الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من المنجمين أَن بَين الطوفان وَبَين الْهِجْرَة ثَلَاثَة آلَاف وَسَبْعمائة وخمسا وَعشْرين سنة وَهُوَ الثَّابِت فِي الزيجات مثل الزيج المأموني وَغَيره
وَأما الْمُحَقِّقُونَ من المؤرخين فَيَقُولُونَ أَن بَين الطوفان وَبَين الْهِجْرَة ثَلَاثَة آلَاف وَتِسْعمِائَة وأربعا وَسبعين سنة فَيكون التَّفَاوُت بَينهمَا مِائَتَيْنِ وتسعا وَأَرْبَعين سنة
وَسبب هَذَا الِاخْتِلَاف أَن من هبوط آدم عليه السلام إِلَى وَفَاة مُوسَى لَا يعلم إِلَّا من التَّوْرَاة والتوراة مُخْتَلفَة على ثَلَاث نسخ كَمَا ستقف على ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَأما مَا بَين وَفَاة مُوسَى إِلَى ابْتِدَاء ملك بخت نصر فَيعلم من المنجمين قَالَ أَبُو عِيسَى وَيعلم من قرانات زحل وَالْمُشْتَرِي فِي المثلثات وهم أَيْضا مُخْتَلفُونَ فِي ذَلِك وَيعلم أَيْضا من سفر قُضَاة بني إِسْرَائِيل وَهُوَ أَيْضا غير مُحَصل
وَأما مَا يُؤْخَذ عَن المؤرخين قبل الْإِسْلَام فَهُوَ أَيْضا مُضْطَرب لأَنهم كَانُوا يؤرخون من ابْتِدَاء ملك كل من يتَمَلَّك مِنْهُم فكثرت ابتداءات تواريخهم
قَالَ حَمْزَة الْأَصْفَهَانِي وفسدت تواريخهم بِسَبَب ذَلِك فَسَادًا لَا مطمع فِي إِصْلَاحه مَعَ مَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِك من بعد الْعَهْد وَتغَير اللُّغَات كقدم الْكتب الْمُؤَلّفَة فِي هَذَا الْفَنّ فَصَارَ تَحْقِيق التواريخ الْقَدِيمَة بِسَبَب ذَلِك متعذرا أَو فِي غَايَة التعسر
ذكر نسخ التَّوْرَاة الَّتِي عَلَيْهَا مدَار التواريخ الْقَدِيمَة
وَهِي ثَلَاث الأولى السامرية وَهِي تنبئ أَن من هبوط آدم إِلَى الطوفان ألفا وثلاثمائة وَسبع سِنِين وَكَانَ الطوفان سِتّمائَة سنة خلت من عمر نوح وعاش آدم تِسْعمائَة وَثَلَاثِينَ سنة بِاتِّفَاق فَيكون نوح على حكم هَذِه التَّوْرَاة قد أدْرك من عمر آدم فَوق مِائَتي سنة فنوح قد أدْرك جَمِيع
آبَائِهِ إِلَى آدم وَهَذَا غَايَة الْمُنكر وتنبئ هَذِه النُّسْخَة أَن من انْقِضَاء الطوفان إِلَى ولادَة إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليه السلام تِسْعمائَة وَسبعا وَثَلَاثِينَ سنة وَأَن من ولادَة إِبْرَاهِيم إِلَى ولادَة مُوسَى خَمْسمِائَة وخمسا وَأَرْبَعين سنة فَمن آدم إِلَى وَفَاة مُوسَى حِينَئِذٍ أَلفَانِ وَسَبْعمائة وتسع وَثَمَانُونَ سنة وَأما مَا بَين وَفَاة مُوسَى وَبَين الْهِجْرَة فَفِيهِ مذهبان أَحدهمَا اخْتِيَار المؤرخين وَالْآخر اخْتِيَار المنجمين فَإِذا ضممنا إِلَى ذَلِك مَا بَين وَفَاة مُوسَى وَالْهجْرَة كَانَ بَين هبوط آدم وَبَين الْهِجْرَة على حكم اخْتِيَار المؤرخين وَحكم توراة السمرَة خَمْسَة آلَاف وَمِائَة وَسبع وَثَلَاثُونَ سنة وَأما على اخْتِيَار المنجمين فتنقص عَن هَذِه الْجُمْلَة مِائَتَيْنِ وتسعا وَأَرْبَعين سنة فقد ظهر لَك فَسَاد هَذِه التَّوْرَاة من كَونهَا تَقْتَضِي إِدْرَاك نوح آدم وعيشه مَعَه الْمدَّة الطَّوِيلَة
