المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌والكلام على الملاحم والكشف عن مسمى الجفر - لقطة العجلان مما تمس إلى معرفته حاجة الإنسان

[صديق حسن خان]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌خطْبَة الْكتاب

- ‌فَأَما تَارِيخ الخليقة

- ‌وَأما تَارِيخ الطوفان

- ‌وَأما تَارِيخ بخت نصر

- ‌وَأما تَارِيخ فيلبش

- ‌وَأما تَارِيخ الْإِسْكَنْدَر

- ‌وَأما تَارِيخ أغشطش

- ‌وَأما تَارِيخ الظينس

- ‌ذكر السّنة الشمسية والقمرية

- ‌ذكر الْأَيَّام

- ‌ذكر أسابيع الْأَيَّام

- ‌تَارِيخ الْعَرَب

- ‌التَّارِيخ من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة

- ‌ابْتِدَاء تَارِيخ الْهِجْرَة

- ‌تَارِيخ الْفرس

- ‌تَارِيخ الْهِنْد

- ‌تَارِيخ البرطانية

- ‌ذكر ابْتِدَاء الدول والأمم

- ‌وَالْكَلَام على الْمَلَاحِم والكشف عَن مُسَمّى الجفر

- ‌ذكر مَا قيل فِي مُدَّة أَيَّام الدُّنْيَا ماضيها وباقيها

- ‌ذكر أُمَم الْعَالم وَاخْتِلَاف أجيالهم وَالْكَلَام على الْجُمْلَة فِي أنسابهم

- ‌فَأَما سَام

- ‌وَأما يافث

- ‌وَأما حام

- ‌وَأما كنعان بن حام

- ‌ذكر طرف من تَارِيخ بعض الرُّسُل والأمم الْمَاضِيَة

- ‌وَأما سَبَب تبلبل الألسن

- ‌ظُهُور طبقَة الكيانين

- ‌ذكر خراب بَيت الْمُقَدّس

- ‌الْفرس وهم أَربع طَبَقَات

- ‌الأولى

- ‌وَالثَّانيَِة

- ‌وَالثَّالِثَة

- ‌وَالرَّابِعَة

- ‌انتباه أَصْحَاب الْكَهْف من نومهم

- ‌ذكر فَرَاعِنَة مصر

- ‌ذكر الْأُمَم

- ‌أمة القبط

- ‌أمة الْفرس

- ‌أمة اليونان

- ‌أمة الْيَهُود

- ‌أمة النَّصَارَى

- ‌أمة الْهِنْد

- ‌أمة السَّنَد

- ‌أُمَم السودَان

- ‌أُمَم الصين

- ‌بني كنعان

- ‌أمة البربر

- ‌أمة عَاد

- ‌أمة العمالقة

- ‌أُمَم الْعَرَب

- ‌وَأما الْعَرَب العاربة

- ‌الْعَرَب المستعربة

- ‌ مولد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر تَجْدِيد قُرَيْش عمَارَة الْكَعْبَة وَمَا كَانَ من اجْتِمَاع الْعَرَب على الْإِسْلَام بعد الإباية وَالْحَرب

- ‌ذكر مبعث رَسُول صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر تَارِيخ الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة

- ‌التواريخ الْقَدِيمَة

- ‌ذكر اخْتِلَاف التواريخ الْقَدِيمَة

- ‌ذكر نسخ التَّوْرَاة الَّتِي عَلَيْهَا مدَار التواريخ الْقَدِيمَة

- ‌ذكر وَفَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر طرف من هَيْئَة الأفلاك

- ‌ذكر محَاسِن الْفُصُول الْأَرْبَعَة للسّنة على لِسَان الْأَدَب

- ‌ذكر علم الْهَيْئَة

- ‌ذكر صُورَة الأَرْض وَمَوْضِع الأقاليم مِنْهَا

- ‌ذكر المعتدل من الأقاليم والمنحرف

- ‌ذكر الْمَسَاجِد الْعَظِيمَة فِي الْعَالم

- ‌ذكر حكم الصَّلَاة وَالصَّوْم فِي أَرض التسعين

- ‌ذكر حكم الصَّلَاة وَالصَّوْم بِأَرْض البلغار

- ‌ذكر الأَرْض الجديدة

- ‌ذكر فِي التَّارِيخ

- ‌ذكر فضل علم التَّارِيخ وَتَحْقِيق مذاهبه والألماع لما يعرض للمؤرخين من المغالط والأوهام وَذكر شَيْء من أَسبَابهَا

