المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ما قيل في مدة أيام الدنيا ماضيها وباقيها - لقطة العجلان مما تمس إلى معرفته حاجة الإنسان

[صديق حسن خان]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌خطْبَة الْكتاب

- ‌فَأَما تَارِيخ الخليقة

- ‌وَأما تَارِيخ الطوفان

- ‌وَأما تَارِيخ بخت نصر

- ‌وَأما تَارِيخ فيلبش

- ‌وَأما تَارِيخ الْإِسْكَنْدَر

- ‌وَأما تَارِيخ أغشطش

- ‌وَأما تَارِيخ الظينس

- ‌ذكر السّنة الشمسية والقمرية

- ‌ذكر الْأَيَّام

- ‌ذكر أسابيع الْأَيَّام

- ‌تَارِيخ الْعَرَب

- ‌التَّارِيخ من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة

- ‌ابْتِدَاء تَارِيخ الْهِجْرَة

- ‌تَارِيخ الْفرس

- ‌تَارِيخ الْهِنْد

- ‌تَارِيخ البرطانية

- ‌ذكر ابْتِدَاء الدول والأمم

- ‌وَالْكَلَام على الْمَلَاحِم والكشف عَن مُسَمّى الجفر

- ‌ذكر مَا قيل فِي مُدَّة أَيَّام الدُّنْيَا ماضيها وباقيها

- ‌ذكر أُمَم الْعَالم وَاخْتِلَاف أجيالهم وَالْكَلَام على الْجُمْلَة فِي أنسابهم

- ‌فَأَما سَام

- ‌وَأما يافث

- ‌وَأما حام

- ‌وَأما كنعان بن حام

- ‌ذكر طرف من تَارِيخ بعض الرُّسُل والأمم الْمَاضِيَة

- ‌وَأما سَبَب تبلبل الألسن

- ‌ظُهُور طبقَة الكيانين

- ‌ذكر خراب بَيت الْمُقَدّس

- ‌الْفرس وهم أَربع طَبَقَات

- ‌الأولى

- ‌وَالثَّانيَِة

- ‌وَالثَّالِثَة

- ‌وَالرَّابِعَة

- ‌انتباه أَصْحَاب الْكَهْف من نومهم

- ‌ذكر فَرَاعِنَة مصر

- ‌ذكر الْأُمَم

- ‌أمة القبط

- ‌أمة الْفرس

- ‌أمة اليونان

- ‌أمة الْيَهُود

- ‌أمة النَّصَارَى

- ‌أمة الْهِنْد

- ‌أمة السَّنَد

- ‌أُمَم السودَان

- ‌أُمَم الصين

- ‌بني كنعان

- ‌أمة البربر

- ‌أمة عَاد

- ‌أمة العمالقة

- ‌أُمَم الْعَرَب

- ‌وَأما الْعَرَب العاربة

- ‌الْعَرَب المستعربة

- ‌ مولد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر تَجْدِيد قُرَيْش عمَارَة الْكَعْبَة وَمَا كَانَ من اجْتِمَاع الْعَرَب على الْإِسْلَام بعد الإباية وَالْحَرب

- ‌ذكر مبعث رَسُول صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر تَارِيخ الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة

- ‌التواريخ الْقَدِيمَة

- ‌ذكر اخْتِلَاف التواريخ الْقَدِيمَة

- ‌ذكر نسخ التَّوْرَاة الَّتِي عَلَيْهَا مدَار التواريخ الْقَدِيمَة

- ‌ذكر وَفَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر طرف من هَيْئَة الأفلاك

- ‌ذكر محَاسِن الْفُصُول الْأَرْبَعَة للسّنة على لِسَان الْأَدَب

- ‌ذكر علم الْهَيْئَة

- ‌ذكر صُورَة الأَرْض وَمَوْضِع الأقاليم مِنْهَا

- ‌ذكر المعتدل من الأقاليم والمنحرف

- ‌ذكر الْمَسَاجِد الْعَظِيمَة فِي الْعَالم

- ‌ذكر حكم الصَّلَاة وَالصَّوْم فِي أَرض التسعين

- ‌ذكر حكم الصَّلَاة وَالصَّوْم بِأَرْض البلغار

- ‌ذكر الأَرْض الجديدة

- ‌ذكر فِي التَّارِيخ

- ‌ذكر فضل علم التَّارِيخ وَتَحْقِيق مذاهبه والألماع لما يعرض للمؤرخين من المغالط والأوهام وَذكر شَيْء من أَسبَابهَا

- ‌جيوش بني إِسْرَائِيل

- ‌جيوش الْفرس

- ‌جموع رستم

- ‌تشعب النَّسْل

- ‌أَيَّام سُلَيْمَان

- ‌مُلُوك الْيمن وجزيرة الْعَرَب

- ‌ذَا الأذعار

- ‌تَفْسِير سُورَة الْفجْر

- ‌الرشيد

- ‌يحي بن أَكْثَم

- ‌العبيديين

- ‌دولة مُضر

- ‌الْحجَّاج

- ‌أَحْوَال الْقُضَاة

- ‌فَائِدَة

- ‌قَول ابْن خلدون

- ‌مملكة الْهِنْد

الفصل: ‌ذكر ما قيل في مدة أيام الدنيا ماضيها وباقيها

‌ذكر مَا قيل فِي مُدَّة أَيَّام الدُّنْيَا ماضيها وباقيها

اعْلَم أَن النَّاس اخْتلفُوا قَدِيما وحديثا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ قوم من القدماء الأول بالأكوار والأدوار وهم الدهرية وَهَؤُلَاء هم الْقَائِلُونَ بِعُود العوالم كلهَا على مَا كَانَت عَلَيْهِ بعد أُلُوف من السنين مَعْدُودَة وهم فِي ذَلِك غالطون من جِهَة طول أدوار النُّجُوم وَذَلِكَ أَنهم وجدوا قوما من الْهِنْد وَالْفرس قد عمِلُوا أدوارا للنجوم ليصححوا بهَا فِي كل وَقت مَوَاضِع الْكَوَاكِب فظنوا أَن الْعدَد الْمُشْتَرك لجميعها هُوَ عدد سني الْعَالم أَو أَيَّام الْعَالم وَإنَّهُ كلما مضى ذَلِك الْعدَد عَادَتْ الْأَشْيَاء إِلَى حَالهَا الأول وَقد وَقع فِي هَذَا الظَّن نَاس كثير مثل أبي معشر وَغَيره وَتبع هَؤُلَاءِ خلق وَأَنت تقف على فَسَاد هَذَا الظَّن إِن كنت تخبر من الْعدَد شَيْئا مَا وَذَلِكَ أَنَّك إِذا طلبت عددا مُشْتَركا بعده أعداد مَعْلُومَة فَإنَّك تقدر أَن تضع لكل زيج أَيَّامًا مَعْلُومَة كَالَّذي وَضعه الْهِنْد وَالْفرس فَهَؤُلَاءِ حَيْثُ جهلوا صُورَة الْحَال فِي هَذِه الأدوار ظنُّوا أَنَّهَا عدد أَيَّام الْعَالم فتفطن ترشد

وَعند هَؤُلَاءِ أَن الدّور هُوَ أَخذ الْكَوَاكِب من نقطة وَهِي سائرة حَتَّى تعود إِلَى تِلْكَ النقطة وَإِن الكور هُوَ اسْتِئْنَاف الْكَوَاكِب فِي أدوارها سيرا آخر إِلَى أَن تعود إِلَى موَاضعهَا مرّة بعد أُخْرَى

وَزعم أهل هَذِه الْمقَالة أَن الأدوار منحصرة فِي أَنْوَاع خَمْسَة

الأول أدوار الْكَوَاكِب السيارة فِي أفلاك تداويرها

الثَّانِي أدوار مراكز أفلاك التدوير فِي أفلاكها الحاملة

الثَّالِث أدوار أفلاكها الْحَالة فِي تِلْكَ البروج

ص: 41

الرَّابِع أدوار الْكَوَاكِب الثَّابِتَة فِي تِلْكَ البروج

الْخَامِس أدوار الْفلك الْمُحِيط بِالْكُلِّ حول الْأَركان الْأَرْبَعَة وَهَذِه الأدوار الْمَذْكُورَة مِنْهَا مَا يكون فِي كل زمَان طَوِيل مرّة وَاحِدَة وَمِنْهَا مَا يكون فِي كل ومانه قصير مرّة وَاحِدَة فأقصر هَذِه الأدوار أدوار الْفلك الْمُحِيط بِالْكُلِّ حول الْأَركان الْأَرْبَعَة فَإِنَّهُ يَدُور فِي كل أَربع وَعشْرين سَاعَة دورة وَاحِدَة وَبَاقِي الأدوار يكون فِي أزمنة أخر أطول من هَذَا لَا حَاجَة لنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَى ذكرهَا

قَالُوا وأدوار الْكَوَاكِب الثَّابِتَة فِي فلك البروج تكون فِي كل سِتَّة وَثَلَاثِينَ ألف سنة شمسية مرّة وَاحِدَة وَحِينَئِذٍ تنْتَقل أوجات الْكَوَاكِب وجوزهراتها إِلَى مَوَاضِع حضيضاتها ونوبهراتها وَبِالْعَكْسِ فَيُوجب ذَلِك عِنْدهم عود الْعَالم كلهَا إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ من الْأَحْوَال فِي الزَّمَان وَالْمَكَان والأشخاص والأوضاع بِحَيْثُ لَا يتخالف ذرة وَاحِدَة وهم مَعَ ذَلِك مُخْتَلفُونَ فِي كمية مَا مضى من أَيَّام الْعَالم وَمَا بَقِي

فَقَالَ البراهمة من الْهِنْد فِي ذَلِك قولا غَرِيبا وَهُوَ مَا حَكَاهُ عَنْهُم الْأُسْتَاذ أَبُو الريحان مُحَمَّد بن أَحْمد الْبَيْرُوتِي فِي كتاب القانون المَسْعُودِيّ إِنَّهُم يسمون الطبيعة باسم ملك يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم ويزعمون أَنه مُحدث مَحْصُور الْمَوْت بَين مبدأ وانتهاء عمره كعمرها مائَة سنة برهموية كل سنة ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ يَوْمًا زمَان النَّهَار بِقدر مُدَّة دوران الأفلاك وَالْكَوَاكِب لإثارة الْكَوْن وَالْفساد

