المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أجهزة الإنعاش وحقيقة الوفاةبين الفقهاء والأطباءلفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثالث

- ‌تقديم بقلم معالي الأستاذ سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمة معالي د/ بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمة العددلمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمة افتتاح الدورةألقاهامعالي الدكتور ناصر الدين الأسد

- ‌كلمة معالي الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحقلفضيلة الشيخ آدم شيخ عبد الله علي

- ‌توظيف الزكاةفي مشاريع ذات ريع دون تمليك فردي للمستحقلفضيلة الشيخ حسن عبد الله الأمين

- ‌طرق الإنجابفي الطب الحديث وحكمها الشرعيلفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌القضايا الأخلاقيةالناجمة عن التحكم في تقنيات الإنجابالتلقيح الاصطناعيلسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌أجهزة الإنعاش وحقيقة الوفاةبين الفقهاء والأطباءلفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌موت الدماغلسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌نهاية الحياة البشريةللدكتور أحمد شوقي إبراهيم

- ‌متى تنتهي الحياة؟للدكتور حسان حتحوت

- ‌القلب وعلاقته بالحياةمدخل في مناقشة "متى تنتهي الحياة"للدكتور أحمد القاضي

- ‌نهاية الحياة الإنسانيةللدكتور مصطفى صبري أردوغدو

- ‌نهاية الحياة الإنسانيةللدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌نهاية الحياة الإنسانية في ضوء اجتهاداتالعلماء المسلمين والمعطيات الطبيةللدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌نظرة في حديث ابن مسعودللدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌حقيقة الموت والحياةفي القرآن والأحكام الشرعية

- ‌توصياتمؤتمر الطب الإسلامي بالكويت

- ‌دراسةوزارة الصحة بالمملكة العربية السعودية

- ‌ورقة العمل الأردنيةقدمت للمؤتمر العربي الأول للتخدير والإنعاش

- ‌حكم إثبات أول الشهر القمري وتوحيد الرؤيةفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌بحثلفضيلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌بحثفريق علماء جامعة الملك عبد العزيزقسم علوم الفلك

- ‌توحيد بدايات الشهور القمرية(الشمس والقمر بحسبان)لسعادة الدكتور فخر الدين الكراي

- ‌الوثائق المقدمةتوحيد بداية الشهور القمريةلفضيلة الشيخ محمد علي السايس

- ‌المناقشةتوحيد بدايات الشهور القمرية

- ‌من أين يحرم القادمبالطائر جوًا للحج أو العمرة؟لفضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌الإحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرةلفضيلة الشيخ محمد علي عبد الله

- ‌الإحرام للقادم إلى الحج بالطائرة أو الباخرةلفضيلة الشيخ تجاني صابون محمد

- ‌الإحرام من جدة لركاب الطائرات في الفقه الإسلاميلفضيلة الشيخ محيي الدين قادي

- ‌كتاب حدود المشاعر المقدسةلفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌جواز الإحرام من جدة لركاب الطائرات والسفن البحريةلفضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

- ‌حكم الإحرام من جدة للواردين إليها من غيرهاالقرار الثاني لمجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة

- ‌تغيرات النقود والأحكام المتعلقة بها في الفقه الإسلاميلفضيلة الدكتور نزيه كمال حماد

- ‌أحكام أوراق النقود والعملاتلفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملةلفضيلة الشيخ محمد علي عبد الله

- ‌أحكام النقود الورقيةلفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور

- ‌أحكام النقود الورقيةلفضيلة الدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملةفي نظر الشريعة الإسلاميةلفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌النقود الورقيةلفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌الربافضيلة الأستاذ أحمد بازيع الياسين

- ‌أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملةفضيلة الشيخ عبد الله بن بيه

- ‌أحكام النقود واستبدال العملات في الفقه الإسلاميفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌المناقشةأحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة

- ‌كلمة معالي الدكتور بكر عبد الله أبو زيدرئيس مجلس المجمعكلمة معالي الدكتور بكر أبو زيد

- ‌كلمة معاليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجةالأمين العام للمجمع

الفصل: ‌أجهزة الإنعاش وحقيقة الوفاةبين الفقهاء والأطباءلفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

‌أجهزة الإنعاش وحقيقة الوفاة

بين الفقهاء والأطباء

لفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد، فهذا بحث في: نازلة الإنجاز الطبي الحديث في: حال المريض تحت جهاز الإنعاش وحقيقة الوفاة بين الطب والفقه، ليس لي فيه فضل سوى الجمع والترتيب في مباحثه الخمسة وهي:

المبحث الأول في: التصور لأجهزة الإنعاش.

المبحث الثاني في: حقيقة الوفاة عند الأطباء، وعلاماتها.

المبحث الثالث في: حقيقة الوفاة عند الفقهاء، وعلاماتها.

