الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر طرف من تَارِيخ بعض الرُّسُل والأمم الْمَاضِيَة
أعلم أَن للنَّاس فِي الْعَالم مَذَاهِب ثَلَاثَة الْحُدُوث وَهُوَ مَذْهَب أهل الْملَل وَالْمَجُوس وَغَيرهم والقدم الْمُطلق أَي قدم أصُول هَذَا الْعَالم من الأفلاك ومواد العناصر وأنواع صورها على الإتصال بِلَا انْقِطَاع وَهُوَ مَذْهَب الفلاسفة والآباديين وهم قوم من أَوَائِل الْفرس يدعونَ أَن مبدأ نوعهم وقدوة دينهم رجل اسْمه مَه آباد وَأنزل عَلَيْهِ كتاب اسْمه دساتير بِالْفَارِسِيَّةِ والقدم بالنوع والحدوث بالشخص وَهُوَ مَذْهَب الهنود
وَهَذِه الإحتمالات بِعَينهَا تجْرِي فِي نوع الْإِنْسَان إِذا أَقَمْنَا وجود هَذَا النَّوْع على الإتصال مقَام الْوُجُود الشخصي والتجدد فِي الْأَعْيَان مَعَ الإنقطاع مقَام الْقدَم النوعي وعَلى تَقْدِير الْحُدُوث هَذَا النَّوْع الْمَوْجُود مُخْتَلف فِي بدايته على أَقْوَال لَا يُمكن الْجمع بَينهمَا وَأَصْحَاب هَذَا الرَّأْي الْمُسلمُونَ وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَالتّرْك والإفرنج قبل ظُهُور النَّصْرَانِيَّة فيهم والمنقح عِنْد جَمِيع الْيَهُود وَالْمُسْلِمين مَا صور فِي كتابي تَقْوِيم التواريخ وتاريخ بَيت الْمُقَدّس للناصر مجير الدّين عبد الرَّحْمَن العلمي الْحَنْبَلِيّ الْعمريّ صنفه فِي آخر سنة تِسْعمائَة
وَقد وَقع فِي الْكِتَابَيْنِ فِي بعض الْمَوَاضِع تفَاوت قَلِيل تَارَة فِي التَّعَرُّض وَالتّرْك وَتارَة فِي الرقوم وَإِنِّي قد جمعت ذَلِك مَعَ زِيَادَة فَائِدَة على مَا فيهمَا وأشرت إِلَى مَوَاضِع الإختلاف وَجعلت مبدأ التَّارِيخ على مَا فِي الْكِتَابَيْنِ هبوط آدم أبي الْبشر عليه السلام وَالظَّاهِر أَنه وَقت الْخلقَة وَالله أعلم ولكنهما اعتبراه من وَقت الهبوط وَلم يتعرضا لما بَين الْخلقَة
والهبوط من الْمدَّة وَكَذَا صنع غَيرهمَا فِي غَيرهمَا فَأَقُول هبوط آدم أبي الْبشر عليه السلام كَانَ وَقت الْعَصْر يَوْم الْجُمُعَة ثامن شهر نيسان مُطَابق لعاشر الْمحرم فِي جَزِيرَة سرانديب وَإِنَّمَا سمي آدم لِأَنَّهُ خلق من أَدِيم الأَرْض وَخلق الله جسده وَتَركه أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَقيل أَرْبَعِينَ سنة ملقى بِغَيْر روح فَلَمَّا نفخ فِيهِ الرّوح سجد لَهُ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ {إِلَّا إِبْلِيس أَبى واستكبر وَكَانَ من الْكَافرين} وَقَالَ {أَنا خير مِنْهُ خلقتني من نَار وخلقته من طين} وَكَانَ سجودهم لآدَم تَحِيَّة لَا عبَادَة وَكَانَ بِوَضْع الْجَبْهَة على الأَرْض كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم القرآني لَا بالانحناء كَمَا زعم كثير من أهل الْعلم وَالتَّفْسِير
وَعلم الله آدم الْأَسْمَاء كلهَا حَتَّى الْقَصعَة والقصيعة وَخلق الله من ضلعه حَوَّاء زَوجته وَسميت بهَا لِأَنَّهَا خلقت من شَيْء حَيّ فَقَالَ الله {يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة وكلا مِنْهَا رغدا حَيْثُ شئتما وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة فتكونا من الظَّالِمين} فوسوس لَهما الشَّيْطَان وأكلا من الشَّجَرَة الْمنْهِي عَنْهَا {فبدت لَهما سوآتهما وطفقا يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة} وَقَالَ الله {اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عَدو} وَقد اخْتلف أهل الْعلم فِي الْجنَّة الَّتِي كَانَ فِيهَا آدم قبل الهبوط هَل هِيَ على الأَرْض أَو فَوق السَّمَاء على قَوْلَيْنِ ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَي مَوضِع كَانَت من الأَرْض على أَقْوَال وَاسْتدلَّ كل قَائِل بِمَا بدا لَهُ من الْحجَج والأدلة وَأطَال فِي ذَلِك كَمَا ذكره الْحَافِظ بن الْقيم فِي حادي الْأَرْوَاح إِلَى بِلَاد الأفراح
