المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم - لقطة العجلان مما تمس إلى معرفته حاجة الإنسان

[صديق حسن خان]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌خطْبَة الْكتاب

- ‌فَأَما تَارِيخ الخليقة

- ‌وَأما تَارِيخ الطوفان

- ‌وَأما تَارِيخ بخت نصر

- ‌وَأما تَارِيخ فيلبش

- ‌وَأما تَارِيخ الْإِسْكَنْدَر

- ‌وَأما تَارِيخ أغشطش

- ‌وَأما تَارِيخ الظينس

- ‌ذكر السّنة الشمسية والقمرية

- ‌ذكر الْأَيَّام

- ‌ذكر أسابيع الْأَيَّام

- ‌تَارِيخ الْعَرَب

- ‌التَّارِيخ من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة

- ‌ابْتِدَاء تَارِيخ الْهِجْرَة

- ‌تَارِيخ الْفرس

- ‌تَارِيخ الْهِنْد

- ‌تَارِيخ البرطانية

- ‌ذكر ابْتِدَاء الدول والأمم

- ‌وَالْكَلَام على الْمَلَاحِم والكشف عَن مُسَمّى الجفر

- ‌ذكر مَا قيل فِي مُدَّة أَيَّام الدُّنْيَا ماضيها وباقيها

- ‌ذكر أُمَم الْعَالم وَاخْتِلَاف أجيالهم وَالْكَلَام على الْجُمْلَة فِي أنسابهم

- ‌فَأَما سَام

- ‌وَأما يافث

- ‌وَأما حام

- ‌وَأما كنعان بن حام

- ‌ذكر طرف من تَارِيخ بعض الرُّسُل والأمم الْمَاضِيَة

- ‌وَأما سَبَب تبلبل الألسن

- ‌ظُهُور طبقَة الكيانين

- ‌ذكر خراب بَيت الْمُقَدّس

- ‌الْفرس وهم أَربع طَبَقَات

- ‌الأولى

- ‌وَالثَّانيَِة

- ‌وَالثَّالِثَة

- ‌وَالرَّابِعَة

- ‌انتباه أَصْحَاب الْكَهْف من نومهم

- ‌ذكر فَرَاعِنَة مصر

- ‌ذكر الْأُمَم

- ‌أمة القبط

- ‌أمة الْفرس

- ‌أمة اليونان

- ‌أمة الْيَهُود

- ‌أمة النَّصَارَى

- ‌أمة الْهِنْد

- ‌أمة السَّنَد

- ‌أُمَم السودَان

- ‌أُمَم الصين

- ‌بني كنعان

- ‌أمة البربر

- ‌أمة عَاد

- ‌أمة العمالقة

- ‌أُمَم الْعَرَب

- ‌وَأما الْعَرَب العاربة

- ‌الْعَرَب المستعربة

- ‌ مولد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر تَجْدِيد قُرَيْش عمَارَة الْكَعْبَة وَمَا كَانَ من اجْتِمَاع الْعَرَب على الْإِسْلَام بعد الإباية وَالْحَرب

- ‌ذكر مبعث رَسُول صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر تَارِيخ الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة

- ‌التواريخ الْقَدِيمَة

- ‌ذكر اخْتِلَاف التواريخ الْقَدِيمَة

- ‌ذكر نسخ التَّوْرَاة الَّتِي عَلَيْهَا مدَار التواريخ الْقَدِيمَة

- ‌ذكر وَفَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر طرف من هَيْئَة الأفلاك

- ‌ذكر محَاسِن الْفُصُول الْأَرْبَعَة للسّنة على لِسَان الْأَدَب

- ‌ذكر علم الْهَيْئَة

- ‌ذكر صُورَة الأَرْض وَمَوْضِع الأقاليم مِنْهَا

- ‌ذكر المعتدل من الأقاليم والمنحرف

- ‌ذكر الْمَسَاجِد الْعَظِيمَة فِي الْعَالم

- ‌ذكر حكم الصَّلَاة وَالصَّوْم فِي أَرض التسعين

- ‌ذكر حكم الصَّلَاة وَالصَّوْم بِأَرْض البلغار

- ‌ذكر الأَرْض الجديدة

- ‌ذكر فِي التَّارِيخ

- ‌ذكر فضل علم التَّارِيخ وَتَحْقِيق مذاهبه والألماع لما يعرض للمؤرخين من المغالط والأوهام وَذكر شَيْء من أَسبَابهَا