المبحث الرابع في: حالات المرض تحت الإنعاش.

المبحث الخامس في: التكييف الفقهي لهذه النازلة.

وإلى بيانها والله الموفق.

المبحث الأول: التصور لأجهزة الإنعاش (1)

- أجهزة الإنعاش.

- أجهزة الإنعاش المعقدة.

- العناية المكثفة.

- العناية المركزية.

- إبقاء آلة الطبيب.

كلها أسماء لمسمى واحد ومن مفرداتها:

- جهاز التنفس الصناعي.

- جهاز مانع الذبذبات.

- جهاز التنظيم لضربات القلب.

- العقاقير.

- مجموعة الأطباء المدربة ومساعديهم.

حقيقة الإنعاش:

إذا أصيب شخص بتوقف القلب أو التنفس نتيجة لإصابة الدماغ بصدمة مثلًا، الذي به مركز التنفس، أو إصابته بأي عرض آخر كغرق أو خنق، أو مواد سامة، أو جلطة للقلب، أو اضطراب في النبض.. فإنه يترقب الأمل بإنعاش ما توقف من دقات قلبه أو تنفسه إذا أدخل في غرفة الإنعاش "العناية الطيبة المكثفة" بوسائلها الحديثة كالمنفسة (جهاز التنفس) ونحوه.

(1) أجهزة الإنعاش للبار: 4، 7، وكتاب الحياة الإنسانية/ بداياتها ونهاياتها طبع المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، المذكرة السعودية من وزارة الصحة في المملكة العربية السعودية والتي تم إعدادها من عدد من الأطباء السعوديين

ص: 145

المبحث الثاني: حقيقة الموت عند الأطباء أو: نازلة موت الدماغ (1)

وبحثها في الفقرات التالية:

1-

تاريخها.

2-

تكوين الدماغ.

3-

المفهوم الطبي لموت الدماغ.

4-

علامات موت الدماغ.

وبيانها على ما يلي:

1-

تاريخها:

إن أول من نبه إلى موضوع موت الدماغ هو: المدرسة الفرنسية عام 1959م فيما أسمته "مرحلة ما بعد الإغماء " ثم أعقبتها المدرسة الأمريكية عام 1968م، وأخذت الأبحاث بعد تتسع وتنتشر مبينين عدة أبحاث وهي: تكوين الدماغ، ومفهوم موته، وعلاماته، والخلاف بين الأطباء في كون: موت الدماغ نهاية للحياة الإنسانية، إذ عقدت لهذا مؤتمرات وندوات ومنظمات.

2-

تكوين الدماغ:

يتكون الدماغ من أجزاء ثلاثة هي:

المخ: وهو مركز التفكير، والذاكرة، والإحساس.

المخيخ: ووظيفته توازن الجسم.

جذع المخ: وهو المركز الأساسي للتنفس والتحكم في القلب، والدورة الدموية.

(1) هذا المبحث مستخلص من: مبحث البار، ومن بحوث الأطباء في كتاب: الحياة الإنسانية

ص: 146

3-

مفهوم موت الدماغ:

هو توقفه عن العمل تمامًا وعدم قابليته للحياة.

فإذا ما مات المخ أو: المخيخ من أجزاء الدماغ: أمكن للإنسان أن يحيا حياة غير عادية وهي: ما تسمى بالحياة النباتية.

أما إذا مات "جذع الدماغ " فإن هذا هو الذي تصير به نهاية الحياة الإنسانية عند أكثر الأطباء على الصعيد الغربي.

ويمكن حصر خلاف الأطباء في ذلك على رأيين:

الأول: الاعتراف بموت جذع الدماغ: نهاية للحياة الإنسانية بدلًا من توقف القلب والدورة الدموية.

الثاني: عدم الاعتراف بموت الدماغ: نهاية للحياة الإنسانية.

فيكون الشخص محكومًا بموته على الرأي الأول دون الثاني.

4-

علامات موت الدماغ "جذع المخ".

هي على ما يلي:

(أ) الإغماء الكامل.

(ب) عدم الحركة.

(جـ) عدم التنفس بعد إبعاد جهاز المنفسة.

(د) عدم وجود أي انفعالات منعكسة.

(هـ) عدم وجود أي نشاط كهربائي في رسم المخ بطريقة معروفة عند الأطباء.

ويشير الطبيب أحمد شوقي إبراهيم إلى ظنية بعض هذه العلامات فيقول كما في: كتاب الحياة الإنسانية ص/ 376:

" ما هي علامات موت المخ؟: ليس لدينا من العلم في ذلك إلا رسم المخ الكهربائي وهو قطعي في بعض الحالات، ولا يكون كذلك في بعض الحالات، كحالات التسمم بالأدوية المنومة مثلًا" ا. هـ.