وَالْحق البحت أَنه لم يرد فِي تعْيين تِلْكَ الْجنَّة نَص من الله وَلَا من رَسُوله فِي الْكتاب الْعَزِيز وَلَا فِي السّنة المطهرة حَتَّى يجب الْمصير إِلَيْهِ وَالْقَوْل بِهِ فَالْأولى فِي الْبَاب التَّوَقُّف وَالسُّكُوت وَالْحجّة فِي مثل هَذَا
الْمقَام وَهَذَا المرام دلَالَة الْعبارَة من الْقُرْآن والْحَدِيث دون اقتضائها وإشارتها وَلما هَبَط آدم عليه السلام مِنْهَا إِلَى الأَرْض كَانَ لَهُ ولدان هابيل وقابيل فَقتل الثَّانِي الأول
وَتُوفِّي آدم عليه السلام سنة تِسْعمائَة وَثَلَاثِينَ وَالظَّاهِر أَنه أَرْبَعُونَ سنة لِأَن عمره ألف سنة قمرية وتفاوتها قريب من ثَلَاثِينَ سنة شمسية فَهُوَ بالشمسية تسع وَتسْعُونَ فمدة الْمكْث فِي الْجنَّة أَرْبَعُونَ سنة وَالله أعلم
وَكَانَت ولادَة شِيث لمضي مِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سنة من عمر آدم وَهُوَ وَصِيّ آدم وَتَفْسِيره هبة الله وَإِلَى شِيث تَنْتَهِي أَنْسَاب بني آدم كلهم وَولد لَهُ أنوش لمضي سنة 435 من عمر آدم
وَتقول الصابئة أَنه ولد لَهُ ابْن آخر اسْمه صابىء بن شِيث وَإِلَيْهِ تنْسب الصابئة وَولد لَهُ قينن لمضي سنة 625 من عمر آدم وَولد لَهُ مهلائيل لمضي سنة من عمر آدم
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ أَن آدم عِنْد مَوته كَانَ قد بلغ عدَّة وَلَده وَولد وَلَده أَرْبَعِينَ ألفا وَولد لمهلائيل يرد وَولد ليردخنوخ ولمضي عشْرين سنة من عمر خنوخ توفّي شِيث وعمره تِسْعمائَة واثنتا عشرَة سنة وَكَانَت وَفَاته لمضي سنة ألف وَمِائَة واثنتين وَأَرْبَعين لهبوط آدم عليه السلام
وَفِي تَقْوِيم التواريخ بترك مائَة وأسم شِيث عِنْد الصابئة عاديمون وَولد لخنوخ متوشلح وَتُوفِّي فِي زَمَنه أنوش وَكَانَ لَهُ من الْعُمر تِسْعمائَة وَخَمْسُونَ سنة وَولد لمتوشلح لامخ وَيُقَال لَهُ لامك ولمك وَتُوفِّي فِي زَمَنه قينن وَله تِسْعمائَة وَعشر سِنِين وَأما خنوخ وَهُوَ إِدْرِيس فَإِنَّهُ رفع لما صَار لَهُ من الْعُمر ثَلَاثمِائَة وَخمْس وَسِتُّونَ سنة رَفعه الله إِلَى السَّمَاء فَكَانَ ذَلِك لمضي ثَلَاث عشرَة سنة من عمر لامخ قبل ولادَة نوح بِمِائَة وَخمْس وَسبعين سنة وَسنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَألف من هبوط آدم عليه السلام ونبا الله إِدْرِيس الْمَذْكُور وانكشفت لَهُ الْأَسْرَار السماوية وَله صحف مِنْهَا لَا ترموا أَن تحيطوا بِاللَّه خبْرَة فَإِنَّهُ أعظم وَأَعْلَى أَن تُدْرِكهُ فطن المخلوقين إِلَّا من آثاره
وَأما متوشلح بن إِدْرِيس فَإِنَّهُ توفّي لمضي سِتّمائَة من عمر نوح وَذَلِكَ عِنْد ابْتِدَاء مَجِيء الطوفان وَكَانَ عمره 969 وَولد للامخ نوح وَكَانَت وِلَادَته بعد أَن مُضِيّ ألف وسِتمِائَة وَاثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ سنة من هبوط آدم وَتُوفِّي فِي زَمَنه مهلائيل وَكَانَ لَهُ من الْعُمر 895 وَأَيْضًا يرد وعمره 926 وَلما صَار لنوح خَمْسمِائَة سنة من الْعُمر ولد لَهُ سَام وَحَام وَيَافث وَلما مضى من عمر نوح سِتّمائَة سنة كَانَ الطوفان وَذَلِكَ لمضي أَلفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ واثنتين وَأَرْبَعين سنة من هبوط آدم وعاش بعد الطوفان ثَلَاثمِائَة وَخمسين سنة فَكَانَت جملَة ذَلِك تِسْعمائَة وَخمسين سنة ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما وَهَذَا نَص الْمُصحف الْكَرِيم وَكَذَا وَقع التَّوْرَاة بِعَيْنِه