- ‌جيوش بني إِسْرَائِيل

- ‌جيوش الْفرس

- ‌جموع رستم

- ‌تشعب النَّسْل

- ‌أَيَّام سُلَيْمَان

- ‌مُلُوك الْيمن وجزيرة الْعَرَب

- ‌ذَا الأذعار

- ‌تَفْسِير سُورَة الْفجْر

- ‌الرشيد

- ‌يحي بن أَكْثَم

- ‌العبيديين

- ‌دولة مُضر

- ‌الْحجَّاج

- ‌أَحْوَال الْقُضَاة

- ‌فَائِدَة

- ‌قَول ابْن خلدون

- ‌مملكة الْهِنْد

الفصل: ‌والكلام على الملاحم والكشف عن مسمى الجفر

‌ذكر ابْتِدَاء الدول والأمم

‌وَالْكَلَام على الْمَلَاحِم والكشف عَن مُسَمّى الجفر

أعلم أَن من خَواص النُّفُوس البشرية التشوف إِلَى عواقب أُمُوره وَعلم مَا يحدث لَهُم من حَيَاة وَمَوْت وَخير وَشر سِيمَا الْحَوَادِث الْعَامَّة كمعرفة مَا بَقِي من الدُّنْيَا وَمَعْرِفَة مدد الدول أَو تفاوتها والتطلع إِلَى هَذَا طبيعة الْبشر مجبولة عَلَيْهِ وَلذَلِك نجد الْكثير من النَّاس يتشوفون إِلَى الْوُقُوف على ذَلِك فِي الْمَنَام وَالْأَخْبَار من الْكُهَّان لمن قصدهم بِمثل ذَلِك من الْمُلُوك والسوقة مَعْرُوفَة

وَلَقَد نجد فِي المدن صنفا من النَّاس ينتحلون المعاش من ذَلِك لعلمهم بحرص النَّاس عَلَيْهِ فيقفون لَهُم فِي الطرقات والدكاكين يتعرضون لنم يسألهم عَنهُ فتغدو عَلَيْهِم وَتَروح نسوان الْمَدِينَة وصبيانها وَكثير من ضعفاء الْعُقُول يستكشفون عواقب أَمرهم فِي الْكسْب والجاه والمعاش والمعاشرة والعداوة

وأمثال ذَلِك مَا بَين خطّ فِي الرمل ويسمونه المنجم وطرق الْحَصَى والحبوب ويسمونه الحاسب ونظرا فِي المرايا والمياه ويسمونه ضَارب المندل وَهُوَ من الْمُنْكَرَات الفاشية فِي الْأَمْصَار لما تقرر فِي الشَّرِيعَة من ذمّ ذَلِك وَأَن الْبشر محجوبون عَن الْغَيْب إِلَّا من أطلعه الله عَلَيْهِ من عِنْده فِي نوم أَو ولَايَة

وَأكْثر مَا بعتني بذلك ويتطلع إِلَيْهِ الْأُمَرَاء والملوك فِي آماد دولهم وَلذَلِك انصرفت الْعِنَايَة من أهل الْعلم إِلَيْهِ وكل أمة من الْأُمَم يُوجد

ص: 32

لَهُم كَلَام من كَاهِن أَو منجم أَو ولي فِي مثل ذَلِك من ملك يرتقبونه أَو دولة يحدثُونَ أنفسهم بهَا وَمَا يحدث لَهُم من الْحَرْب والملاحم وَمُدَّة بَقَاء الدولة وَعدد الْمُلُوك فِيهَا والتعرض لأسمائهم وَيُسمى مثل ذَلِك الْحدثَان