- ‌جيوش بني إِسْرَائِيل

- ‌جيوش الْفرس

- ‌جموع رستم

- ‌تشعب النَّسْل

- ‌أَيَّام سُلَيْمَان

- ‌مُلُوك الْيمن وجزيرة الْعَرَب

- ‌ذَا الأذعار

- ‌تَفْسِير سُورَة الْفجْر

- ‌الرشيد

- ‌يحي بن أَكْثَم

- ‌العبيديين

- ‌دولة مُضر

- ‌الْحجَّاج

- ‌أَحْوَال الْقُضَاة

- ‌فَائِدَة

- ‌قَول ابْن خلدون

- ‌مملكة الْهِنْد

الفصل: ‌ذكر أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم

‌ذكر أُمَم الْعَالم وَاخْتِلَاف أجيالهم وَالْكَلَام على الْجُمْلَة فِي أنسابهم

اعْلَم أَن الله سبحانه وتعالى اعْتَمر هَذَا الْعَالم بخلقه وكرم بني آدم باستخلافهم فِي أرضه وبثهم فِي نَوَاحِيهَا لتَمام حكمته وَخَالف بَين أممهم وأجيالهم إِظْهَارًا لآياته فيتعارفون بالأنساب ويختلفون باللغات والألوان ويتمايزون بالسير والمذاهب والأخلاق ويفترقون بالنحل والأديان والأقاليم والجهات

فَمنهمْ الْعَرَب وَالْفرس وَالروم وَبَنُو إِسْرَائِيل والبربر وَمِنْهُم الصقالبة والحبش والزنج

وَمِنْهُم أهل الْهِنْد والسند وَأهل بابل وَالْيَهُود والصين وَأهل الْيمن وَأهل مصر وَأهل الْمغرب

وَمِنْهُم الْمُسلمُونَ وَالنَّصَارَى وَالْيَهُود والصابئة وَالْمَجُوس وَمِنْهُم أهل الْوَبر وهم أَصْحَاب الْخيام وَالْحلَل وَأهل الْمدر وهم أَصْحَاب المجاشر والقرى والأطم

وَمِنْهُم البدو الظَّوَاهِر والحضر الأهلون

وَمِنْهُم الْعَرَب أهل الْبَيَان والفصاحة والعجم أهل الرطانة بالعبرانية والفارسية والإفريقية واللطينية والبربرية والهندية خَالف أجناسهم وأحوالهم وألسنتهم وألوانهم ليتم أَمر الله تَعَالَى فِي اعتمار أرضه بِمَا يتوزعونه من وظائف الرزق وحاجات المعاش بِحَسب خصوصياتهم ونحلهم

ص: 66

فتظهر آثَار الْقُدْرَة وعجائب الصَّنْعَة وآيات الوحدانية {إِن فِي ذَلِك لآيَات للْعَالمين}

وَأَن الامتياز بِالنّسَبِ أَضْعَف المميزات لهَذِهِ الأجيال والأمم لخفائه واندراسه بدروس الزَّمَان وذهابه وَلِهَذَا كَانَ الِاخْتِلَاف كثيرا مَا يَقع فِي نسب الجيل الْوَاحِد أَو الْأمة الْوَاحِدَة إِذا اتَّصَلت مَعَ الْأَيَّام وتشعب بطونها على الأحقاب كَمَا وَقع فِي نسب كثير من أهل الْعَالم مثل اليونانيين وَالْفرس والبربر وقحطان من الْعَرَب فَإِذا اخْتلفت الْأَنْسَاب وَاخْتلفت فِيهَا الْمذَاهب وتباينت الدَّعَاوَى استظهر كل ناسب على صِحَة مَا ادَّعَاهُ بشواهد الْأَحْوَال والمتعارف من المقارنات فِي الزَّمَان وَالْمَكَان وَمَا يرجع إِلَى ذَلِك من خَصَائِص الْقَبَائِل وسمات الشعوب وَالْفرق الَّتِي تكون فيهم منتقلة متعاقبة فِي بنيهم