الثَّانِيَة العبرانية وَهِي أَيْضا فَاسِدَة وَذَلِكَ أَنَّهَا تنبئ أَن مَا بَين هبوط آدم وَبَين الطوفان ألف وَخَمْسمِائة وست وَخَمْسُونَ سنة وَبَين الطوفان وَبَين ولادَة إِبْرَاهِيم مِائَتَان وَاثْنَتَانِ وَتسْعُونَ سنة وعاش نوح بعد الطوفان ثَلَاثمِائَة وَخمسين سنة بِاتِّفَاق فالتوراة العبرانية تنبئ أَن نوحًا أدْرك من عمر إِبْرَاهِيم الْخَلِيل ثمانيا وَخمسين سنة وَهَذَا أَيْضا غَايَة الْمُنكر فَإِن نوحًا لم يدْرك إِبْرَاهِيم أصلا وَلَا يجوز ذَلِك لِأَن قوم هود أمة نجمت بعد قوم نوح وَأمة صَالح نجمت بعد أمة هود وَإِبْرَاهِيم وَأمته بعد أمة صَالح وَمِمَّا يدل على ذَلِك قَوْله تَعَالَى مخبرا عَن هود فِيمَا يعظ بِهِ قومه وهم قوم عَاد {واذْكُرُوا إِذْ جعلكُمْ خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم فِي الْخلق بسطة} وَكَذَلِكَ أخبر الله تَعَالَى عَن صَالح فِيمَا يعظ بِهِ قومه وهم ثَمُود {واذْكُرُوا إِذْ جعلكُمْ خلفاء من بعد عَاد وبوأكم فِي الأَرْض تَتَّخِذُونَ من سهولها قصورا وتنحتون الْجبَال بُيُوتًا} فقد ظهر فَسَاد هَذِه التَّوْرَاة العبرانية بذلك وَهِي التَّوْرَاة الَّتِي بيد الْيَهُود إِلَى زَمَاننَا هَذَا وَعَلَيْهَا اعتمادهم
ولنستوف مَا تنبي بِهِ من جملَة سني الْعَالم قد تقدم أَنَّهَا تنبي أَن بَين هبوط آدم وَبَين الطوفان ألفا وَخَمْسمِائة وستا وَخمسين سنة وَبَين الطوفان وَبَين ولادَة إِبْرَاهِيم مِائَتَيْنِ واثنتين وَتِسْعين سنة وَبَين ولادَة إِبْرَاهِيم وَبَين وَفَاة مُوسَى خَمْسمِائَة وخمسا وَأَرْبَعين سنة بِاتِّفَاق وَمَا بَين وَفَاة مُوسَى وَبَين الْهِجْرَة فِيهِ المذهبان الْمَذْكُورَان فعلى اخْتِيَار المؤرخين وَمُقْتَضى العبرانية يكون بَين آدم وَبَين الْهِجْرَة أَرْبَعَة آلَاف وَسَبْعمائة وَإِحْدَى وَأَرْبَعُونَ سنة وَأما على إختيار المنجمين فتنقص من هَذِه الْجُمْلَة مِائَتَيْنِ وتسعا وَأَرْبَعين سنة فَيكون من آدم إِلَى الْهِجْرَة على ذَلِك أَرْبَعَة آلَاف وَأَرْبع مائَة وَاثْنَتَانِ وَتسْعُونَ سنة وَجُمْلَة سني هَذِه التَّوْرَاة تنقص عَن التَّوْرَاة اليونانية وَهِي الَّتِي عَلَيْهَا الْعَمَل ألفا وَأَرْبَعمِائَة وخمسأ وَسبعين سنة وَهَذِه الْجُمْلَة هِيَ الْقدر الَّذِي نَقصه الْيَهُود من الْمَاضِي من سني الْعَالم فنقصوا من قبل الطوفان سِتّمائَة وستا وَثَمَانِينَ سنة وَمن بعد الطوفان سَبْعمِائة وتسعا وَثَمَانِينَ سنة الْجُمْلَة ألف وَأَرْبَعمِائَة وَخمْس وَسَبْعُونَ سنة وَصُورَة مَا اعْتَمدهُ الْيَهُود فِي ذَلِك أَنهم نقلوا من عمر كل وَاحِد من آدم وبنيه مائَة سنة من قبل مِيلَاد ابْنه إِلَى بعد الميلاد فَلم تَتَغَيَّر جملَة عمر ذَلِك الشَّخْص ونقصت مُدَّة الزَّمَان فَإِن آدم لما صَار لَهُ مِائَتَان وَثَلَاثُونَ سنة ولد لَهُ شِيث وعاش آدم تِسْعمائَة وَثَلَاثِينَ سنة بِاتِّفَاق فَأخذ الْيَهُود مائَة سنة من عمر آدم قبل أَن يُولد لَهُ شِيث جعلوها بعد مولد شِيث فَلم تَتَغَيَّر جملَة عمر آدم وجعلوه أَنه ولد شِيث لمضي مائَة وَثَلَاثِينَ سنة من عمره وَكَذَلِكَ اعتمدوا فِي كل من بعده فنقص من سني الْعَالم الْقدر الْمَذْكُور قَالُوا وَالَّذِي دَعَا الْيَهُود إِلَى ذَلِك أَن التَّوْرَاة وَغَيرهَا من كتب بني إِسْرَائِيل بشرت بالمسيح وَأَنه يَجِيء فِي أوآخر الزَّمَان وَكَانَ مَجِيء الْمَسِيح فِي الْألف السَّادِس فِي توَسط الزَّمَان لَا فِي أوآخر بِنَاء على أَن عمر الزَّمَان جَمِيعه سَبْعَة آلَاف سنة