وَكَانَ فِي الْعَرَب الْكُهَّان والعرافون يرجعُونَ إِلَيْهِم فِي ذَلِك وَقد اخبروا بِمَا سَيكون للْعَرَب من الْملك والدولة كَمَا وَقع لشق فِي تَأْوِيل رُؤْيا ربيعَة ابْن نصر من مُلُوك الْيمن اخبرهم بِملك الْحَبَشَة بِلَادهمْ ثمَّ رُجُوعهَا إِلَيْهِم ثمَّ ظُهُور الْملك والدولة للْعَرَب من بعد ذَلِك وَكَذَا تَأْوِيل سطيح لرؤيا الموبذان حِين بعث إِلَيْهِ كسْرَى بهَا مَعَ عبد الْمَسِيح وَأخْبرهمْ بِظُهُور دولة الْعَرَب وَكَذَا كَانَ فِي جيل البربر كهان من أشهرهم مُوسَى بن صَالح من بني يقرن وَيُقَال من غمرة وَله كَلِمَات حدثانية على طَريقَة الشّعْر برطانتهم وفيهَا حدثان كثير ومعظمه فِيمَا يكون لزناتة من الْملك والدولة بالمغرب وَهِي متداولة بَين أهل الجيل وهم يَزْعمُونَ تَارَة انه ولي وَتارَة أَنه كَاهِن

وَقد يزْعم بعض مزاعمهم أَنه كَانَ نَبيا لِأَن عِنْدهم قبل الْهِجْرَة بِكَثِير وَالله أعلم

وَقد يسْتَند الجيل إِلَى خبر الْأَنْبِيَاء إِن كَانَ لعهدهم كَمَا وَقع لبني إِسْرَائِيل فَإِن أنبياءهم المتعاقبين فيهم كَانُوا يخبروهم بِمثلِهِ عِنْدَمَا يعنونهم فِي السُّؤَال عَنهُ

وَأما فِي الدولة الإسلامية فَوَقع مِنْهُ كثير فِيمَا يرجع إِلَى بَقَاء الدُّنْيَا ومدتها على الْعُمُوم وَفِيمَا يرجع إِلَى الدولة وإعمارها على الْخُصُوص

وَكَانَ الْمُعْتَمد فِي ذَلِك فِي صدر الْإِسْلَام آثارا منقولة عَن الصَّحَابَة وخصوصا مسلمة بني إِسْرَائِيل مثل كَعْب الْأَحْبَار ووهب بن مُنَبّه وأمثالهما وَرُبمَا اقتبسوا بعض ذَلِك من ظواهر مأثورة وتأويلات مُحْتَملَة وَوَقع لجَعْفَر وَأَمْثَاله أهل الْبَيْت كثير من ذَلِك مستندهم فِيهِ وَالله اعْلَم الْكَشْف بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ من الْولَايَة

ص: 33

وَإِذا كَانَ مثله لَا يُنكر من غَيرهم من الْأَوْلِيَاء فِي ذويهم وَأَعْقَابهمْ وَقد قَالَ صلى الله عليه وسلم أَن فِيكُم محدثين فهم أولى النَّاس بِهَذِهِ الرتب الشَّرِيفَة والكرامات الْمَوْهُوبَة

وَأما بعد صدر الْملَّة وَحين علق النَّاس على الْعُلُوم والإصطلاحات وترجمت كتب الْحُكَمَاء إِلَى اللِّسَان الْعَرَبِيّ فَأكْثر معتمدهم فِي ذَلِك كَلَام المنجمين فِي الْملك والدول وَسَائِر الْأُمُور الْعَامَّة من القرانات وَفِي المواليد والمسائل وَسَائِر الْأُمُور الْخَاصَّة من الطوالع لَهَا وَهِي شكل الْفلك عِنْد حدوثها وَقد يستندون فِي حدثان الدول على الْخُصُوص إِلَى كتاب الجفر ويزعمون أَن فِيهِ علم ذَلِك كُله من طَرِيق الْآثَار والنجوم لَا يزِيدُونَ على ذَلِك وَلَا يعْرفُونَ اصل ذَلِك وَلَا مُسْتَنده

فَاعْلَم أَن كتاب الجفر كَانَ أَصله أَن هَارُون بن سعيد الْعجلِيّ وَهُوَ راس الزيدية كَانَ لَهُ كتاب يرويهِ عَن جَعْفَر الصَّادِق وَفِيه علم مَا سيقع لأهل الْبَيْت على الْعُمُوم ولبعض الْأَشْخَاص مِنْهُم على الْخُصُوص وَقع ذَلِك لجَعْفَر ونظائره من رجالاتهم على طَرِيق الْكَرَامَة والكشف الَّذِي يَقع لمثلهم من الْأَوْلِيَاء وَكَانَ مَكْتُوبًا عِنْد جَعْفَر فِي جلد ثَوْر صَغِير فَرَوَاهُ عَنهُ هارة ن الْعجلِيّ وَكتبه وَسَماهُ التحفر باسم الْجلد الَّذِي كتب مِنْهُ لِأَن الجفر فِي اللُّغَة هُوَ الصَّغِير وَصَارَ هَذَا الإسم علما على هَذَا الْكتاب عِنْدهم وَكَانَ فِيهِ تَفْسِير الْقُرْآن فِي وَمَا بَطْنه من غرائب الْمعَانِي مروية عَن جَعْفَر الصَّادِق