وَسُئِلَ مَالك رَحمَه الله تَعَالَى عَن الرجل يرفع نسبه إِلَى آدم فكره ذَلِك وَقَالَ من أَيْن يعلم ذَلِك فَقيل لَهُ فَمن إِسْمَاعِيل فَأنْكر ذَلِك وَقَالَ من يُخبرهُ بِهِ

وعل هَذَا درج كثير من عُلَمَاء السّلف وَكره أَيْضا أَن يرفع فِي أَنْسَاب الْأَنْبِيَاء مثل أَن يُقَال إِبْرَاهِيم بن فلَان بن فلَان وَقَالَ من يُخبرهُ بِهِ وَكَانَ بَعضهم إِذا تَلا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين من بعدهمْ لَا يعلمهُمْ إِلَّا الله} قَالَ كذب النسابون وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه صلى الله عليه وسلم لما بلغ نسبه الْكَرِيم إِلَى عدنان قَالَ من هَاهُنَا كذب النسابون وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِمَا ثَبت فِيهِ أَنه علم لَا ينفع وجهالة لَا تضر إِلَى غير ذَلِك من الاستدلالات

وَذهب كثير من أَئِمَّة الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء مثل ابْن اسحق والطبري وَالْبُخَارِيّ إِلَى جَوَاز الرّفْع فِي الْأَنْسَاب وَلم يكرهوه محتجين بِعَمَل السّلف فقد كَانَ أَبُو بكر رضي الله عنه أنسب قُرَيْش لقريش وَمُضر بل ولسائر

ص: 67

الْعَرَب وَكَذَا ابْن عَبَّاس وَجبير بن مطعم وَعقيل بن أبي طَالب وَكَانَ من بعدهمْ ابْن شهَاب وَالزهْرِيّ وَابْن سِيرِين وَكثير من التَّابِعين

قَالُوا وَتَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ فِي كثير من الْمسَائِل الشَّرْعِيَّة مثل تعصيب الوراثة ولَايَة النِّكَاح والعاقلة فِي الدِّيات وَالْعلم بِنسَب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَنه الْقرشِي الْهَاشِمِي الَّذِي كَانَ بِمَكَّة وَهَاجَر إِلَى الْمَدِينَة فَإِن هَذَا من فروض الْإِيمَان وَلَا يعْذر الْجَاهِل بِهِ وَكَذَا الْخلَافَة عِنْد من يشْتَرط النّسَب فِيهَا وَكَذَا من يفرق فِي الْحُرِّيَّة والاسترقاق بَين الْعَرَب والعجم فَهَذَا كُله يَدْعُو إِلَى معرفَة الْأَنْسَاب ويؤكد فضل هَذَا الْعلم وشرفه فَلَا يَنْبَغِي أَن يكون مَمْنُوعًا

وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس من هَاهُنَا كذب النسابون يَعْنِي من عدنان فقد أنكر السُّهيْلي رِوَايَته من طَرِيق ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا وَقَالَ الْأَصَح أَنه مَوْقُوف على ابْن مَسْعُود وَخرج السُّهيْلي عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ معد بن عدنان بن أدد بن زيد بن الْبري بن اعراق الثرى

قَالَ وفسرت أم سَلمَة زيدا بِأَنَّهُ الهميسع والبري أَنه نبت أَو نابت واعراق الثرى بِأَنَّهُ إِسْمَاعِيل وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم وَإِبْرَاهِيم لم تَأْكُله النَّار كَمَا لَا تَأْكُل الثرى