قَالَ ابْن الْكثير فِي الْكَامِل أَن الله تَعَالَى أرسل نوحًا إِلَى قومه وَقد اخْتلف فِي ديانتهم وَأَصَح ذَلِك مَا نطق بِهِ الْكتاب الْعَزِيز بِأَنَّهُم كَانُوا أهل أوثان {وَقَالُوا لَا تذرن آلِهَتكُم وَلَا تذرن ودا وَلَا سواعا وَلَا يَغُوث ويعوق ونسرا وَقد أَضَلُّوا كثيرا} وَصَارَ نوح يَدعُوهُم إِلَى طَاعَة الله وهم لَا يلتفتون وَبَقِي لَا يَأْتِي قرن مِنْهُم إِلَّا كَانَ أَخبث من الَّذِي قبله فَلَمَّا طَال ذَلِك عَلَيْهِ شكاهم إِلَى الله تَعَالَى فَأوحى إِلَيْهِ {أَنه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن} فَلَمَّا يئس مِنْهُم دَعَا عَلَيْهِم فَقَالَ {رب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا} فَأوحى إِلَيْهِ أَن يصنع الْفلك وصنع السَّفِينَة من خشب الساج فَلَمَّا فار التَّنور وَكَانَ هُوَ الْآيَة بَين نوح وَبَين ربه حمل نوح من أَمر الله بِحمْلِهِ وَكَانَ مِنْهُم سَام وَحَام وَيَافث وَنِسَاؤُهُمْ وَقيل حمل أَيْضا سِتَّة أناسى وَقيل ثَمَانِينَ رجلا أحدهم جرهم كلهم من بني شِيث وتخلف عَنهُ ابْنه يام وَكَانَ كَافِرًا وارتفع المَاء وطمى وَجعلت الْفلك تجْرِي بهم فِي موج كالجبال وَعلا المَاء على رُؤُوس الْجبَال خمس عشرَة ذِرَاعا فَهَلَك مَا على وَجه الأَرْض من حَيَوَان ونبات
وَكَانَ بَين أَن أرسل الله المَاء وَبَين أَن غاض سِتَّة أشهر وَعشر لَيَال وَقيل أَن ركُوب نوح فِي الْفلك كَانَ لعشر لَيَال مَضَت من رَجَب وَكَانَ ذَلِك أَيْضا لعشر لَيَال خلت من آب وَخرج من السَّفِينَة يَوْم عَاشُورَاء من الْمحرم وَكَانَ اسْتِقْرَار السَّفِينَة على الجودى من أَرض الْموصل
قَالَ ابْن الْأَثِير وَأما الْمَجُوس فَلَا يعْرفُونَ الطوفان وَكَانَ بَعضهم يقر بِهِ وَيَزْعُم أَنه كَانَ فِي إقليم بابل وَمَا قرب مِنْهُ وَأَن مسَاكِن ولد خيرموت كَانَت بالمشرق فَلم يصل ذَلِك إِلَيْهِم وَكَذَلِكَ جَمِيع الْأُمَم المشرقية من الْهِنْد وَالْفرس والصين لَا يعترفون بِهِ وَبَعض الْفرس يعْتَرف بِهِ وَيَقُول لم يكن عَاما وَلم يَتَعَدَّ عقبه حلوان وَالصَّحِيح أَن جَمِيع أهل الأَرْض من ولد نوح لقَوْله تَعَالَى (وَجَعَلنَا ذُريَّته هم البَاقِينَ) فَجَمِيع النَّاس من ولد سَام وَحَام وَيَافث أَوْلَاد نوح فسام أَبُو الْعَرَب وَفَارِس وَالروم وَحَام أَو السودَان وَيَافث أَبُو التّرْك ويأجوج وَمَأْجُوج والفرنج والقبط من ولد حام بن نوح وَلما مَضَت سنة ثَلَاثمِائَة وَخمسين للطوفان توفّي نوح سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وألفين لهبوط آدم وعمره تِسْعمائَة وَخَمْسُونَ سنة وَهَذَا على أَن المُرَاد بقوله تَعَالَى {فَلبث فيهم ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما} جَمِيع عمره عليه السلام والمتبادر من السباق والسياق أَنه مَا بَين الْبعْثَة والطوفان وَالله أعلم
وَولد لسام ارفخشد بعد الطوفان بِسنتَيْنِ وَولد لَهُ قنين لمضي سنة 137 للطوفان وَولد لَهُ شالخ لمضي سنة 276 من الطوفان وَولد لَهُ عَابِر لمضي سنة 466 للطوفان وَولد لَهُ فانع لمضي 540 للطوفان ثمَّ ولد لفنع رعو وَعند مولده تبلبلت الألسن وَقسمت الأَرْض وَتَفَرَّقَتْ بَنو نوح وَذَلِكَ لمضي 670 للطوفان وَولد لرعو ساروع بعد مُضِيّ سنة 802 وَولد لَهُ ناحور لمضي سنة 932 للطوفان وَولد لَهُ تارخ لمضي إِحْدَى عشرَة وَألف سنة للطوفان وَولد لَهُ إِبْرَاهِيم الْخَلِيل