وَهَذَا الْكتاب لم تتصل رِوَايَته وَلَا عرف عينه وَإِنَّمَا يظْهر مِنْهُ شواذ من الْكَلِمَات لَا يصحبها دَلِيل وَلَو صَحَّ السَّنَد إِلَى جَعْفَر الصَّادِق لَكَانَ فِيهِ نعم الْمُسْتَند من نَفسه أَو من رجال قومه فهم أهل الكرمات

وَقد صَحَّ عَنهُ انه كَانَ يحذر بعض قرَابَته بوقائع تكون لَهُم فَتُصْبِح كَمَا يَقُول

وَقد حذر يحيى ابْن عَمه زيد من مصر وَعَصَاهُ فَخرج وَقتل بالجوزان كَمَا هُوَ مَعْرُوف وَإِذا كَانَت الْكَرَامَة تقع لغَيرهم فَمَا ظَنك بهم علما

ص: 34

ودينا وآثارا من النُّبُوَّة وعناية من الله بِالْأَصْلِ الْكَرِيم تشهد لفروعه الطّيبَة وَقد ينْقل بَين أهل الْبَيْت كثير من هَذَا الْكَلَام غير مَنْسُوب إِلَى أحد

وَفِي أَخْبَار دولة العبيديين كثيرا مِنْهُ وَانْظُر إِلَى مَا حَكَاهُ ابْن الدَّقِيق فِي لِقَاء أبي عبد الله الشيعي لعبد الله الْمهْدي مَعَ ابْنه مُحَمَّد الحبيب وَمَا حَدَّثَاهُ بِهِ وَكَيف بعثاه إِلَى ابْن حَوْشَب داعيتهم بِالْيمن فَأمره بِالْخرُوجِ إِلَى الْمغرب وَبث الدعْوَة فِيهِ على علم لقنه أَن دَعوته تتمّ هُنَاكَ وَأَن عبد الله لما بنى المهدية بعد استفحال وولتهم بإفريقية

قَالَ بنيتها ليعتصم بهَا الفواطم سَاعَة من نَهَار وأراهم موقف صَاحب الْحمار أبي يزِيد بالمهدية وَكَانَ يسْأَل عَن مُنْتَهى موقفه حَتَّى جَاءَهُ الْخَبَر بِبُلُوغِهِ إِلَى الْمَكَان الَّذِي عينه جده عبيد الله فأيقن بالظفر وبرز من الْبَلَد فَهَزَمَهُ وَاتبعهُ إِلَى نَاحيَة الزاب فظفر بِهِ وَقَتله وَمثل هَذِه الْأَخْبَار عِنْدهم كَثِيرَة

وَأما المنجمون فيستندون فِي حدثان الدول إِلَى الْأَحْكَام النجومية أما فِي الْأُمُور الْعَامَّة مثل الْملك والدول فَمن القرانات وخصوصا بَين العلويين وَذَلِكَ ان العلويين زحل وَالْمُشْتَرِي يقرنان فِي كل عشْرين سنة مرّة ثمَّ يعود الْقرَان إِلَى برج آخر فِي تِلْكَ الْمُثَلَّثَة من التلبيث الْيمن ثمَّ بعده إِلَى آخر كَذَلِك إِلَى أَن يتَكَرَّر فِي الْمُثَلَّثَة الْوَاحِدَة اثْنَتَيْ عشرَة مرّة تستوي بِرُوحِهِ الثَّلَاثَة فِي سِتِّينَ ينة ثمَّ رَابِعَة فيستوي فِي الْمُثَلَّثَة بإثنتي عشرَة مرّة وَربع عودات فِي مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين سنة وَيكون انْتِقَاله فِي كل برج على التَّثْلِيث الْأَيْمن وينتقل من الْمُثَلَّثَة إِلَى الْمُثَلَّثَة الَّتِي تَلِيهَا أَعنِي البرج الَّذِي يَلِي البرج الْأَخير من الْقُرْآن الَّذِي قبله فِي الْمُثَلَّثَة وَهَذَا الْقُرْآن الَّذِي هُوَ قرَان العلويين يَنْقَسِم إِلَى كَبِير وصغير ووسط