وَالثَّالِثَة التَّوْرَاة اليونانية وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْمُحَقِّقُونَ من المؤرخين وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي الْإِنْكَار من جِهَة الْمَاضِي من عمر الزَّمَان وَهِي توراة نقلهَا اثْنَان وَسَبْعُونَ حبرًا قبل ولادَة الْمَسِيح بقريب ثَلَاثمِائَة سنة لبطليموس اليوناني الَّذِي كَانَ بعد الْإِسْكَنْدَر وَلذَلِك اعتمدنا على هَذِه
التَّوْرَاة دون غَيرهَا وَالَّذِي تنبي بِهِ هَذِه التَّوْرَاة أَن مَا بَين هبوط آدم والطوفان أَلفَانِ ومائتان وَاثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ سنة وَمَا بَين الطوفان وَكَانَ سِتّمائَة سنة مَضَت من عمر نوح وَبَين مولد إِبْرَاهِيم الْخَلِيل ألف وَإِحْدَى وَثَمَانُونَ سنة وَبَين ومولد إِبْرَاهِيم ووفاة مُوسَى خَمْسمِائَة وَخمْس وَأَرْبَعُونَ بِاتِّفَاق فِي نسخ التَّوْرَاة جَمِيعهَا وَبَين وَفَاة مُوسَى وَبَين ابْتِدَاء ملك بخت نصر فِيهِ خلاف بَين المنجمين والمؤرخين وَالَّذِي اخْتَارَهُ المؤرخون أَن بَين وَفَاة مُوسَى وَبَين ابْتِدَاء ملك بخت نصر تِسْعمائَة وثمانيا وَسبعين سنة وَمِائَتَيْنِ وَثَمَانِية وَأَرْبَعين يَوْمًا وَأما مَا بَين ابْتِدَاء ملك بخت نصر وَبَين الْهِجْرَة فَهُوَ ألف وَثَلَاث مائَة وتسع وَسِتُّونَ سنة وَمِائَة وَسَبْعَة عشر يَوْمًا وَلَيْسَ فِيهِ خلاف لِأَن بطليموس أثْبته فِي المجسطي وأرخ بِهِ رصده فَيكون بَين الْهِجْرَة وَبَين هبوط آدم سِتَّة آلَاف سنة ومائتان وست عشرَة سنة
وَهَذَا الْقدر هُوَ الْمُخْتَار وَعَلِيهِ بنى أَبُو الفدا كِتَابه الْمُخْتَصر فِي أَحْوَال الْبشر
وَأما الَّذِي اخْتَارَهُ المنجمون وأثبتوه فِي الزيجات من الْمدَّة بَين وَفَاة مُوسَى وَبَين بخت نصر فَإِنَّهَا تنقص عَمَّا ذَكرْنَاهُ مِائَتَيْنِ وتسعا وَأَرْبَعين سنة وأقترح أَبُو الفدا جدولا يتَضَمَّن مَا بَين التواريخ الْمَشْهُورَة من المدد وَقَالَ يَنْبَغِي أَن تعلم أَن الْمُحَقِّقين من المنجمين والمؤرخين قد اخْتلفُوا فِي الْمدَّة الَّتِي بَين وَفَاة مُوسَى وَابْتِدَاء ملك بخت نصر اخْتِلَافا كثيرا فَذهب أَبُو عِيسَى والمحققون من المؤرخين إِلَى أَن بَينهمَا تِسْعمائَة وثمانيا وَسبعين سنة وَمِائَتَيْنِ وَثَمَانِية وَأَرْبَعين يَوْمًا وَهُوَ الَّذِي اخترناه وَأَثْبَتْنَاهُ فِي جدولنا وَجَعَلنَا الْأَيَّام الْمَذْكُورَة على سَبِيل الْجَبْر سنة فَصَارَ المثبوت فِي الْجَدْوَل تِسْعمائَة وتسعا وَسبعين سنة وَأما أَبُو معشر وكوشيار وَغَيرهمَا من كبار المنجمين فَإِنَّهُم أثبتوا فِي الزيجات أَن بَين وَفَاة مُوسَى وَابْتِدَاء ملك بخت نصر سَبْعمِائة وَعشْرين سنة وَذَلِكَ ينقص عَمَّا اخْتَارَهُ أَبُو عِيسَى وَغَيره من الْمُحَقِّقين مِائَتَيْنِ وتسعا وَأَرْبَعين سنة وَإِذا نقص مَا بَين وَفَاة مُوسَى وبخت نصر الْمدَّة الْمَذْكُورَة نقص مَا بَين الطوفان وَالْهجْرَة