وَهَذِه الْمدَّة بِقدر مَا بَين كل اجتماعين للكواكب السَّبْعَة فِي أول برج الْحمل بأوجاتها وجزهراتها ومقدارها أَرْبَعَة آلَاف ألف ألف سنة وثلاثمائة ألف ألف سنة وَعِشْرُونَ ألف ألف سنة شمسية وَهُوَ زمَان اثْنَي عشر ألف دورة للكواكب الثَّابِتَة على أَن زمَان الدورة الْوَاحِدَة ثَلَاثمِائَة ألف وَسِتُّونَ ألف سنة شمسية

وَاسم هَذَا النَّهَار بلغتهم الْكُلية وزمان اللَّيْل عِنْدهم كزمان النَّهَار وَفِي اللَّيْل تسكن المتحركات وتستريح الطبيعة من إثارة الْكَوْن وَالْفساد

ص: 42

ثمَّ يثور فِي مبدأ الْيَوْم الثَّانِي بالحركة والتكون فَيكون زمَان الْيَوْم بليلته من سني النَّاس ثَمَانِيَة آلَاف ألف ألف سنة وسِتمِائَة ألف ألف سنة وَأَرْبَعين ألف ألف سنة فَإِذا ضربنا لَك فِي ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ تبلغ سنو أَيَّام البرهموية ثَلَاثَة آلَاف ألف ألف ألف سنة وَعشرَة آلَاف ألف ألف سنة وَأَرْبَعمِائَة ألف ألف سنة شمسية فَإِذا ضربنا هَذَا فِي مائَة يبلغ عمر الْملك الطبيعي البرهموي من سنى النَّاس ثَلَاثمِائَة ألف بِأَلف ألف ألف سنة وَاحِد عشر ألف ألف ألف سنة وَأَرْبَعين ألف ألف سنة شمسية فَإِذا تمت هَذِه السنون بَطل الْعَالم عَن الْحَرَكَة والتكوين مَا شَاءَ الله ثمَّ يسْتَأْنف من جَدِيد على الْوَضع الْمَذْكُور

وقسموا زمَان النَّهَار الْمَذْكُور إِلَى تسع وَعشْرين قِطْعَة سموا كل أَربع عشرَة قِطْعَة مِنْهَا نوبا وَسموا الْخمس عشرَة قِطْعَة الْبَاقِيَة فصولا وَجعلُوا كل نوبَة محصورة بَين فصلين وكل فصل محصورا بَين نوبتين وَقدمُوا زمَان الْفَصْل على النّوبَة إِلَى تَمام الْمدَّة وزمان الْفَصْل هُوَ خمْسا الدّور والدور جُزْء من ألف جُزْء من الْمدَّة فَإِذا قسمنا الْمدَّة على ألف يحصل زمَان الدّور أَرْبَعَة آلَاف ألف سنة وثلاثمائة ألف سنة وَعشْرين ألف سنة وخمسا أَعنِي زمَان الْفَصْل ألف ألف سنة وَسَبْعمائة ألف سنة وَثَمَانِية عشرُون ألف سنة وزمان النّوبَة عِنْدهم أحد وَسَبْعُونَ دورا مقدارها من السنين ثَلَاثمِائَة ألف ألف سنة وَسِتَّة آلَاف سنة وَسَبْعمائة ألف سنة وَعِشْرُونَ ألف سنة

وَقد قسموا الدّور أَيْضا بِأَرْبَع قطع أَولهَا أعظمها وَهِي مُدَّة الْفَصْل الْمَذْكُور

وَثَانِيها ثَلَاثَة أَربَاع الْفَصْل ومدتها ألف ألف سنة وَمِائَتَا ألف سنة وَسِتَّة وَتسْعُونَ ألف سنة

وَثَالِثهَا نصف الْفَصْل ومدته ثَمَانمِائَة ألف سنة وَأَرْبَعَة وَسِتُّونَ ألف سنة

وَرَابِعهَا ربع الْفَصْل وَهُوَ عشر الدّور الْمَذْكُور ومدته أَرْبَعمِائَة ألف سنة وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ ألف سنة

ص: 43

وَلكُل وَاحِد من هَذِه الْقطع الْأَرْبَع إسم يعرف بِهِ فاسم الْقطعَة الرَّابِعَة عِنْدهم كلكال لأَنهم يَزْعمُونَ أَنهم فِي زمانها وَأَن الَّذِي مضى من عمر الْملك الطبيعي على زعم حكيمهم الْأَعْظَم الْمُسَمّى عِنْدهم برهمكوت ثَمَان سِنِين وَخَمْسَة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام

وَنحن الْآن فِي نَهَار الْيَوْم الْخَامِس من الشَّهْر السَّادِس من السّنة التَّاسِعَة وَمضى من النَّهَار الْخَامِس سِتّ نوب وَسَبْعَة فُصُول وَسَبْعَة وَعِشْرُونَ دورا من النّوبَة السَّابِعَة وَثَلَاث قطع من الدّور الْمَذْكُور أَعنِي تِسْعَة أعشاره وَمضى من الْقطعَة الرَّابِعَة أَعنِي من أول كلكال إِلَى هَلَاك شككال عَظِيم مُلُوكهمْ الْوَاقِع فِي آخر سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثلاثمائة للإسكندر ثَلَاثَة آلَاف سنة وَمِائَة سنة وتسع وَسَبْعُونَ سنة

وَقَالَ إِنَّمَا عرفنَا هَذَا الزَّمَان من علم إلهي وَقع إِلَيْنَا من عُظَمَاء أنبيائنا المتألهين رواياتهم جيلا بعد جيل على ممر الدهور والأزمان وَزَعَمُوا أَن مبدأ كل دور أَو فصل أَو قِطْعَة أَو نوبَة تتجدد أزمنة العوالم وتنتقل من حَال إِلَى حَال وَأَن الْمَاضِي من أول كلكال إِلَى شككال ثَلَاثَة آلَاف وَمِائَة وتسع وَسَبْعُونَ سنة والماضي من النَّهَار الْمَذْكُور إِلَى آخر سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثلاثمائة للإسكندر ألف ألف سنة وَتِسْعمِائَة ألف ألف سنة وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ ألف ألف سنة وَتِسْعمِائَة ألف سنة وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ ألف ألف سنة وَتِسْعمِائَة ألف سنة وَسَبْعَة وَأَرْبَعُونَ ألف سنة وَمِائَة سنة وَسبع وَسَبْعُونَ سنة فَيكون الْمَاضِي من عمر الْملك الطبيعي إِلَى آخر هَذِه السّنة سِتَّة وَعشْرين ألف ألف ألف ألف سنة وثلاثمائة ألف ألف ألف سنة وَخَمْسَة عشر ألف ألف ألف سنة وَسَبْعمائة ألف ألف سنة واثنين وَثَلَاثِينَ ألف ألف سنة وَتِسْعمِائَة ألف سنة وَسَبْعَة وَأَرْبَعين ألف سنة وَمِائَة سنة وتسعا وَسبعين سنة

فَإِذا زِدْنَا عَلَيْهَا الْبَاقِي من تَارِيخ الْإِسْكَنْدَر بعد نُقْصَان السنين الْمَذْكُورَة مِنْهُ تحصل الْمَاضِي من عمر الْملك بِالْوَقْتِ الْمَفْرُوض وَالله أعلم بِحَقِيقَة ذَلِك

قَالَ الخطا والأيغر فِي ذَلِك قولا أعجب من قَول الْهِنْد وَأغْرب على مَا نقلته من زيج أدوار الْأَنْوَار وَقد لخص هَذَا القَوْل من كتب

ص: 44

أهل الصين وَذَلِكَ أَنهم جعلُوا مبادي سنيهم مَبْنِيَّة على ثَلَاثَة أدوار الأول يعرف بالعشري مُدَّة عشر سِنِين لكل سنة مِنْهَا إسم يعرف بِهِ وَالثَّانِي يعرف بالدور الإثني عشري وَهُوَ أشهرها خُصُوصا فِي بِلَاد التّرْك يسمون سنيه بأسماء حيوانات بلغتي الْخَطَأ والأيغر وَالثَّالِث مركب من الدورين جَمِيعًا ومدته سِتُّونَ سنة وَبِه يؤرخون سني الْعَالم وأيامه وَيقوم عِنْدهم مقَام أَيَّام الإسبوع عِنْد الْعَرَب وَغَيرهَا وَاسم كل سنة مِنْهَا مركب من إسميها فِي الدورين جَمِيعًا وَكَذَلِكَ كل يَوْم من أَيَّام السّنة وَلِهَذَا الدّور ثَلَاثَة أَسمَاء وَهِي شانكون وجونكون وخاون وَيصير بحسبها مرّة أعظم وَمرَّة أَوسط وَمرَّة أَصْغَر فَيُقَال جور شانكون الاعظم ودور جانكون الْأَوْسَط ودور خاون الْأَصْغَر وبهذه الأدوار يعتبرون سني الْعَالم وأيامه وجملتها مائَة وَثَمَانُونَ سنة

ثمَّ تَدور الأدوار الثَّلَاثَة عَلَيْهَا مرّة أُخْرَى وَاتفقَ وُقُوعهَا مبدأ الدّور الْأَعْظَم فِي الشَّهْر الأول من سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة ليزدجرد وَاسْمهَا بلغتهم كادر وبلغة الْعَرَب سنة الْغَار

وَكَانَ دُخُول أول فرودين هَذِه السّنة من سني الْعَرَب يَوْم الْخَمِيس وَهُوَ بلغتهم سنّ جن

وَمن هَذَا الْيَوْم وعَلى هَذَا التَّارِيخ تترتب مبادي سنيهم وأيامهم فِي الْمَاضِي والمستقبل وشهورهم إثنا عشر شهرا لكل شهر مِنْهَا إسم بلغَة الخطا وبلغة الأيغر لَا حَاجَة بِنَا هُنَا إِلَى ذكرهَا ويقسمون الْيَوْم الأول بليلته اثْنَي عشر قسم كل قسم مِنْهَا يُقَال لَهُ جاغ وكل جاغ ثَمَانِيَة أَقسَام كل قسما مِنْهَا يُقَال لَهُ كه ويقسمون الْيَوْم بليلته أَيْضا عشرَة آلَاف فنك وكل فنك مِنْهَا مائَة مياو فَيُصِيب كل جاغ ثمانممائة وَثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ ثَلَاث فنكا وَثَلَاث فنك وكل كه مائَة وَأَرْبَعَة أفناك وَسدس فنك وينسبون كل جاغ إِلَى صُورَة من الصُّور الإثنتي عشرَة ومبدأ الْيَوْم بليلته عِنْدهم من نصف اللَّيْل وَفِي منتصف جاغ كسكو

ص: 45

يتَغَيَّر أول النَّهَار وَآخره بِحَسب الطول وَالْقصر من قبل أَن كل جاغ ساعتان مستويتان