فالكبير هُوَ اجْتِمَاع العلويين فِي دَرَجَة وَاحِدَة من الْفلك إِلَى أَن يعود إِلَيْهَا بعد تِسْعمائَة وَسِتِّينَ سنة مرّة وَاحِدَة

وَالْوسط هُوَ إقتران العلويين فِي كل مُثَلّثَة اثْنَتَيْ عشرَة مرّة وَبعد مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين سنة ينْتَقل إِلَى مُثَلّثَة أُخْرَى

ص: 35

وَالصَّغِير هُوَ اقتران العلويين فِي دَرَجَة برج وَبعد عشْرين سنة يقترنان فِي برج آخر على تثليثه الْأَيْمن فِي مثل دَرَجَة أَو دقائقة مِثَال ذَلِك وَقع الْقرَان فِي أول دقيقة من الْحمل وَبعد عشْرين يكون فِي أول دقيقة من الْقوس وَبعد عشْرين يكون فِي أول دقيقة من الْأسد وَهَذِه كلهَا نارية وَهَذَا كلهَا قرَان صَغِير ثمَّ يعود إِلَى أول الْحمل بعد سنتَيْن سنة ويسمي دور الْقُرْآن وَبعد مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين ينْتَقل من النارية إِلَى الترابية لِأَنَّهَا بعْدهَا وَهَذَا قرَان وسط ثمَّ ينْتَقل إِلَى الهوائية ثمَّ المائية ثمَّ يرجع إِلَى أول الْحمل فِي تِسْعمائَة وَسِتِّينَ سنة وَهُوَ الْكَبِير وَالْقرَان الْكَبِير يدل على عِظَام الْأُمُور مثل تَغْيِير الْملك والدولة وانتقال الْملك من قوم إِلَى قوم وَالْوسط على ظُهُور المتغلبين والطالبين للْملك وَالصَّغِير على ظُهُور الْخَوَارِج والدعاة وخراب المدن أَو عمرانها

وَيَقَع أثْنَاء هَذِه القرانات قرَان التحسين فِي برج السرطان فِي كل ثَلَاثِينَ سنة مرّة وَيُسمى الرَّابِع وبرج السرطان هُوَ طالع الْعَالم وَفِيه وبال زحل وهبوط المريخ فتعظم دلَالَة هَذَا الْقرن فِي الْفِتَن والحروب وَسَفك الدِّمَاء وَظُهُور الْخَوَارِج وحركة العساكر وعصيان الْجند والوباء والقحط ويدوم ذَلِك أَو يَنْتَهِي على قدر السَّعَادَة والنحوسة فِي وَقت قرانهما على قدر تيسير الدَّلِيل فِيهِ

قَالَ جراس بن أَحْمد الحاسب فِي الْكتاب الَّذِي أَلفه لنظام الْملك وَرُجُوع المريخ إِلَى الْعَقْرَب لَهُ أثر عَظِيم فِي الْملَّة الإسلامية لِأَنَّهُ كَانَ دليلها فالمولد النَّبَوِيّ كَانَ عِنْد قرَان العلويين ببرج الْعَقْرَب فَلَمَّا رَجَعَ هُنَالك حدث التشويش على الْخُلَفَاء وَكثر الْمَرَض فِي أهل الْعلم وَالدّين وَنقص ت أَحْوَالهم وَرُبمَا انْهَدم بعض بيُوت الْعِبَادَة

وَقد يُقَال أَنه كَانَ عِنْد قتل عَليّ رضي الله عنه ومروان من بني أُميَّة والمتوكل من بني الْعَبَّاس فَإِذا روعيت هَذِه الْأَحْكَام مَعَ أَحْكَام القرانات كَانَت فِي غَايَة الْأَحْكَام

قَالَ أَبُو معشر فِي كتاب القرانات الْقِسْمَة إِذا إنتهت إِلَى السَّابِعَة وَالْعِشْرين من الْحُوت فِيهَا شرف الزهرة وَوَقع الْقرَان مَعَ ذَلِك ببرج