ورد السُّهيْلي تَفْسِير أم سَلمَة وَهُوَ الصَّحِيح وَقَالَ إِنَّمَا مَعْنَاهُ معنى قَوْله صلى الله عليه وسلم كلكُمْ بَنو آدم وآدَم من تُرَاب لَا يُرِيد أَن الهيسع وَمن دونه ابْن لإسماعيل لصلبه وعضد ذَلِك فِي بِاتِّفَاق الْأَخْبَار على بعد الْمدَّة بَين عدنان وَإِسْمَاعِيل الَّتِي تستحيل فِي الْعَادة أَن يكون فِيمَا بَينهَا أَرْبَعَة آبَاء أوسبعة أَو عشرَة أَو عشرُون لِأَن الْمدَّة أطول من هَذَا كُله كَمَا ذكر فِي نسب عدنان فَلم يبْق فِي الحَدِيث متمسك لأحد من الْفَرِيقَيْنِ

وَأما مَا رَوَوْهُ من أَن النّسَب علم لَا ينفع وجهالة لَا تضر فقد ضعف الْأَئِمَّة رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم مثل الْجِرْجَانِيّ وَأبي مُحَمَّد بن الحزم وَأبي عمر بن عبد الْبر

وَالْحق فِي الْبَاب أَن كل وَاحِد من المذهبين لَيْسَ على إِطْلَاقه فَإِن

ص: 68

الْأَنْسَاب الْقَرِيبَة الَّتِي يُمكن التَّوَصُّل إِلَى مَعْرفَتهَا لَا يضر الإشتغال بهَا لدعوى الْحَاجة إِلَيْهَا فِي الْأُمُور الشَّرْعِيَّة من التَّعْصِيب وَالْولَايَة والعاقلة وَفرض الْإِيمَان بِمَعْرِِفَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَنسب الْخلَافَة والتفرقة بَين الْعَرَب والعجم فِي الْحُرِّيَّة والإسترقاق عِنْد من يشْتَرط ذَلِك كَمَا مر كُله

وَفِي الْأُمُور العادية أَيْضا تثبت بِهِ اللحمة الطبيعية الَّتِي يكون بهَا المدافعة والمطالبة وَمَنْفَعَة ذَلِك فِي إِقَامَة الْملك وَالدّين ظَاهِرَة

وَقد كَانَ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه ينسبون إِلَى مُضر ويتساءلون عَن ذَلِك وَرُوِيَ عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ تعلمُوا من أنسابكم مَا تصلونَ بِهِ أَرْحَامكُم

وَهَذَا كُله ظَاهر فِي النّسَب الْقَرِيب وَأما الْأَنْسَاب الْبَعِيدَة الْعسرَة الْمدْرك الَّتِي لَا يُوقف عَلَيْهَا إِلَّا بالشواهد والمقارنات لبعد الزَّمَان وَطول الأحقاب إِذْ لَا يُوقف عَلَيْهَا رَأْسا لدروس الأجيال فَهَذَا قد يَنْبَغِي أَن يكون لَهُ وَجه فِي الْكَرَاهَة كَمَا ذهب إِلَيْهِ من ذهب من أهل الْعلم مثل مَالك وَغَيره لِأَنَّهُ شغل الْإِنْسَان بِمَا لَا يعنيه وَهَذَا وَجه قَوْله صلى الله عليه وسلم فِيمَا بعد عدنان من هُنَا كذب النسابون لِأَنَّهَا أحقاب متطاولة ومعالم دراسة لَا تثلج الصُّدُور بِالْيَقِينِ فِي شَيْء مِنْهَا مَعَ أَن علمهَا لَا ينفع وجهلها لَا يضر كَمَا نقل وَالله الْهَادِي إِلَى الصَّوَاب

ولنأخذ الْآن فِي الْكَلَام أَنْسَاب الْعَالم على الْجُمْلَة ونترك تَفْصِيل كل وَاحِد مِنْهَا إِلَى مَكَانَهُ