وَفِي منتصف النَّهَار ينتصف جاغ يوند وهم يكبسون فِي كل ثَلَاث سِنِين قمرية شهرا وَاحِدًا يسمونه سيون ليحفظوا بالكبس مبادي سني الشَّمْس فِي زمَان وَاحِد من سنة أُخْرَى ويكبسون أحد عشر شهرا فِي كل ثَلَاثِينَ سنة قمرية وَلَا يَقع عِنْدهم شهر الكبس فِي مَوضِع وَاحِد بِعَيْنِه من السّنة بل يَقع فِي كل مَوضِع مِنْهَا وكل شهر عدَّة أَيَّامه أما ثَلَاثُونَ يَوْمًا أَو تِسْعَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَا يُمكن عِنْدهم أَكثر من ثَلَاثَة أشهر متواليه تَامَّة وَلَا أَكثر من شَهْرَيْن ناقصين ومبادي شهورهم يَوْم الإجتماع إِن وَقع إجتماع النيرين نَهَارا فَإِن وَقع الإجتماع لَيْلًا كَانَ أول الشَّهْر فِي الْيَوْم الَّذِي بعد الإجتماع

وزمان السّنة الشمسية بِحَسب أرصادهم ثَلَاثمِائَة وَخَمْسَة وَسِتُّونَ يَوْمًا وَأَلْفَانِ وَأَرْبَعمِائَة وَسِتَّة وَثَلَاثُونَ فنكا وَالسّنة أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ قسما كل قسم مِنْهَا خَمْسَة عشر يَوْمًا وَأَلْفَانِ وَمِائَة وَأَرْبَعَة وَثَمَانُونَ فنكا وهمسة أَسْدَاس فنك وَلكُل قسم من هَذِه الْأَقْسَام إسم وكل سِتَّة أَقسَام مِنْهَا فصل من فُصُول السّنة فإسم أول قسم من فصولها الحن وأوله أبدا حَيْثُ تكون الشَّمْس فِي سِتّ عشرَة دَرَجَة من برج الدَّلْو وَهَكَذَا أَوَائِل كل فصل إِنَّمَا تكون فِي حُدُود أواسط البروج الثَّابِتَة

وَكَانَ بعد مدْخل الحن من أول الدّور الستيني فِي السّنة الْمَذْكُورَة أحد عشر فنكا وَسَبْعَة آلَاف وسِتمِائَة وَسِتِّينَ فنكا وإسم مدخله بِي خايني وَكَانَ بعد دُخُول السّنة الفارسية الْمَذْكُورَة بِنَحْوِ عشْرين يَوْمًا وَيبعد مدخله عَن أول الدّور فِي كل سنة بِقدر فصل سنة الشَّمْس على سنة الدّور وَهُوَ خَمْسَة أَيَّام وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ فنكا فَإِن زَادَت الْأَيَّام على سِتِّينَ يَوْمًا كَانَ الْبَاقِي بعد الحن فِي تِلْكَ السّنة عَن أول الدّور الستيني ويتفاضل الْبعد بَينهمَا فِي كل سنة بِقدر فضل سنة الشَّمْس على سنة الْقَمَر الَّتِي هِيَ ثَلَاثمِائَة وَأَرْبَعَة وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَثَلَاثَة آلَاف وسِتمِائَة وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ فنكا وَمِقْدَار الْفضل بَينهمَا عشرَة أَيَّام وَثَمَانِية آلَاف

ص: 46

وَسَبْعمائة وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ فنكا وَخَمْسَة آلَاف وَثَمَانمِائَة وَسِتَّة أفناك نقص مِنْهَا هَذَا الْعدَد واحتسب بِالْبَاقِي فَإِذا عرفت هَذَا من حسابهم فاسعلم أَن عمر الْعَالم عِنْدهم ثَلَاثمِائَة ألف ون وَسِتُّونَ ألف ون كل ون عشرَة آلَاف سنة مضى من ذَلِك إِلَى أول سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة ليزدجرد وَهِي دور شانكون الْأَعْظَم ثَمَانِيَة آلَاف ون وَثَمَانمِائَة ون وَثَلَاثَة وَسِتُّونَ ونا وَتِسْعَة آلَاف وَسَبْعمائة وَأَرْبَعُونَ سنة فَتكون الْمدَّة الْعُظْمَى على هَذَا ثَلَاثَة آلَاف ألف ألف ألف ألف سنة وسِتمِائَة ألف ألف ألف ألف سنة بِهَذِهِ الصُّورَة 360000000000 والماضي مِنْهَا إِلَى السّنة الْمَذْكُورَة ثَمَانِيَة وَثَمَانُونَ ألف ألف سنة وسِتمِائَة ألف سنة وَتِسْعَة وَثَلَاثُونَ ألف سنة سَبْعمِائة سنة وَأَرْبَعُونَ سنة بِهَذِهِ الصُّورَة 8863974 وَللَّه غيب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَإِلَيْهِ يرجع الْأَمر كُله

وَإِنَّمَا ذكرت طرفا من حِسَاب سني البراهمة وطرفا من حِسَاب سني الخطا والأيغر الْمُسْتَخْرج من حِسَاب الصين ليعلم أَن ذَلِك لم يَضَعهُ حكماؤهم عَبَثا ولأمر مَا جدع قصير أَنفه

وَكم من جَاهِل بالتعليم إِذا سمع أَقْوَالهم فِي مُدَّة سني الْعَالم يُبَادر إِلَى تكذيبهم من غير علم بدليلهم عَلَيْهِ وَطَرِيق الْحق أَن يتَوَقَّف فِيمَا لَا يُعلمهُ حَتَّى يتَبَيَّن أحد طَرفَيْهِ فيرجحه على الآخر {وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ}

وَقَالَ أَصْحَاب السَّنَد بوالهند وَمَعْنَاهُ دهر الدهران الْكَوَاكِب وأوجاتها وجوزهراتها تَجْتَمِع كلهَا فِي أول برج الْحمل عِنْد كل أَرْبَعَة آلَاف ألف ألف سنة وثلاثمائة ألف ألف سنة وَعشْرين ألف ألف سنة شمسية وَهَذِه مُدَّة سني الْعَالم

قَالُوا وَإِذا جمعت بِرَأْس الْحمل فَسدتْ المكونات الثَّلَاث الَّتِي يحويها عَالم الْكَوْن وَالْفساد الْمعبر عَنهُ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهَذِه المكونات هِيَ الْمَعْدن

ص: 47

والنبات وَالْحَيَوَان فَإِذا فَسدتْ بَقِي الْعَالم السفلي خرابا دهرا طَويلا إِلَى أَن تتفرق الْكَوَاكِب والأوجات والجوزهرات فِي بروج الْفلك فَإِذا تَفَرَّقت فِيهَا بَدَأَ الْكَوْن بعد الْفساد فَعَادَت أَحْوَال الْعَالم السفلي إِلَى الْأَمر الأول وَهَذَا يكون عودا بعد بَدْء إِلَى غير نِهَايَة

قَالُوا وَلكُل وَاحِد من الْكَوَاكِب والأوجات والجوزهات عدَّة أدوار فِي هَذِه الْمدَّة يدل على كل دور مِنْهَا على شَيْء من المكونات كَمَا هُوَ مَذْكُور فِي كتبهمْ مِمَّا لَا حَاجَة بِنَا هُنَا إِلَى ذكره وَهَذَا القَوْل منتزع من قَول البراهمة الَّذين تقدم ذكرهم

وَقَالَ أَصْحَاب الهازروان من قدماء الْهِنْد إِن لكل ثَلَاثمِائَة ألف مائَة ألف وَثَمَانُونَ ألف سنة شمسية يهْلك الْعَالم بأسره وَيبقى مثل هَذِه الْمدَّة ثمَّ يعود بِعَيْنِه ويعقبه الْبَدَل وَهَكَذَا أبدا يكون الْحَال لَا إِلَى نِهَايَة

قَالُوا وَمضى من أَيَّام الْعَالم الْمَذْكُورَة إِلَى طوفان نوح عليه السلام مائَة ألف وَثَمَانُونَ ألف سنة شمسية وَمضى من الطوفان إِلَى سنة الْهِجْرَة المحمدية على صَاحبهَا الصَّلَاة والتحية ثَلَاثَة آلَاف وَسَبْعمائة وَثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة وَأَرْبَعَة أشهر وَأَيَّام وَبَقِي من سني الْعَالم حَتَّى يبتدىء ويفنى مائَة ألف وبضع وَسَبْعُونَ ألف سنة شمسية أَولهَا تَارِيخ الْهِجْرَة الَّذِي يؤرخ بِهِ أهل الْإِسْلَام

وَقَالَ أَصْحَاب الأزجهير مُدَّة الْعَالم الَّتِي تَجْتَمِع فِيهَا الْكَوَاكِب بِرَأْس الْحمل هِيَ وأوجاتها وجوزهراتها جُزْء من ألف جُزْء من مُدَّة السَّنَد هِنْد وَهَذَا أَيْضا منتزع من قَول البراهمة

وَقَالَ أَبُو معشر وَابْن نوبخت إِن بعض الْفرس يرى أَن عمر الدُّنْيَا إثنا عشر ألف سنة بعدة البروج لكل برج ألف سنة فَكَانَ ابْتِدَاء أَمر الدُّنْيَا فِي أول ألف الْحمل لِأَن الْحمل والثور والجوزاء تسمى أشرف الشّرف وينسب إِلَى الْحمل الْفَصْل وفيهَا تكون الشَّمْس فِي شرفها وعلوها وَطول نَهَارهَا وَلذَلِك الدُّنْيَا كَانَت إِلَى ثَلَاثَة آلَاف سنة علوِيَّة روحانية طَاهِرَة وَلِأَن السرطان والأسد والسنبلة منتقصة فَإِن الشَّمْس تنحط من علوها فِي أول دقيقة من السرطان