ص: 36

الْعَقْرَب وَهُوَ دَلِيل الْعَرَب ظَهرت حِينَئِذٍ دولة الْعَرَب وَكَانَ مِنْهُم نَبِي وَيكون قُوَّة ملكه ومدته على مَا بَقِي من دَرَجَات شرف الزهرة وَهِي إِحْدَى عشرَة دَرَجَة بتقريب من برج الْحُوت وَمُدَّة ذَلِك سِتّمائَة وَعشر سِنِين وَكَانَ ظُهُور أبي مُسلم عِنْد انْتِقَال الزهرة وَوُقُوع الْقِسْمَة أول الْحمل وَصَاحب الْجد المُشْتَرِي وَسَيَأْتِي قَول شادان الْبَلْخِي وَغَيره فِي انْتِهَاء مُدَّة تِلْكَ الْملَّة

قَالَ جراس سَأَلَ هُرْمُز افريد الْحَكِيم عَن مُدَّة اردشير وَولده وملوك الساسانية فَقَالَ دَلِيل ملكه المُشْتَرِي وَكَانَ فِي شرفه فَيعْطى أطول السنين وأجودها أَرْبَعمِائَة وَسبعا وَعشْرين سنة ثمَّ تزيد الزهرة وَتَكون فِي شرفها وَهِي دَلِيل فيملكون لِأَن طالع الْقرَان الْمِيزَان وَصَاحبه الزهرة

وَكَانَت عِنْد الْقرَان فِي شرفها فَدلَّ أَنهم يملكُونَ ألف سنة وَسِتِّينَ سنة

قَالَ جراس وانتقال الْقرَان إِلَى الْمُثَلَّثَة المائية من برج الْحُوت يكون سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة ليزدرجرد وَبعدهَا إِلَى برج الْعَقْرَب حَيْثُ كَانَ قرَان الْملَّة سنة ثَلَاث وَخمسين

قَالَ وَالَّذِي فِي الْحُوت هُوَ أول الإنتقال وَالَّذِي فِي الْعَقْرَب يسْتَخْرج مِنْهُ دَلَائِل الْملَّة قَالَ وتحويل السّنة الأولى من الْقرَان الأول فِي المثلثات المائية فِي ثَانِي رَجَب سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَلم يسْتَوْف الْكَلَام على ذَلِك

وَأما مُسْتَند المنجمين فِي دولة على الْخُصُوص فَمن الْقرَان الْأَوْسَط وهيئة الْفلك عِنْد وُقُوعه لِأَن لَهُ دلَالَة عِنْدهم على حُدُوث الدولة وجهاتها من الْعمرَان والقائمين بهَا من الْأُمَم وَعدد مُلُوكهمْ وأسمائهم وأعمارهم ونحلهم وأديائهم وعوائهم وحروبهم كَمَا ذكر أَبُو معشر فِي كِتَابه فِي القرانات وَقد تُوجد هَذِه الدّلَالَة من الْقرَان الْأَصْغَر إِذا كَانَ الْأَوْسَط دَالا عَلَيْهِ فَمن هَذَا يُوجد الْكَلَام فِي الدول

وَقد كَانَ يَعْقُوب بن اسحاق الْكِنْدِيّ منجم الرشيد والمأمون وضع

ص: 37

فِي القرانات الكائنة فِي الْملَّة كتابا سَمَّاهُ الشِّيعَة بالجفر باسم كِتَابهمْ الْمَنْسُوب إِلَى جَعْفَر الصَّادِق وَذكر فِيهِ فِيمَا يُقَال حدثان دولة بني الْعَبَّاس وَأَنَّهَا نِهَايَة وَأَشَارَ إِلَى انقراضها والحادثة على بَغْدَاد أَنَّهَا تقع فِي انتصاف الْمِائَة السَّابِعَة وَأَن بانقراضها يكون انْقِرَاض الْملَّة وَلم نقف على شَيْء من خبر هَذَا الْكتاب وَلَا رَأينَا من وقف عَلَيْهِ وَلَعَلَّه غرق فِي كتبهمْ الَّتِي طرحها هلاكو ملك التتر فِي دجلة عِنْد استيلائهم على بَغْدَاد وَقتل المستعصم آخر الْخُلَفَاء

وَقد وَقع بالمغرب جُزْء مَنْسُوب إِلَى هَذَا الْكتاب يسمونه الجفر الصَّغِير وَالظَّاهِر أَنه وضع لبني عبد الْمُؤمن لذكر الْأَوَّلين من مُلُوك الْمُوَحِّدين فِيهِ على التَّفْصِيل ومطابقة من تقدم عَن ذَلِك من حدثانه وَكذب مَا بعده وَكَانَ فِي دولة بني الْعَبَّاس من بعد الْكِنْدِيّ منجمون وَكتب فِي الْحدثَان وَانْظُر مَا نَقله الطَّبَرِيّ فِي أَخْبَار الْمهْدي عَن أبي بديل من أَصْحَاب صنائع الدولة

