الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرشيد للبرامكة من قصَّة العباسة أُخْته مَعَ جَعْفَر بن يحي بن خَالِد مَوْلَاهُ وهيهات ذَلِك من منصب العباسة فِي دينهَا وأبويها وجلالها وَأَنَّهَا بنت عبد الله ابْن عَبَّاس لَيْسَ بَينهَا وَبَينه إِلَّا أَرْبَعَة رجال هم أَشْرَاف الدّين وَعُظَمَاء الْملَّة من بعده وَإِنَّمَا نكب البرامكة مَا كَانَ من استبدادهم على الدولة واحتجابهم أَمْوَال الجباية
يحي بن أَكْثَم
ويناسب هَذَا أَو قريب مِنْهُ مَا ينقلونه كَافَّة عَن يحي بن أَكْثَم قَاضِي الْمَأْمُون وَصَاحبه وَأَنه كَانَ يعاقر الْمَأْمُون الْخمر مَعَ أَن يحي كَانَ من علية أهل الحَدِيث وَقد أثنى عَلَيْهِ أَحْمد وَإِسْمَاعِيل القَاضِي وَخرج عَنهُ التِّرْمِذِيّ وروى عَنهُ البُخَارِيّ فِي غير الْجَامِع فالقدح فِيهِ قدح فِي جَمِيعهم وَذكره ابْن حَيَّان فِي الثقاة وَقَالَ لَا يشْتَغل بِمَا يحْكى عَنهُ لِأَن أَكْثَرهَا لَا يَصح عَنهُ
وَمن أَمْثَال هَذِه الحكايات مَا نَقله ابْن عبد ربه صَاحب العقد من حَدِيث الزنبيل فِي سَبَب أَصْهَار الْمَأْمُون إِلَى الْحسن بن سهل فِي بنته بوران
العبيديين
وَمن الْأَخْبَار الْوَاهِيَة مَا يذهب إِلَيْهِ الْكثير من المؤرخين وَالْإِثْبَات فِي العبيديين خلفاء الشِّيعَة فِي القيروان والقاهرة من نفيهم عَن أهل الْبَيْت والطعن فِي نسبهم إِلَى إِسْمَاعِيل الإِمَام ابْن جَعْفَر الصَّادِق يعتمدون فِي ذَلِك على أَحَادِيث لفقت للمستضعفين من خلفاء بني الْعَبَّاس تزلفا إِلَيْهِم بالقدح فِيمَن ناصبهم وتفننا فِي الشمات بعدوهم ويغفلون عَن التفطن لشواهد الْوَاقِعَات وأدلة الْأَحْوَال الَّتِي اقْتَضَت خلاف ذَلِك من تَكْذِيب دَعوَاهُم وَالرَّدّ عَلَيْهِم كَمَا بَينهَا ابْن خلدون
وَاعْتبر حَال القرمطي إِذْ كَانَ دعيا فِي انتسابه كَيفَ تلاشت دَعوته وَتَفَرَّقَتْ أَتْبَاعه وَظهر سَرِيعا على خبثهمْ ومكرهم فَسَاءَتْ عاقبتهم
وذاقوا وبال أَمرهم وَلَو كَانَ أَمر العبيديين كَذَلِك لعرف وَلَو بعد مهلة
(وَمهما يكن عِنْد امْرِئ من خَلِيقَة
…
وَإِن خالها تخفى على النَّاس تعلم)
فقد اتَّصَلت دولتهم نَحوا من مِائَتَيْنِ وَسبعين سنة وملكوا مقَام إِبْرَاهِيم وَمُصَلَّاهُ وموطن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم ومدفنه وموقف الحجيج ومهبط الْمَلَائِكَة ثمَّ انقرض أَمرهم وشيعتهم فِي ذَلِك كُله على أتم مَا كَانُوا عَلَيْهِ من الطَّاعَة لَهُم وَالْحب فيهم واعتقادهم بِنسَب الإِمَام إِسْمَاعِيل وَالْعجب من القَاضِي أبي بكر الباقلاني شيخ النظار من الْمُتَكَلِّمين بجنح إِلَى هَذِه الْمقَالة المرجوحة وَيرى هَذَا الرَّأْي الضَّعِيف فَإِن كَانَ ذَلِك لما كَانُوا عَلَيْهِ من الْإِلْحَاد فِي الدّين والتعمق فِي الرافضية فَلَيْسَ ذَلِك بدافع فِي صدر دعوتهم وَلَيْسَ إِثْبَات منتسبهم بِالَّذِي بغني عَنْهُم من الله شَيْئا فقد قَالَ تَعَالَى لنوح عليه السلام فِي شان ابْنه {إِنَّه لَيْسَ من أهلك إِنَّه عمل غير صَالح فَلَا تسألن مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لفاطمة يعظها يَا فَاطِمَة اعملي فَلَنْ أُغني عَنْك من الله شَيْئا وَمَتى عرف أَمر وَقَضِيَّة أَو استيقن أمرا وَجب عَلَيْهِ أَن يصدع بِهِ وَالله يَقُول الْحق وَهُوَ يهدي السَّبِيل وَقد أَطَالَ ابْن خلدون فِي بَيَان صِحَة نسبهم إِلَى أهل الْبَيْت فَمن شَاءَ فَليرْجع إِلَى كَلَامه