ص: 48

وَكَانَ قدر الدُّنْيَا وأبناؤها منحطا فِي ثَلَاثَة آلَاف الثَّانِيَة وَلِأَن الْمِيزَان أهبط الهبوط وبئر الْآبَار وضد البرج الَّذِي فِيهِ شرف الشَّمْس دلّ على أَنه أصَاب الدُّنْيَا فاكتسب أَهلهَا الْمعْصِيَة وَالْمِيزَان وَالْعَقْرَب والقوس إِذا نزلتها الشَّمْس لم تَزْدَدْ إِلَّا انحطاطا وَالْأَيَّام إِلَّا نُقْصَانا فَلذَلِك دلّت على البلايا والضيق والشدة وَالشَّر وَحَيْثُ تبلغ الآلاف إِلَى أول الجدي الَّذِي فِيهِ أول ارْتِفَاع الشَّمْس وأشرافها على شرفها وَفِيه تزداد الْأَيَّام طولا والدلو والحوت اللَّذَان تزداد الشَّمْس فيهمَا صعُودًا حَتَّى تصل لِشَرَفِهِمَا فَيدل على ظُهُور الْخَيْر وَضعف الشَّرّ وثبات الدّين وَالْعقل وَالْعَمَل بِالْحَقِّ وَالْعدْل وَمَعْرِفَة فضل الْعلم وَالْأَدب فِي تِلْكَ الثَّلَاثَة آلَاف سنة وَمَا يكون فِي ذَلِك فعلى قدر صَاحب الْألف وَالْمِائَة وَالْعشرَة وعَلى حسب اتِّفَاق الْكَوَاكِب فِي أول سرطان صَاحب الْألف فَلَا يزَال ذَلِك فِي زِيَادَة حَتَّى يعود أَمر الدُّنْيَا فِي آخرهَا إِلَى مثل مَا كَانَ عَلَيْهِ ابْتِدَاؤُهَا وَهِي فِي ألف الْحمل

وَكلما تقَارب آخر كل ألف من هَذِه الألوف اشْتَدَّ الزَّمَان وَكَثُرت البلايا لِأَن أَوَاخِر البرج فِي حُدُود النحوس وَكَذَلِكَ فِي آخر المئين والعشرات فعلى هَذَا الإنقضاء للدنيا إِذا كَانَ الزَّمَان يعود إِلَى الْحمل كَمَا بَدَأَ أول مرّة وَزَعَمُوا أَن ابْتِدَاء الْخلق بالتحرك كَانَ وَالشَّمْس فِي ابْتِدَاء الْمصير فدار الْفلك وَجَرت الْمِيَاه وهبت الرِّيَاح واتقدت النيرَان وتحرك سَائِر الْخَلَائق بِمَا هم عَلَيْهِ من خير وَشر والطالع تِلْكَ السَّاعَة تسع عشرَة دَرَجَة من برج السرطان وَفِيه المُشْتَرِي

وَفِي الْبَيْت الرَّابِع هُوَ بَيت الْعَافِيَة وَهُوَ برج الْمِيزَان زحل وَكَانَ الذَّنب فِي الْقوس والمريخ فِي الجدي والزهرة وَعُطَارِد فِي الْحُوت ووسط السَّمَاء برج الْحمل وَفِي أول دقيقة مِنْهُ الشَّمْس

وَكَانَ الْقَمَر فِي الثور وَفِي بَيت السَّعَادَة وَكَانَ الرَّأْس فِي برج الجوزاء وَبَيت الشَّقَاء وَفِي تِلْكَ الدقيقة من السَّاعَة كَانَ اسْتِقْبَال أَمر الدُّنْيَا فَكَانَ خَيرهَا وشرها وانحطاطها وارتفاعها وَسَائِر مَا فِيهَا على قدر مجاري البروج والنجوم وَولَايَة أَصْحَاب الألوف وَغير ذَلِك من أحوالها

ص: 49

وَلِأَن المُشْتَرِي كَانَ فِي السرطان فِي شرفه وزحل فِي الْمِيزَان فِي شرفه والمريخ وَالشَّمْس وَالْقَمَر فِي أَشْرَافهَا دلّت على كائنة جليلة فَكَانَ نشوء الْعَالم وبرز زحل فَتَوَلّى الآلف هُوَ وَالْمِيزَان وَكَانَ المُشْتَرِي فِي الطالع مَقْبُولًا وَكَذَلِكَ جَمِيع الْكَوَاكِب كَانَت مَقْبُولَة فَدلَّ على نَمَاء الْعَالم وَحسن نشوئه

وَكَانَ زحل هُوَ المستولي والعالي فِي الْفلك والبرج طَوِيل الطالع فطالت أَعمار تِلْكَ الْألف وقويت أبدانهم وَكَثُرت مِيَاههمْ وَكَون الْمِيزَان تَحت الأَرْض دلّ على خَفَاء أول حُدُوث الْعَالم وعَلى أَن أهل ذَلِك الزَّمَان ينظرُونَ فِي عمَارَة الْأَرْضين وتشيد الْبُنيان

ثمَّ ولى الْألف الثَّانِي الْعَقْرَب والمريخ وَكَانَ فِي الطالع المريخ فَدلَّ على الْقَتْل فِي ذَلِك الْألف وَسَفك الدِّمَاء والسبي وَالظُّلم والجور وَالْخَوْف والهم والحزان وَالْفساد وجور الْمُلُوك

وَولى الْألف الثَّالِث الْقوس وشاركه عُطَارِد والزهرة بطلوعهما وَكَانَ الذَّنب فِي الْقوس فَدلَّ المُشْتَرِي على النجدة فِي تِلْكَ الْألف والشدة وَالْجَلد والبأس والرياسة وَالْعدْل وتقسيم الْمُلُوك الدُّنْيَا وَسَفك الدِّمَاء بِسَبَب ذَلِك

ودلت الزهرة على ظُهُور بيُوت الْعِبَادَة وعَلى الْأَنْبِيَاء

وَدلّ عُطَارِد على ظُهُور الْعقل وَالْأَدب وَالْكَلَام وَكَون البرج مجسرا دلّ على انقلاب الْخَيْر وَالشَّر فِي تِلْكَ الْألف مَرَّات وعَلى ظُهُور ألوان من آيَات الْحق وَالْعدْل والجور

ثمَّ ولى الْألف الرَّابِع الجدي وَكَانَ فِيهِ المريخ فَدلَّ على مَا كَانَ فِي تِلْكَ الْألف من إهراق الدِّمَاء ودلت الشَّمْس على ظُهُور الْخَيْر وَالْعلم وَمَعْرِفَة الله تَعَالَى وعبادته وطاعته وَطَاعَة أنبيائه وَالرَّغْبَة فِي الدّين مَعَ الشجَاعَة وَالْجَلد وَكَون البرج منقلبا هُوَ والبرج الَّذِي فِيهِ الشَّمْس دلّ على انقلاب ذَلِك فِي آخرهَا وَظُهُور الشَّرّ والتفرق وَالْقسم وَالْقَتْل وَسَفك الدِّمَاء وَالْغَضَب فِي أَصْنَاف كَثِيرَة وتحول

ص: 50

ذَلِك وتلونه وَكَون الجدي منحطا دلّ على أَنه يظْهر فِي آخر تِلْكَ الْألف الْحسن الشبيه بِصفة زحل والمريخ وَانْقِطَاع العظماء والحكماء وبوارهم وارتفاع السفلة وخراب العامر وَعمارَة الخراب وَكَثْرَة تلون الْأَشْيَاء

وَولى ألف الْخَامِس الدَّلْو بِطُلُوع الْقَمَر وَكَانَ الْقَمَر فِي الثور فَدلَّ الدَّلْو لبرودته وعسره على سُقُوط العظماء وعطلة أَمرهم وارتفاع السفلة وَالْعَبِيد ومحمدة البخلاء وَظُهُور الْجَيْش الْأسود والسواد وعَلى كَثْرَة التفتيش والتفكر وَظُهُور الْكَلَام فِي الْأَدْيَان ومحبة الْخُصُومَات وَكَون الْقَمَر فِي شرفه يدل على قهر الْمُلُوك وَظُهُور وُلَاة الْحق ونفاذ الْخَيْر وَظُهُور بيُوت الْعِبَادَة والكف عَن الدِّمَاء والراحة والسعادة فِي الْعَامَّة وثبات مَا يكون من الْعدْل وَالْخَيْر وَطول الْمدَّة فِيهِ وَكَون البرج مائيا يدل على كَثْرَة الأمطار وَالْغَرق وَآفَة من الْبرد يهْلك فِيهَا الْكثير

ويلي الآلف السَّادِس برج الْحُوت بِطُلُوع المُشْتَرِي وَالرَّأْس فَيدل على المحمدة فِي النَّاس عَامَّة وعَلى الصّلاح وَالْخَيْر وَالسُّرُور وَذَهَاب الشَّرّ وَحسن الْعَيْش وَلكُل وَاحِد من الْكَوَاكِب ولَايَة ألف سنة فَصَارَ عُطَارِد خَاتمًا فِي برج السنبلة

وَزعم ابْن نوبخت أَن من يَوْم سَارَتْ الشَّمْس إِلَى تَمام خمس وَعشْرين من ملك أنو شيروان ثَلَاثَة آلَاف وَثَمَانمِائَة وَسبع وَسِتُّونَ سنة وَذَلِكَ فِي ألف الجدي وتدبير الشَّمْس وَمِنْه إِلَى الْيَوْم الأول من الْهِجْرَة سبع وَثَمَانُونَ سنة شمسية وَسِتَّة وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَمن الْهِجْرَة سبع وَثَمَانُونَ سنة شمسية وَسِتَّة وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَمن الْهِجْرَة إِلَى قيام يزدجرد تسع سِنِين وثلاثمائة وَسَبْعَة وَثَلَاثُونَ يَوْمًا فَذَلِك الْجَمِيع إِلَى أَن قَامَ يزدجرد ثَلَاثَة آلَاف وَتِسْعمِائَة وست وَسِتُّونَ سنة

وَقَالَ أَبُو معشر وَزعم قوم من الْفرس أَن عمر الدُّنْيَا سَبْعَة آلَاف سنة بعدة الْكَوَاكِب السَّبْعَة وَزعم أَبُو معشر أَن عمر الدُّنْيَا ثَلَاثمِائَة ألف سنة وَسِتُّونَ ألف سنة وَأَن الطوفان كَانَ فِي النّصْف من ذَلِك على رَأس مائَة ألف وَثَمَانِينَ ألف سنة

ص: 51

وَقَالَ قوم عمر الدُّنْيَا تِسْعَة آلَاف سنة لكل كَوْكَب من الْكَوَاكِب السَّبْعَة السيارة ألف سنة وللرأس ألف سنة وللذنب ألف سنة وشرها ألف الذَّنب وَأَن الْعمار طَالَتْ فِي تَدْبِير آلَاف الثَّلَاثَة العلوية وَقصرت فِي آلَاف الْكَوَاكِب السفلية

وَقَالَ قوم عمر الدُّنْيَا تِسْعَة عشر ألف سنة بِعَدَد البروج الإثني عشر لكل برج ألف سنة وَبِعَدَد الْكَوَاكِب السَّبْعَة السيارة لكل كَوْكَب ألف سنة