قَالَ بعث إِلَى الرّبيع وَالْحسن فِي غزاتهما مَعَ الرشيد أَيَّام ابيه فجئتهما جَوف اللَّيْل فَإِذا عِنْدهمَا كتاب من كتب الدولة يَعْنِي الْحدثَان وَإِذا مُدَّة الْمهْدي فِيهِ عشر سِنِين فَقلت هَذَا الْكتاب لَا يخفى على الْمهْدي وَقد مضى من دولته مَا مضى فَإِذا وقف عَلَيْهِ كُنْتُم قد نعيتم إِلَيْهِ نَفسه قَالَا فَمَا الْحِيلَة فاستدعيت عَنْبَسَة الْوراق مولى آل بديل وَقلت لَهُ انسخ هَذِه الرقة واكتب مَكَان عشر أَرْبَعِينَ فَفعل فوَاللَّه لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت الْعشْرَة فِي تِلْكَ الورقة وَالْأَرْبَعِينَ فِي هَذِه مَا كنت أَشك أَنَّهَا هِيَ

ثمَّ كتب النَّاس من بعد ذَلِك فِي حدثان الدول منظوما ومنثورا ورجزا مَا شَاءَ الله أَن يكتبوه بأيدي النَّاس مُتَفَرِّقَة كثير مِنْهَا وَتسَمى الْمَلَاحِم وَبَعضهَا فِي حدثان الْملَّة على الْعُمُوم وَبَعضهَا فِي دولة على الْخُصُوص وَكلهَا منسوبة إِلَى مشاهير من أهل الخليقة وَلَيْسَ مِنْهَا أصل يعْتَمد على رِوَايَته عَن وَاضعه الْمَنْسُوب إِلَيْهِ فَمن هَذِه الْمَلَاحِم بالمغرب قصيدة ابْن مرانة من بَحر الطَّوِيل على رُوِيَ الرَّاء وَهِي المتداولة بَين النَّاس وتحسب

ص: 38

الْعَامَّة أَنَّهَا من الْحدثَان الْعَام فيطلقون الْكثير مِنْهَا على الْحَاضِر والمستقبل وَالَّذِي سمعناه من شُيُوخنَا أَنَّهَا مَخْصُوصَة بدولة لمتونة لِأَن الرجل كَانَ قبيل دولتهم وَذكر فِيهَا استيلاءهم على سبتة من يَد موَالِي بني حمود وملكهم لعدوة الأندلس وَمن الْمَلَاحِم بيد أهل الْمغرب أَيْضا قصيدة تسمى التّبعِيَّة أَولهَا

(طربت وَمَا ذَاك مني طرب وَقد يطرب الْغَائِب المغتضب)

قَرِيبا من خَمْسمِائَة بَيت أَو ألف فِيمَا يُقَال ذكر فِيهَا كثيرا من دولة الْمُوَحِّدين وَأَشَارَ فِيهَا إِلَى الفاطمي وَغَيره وَالظَّاهِر أَنَّهَا مصنوعة

وَمن الْمَلَاحِم بالمغرب أَيْضا ملعبة من الشّعْر الزجل منسوبة لبَعض الْيَهُود وَذكر فِيهَا أَحْكَام القرانات لعصرا العلويين والتحسين وَغَيرهمَا وَذكر منيته قَتِيلا بفاس وَكَانَ كَذَلِك فِيمَا زعموه وأبياته نَحْو الْخَمْسمِائَةِ وَهِي فِي القرانات الَّتِي دلّت على دولة الْمُوَحِّدين وَمِنْهَا قصيدة ابْن الابار فِي حدثان دولة بني أبي حَفْص بتونس من الْمُوَحِّدين وَمِنْهَا ملعبة الهواثي على لُغَة الْعَامَّة فِي عرُوض الْبَلَد وَالْغَالِب عَلَيْهَا الْوَضع لِأَنَّهُ لم يَصح مِنْهَا قَول إِلَّا على تَأْوِيل تحرفه الْعَامَّة أَو المحرف فِيهِ من ينتحلها من الْخَاصَّة ومها ملحمة ابْن الْعَرَبِيّ الْحَاتِمِي فِي كَلَام طَوِيل شبه الألغاز لَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله لتخلله أوفاق عددية ورموز ملغوزة وأشكال حيوانات تَامَّة ورؤوس مقطعَة وتماثيل من حيوانات غَرِيبَة وَفِي آخرهَا قصيدة على رُوِيَ اللَّام وَالْغَالِب أَنَّهَا كلهَا غير صَحِيحَة لِأَنَّهَا لم تنشأ عَن أصل علمي من نجامة وَلَا غَيرهَا