فَنَقُول إِن النسابين كلهم اتَّفقُوا على أَن الْأَب الأول للخليقة فَهُوَ آدم عليه السلام كَمَا وَقع فِي التَّنْزِيل إِلَّا مَا يذكرهُ ضعفاء الإخباريين من أَن الحن والطم أمتان كَانَتَا فِيمَا زَعَمُوا من قبل آدم وَهُوَ ضَعِيف مَتْرُوك وَلَيْسَ لدينا من أَخْبَار آدم وَذريته إِلَّا مَا وَقع فِي الْمُصحف الْكَرِيم وَهُوَ مَعْرُوف بَين الْأَئِمَّة وَاتَّفَقُوا على أَن الأَرْض عمرت بنسله أحقابا وأجيالا بعد أجيال إِلَى عصر نوح عليه السلام وَأَنه كَانَ فيهم أَنْبيَاء مثل شِيث وادريس وملوك فِي تِلْكَ الأجيال معدودون وَطَوَائِف مَشْهُورُونَ

ص: 69

بالنحل مثل الكلدانين وَمَعْنَاهُ الموحدون وَمثل السريانيين وهم الْمُشْركُونَ وَزَعَمُوا أَن أُمَم الصائبة مِنْهُم وَأَنَّهُمْ من ولد صابىء بن لمك بن أَخْنُوخ وَكَانَ نحلتهم فِي الْكَوَاكِب وَالْقِيَام لهياكلها واستنزال روحانيتها وَأَن من حزبهم الكلدانين أَي الْمُوَحِّدين

وَقد ألف أَبُو إِسْحَاق الصابىء الْكَاتِب مقَالَة فِي أنسابهم ونحلتهم وَذكر أخبارهم أَيْضا داهر مؤرخ السريانيين والبابا الصابىء الْحَرَّانِي وَذكروا استيلاءهم على الْعَالم وجملا من نواميسهم وَقد اندرسوا وَانْقطع أَثَرهم

وَقد يُقَال أَن السريانيين من أهل تِلْكَ الأجيال وَكَذَلِكَ النمرود والأزدهاق وَهُوَ الْمُسَمّى بِالضحاكِ من مُلُوك الْفرس وَلَيْسَ ذَلِك بِصَحِيح عِنْد الْمُحَقِّقين وَاتَّفَقُوا على أَن الطوفان الَّذِي كَانَ فِي زمن نوح وبدعوته ذهب بعمران الأَرْض أجمع بِمَا كَانَ من خراب الْمَعْمُور وَهلك الَّذين ركبُوا مَعَه فِي السَّفِينَة وَلم يعقبوا فَصَارَ أهل الأَرْض كلهم من نَسْله وَعَاد أَبَا ثَانِيًا للخليقة وَهُوَ نوح بن لامك وَيُقَال لمك بن متوشلح بن أَخْنُوخ وَيُقَال أَخْنُوخ وَيُقَال أشنخ وَيُقَال أخنخ وَهُوَ إِدْرِيس النَّبِي فِيمَا قَالَه ابْن إِسْحَاق بن برد وَيُقَال بيرد بن مهلائيل وَيُقَال ماهلايل ابْن قاين وَيُقَال قينن بن أنوش وَيُقَال يانش بن شِيث بن آدم وَمعنى شِيث عَطِيَّة الله هَكَذَا نسبه ابْن إِسْحَاق وَغَيره من الْأَئِمَّة وَكَذَا وَقع فِي التَّوْرَاة نسبه وَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلَاف بَين الْأَئِمَّة

وَنقل ابْن إِسْحَاق أَن خنوخ الْوَاقِع اسْمه فِي هَذَا النّسَب هُوَ ادريس النَّبِي وَهُوَ خلاف مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَر من النسابين فَإِن ادريس عِنْدهم لَيْسَ بجد لنوح وَلَا فِي عَمُود نسبه

وَقد زعم الْحُكَمَاء الأقدمون أَيْضا أَن إِدْرِيس هُوَ هرمس الْمَشْهُور بِالْإِمَامَةِ فِي الْحِكْمَة عِنْدهم