وَقَالَ قوم عمر الدُّنْيَا أحد وَعِشْرُونَ ألف سنة بِزِيَادَة ألف للرأس وَألف للذنب

وَقَالَ قوم عمر الدُّنْيَا ثَمَانِيَة وَسَبْعُونَ ألف سنة فِي تَدْبِير برج الْحمل اثْنَا عشر ألف سنة وَفِي تَدْبِير برج الثور أحد عشر ألف سنة وَفِي تَدْبِير الجوزاء عشرَة آلَاف سنة فَكَانَت الْأَعْمَار فِي هَذَا الرّبع أطول وَالزَّمَان أجد ثمَّ تَدْبِير الرّبع الثَّانِي مُدَّة أَرْبَعَة وَعشْرين ألف سنة فَتكون الْأَعْمَار دون مَا كَانَت فِي الرّبع الأول وتدبير الرّبع الثَّالِث خَمْسَة عشر ألف سنة وتدبير الرّبع الرَّابِع سِتَّة آلَاف سنة

وَقَالَ قوم كَانَت الْمدَّة من آدم إِلَى الطوفان أَلفَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة وَأَرْبَعَة أشهر وَخَمْسَة عشر يَوْمًا وَمن الطوفان إِلَى إِبْرَاهِيم عليه السلام تِسْعمائَة واثنتين وَأَرْبَعين سنة وَسَبْعَة أشهر وَخَمْسَة عشر يَوْمًا فَذَلِك ثَلَاثَة آلَاف ومائتان وَثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة

وَقَالَ قوم من الْيَهُود عمر الدُّنْيَا سَبْعُونَ ألف سنة منحصرة فِي ألف جيل ولقفوا ذَلِك من قَول مُوسَى عليه السلام فِي صلَاته أَن الجيل سَبْعُونَ سنة من قَوْله فِي الزبُور إِن إِبْرَاهِيم عليه السلام قطع مَعَه الله تَعَالَى عهد بَقَاء الْبشر ألف جيل فجَاء من ذَلِك أَن مُدَّة الدُّنْيَا سَبْعُونَ ألف سنة واستظهروا لقَولهم هَذَا بِمَا فِي التَّوْرَاة من قَوْله وَاعْلَم أَن الله إلهك هُوَ الْقَادِر الْمُهَيْمِن الْحَافِظ الْعَهْد وَالْفضل لمحبيه وحافظي وَصَايَاهُ لِأَلف جيل

ص: 52

وَذكر أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن المَسْعُودِيّ فِي كتاب أَخْبَار الزَّمَان عَن الْأَوَائِل أَنهم قَالُوا كَانَ فِي الأَرْض ثَمَان وَعِشْرُونَ أمة ذَات أَرْوَاح وأيد وبطش وصور مختلفات بِعَدَد الْمنَازل الْقَمَر لكل منزلَة أمة مُنْفَرِدَة تعرف بهَا تِلْكَ الْأمة ويزعمون أَن تِلْكَ الْأُمَم كَانَت الْكَوَاكِب الثَّابِتَة تدبرها وَكَانُوا يعبدونها

وَيُقَال لما خلق الله تَعَالَى البروج الاثْنَي عشر قسم دوامها فِي سلطانها فَجعل للْحَمْل اثْنَي عشر ألف عَام وللثور أحد عشر ألف عَام وللجوزاء عشرَة آلَاف عَام وللسرطان تِسْعَة آلَاف عَام وللأسد ثَمَانِيَة آلَاف عَام وللسنبلة سَبْعَة آلَاف عَام وللميزان سِتَّة آلَاف عَام وللعقرب خَمْسَة آلَاف عَام وللقوس أَرْبَعَة آلَاف عَام وللجدي ثَلَاثَة آلَاف عَام وللدلو ألفي عَام وللحوت ألف عَام فَصَارَ الْجَمِيع ثَمَانِيَة وَسبعين ألف عَام فَلم يكن فِي عَالم الْحمل والثور والجوزاء وحيوان وَذَلِكَ ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ ألف عَام

فَلَمَّا كَانَ عَالم السرطان تكونت دَوَاب المَاء وهوام الأَرْض

فَلَمَّا كَانَ عَالم الْأسد تكونت ذَوَات الْأَرْبَع من الْوَحْش والبهائم وَذَلِكَ بعد تِسْعَة آلَاف عَام من خلق دَوَاب المَاء والهواء

فَلَمَّا كَانَ عَالم السنبلة تكون الإنسانان الْأَوَّلَانِ وهما ادمانوس وحنوانوس وَذَلِكَ لتَمام سَبْعَة عشر ألف عَام لخلق دَوَاب المَاء وهوام الأَرْض ولتمام ثَمَانِيَة آلَاف عَام من خلق ذَوَات الْأَرْبَع وخلقت الأَرْض فِي عَالم الْمِيزَان

وَيُقَال بل خلقت الأَرْض أَولا وأقامت خَالِيَة ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ ألف عَام لَيْسَ فِيهَا حَيَوَان وَلَا عَالم روحاني ثمَّ خلق الله تَعَالَى هوَام المَاء ودواب الأَرْض وَمَا بعد ذَلِك على مَا تقدم ذكره فَلَمَّا تمّ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألف عَام لخلق دَوَاب المَاء وهوام الأَرْض ولتمام خَمْسَة عشر ألف عَام من خلق ذَوَات الْأَرْبَع ولتتمة سَبْعَة آلَاف عَام من لدن تكون الإنسانين خلقت الطُّيُور

ص: 53

وَيُقَال إِن مُدَّة مقَام الإنسانين ونسلهما فِي الأَرْض مائَة ألف وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ ألف عَام مِنْهَا لزجل سِتَّة وَخَمْسُونَ ألف عَام وَللْمُشْتَرِي أَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ ألف عَام وللمريخ ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ ألف عَام

وَيُقَال إِن الْأُمَم الْمَخْلُوقَات قبل آدم هِيَ كَانَت الجبلة الأولى وَهِي ثَمَان وَعِشْرُونَ أمة بِإِزَاءِ منَازِل الْقَمَر خلقت من أمزجة مُخْتَلفَة أَصْلهَا المَاء والهواء وَالْأَرْض وَالنَّار فتباين خلقهَا

فَمِنْهَا أمة خلقت طوَالًا زرقا ذَوَات أَجْنِحَة كَلَامهم قرقعة على صفة الْأسود

وَمِنْهَا أمة أبدانهم أبدان الْأسود ورؤسهم رُؤُوس الطير لَهُم شُعُور وآذان طوال وَكَلَامهم دوِي

وَمِنْهَا أمة لَهَا وَجْهَان وَجه أمامها وَوجه خلفهَا وَلها أرجل كَثِيرَة وَكَلَامهم كَلَام الطير

وَمِنْهَا أمة ضَعِيفَة فِي صور الْكلاب لَهَا أَذْنَاب وَكَلَامهم همهمة لَا يعرف

وَمِنْهَا أمة تشبه بني آدم أَفْوَاههم فِي صُدُورهمْ يصفرون إِذا تكلمُوا صفيرا

وَمِنْهَا أمة يشبهون نصف إِنْسَان لَهُم عين وَاحِدَة وَرجل يقفزون بهَا قفزا ويصيحون كصياح الطير

وَمِنْهَا أمة لَهَا وُجُوه كوجوه النَّاس وأصلاب كأصلاب السلاحف فِي رؤوسهم قُرُون طوال لَا يفهم كَلَامهم

وَمِنْهَا أمة مُدَوَّرَة الْوُجُوه لَهُم شُعُور بيض وأذناب كأذناب الْبَقر ورؤوسهم فِي صُدُورهمْ لَهُم شُعُور وثدي وهم إناث كُلهنَّ لَيْسَ فِيهِنَّ ذكر يلقحن من الرّيح ويلدن أمثالهن ولهن أصوات مطربة يجْتَمع إلَيْهِنَّ كثير من هَذِه الْأُمَم لحسن أصواتهن

ص: 54

وَمِنْهَا أمة على خلق بني آدم سود وُجُوههم ورؤوسهم كرؤوس الْغرْبَان

وَمِنْهَا أمة فِي خلق الْهَوَام والحشرات إِلَّا أَنَّهَا عَظِيمَة الْأَجْسَام تَأْكُل وتشرب مثل الْأَنْعَام

وَمِنْهَا أمة كوجوه دَوَاب الْبَحْر لَهَا أَنْيَاب كأنياب الْخَنَازِير وآذان طوال وَيُقَال أَن هَذِه الثَّمَانِية وَالْعِشْرين أمة تناكحت فَصَارَت مائَة وَعشْرين أمة

وَسُئِلَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه هَل كَانَ فِي الأَرْض خلق قبل آدم يعْبدُونَ الله تَعَالَى فَقَالَ نعم خلق الله الأَرْض وَخلق فِيهَا الْجِنّ يسبحون الله ويقدسونه لَا يفترون وَكَانُوا يطيرون إِلَى السَّمَاء ويلقون الْمَلَائِكَة ويسلمون عَلَيْهِم ويستعملون مِنْهُم خبر مَا فِي السَّمَاء

ثمَّ أَن طَائِفَة مِنْهُم تمردت وعتت عَن أَمر رَبهَا وبغت فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق وَعدا بَعضهم على بعض وجحدوا الربوبية وَكَفرُوا بِاللَّه وعبدوا مَا سواهُ وتغايروا على الْملك حَتَّى سَفَكُوا الدِّمَاء وأظهروا فِي الأَرْض الْفساد وَكثر تقَاتلهمْ وَعلا بَعضهم على بعض وَأقَام المطيعون لله تَعَالَى على دينهم وَكَانَ إِبْلِيس من الطَّائِفَة المطيعة لله والمسبحين لَهُ وَكَانَ يصعد إِلَى السَّمَاء فَلَا يحجب عَنْهَا لحسن طَاعَته

ويروى أَن الْجِنّ كَانَت تفترق على إِحْدَى وَعشْرين قَبيلَة وَأَن بعد خَمْسَة آلَاف سنة ملكوا علهم ملكا يُقَال لَهُ شملان بن أرس ثمَّ افْتَرَقُوا فملكوا عَلَيْهِم خَمْسَة مُلُوك وَأَقَامُوا على ذَلِك دهرا طَويلا ثمَّ أغار بَعضهم على بعض وتحاسدوا فَكَانَت بَينهم وقائع كَثِيرَة فأهبط الله تَعَالَى عَلَيْهِم إِبْلِيس وَكَانَ اسْمه بِالْعَرَبِيَّةِ الْحَارِث كنيته أَبُو مرّة وَمَعَهُ عدد كثير من الْمَلَائِكَة فَهَزَمَهُمْ وقتلهم