وَيلْحق بِهَذِهِ المقالات الْفَاسِدَة مَا يتَنَاوَلهُ ضعفة الرَّأْي من فُقَهَاء الْمغرب من الْقدح فِي الإِمَام الْمهْدي صَاحب دولة الْمُوَحِّدين ونسبته إِلَى الشعوذة والتلبيس فِيمَا أَتَاهُ من الْقيام بِالتَّوْحِيدِ الْحق والنعي على أهل الْبَغي وتكذيبهم لجَمِيع مدعياته فِي ذَلِك حَتَّى فِيمَا يزْعم الموحدون أَتْبَاعه من انتسابه فِي أهل الْبَيْت وَإِنَّمَا حمل الْفُقَهَاء على تَكْذِيبه مَا كمن فِي أنفسهم من حسده على شَأْنه فَإِنَّهُم لما رَأَوْا من أنفسهم مناهضة فِي الْعلم وانقيادا فِي الدّين بزعمهم ثمَّ امتاز عَنْهُم بِأَنَّهُ متبوع الرَّأْي مسموع القَوْل موطأ الْعقب نفسوا ذَلِك عَلَيْهِ وغضوا مِنْهُ بالقدح فِي مذاهبه والتكذيب لمدعياته
وَمَا ظَنك بِرَجُل نقم على أهل الدولة مَا نقم من أَحْوَالهم وَخَالف اجْتِهَاده فقهاءهم فَنَادَى فِي قومه ودعا إِلَى جهادهم بِنَفسِهِ فاقتلع الدولة من أُصُولهَا وَجعل عاليها سافلها أعظم مَا كَانَت قُوَّة وَأَشد شَوْكَة وأعز أنصارا وحامية وتساقطت فِي ذَلِك من أَتْبَاعه نفوس لَا يحصيها إِلَّا خَالِقهَا قد بَايعُوهُ على الْمَوْت ووقوه بِأَنْفسِهِم من الهلكة وتقربوا إِلَى الله بِإِتْلَاف مهجهم فِي إِظْهَار تِلْكَ الدعْوَة والتعصب لتِلْك الْكَلِمَة حَتَّى علت على الْكَلم ووألت بالعدوتين من الدول وَهُوَ بِحَالَة من التقشف والحصر وَالصَّبْر على المكاره والتقلل من الدُّنْيَا حَتَّى قَبضه الله وَلَيْسَ على شَيْء من الْحَظ وَالْمَتَاع فِي دُنْيَاهُ حَتَّى الْوَلَد الَّذِي رُبمَا تجنح إِلَيْهِ النُّفُوس وتخادع عَن تمنيه فليت شعري مَا الَّذِي قصد بذلك إِن لم يكن وَجه الله وَهُوَ لم يحصل لَهُ حَظّ من الدُّنْيَا فِي عاجله وَمَعَ هَذَا فَلَو كَانَ قَصده غير صَالح لما تمّ أمره وانفسحت دَعوته {سنة الله الَّتِي قد خلت فِي عباده}
وانتصر لَهُ ابْن خلدون ثمَّ قَالَ فقد زلت أَقْدَام كثير من الْإِثْبَات والمؤرخين الْحفاظ فِي مثل هَذِه الْأَحَادِيث والآراء وعلقت بأفكارهم ونقلها عَنْهُم الكافة من ضعفة النّظر والغفلة عَن الْقيَاس وتلقوها هم أَيْضا كَذَلِك من غير بحث وَلَا روية واندرجت فِي محفوظاتهم حَتَّى صَار فن التَّارِيخ واهيا مختلطا وناظره مرتكبا وعد من مناحي الْعَامَّة فَإِذا يحْتَاج صَاحب هَذَا الْفَنّ إِلَى الْعلم بقواعد السياسة وطبائع الموجودات وَاخْتِلَاف الْأُمَم وَالْبِقَاع والأعصار فِي السّير والأخلاق والعوائد والنحل والمذاهب وَسَائِر الْأَحْوَال والإحاطة بالحاضر من ذَلِك ومماثلة مَا بَينه وَبَين الْغَائِب من الْوِفَاق أَو بَين مَا بَينهمَا من الْخلاف وتعليل الْمُتَّفق مِنْهُمَا والمختلف وَالْقِيَام على أصُول الدول والملل ومبادئ ظُهُورهَا وَأَسْبَاب حدوثها ودواعي كَونهَا وأحوال القائمين بهَا وأخبارهم حَتَّى يكون مستوعبا لأسباب كل حَادث وَاقِفًا على أصُول كل خبر وَحِينَئِذٍ يعرض خبر الْمَنْقُول على مَا عِنْده من الْقَوَاعِد وَالْأُصُول فَإِن وافقها وَجرى على مقتضاها كَانَ صَحِيحا وَإِلَّا زيفه وَاسْتغْنى عَنهُ وَمَا استكبر القدماء علم التَّارِيخ إِلَّا لذَلِك حَتَّى انتحله الطَّبَرِيّ وَالْبُخَارِيّ وَابْن اسحق من قبلهمَا وأمثالهم من عُلَمَاء الْأمة