وَهُنَاكَ ملاحم أُخْرَى منسوبة لِابْنِ سينا وَابْن عقب وَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْهُمَا دَلِيل على الصِّحَّة لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يُؤْخَذ من القرانات

وملحمة أُخْرَى من حدثان دولة التّرْك منسوبة إِلَى رجل من الصُّوفِيَّة يُسمى الباجريقي وَكلهَا ألغاز بالحروف وَالْغَالِب أَنَّهَا مَوْضُوعَة وَمثل صنعتها كَانَ فِي الْقَدِيم كثيرا ومعروف الانتحال وَعند أهل الْهِنْد قصيدة فارسية وملحمة عجمية منسوبة إِلَى الشاه نعْمَة الله الْوَلِيّ الْهِنْدِيّ فِيهَا

ص: 39

حدثان دولة التيمورية الَّتِي كَانَت بِالْهِنْدِ وَالظَّاهِر أَنَّهَا مصنوعة وَلم يَصح شَيْء مِمَّا ذكر فِيهَا إِلَّا بِتَأْوِيل بعيد وتكلف طَوِيل لَا يلْتَفت إِلَى مثلهَا

وَحكى المؤرخون لأخبار بَغْدَاد أَنه كَانَ بهَا أَيَّام المقتدر وراق ذكي يعرف بالدانيالي يبل الأوراق وَيكْتب فِيهَا بِخَط عَتيق يرمز فِيهِ بحروف من أَسمَاء أهل الدولة وَيُشِير بهَا إِلَى مَا يعرف ميلهم إِلَيْهِ من أَحْوَال الرّفْعَة والجاه كَأَنَّهَا ملاحم وَيحصل على مَا يُرِيد مِنْهُم من الدُّنْيَا وَذكر فِيهَا كوائن أُخْرَى وملاحم مِمَّا وَقع وَمِمَّا لم يَقع وَنسب جَمِيعه إِلَى دانيال

قَالَ ابْن خلدون وَلَقَد سَأَلت أكمل الدّين ابْن شيخ الْحَنَفِيَّة من الْعَجم بالديار المصرية عَن هَذِه الملحمة وَعَن هَذَا الرجل الَّذِي تنْسب إِلَيْهِ من الصُّوفِيَّة وَهُوَ الباجريقي وَكَانَ عَارِفًا بطرائقهم فَقَالَ كَانَ من القلندرية المبتدعة فِي حلق اللِّحْيَة وَكَانَ يتحدث عَمَّا يكون بطرِيق الْكَشْف ويومئ إِلَى رجال مُعينين عِنْده ويلغز عَلَيْهِم بحروف بِعَينهَا فِي ضمنهَا لمن يرَاهُ مِنْهُم وَرُبمَا يظْهر نظم ذَلِك فِي أَبْيَات قَليلَة كَانَ يتعاهدها فتنوقلت عَنهُ وولع النَّاس بهَا وجعلوها ملحمة مرموزة وَزَاد فِيهَا الخراصون من ذَلِك الْجِنْس فِي كل عصر وشغل الْعَامَّة بفك رموزها وَهُوَ أَمر مُمْتَنع إِذْ الرَّمْز إِنَّمَا يهدي إِلَى كشفه قانون يعرف قبله وَيُوضَع لَهُ وَأما مثل هَذِه الْحُرُوف فدلالتها على المُرَاد مِنْهَا مَخْصُوصَة بِهَذَا النّظم لَا يتجاوزه فَرَأَيْت من كَلَام هَذَا الرجل الْفَاضِل شِفَاء لما كَانَ فِي النَّفس من أَمر هَذِه الملحمة وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله وَالله سبحانه وتعالى أعلم وَبِه التَّوْفِيق وَهُوَ الْمُسْتَعَان

ص: 40