وَصَارَ إِبْلِيس ملكا على وَجه الأَرْض فتكبر وطغى وَكَانَ من امْتِنَاعه من السُّجُود لآدَم مَا كَانَ فأهبطه الله تَعَالَى إِلَى الأَرْض فسكن الْبَحْر

ص: 55

وَجعل عَرْشه على المَاء فألقيت عَلَيْهِ شَهْوَة الْجِمَاع وَجعل لقاحه لقاح الطير وبيضه

وَيُقَال إِن قبائل الْجِنّ من الشَّيَاطِين خمس وَثَلَاثُونَ قَبيلَة خمس عشرَة قَبيلَة تطير فِي الْهَوَاء وَعشر قبائل مَعَ لَهب النَّار وَثَلَاثُونَ قَبيلَة يسْتَرقونَ السّمع من السَّمَاء وَلكُل قَبيلَة ملك مُوكل يدْفع شَرها وَمِنْهُم صنف من السعالى يتصورون فِي صور النِّسَاء الحسان ويتزوجن بِرِجَال الْإِنْس ويلدن مِنْهُم وَمِنْهُم صنف على صور الْحَيَّات إِذا قتل أحد مِنْهُم وَاحِدَة هلك من وقته فَإِن كَانَت صَغِيرَة هلك وَلَده أَو عَزِيز عِنْده

وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ إِن الْكلاب من الْجِنّ فَإِذا رأوكم تَأْكُلُونَ فَألْقوا إِلَيْهِم من طَعَامكُمْ فَإِن لَهُم أنفسا يَعْنِي أَنهم يَأْخُذُونَ بِالْعينِ

وَقد رُوِيَ أَن الأَرْض كَانَت معمورة بأمم كَثِيرَة مِنْهُم الطم والرم وَالْجِنّ البن وَالْحسن والبسن وَإِن الله تَعَالَى لما خلق السَّمَاء عمرها بِالْمَلَائِكَةِ وَلما خلق الأَرْض عمرها بالجن فعاثوا وسفكوا الدِّمَاء فَأنْزل الله عَلَيْهِم جندا من الْمَلَائِكَة فَأتوا على أَكْثَرهم قتلا وأسرا فَكَانَ مِمَّن أسر إِبْلِيس وَكَانَ إسمه عزرايل فَلَمَّا صعد بِهِ إِلَى السَّمَاء أَخذ نَفسه بالإجتهاد فِي الْعِبَادَة وَالطَّاعَة رَجَاء أَن يَتُوب الله عَلَيْهِ فَلَمَّا لم يجد ذَلِك عَلَيْهِ شَيْئا خامر الْمَلَائِكَة الْقنُوط فَأَرَادَ الله أَن يطهر لَهُم تكبره وإبانة مَا خَفِي عَنْهُم من مَكْتُوم أنبائه إِلَى عمَارَة الأَرْض قبل آدم مِمَّن أفسد فِيهَا أَشَارَ بقوله تَعَالَى حِكَايَة عَن الْمَلَائِكَة {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء} يعنون كَمَا فعل بهَا من قبل وَالله أعلم بمراده هَكَذَا قيل

وَيُقَال وَالَّذِي يَنْبَغِي التعويل عَلَيْهِ والتصبير إِلَيْهِ مَا ورد بِهِ الْكتاب الْعَزِيز وَالسّنة النَّبَوِيَّة المطهرة من بَدْء الْخلق وَمَا كَانَ وَمَا يكون وَهُوَ قَلِيل جدا وَمَا أَتَى النَّاس بِهِ من الْقَصَص وأساطير الْمَخْلُوقَات قبل آدم وَبعده

ص: 56

فَلَا يقبل مِنْهُ إِلَّا مَا يشْهد بِهِ نَص من كتاب أنزل من عِنْد الله تَعَالَى أَو خبر صَحِيح ورد من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

وَأما مَا جَاءَ من أهل الْكتاب وَمن يضايقهم فَلَا نصدقه وَلَا نكذبه بل نتوقف فِيهِ وَنكل علمه إِلَى الله تَعَالَى وَلَا نقطع بِصِحَّتِهِ لِأَن أسانيده إِلَى الَّذين رووا عَنْهُم مُنْقَطِعَة معضلة غير متتابعة لبعد الْعَهْد وَطول الأمد {وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} {وَمَا يعلم جنود رَبك إِلَّا هُوَ} وَالنَّظَر فِي كتب التواريخ لَا يُورث إِلَّا خلافًا كثيرا وتعارضا شَدِيدا وحيرة مدهشة وباطلا لَاحق وَخطأ لَا صَوَاب وكذبا لَا صدق والخوض فِي أَمْثَال ذَلِك شَأْن السُّفَهَاء دون الْعُقَلَاء لِأَن مَا لم يكن سَبِيل إِلَى تَحْقِيقه لَا يحسن السلوك فِي طَرِيقه

قَالَ أَبُو بكر بن أَحْمد بن عَليّ وحشية فِي كتاب الفلاحة أَنه عرب هَذَا الْكتاب وَنَقله من لِسَان الكلدانيين إِلَى اللُّغَة الْعَرَبيَّة وَأَنه وجده من وضع ثَلَاثَة حكماء قدماء وهم صعريت وسوساد وفوقاي إبتدأوه الأول وَكَانَ ظُهُوره فِي الْألف السَّابِع من سَبْعَة آلَاف سني زحل وَهِي الْألف الَّتِي يُشَارك فِيهَا زحل الْقَمَر وتممه الثَّانِي وَكَانَ ظُهُوره فِي آخر هَذِه الْألف وأكمله الثَّالِث وَكَانَ ظُهُوره بعد مُضِيّ أَرْبَعَة آلَاف سنة من دور الشَّمْس الَّذِي هُوَ سَبْعَة آلَاف سنة وَأَنه نظر إِلَى مَا بَين زمَان الأول وَالثَّالِث فَكَانَ ثَمَانِيَة عشر ألف سنة شمسية وَبَعض الْألف التَّاسِع عشر

وَقد اخْتلف أهل الْإِسْلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَيْضا فروى سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنه قَالَ الدُّنْيَا جُمُعَة من جمع الْآخِرَة وَالْيَوْم ألف سنة فَذَلِك سَبْعَة آلَاف سنة

وروى سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح قَالَ قَالَ كَعْب الْأَحْبَار الدُّنْيَا سِتَّة آلَاف سنة

ص: 57

وَعَن وهب بن مُنَبّه أَنه قَالَ قد خلا من الدُّنْيَا خَمْسَة آلَاف سنة وسِتمِائَة إِنِّي لأعرف كل زمَان مِنْهَا وَمن فِيهِ من الْأَنْبِيَاء فَقيل لَهُ فكم الدُّنْيَا قَالَ سِتَّة آلَاف سنة

وروى عبد الله بن دِينَار عَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما أَنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول أجلكم فِي أجل من كَانَ قبلكُمْ من صَلَاة الْعَصْر إِلَى مغرب الشَّمْس أخرجه الشَّيْخَانِ

وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الحقب ثَمَانُون عَاما الْيَوْم مِنْهَا سدس الدُّنْيَا يوالحقب هُنَا بِكَسْر الْحَاء وَضمّهَا

قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن أَحْمد بن يَعْقُوب الْهَمدَانِي فِي كتاب الأكاليل وَكَانَ الدُّنْيَا جُزْءا من أَرْبَعَة وَخمسين يَوْمًا وَخمْس وَسدس يَوْم فَإِذا كَانَت الدُّنْيَا سِتَّة آلَاف سنة وَالْيَوْم ألف سنة تكون سِنِين قمرية سِتَّة آلَاف سنة فَإِذا جَعَلْنَاهُ جُزْء وضربناه فِي أَجزَاء الحقب وَهِي أَرْبَعَة آلَاف وَسَبْعمائة سنة وَثَلَاث وَعِشْرُونَ وَثلث خرج من السِّتين ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ ألف ألف ألف وثلاثمائة ألف ألف وَأَرْبَعُونَ ألف الف وَإِذا كَانَت جُمُعَة من جمع الْآخِرَة زِدْنَا مَعَ هَذَا الْعدَد مثل سدسه وَهَذَا عدد الحقب

وَقَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ الصَّوَاب من القَوْل مَا دلّ على صِحَّته الْخَبَر الْوَارِد فَذكر قَوْله عليه السلام أجلكم فِي أجل من كَانَ قبلكُمْ من صَلَاة الْعَصْر إِلَى مغرب الشَّمْس

وَقَوله عليه السلام بعثت أَنا والساعة كهاتين وأشاء بالسبابة وَالْوُسْطَى وَقَوله عليه السلام بعثت أَنا والساعة جَمِيعًا إِن كَادَت لتسبقني

قَالَ فمعلوم إِن كَانَ الْيَوْم أَوله طُلُوع الشَّمْس وَآخره غرُوب الشَّمْس

وَكَانَ صَحِيحا عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَوْله أجلكم فِي أجل من كَانَ قبلكُمْ من صَلَاة الْعَصْر إِلَى مغرب الشَّمْس

ص: 58

وَقَوله بعثت أَنا والساعة كهاتين وَأَشَارَ بالسبابة وَالْوُسْطَى وَكَانَ قدر مَا بَين أَوسط أَوْقَات صَلَاة الْعَصْر وَذَلِكَ إِذا صَار كل شَيْء مثلَيْهِ على التَّحَرِّي إِنَّمَا يكون قدر نصف سبع الْيَوْم يزِيد قَلِيلا أَو ينقص قَلِيلا وَكَذَلِكَ فضل مَا بَين الْوُسْطَى والسبابة إِنَّمَا يكون نَحوا من ذَلِك

وَكَانَ صَحِيحا مَعَ ذَلِك قَوْله صلى الله عليه وسلم لن يعجز الله أَن يُؤَخر هَذِه الْأمة نصف يَوْم يَعْنِي نصف الْيَوْم الَّذِي مِقْدَاره ألف سنة فَأولى الْقَوْلَيْنِ اللَّذين أَحدهمَا عَن ابْن عَبَّاس وَالْآخر عَن كَعْب قَول ابْن عَبَّاس إِن الدُّنْيَا جُمُعَة من جمع الْآخِرَة سَبْعَة آلَاف وَإِذا كَانَ كَذَلِك وَكَانَ قد جَاءَ عَنهُ عليه السلام أَن الْبَاقِي من ذَلِك فِي حَيَاته نصف يَوْم وَذَلِكَ خَمْسمِائَة عَام إِذا كَانَ ذَلِك نصف يَوْم من الْأَيَّام الَّتِي قدر الْوَاحِد مِنْهَا ألف عَام كَانَ مَعْلُوما أَن الْمَاضِي من الدُّنْيَا وَقت قَوْله عله السَّلَام سِتَّة آلَاف سنة وَخَمْسمِائة سنة أَو نَحْو ذَلِك

