مصير المؤمنين الجنة أجاب أهل السنة عن ظاهر الحديث بعدة إجابات منها:

1 -

ذهب بعضهم إلى توهين ورد رواية "خالدا مخلدا فيها أبدا" لورود الحديث بدونها في كثير من الروايات الصحيحة، ورفض هذا الرأي أولى من رد الرواية وهي صحيحة.

2 -

وقال بعضهم: إن المراد خالدا مخلدا فيها إلى أن يشاء الله، وهذا القول يضعفه التعبير بلفظ "أبدا".

3 -

وقيل: المراد بالخلود طول المدة، لا حقيقة الدوام، كأنه يقول: يخلد مدة معينة ويبعده أيضا لفظ "أبدا".

4 -

وقيل: ورد الحديث في رجل بعينه، وليس القصد منه الحكم العام، ويبعده تعديد طرق الانتحار، والرجل المعين انتحر بطريقة معينة.

5 -

وقيل: ورد الحديث مورد الزجر والتغليظ، وحقيقته غير مرادة، وهذا ضعيف أيضا.

6 -

وقيل: المعنى أن هذا جزاؤه الأصلي، لكن الله قد تكرم على الموحدين فأخرجهم من النار بتوحيدهم، وهو مردود أيضا بعبارات الحديث الواضحة في وقوع هذا الجزاء لكل منتحر.

7 -

وقيل: إن الحديث محمول على من استحل هذا الفعل، فإنه باستحلاله يصير كافرا، والكافر مخلد بلا ريب، وهذا الرأي أقرب للقبول من سوابقه.

8 -

والأولى أن يقال: إن الجزاء المذكور هو الجزاء إن لم يتجاوز الله عنه، هذا وقد نقل عن الإمام مالك: أن قاتل النفس لا تقبل توبته، ومقتضاه أنه لا يصلى عليه، وقد روى أصحاب السنن:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه". وفي رواية للنسائي أنه قال: "أما أنا فلا أصلي عليه".

ص: 357

ويؤخذ من الحديث

1 -

التحذير من الانتحار مهما كانت أسبابه ودواعيه.

2 -

أن الجزاء الأخروي من جنس العمل.

3 -

وجوب الصبر على الآلام، وعدم السخط والجزع، والرضا بالقضاء، وتسليم قبض الروح لواهب الحياة.

4 -

استدل به بعضهم على عدم جواز شرب السم للتداوي، لأنه يفضي إلى قتل النفس، وهذا الاستدلال باطل، قال الحافظ ابن حجر: إن مجرد شرب السم ليس بحرام على الإطلاق، لأنه يجوز استعمال اليسير منه إذا ركب معه ما يدفع ضرره.

5 -

وفيه أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم لأن نفسه ليست ملكا له مطلقا، بل هي لله تعالى: فلا يتصرف فيها إلا بما أذن له فيه.

6 -

احتج به بعضهم على أن القصاص من القاتل يكون بما قتل به محددا كان أو غيره، اقتداء بعقاب الله تعالى لقاتل نفسه، قال النووي: والاستدلال بهذا لهذا ضعيف. وقال ابن دقيق العيد في رد هذا الاحتجاج: إن أحكام الله لا تقاس بأفعاله، فليس كل ما ذكر أنه يفعله في الآخرة يشرع لعباده أن يفعلوه في الدنيا، كالتحريق بالنار مثلا، وسقي الحميم الذي يقطع به الأمعاء.

7 -

وفيه إثبات عقوبة بعض أصحاب المعاصي، ففيه رد على المرجئة القائلين بأن المعاصي لا تضر. (ولشرح الحديث صلة بشرح الأحاديث الثلاثة الآتية بعد الحديث التالي، فعليك به).

والله أعلم

ص: 358