وَكَذَلِكَ يُقَال أَن الصائبية من ولد صابىء بن لامك وَهُوَ أَخُو نوح وَقيل أَن صابىء متوشلخ جده

ص: 70

وَاعْلَم أَن الْخلاف الَّذِي فِي ضبط هَذِه الْأَسْمَاء إِنَّمَا عرض فِي مخارج الْحُرُوف فَإِن هَذِه الْأَسْمَاء إِنَّمَا أَخذهَا الْعَرَب من أهل التَّوْرَاة ومخارج الْحُرُوف فِي لغتهم غير مخارجها فِي لُغَة الْعَرَب فَإِذا وَقع الْحَرْف متوسطا بَين حرفين من لُغَة الْعَرَب فَتَردهُ الْعَرَب تَارَة إِلَى هَذَا وَتارَة إِلَى هَذَا وَكَذَلِكَ إشباع الحركات فد تحذفه الْعَرَب إِذا نقلت كَلَام الْعَجم فَمن هَهُنَا اخْتلف الضَّبْط فِي هَذِه الْأَسْمَاء

وَاعْلَم أَن الْفرس والهند لَا يعْرفُونَ الطوفان وَبَعض الْفرس يَقُولُونَ كَانَ بِبَابِل فَقَط وَأَن آدم هُوَ كيومرت وَهُوَ نِهَايَة نسبهم فِيمَا يَزْعمُونَ وَأَن افريدون الْملك فِي آبَائِهِم هُوَ نوح وَأَنه بعث لازدهاق وَهُوَ الضَّحَّاك فلبسه الْملك وَقَبله كَمَا ذَكرُوهُ فِي أخبارهم وَقد تترجح صِحَة هَذِه الْأَنْسَاب من التَّوْرَاة وَكَذَلِكَ قصَص الْأَنْبِيَاء الأقدمين إِذْ أخذت عَن مُسْلِمِي يهود أَو من نسخ صَحِيحَة من التَّوْرَاة ويغلب على الظَّن صِحَّتهَا وَقد وَقعت الْعِنَايَة فِي التَّوْرَاة بِنسَب مُوسَى عليه السلام وَإِسْرَائِيل وشعوب الأسباط وَنسب مَا بَينهم وَبَين آدم صلوَات الله عَلَيْهِ وَالنّسب والقصص أَمر لَا يدْخلهُ النّسخ فَلم يبْق تحري النّسخ الصَّحِيحَة وَالنَّقْل الْمُعْتَبر

وَأما مَا يُقَال من أَن علماءهم بدلُوا مَوَاضِع من التَّوْرَاة بِحَسب أغراضهم فِي ديانتهم فقد قَالَ ابْن عَبَّاس على مَا نقل عَنهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه أَن ذَلِك بعيد وَقَالَ معَاذ الله أَن تعمد أمة من الْأُمَم إِلَى كتابها الْمنزل على نبيها فتبدله أَو مَا فِي مَعْنَاهُ قَالَ وَإِنَّمَا بدلوه وحرفوه بالتأويل وَيشْهد لذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَعِنْدهم التَّوْرَاة فِيهَا حكم الله} وَلَو بدلُوا من التَّوْرَاة ألفاظها لم يكن عِنْدهم التَّوْرَاة الَّتِي فِيهَا حكم الله وَمَا وَقع فِي الْقُرْآن الْكَرِيم من نِسْبَة التحريف والتبديل فِيهَا إِلَيْهِم فَإِنَّمَا الْمَعْنى بِهِ التَّأْوِيل اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يطرقها التبديل فِي الْكَلِمَات على طَرِيق الْغَفْلَة وَعدم الضَّبْط وتحريف من لَا يحسن الْكِتَابَة بنسخها فَذَلِك يُمكن فِي الْعَادة ولاسيما وملكهم قد ذهب وجماعتهم انتشرت فِي الْآفَاق واستوى الضَّابِط مِنْهُم وَغير الضَّابِط والعالم وَالْجَاهِل وَلم يكن وازع

ص: 71