وَقد جَاءَ عَنهُ عليه السلام خبر يدل على صِحَة قَول من قَالَ أَن الدُّنْيَا كلهَا سِتَّة آلَاف سنة لَو كَانَ صَحِيحا لم يعد القَوْل بِهِ إِلَى غَيره وَهُوَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة يرفعهُ الحقب ثَمَانُون عَاما الْيَوْم مِنْهَا سدس الدُّنْيَا فَتبين من هَذَا الْخَبَر أَن الدُّنْيَا كلهَا سِتَّة آلَاف سنة وَذَلِكَ أَنه حَيْثُ كَانَ الْيَوْم الَّذِي هُوَ من أَيَّام الْآخِرَة مِقْدَاره ألف سنة من سني الدُّنْيَا وَكَانَ الْيَوْم الْوَاحِد من ذَلِك سدس الدُّنْيَا كَانَ مَعْلُوما أَن جَمِيعهَا سِتَّة أَيَّام من أَيَّام الْآخِرَة وَذَلِكَ سِتَّة آلَاف سنة

وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم السهلي وَقد مَضَت الْخَمْسمِائَةِ من وَفَاته صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَوْم بنيف عَلَيْهَا وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثين مَا يشْهد لشَيْء مِمَّا ذكر مَعَ وُقُوع الْوُجُود بِخِلَافِهِ وَلَيْسَ فِي قَوْله لن يعجز الله أَن يُؤَخر هَذِه الْأمة نصف يَوْم مَا يَنْفِي الزِّيَادَة على النّصْف وَلَا فِي قَوْله بعثت أَنا والساعة كهاتين مَا يقطع بِهِ على صِحَة تَأْوِيله يَعْنِي الطَّبَرِيّ فقد نقل فِي تَأْوِيله غير هَذَا وَهُوَ أَنه لَيْسَ بَينه وَبَين السَّاعَة بني وَلَا شرعة غير شرعته مَعَ التَّقْرِيب لحينها كَمَا قَالَ تَعَالَى {اقْتَرَبت السَّاعَة}

ص: 59

وَقَالَ {أَتَى أَمر الله فَلَا تستعجلوه} ثمَّ رَجَعَ السُّهيْلي إِلَى تعْيين أمد الْملَّة من مدرك آخر لَو ساعده التَّحْقِيق وَقَالَ وَلَكِن إِذا قُلْنَا إِنَّه عليه السلام إِنَّمَا بعث فِي الْألف الآخر بَعْدَمَا مَضَت مِنْهُ سنُون ونظرنا إِلَى الْحُرُوف الْمُقطعَة فِي أَوَائِل السُّور وجدناها أَرْبَعَة عشر حرفا يجمعها قَوْلك ألم يسطع نَص حق كره ثمَّ تَأْخُذ الْعدَد على حِسَاب أبي جاد فَيَجِيء تِسْعمائَة وَثَلَاثَة

وَلم يسم الله تَعَالَى أَوَائِل السُّور إِلَّا هَذِه الْحُرُوف فَلَيْسَ يبعد أَن يكون من بعض مقتضياتها وَبَعض فوائدها الْإِشَارَة إِلَى هَذَا الْعدَد من السنين لما قدمْنَاهُ من حَدِيث الْألف السَّابِع الَّذِي بعث عليه السلام فِيهِ

غير أَن الْحساب يحْتَمل أَن يكون من مبعثه أَو من وَفَاته أَو من هجرته وكل قريب بعضه من بعض فقد جَاءَ أشراطها وَلَكِن لَا تَأْتيكُمْ إِلَّا بَغْتَة

وَقد رُوِيَ أَنه عليه السلام قَالَ إِن أَحْسَنت أمتِي فبقاءها يَوْم من أَيَّام الْآخِرَة وَذَلِكَ ألف سنة وَإِن أساءت فَنصف يَوْم فَفِي الحَدِيث تتميم للْحَدِيث الْمُتَقَدّم وَبَيَان لَهُ إِذْ انْقَضتْ الْخَمْسمِائَةِ وَالْأمة بَاقِيَة

قَالَ ابْن خلدون قلت وَكَونه لَا يبعد لَا يَقْتَضِي ظُهُوره وَلَا التعويل عَلَيْهِ وَالَّذِي حمل السُّهيْلي على ذَلِك إِنَّمَا هُوَ مَا وَقع فِي كتاب السّير لِابْنِ اسحق فِي حَدِيث ابْني أَخطب من أَحْبَار الْيَهُود وهما أَبُو يَاسر وَأَخُوهُ حبي حِين سمعا من الأحرف الْمُقطعَة ألم وتأولاها على بَيَان الْمدَّة بِهَذَا الْحساب فبلغت إِحْدَى وَسبعين فاستقلا الْمدَّة وَجَاء حبي إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم يسْأَله هَل مَعَ هَذَا غَيره فَقَالَ المص ثمَّ اسْتَزَادَ المر ثمَّ اسْتَزَادَ المر فَكَانَت إِحْدَى وَسبعين وَمِائَتَيْنِ فاستطال الْمدَّة وَقَالَ قد لبس علينا أَمرك يَا مُحَمَّد حَتَّى لَا نَدْرِي أقليلا أَعْطَيْت أم كثيرا ثمَّ ذَهَبُوا عَنهُ

وَقَالَ لَهُم أَبُو يَاسر مَا يدريكم لَعَلَّه أعْطى عَددهَا كلهَا تِسْعمائَة وَأَرْبع سِنِين

ص: 60

قَالَ ابْن اسحق فَنزل قَوْله تَعَالَى {مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشابهات} انْتهى

وَلَا يقوم من الْقِصَّة دَلِيل على تَقْدِير الْملَّة بِهَذَا الْعدَد لِأَن دلَالَة هَذِه الْحُرُوف على تِلْكَ الْأَعْدَاد لَيست طبيعية وَلَا عقلية وَإِنَّمَا هِيَ بالتواضع والأصطلاح الَّذِي يسمونه حِسَاب الْجمل نعم إِنَّه قديم مَشْهُور وَقدم الِاصْطِلَاح لَا يصير حجَّة وَلَيْسَ أَبُو يَاسر وَأَخُوهُ حبي من يُؤْخَذ رَأْيه فِي ذَلِك دَلِيلا وَلَا من عُلَمَاء الْيَهُود لأَنهم كَانُوا بادية بالحجاز غفلا عَن الصَّنَائِع والعلوم حَتَّى عَن علم شريعتهم وَفقه كِتَابهمْ وملتهم وَإِنَّمَا يتلقفون مثل هَذَا الْحساب كَمَا تتلقفه الْعَوام فِي كل مِلَّة فَلَا ينْهض لِلسُّهَيْلِي دَلِيل على مَا ادَّعَاهُ من ذَلِك انْتهى كَلَامه

وَقَالَ شَاذان الْبَلْخِي المنجم مُدَّة مِلَّة الْإِسْلَام ثَلَاثمِائَة وَعشر سِنِين وَقد ظهر كذب قَوْله وَللَّه الْحَمد

وَقَالَ أَبُو معشر يظْهر بعد الْمِائَة وَالْخمسين من سني الْهِجْرَة اخْتِلَاف كثير وَلم يَصح ذَلِك

وَقَالَ حراس إِن المنجمين أخبروا كسْرَى أنو شيروان بتملك الْعَرَب وَظُهُور النُّبُوَّة فيهم وَأَن دليلهم الزهرة وَهِي فِي شرفها والزهرة دَلِيل الْعَرَب فَتكون مُدَّة ملك نبوتهم ألفا وَسِتِّينَ سنة وَلِأَن طالع الْقُرْآن الدَّال على ذَلِك برج الْمِيزَان والزهرة صاحبته فِي شرفها

قَالَ وَسَأَلَ كسْرَى وزيره بزرجمهر عَن ذَلِك فَأعلمهُ أَن الْملك يخرج من فَارس وينتقل إِلَى الْعَرَب وَتَكون ولادَة الْقَائِم بامرة الْعَرَب بِخمْس وَأَرْبَعين سنة من وَقت الْقرَان وَأَن الْعَرَب تملك الْمشرق وَالْمغْرب من أجل أَن المُشْتَرِي دَلِيل فَارس قد قبل تَدْبِير الزهرة دَلِيل الْعَرَب وَالْقرَان قد انْتقل من الْمُثَلَّثَة المائية إِلَى برج الْعَقْرَب مِنْهَا وَهُوَ دَلِيل الْعَرَب أَيْضا وَهَذِه الْأَدِلَّة تَقْتَضِي بَقَاء الْملَّة الإسلامية بِقدر دور الزهرة وَهُوَ ألف وَسِتُّونَ سنة شمسية

ص: 61

وَسَأَلَ كسْرَى أبرويز أليوس الْحَكِيم عَن ذَلِك فَقَالَ مثل قَول بزرجمهر

وَقَالَ نفَيْل الرُّومِي وَكَانَ فِي أَيَّام بني أُميَّة تبقى مِلَّة الْإِسْلَام بِقدر مُدَّة الْقرَان الْكَبِيرَة وَهِي تِسْعمائَة وَسِتُّونَ سنة شمسية فَإِذا عَاد الْقُرْآن بعد هَذِه الْمدَّة إِلَى برج الْعَقْرَب كَمَا كَانَ فِي ابْتِدَاء الْملَّة وَتغَير وضع تشكيل الْفلك عَن هيأته فِي الِابْتِدَاء فَحِينَئِذٍ يفتر الْعَمَل ويتجدد مَا يُوجب خلاف الظَّن

قَالَ وَاتَّفَقُوا أَن خراب الْعَالم يكون باستيلاء المَاء وَالنَّار حَتَّى تهْلك المكونات بأسرها وَذَلِكَ إِذا قطع قلب الْأسد أَرْبعا وَعشْرين دَرَجَة من برج الْأسد الَّذِي هُوَ حد المريخ بعد تِسْعمائَة وَسِتِّينَ سنة شمسية من قرَان الْملَّة

وَيُقَال إِن ملك زابلستان وَهِي عزبة بعث إِلَى عبد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَأْمُون بِحَكِيم اسْمه ددبان فِي جملَة هَدِيَّة فأعجب بِهِ الْمَأْمُون وَسَأَلَهُ عَن ملك بني الْعَبَّاس فَأخْبرهُ بِخُرُوج الْملك عَن عقبه واتصاله فِي عقب أَخِيه وَأَن الْعَجم تغلبهم فيتغلب الديلم أَولا فِي دولة سنة خمسين ثمَّ يسوء حَالهم حَتَّى يظْهر التّرْك من شمال الْمشرق فيملكون الْفُرَات وَالروم وَالشَّام فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون من أَيْن لَك هَذَا قَالَ من كتب الْحُكَمَاء وَمن أَحْكَام صصه بن داهر الْهِنْدِيّ الَّذِي وضع الشطرنج قلت وَالتّرْك الَّذين أَشَارَ إِلَى ظُهُورهمْ بعد الديلم هم السلجوقية وَقد انْقَضتْ دولتهم أول الْقرَان السَّابِع

وَقَالَ يَعْقُوب بن اسحاق الْكِنْدِيّ مُدَّة مِلَّة الْإِسْلَام سِتّمائَة وَثَلَاث وَتسْعُونَ سنة وَوَقع فِي الْملَّة حدثان دولتها على الْخُصُوص مُسْند من الْأَثر الإجمالي فِي حَدِيث خرجه أَبُو دَاوُد عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ وَالله مَا أَدْرِي أنسي أَصْحَابِي أم تناسوه وَالله مَا ترك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَائِد فتْنَة إِلَى أَن تَنْقَضِي الدُّنْيَا يبلغ من مَعَه ثَلَاثمِائَة فَصَاعِدا إِلَّا قد سَمَّاهُ لنا باسمه وإسم أَبِيه وقبيلته

ص: 62

وَسكت عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد وَمَا سكت عَلَيْهِ فَهُوَ صَالح وَهَذَا الحَدِيث إِذا كَانَ صَحِيحا فَهُوَ مُجمل ويفتقر فِي بَيَان إجماله وَتَعْيِين مبهماته إِلَى آثَار أُخْرَى يجود أسانيدها وَقد وَقع إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث فِي غير كتاب السّنَن على غير هَذَا الْوَجْه فَوَقع فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث حُذَيْفَة أَيْضا قَالَ قَامَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِينَا خَطِيبًا فَمَا ترك شَيْئا يكون فِي نَسيَه مقَامه ذَاك إِلَى قيام السَّاعَة إِلَّا حدث عَنهُ حفظه من حفظه ونسيه من قد علمه أَصْحَابه هَؤُلَاءِ وَلَفظ البُخَارِيّ مَا ترك شَيْئا إِلَى قيام السَّاعَة إِلَّا ذكره

وَفِي كتاب التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمًا صَلَاة الْعَصْر بنهار ثمَّ قَامَ خَطِيبًا فَلم يدع شَيْئا يكون إِلَى قيام السَّاعَة إِلَّا أخبرنَا بِهِ حفظه من حفظه ونسيه من نَسيَه وَهَذِه الْأَحَادِيث كلهَا مَحْمُولَة على مَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ من أَحَادِيث الْفِتَن والإشراط لَا غير لإنه الْمَعْهُود من الشَّارِع صلى الله عليه وسلم فِي أَمْثَال هَذِه العمومات وَهَذِه الزِّيَادَة الَّتِي تفرد بهَا أَبُو دَاوُد فِي هَذَا الطَّرِيق شَاذَّة مُنكرَة مَعَ أَن الْأَئِمَّة اخْتلفُوا فِي رِجَاله فتضعف هَذِه الزِّيَادَة الَّتِي وَقعت لأبي دَاوُد فِي هَذَا الحَدِيث من هَذِه الْجِهَات مَعَ شذوذها

وَقَالَ الْحَافِظ الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن سعيد بن حزم وَأما اخْتِلَاف النَّاس فِي التَّارِيخ فَإِن الْيَهُود يَقُولُونَ الدُّنْيَا أَرْبَعَة آلَاف سنة وَالنَّصَارَى يَقُولُونَ الدُّنْيَا خَمْسَة آلَاف سنة وَأما نَحن يَعْنِي أهل الْإِسْلَام فَلَا نقطع على علم عدد مَعْرُوف عندنَا

وَمن أدعى فِي ذَلِك سَبْعَة آلَاف أَو أَكثر أَو أقل فقد قَالَ مَا لم يَأْتِ قطّ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِيهِ لَفْظَة تصح بل صَحَّ عَنهُ صلى الله عليه وسلم خِلَافه بل نقطع على أَن للدنيا أمدا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى

قَالَ الله تَعَالَى {مَا أشهدتهم خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَا خلق أنفسهم}

ص: 63

وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا أَنْتُم فِي الْأُمَم قبلكُمْ إِلَّا كالشعرة الْبَيْضَاء فِي الثور الْأسود أَو الشعرة السَّوْدَاء فِي الثور الْأَبْيَض

وَهَذِه نِسْبَة من تدبرها وَعرف مِقْدَار عدد أهل الْإِسْلَام وَنسبَة مَا بِأَيْدِيهِم من معمور الأَرْض وَأَنه الْأَكْثَر علم أَنا لدُنْيَا أمدا لَا يعده إِلَّا الله

وَكَذَلِكَ قَوْله عليه السلام بعثت أَنا والساعة كهاتين وَضم أصبعيه المقدستين السبابَة وَالْوُسْطَى

وَقد جَاءَ النَّص بِأَن السَّاعَة لَا يعلم مَتى تكون إِلَّا الله تَعَالَى لَا أحد سواهُ فصح أَنه صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا عَنى شدَّة الْقرب لَا فضل الْوُسْطَى على السبابَة إِذْ لَو أردنَا ذَلِك لأخذت نِسْبَة مَا بَين الإصبعين وَنسب من طول الْأصْبع فَكَانَ يعلم بذلك مَتى تقوم السَّاعَة وَهَذَا بَاطِل وَأَيْضًا فَكَانَ تكون نسبته صلى الله عليه وسلم إيانا إِلَى من قبلنَا بأننا كالشعرة فِي الثور كذبا ومعاذ الله من ذَلِك فصح انه عليه السلام إِنَّمَا أَرَادَ شدَّة الْقرب وَله صلى الله عليه وسلم مُنْذُ بعث أَرْبَعمِائَة عَام ونيف وَالله تَعَالَى أعلم بِمَا بَقِي للدنيا فَإِذا كَانَ هَذَا الْعدَد الْعَظِيم لَا نِسْبَة لَهُ عِنْدَمَا سلف لقلته وتفاهته بِالْإِضَافَة إِلَى مَا مضى فَهُوَ الَّذِي قَالَه صلى الله عليه وسلم من إننا فِيمَن مضى كالشعرة فِي الثور أَو الرَّقْمَة فِي ذِرَاع الْحمار

وَقد رَأَيْت بِخَط الْأَمِير أبي مُحَمَّد عبد الله بن النَّاصِر قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة الْقرشِي أَنه رأى بِالْهِنْدِ بَلَدا لَهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ ألف سنة

وَقد وجد مَحْمُود بن سبكتكين بِالْهِنْدِ مَدِينَة يؤرخون بأربعمائة ألف سنة

قَالَ أَبُو مُحَمَّد إِلَّا أَن لكل ذَلِك أَولا وَلَا بُد نِهَايَة لم يكن شَيْء من الْعَالم مَوْجُودا قبله وَللَّه الْأَمر من قبل وَمن بعد وَالله أعلم انْتهى

وَهَذَا نَاظر فِي طول أمد الدُّنْيَا وَلَعَلَّ المُرَاد بِهَذِهِ الْمَدِينَة بِالْهِنْدِ بَلْدَة قنوج بزنة سنور الَّتِي فتحهَا السُّلْطَان مَحْمُود وَهِي من الْمَدَائِن الْقَدِيمَة

ص: 64

لمملكة الْهِنْد وَدَار حكومتها وَلَا يعرف بلد أقدم زَمَانا مِنْهَا فِي أَرض الْهِنْد وتتلوها فِي الْقدَم بَلْدَة أجودهيا الَّتِي يُقَال لَهَا الْآن فيض آباد وَهِي بَلْدَة دارسة جدا حَتَّى يُقَال أَن بهَا قبر شِيث بن آدم عليه السلام وَالله أعلم

وقنوج هَذِه كَانَت مسْقط رَأْسِي وملعب أترابي وَمجمع ناسي ومغنى عشيرتي وحامتي وموطن خاصتي وعامتي مُنْذُ ثَلَاثمِائَة سنة تَقْرِيبًا ثمَّ درج الْآبَاء والأمهات فِي خبر كَانَ وَلم يبْقى مِنْهُم أثر وَلَا عيان

(شرقني غربني

أخرجني عَن وطني)

(فَإِن تغيبت بدا

وَإِن بدا غيبني)

فَهِيَ الْيَوْم يلمع وَمَوْضِع بلقع بِمَا حل بهَا من ريب الْمنون وحوادث الدَّرْب الخؤون فَمَاتَ أَهلهَا وَخَربَتْ ديارها وتغيرت أحوالها وَعفى اسْمهَا وَلم يبْقى مِنْهَا إِلَّا رسمها

(وبادوا فَلَا مخبر عَنْهُم

وماتوا جَمِيعًا وَهَذَا الْخَبَر)

(فَمن كَانَ ذَا عِبْرَة فَلْيَكُن

فطينا فَفِي من مضى مُعْتَبر)

(وَكَانَ لَهُم أثر صَالح

فَأَيْنَ هم ثمَّ أَيْن الْأَثر)

وَيُقَال أَنَّهَا من الْمُؤْتَفِكَات وَلَيْسَ بهَا الْآن إِلَّا عوام النَّاس صفر الْأَيْدِي من الْعلم والكمال والصفراء والبيضاء كَأَنَّهُمْ أموات غير أَحيَاء أَو صخور صماء

(وبلدة لَيْسَ بهَا أنيس

إِلَّا اليعافير وَإِلَّا العيس) وَإِلَّا مَا كَانَ يفنيها الْبِلَاد وَكَاد يمحو رسمها الفناء والعدم

(وَمَا النَّاس بِالنَّاسِ الَّذين عهدتهم

وَمَا الدَّار بِالدَّار الَّتِي كنت تعرف)

فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَإِنَّا إِلَى رَبنَا لراغبون هَذَا وَقد ذكرنَا فِي كتَابنَا حجج الْكَرَامَة فِي آثَار الْقِيَامَة كلَاما أبسط من ذَلِك فِي بَيَان أمد الدُّنْيَا وَعمر الْعَالم وطرفا من حَال قنوج وَأَهْلهَا

ص: 65