وفيه أيضًا في مبحث فقهي للأستاذ/ توفيق الواعي ص/ 484 قال:

"ركز القائلون بالموت إذا فقد المخ الحياة على فقدان الشعور، وهذا لا ينهض دليلًا على الموت وإلا كان المجنون والمغمى عليه والمشلول ميتًا، وهذا ما لم يقل به إنسان إلى اليوم " أهـ.

ص: 147

المبحث الثالث: في حقيقة الموت عند الفقهاء وعلاماته.

حقيقة الموت عند الفقهاء:

الموت يراد به: المنية، المنون، الأجل، الحمام، السام، ونحوها كانقطاع الوتين، وانقطاع الأبهر، جميعها أسماء لمسمى واحد هو: مفارقة الروح البدن.

وهذه هي حقيقة الوفاة عند الفقهاء وتكاد كلمتهم تتوارد على هذا، ولم يتم الوقوف على خلافه في كلامهم من أنه مفارقة الروح البدن.

والروح قال الله تعالى في شأنها: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} فأوقف العقل عند حده وأتى على الروح بخبر لا يمكن نقضه، هذا على أحد التفسيرين للآية.

ولهذا قال البعض: لا يجوز الكلام في الروح لأنه مما استأثر الله بعلمه كما في هذه الآية، والذي عليه الأكثرون الجواز فقالوا: الروح جسم نوراني لطيف مشتبك بالبدن اشتباك الماء بالعود الأخضر، قال الله تعالى {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} وفي أخرى:{فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} والنفخ لا يتحقق إلا في جسم لطيف كما في كتاب أصول الدين للبزدوي ص/ 222.

وقد جاء حديث عظيم النفع جليل القدر وهو حديث: البراء بن عازب رضي الله عنه الطويل المشهور بطوله في مسند أحمد رحمه الله تعالى، والذي جمع طرفه الدارقطني في جزء مفرد، وبسط ابن القيم القول فيه سندًا ومتنًا في كتاب: الروح.

قال البراء رضي الله عنه: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر إلى أن قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن قبض روح المؤمن: ((فتخرج نفسه تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها ملك الموت)) ، الحديث، وأما الكافر فقال:((فينتزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها)) الحديث.

ص: 148

وفي سورة الحاقة قال الله تعالى {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} قال المفسرون: "الوتين: نياط القلب، أي لأهلكناه وهو: عرق يتعلق به القلب إذا انقطع مات صاحبه، قاله ابن عباس وأكثر الناس" أهـ، من تفسير القرطبي 18/276 وذكر أقوالًا بمعناه.

وفي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته من: صحيح البخاري في: كتاب المغازي 8/ 131:

قالت عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: ((يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم)) أهـ.

قال الحافظ ابن حجر في: الفتح 8/ 131:

"قال أهل اللغة: الأبهر، عرق مستبطن بالظهر متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه، وقال الخطابي: يقال إن القلب متصل به" أهـ.

والأبهر في اصطلاح الطب الحديث باسم "الأورطي" وهو شريان يندفع منه الدم إلى الدماغ وبقية أعضاء الجسم كما في بحث: البار ص/ 8، 9.

وفي إحياء علوم الدين للغزالي 4/ 493 نص مهم ترجمه بقوله: الباب السابع: في حقيقة الموت، وما يلقاه الميت في القبر إلى نفخة الصور، ثم قال: بيان حقيقة الموت:

"اعلم أن للناس في حقيقة الموت ظنونًا كاذبة قد أخطئوا فيها" فذكرها وأبطلها ثم قال:

"وكل هذه ظنون فاسدة ومائلة عن الحق بل الذي تشهد له طرق الاعتبار وتنطلق به الآيات والأخبار أن الموت معناه: تغير حال فقط، وأن الروح باقية بعد مفارقة الجسد إما معذبة وإما منعمة.

ومعنى مفارقتها للجسد: انقطاع تصرفها عنه بخروج الجسد عن طاعتها، فإن الأعضاء آلات للروح تستعملها حتى أنها لتبطش باليد.. إلى قوله: والموت عبارة عن استعصاء الأعضاء كلها، وكل الأعضاء آلات والروح مستعملة لها، إلى أن قال:"نعم لا يمكن كشف الغطاء عن كنه حقيقة الموت إذ لا يعرف الموت من لا يعرف الحياة.." أهـ.

وعند قول الطحاوي في "عقيدته": " ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين" قال شارحها ص/ 446 في مبحث: هل تموت الروح أو لا؟ "والصواب أن يقال: موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها.. أهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية 4/ 223:

"قد استفاضت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الأرواح تقبض وتنعم وتعذب، ويقال لها: أخرجي أيتها الروح الطيبة أهـ.

ص: 149

الخلاصة:

فمن مجموع ما تقدم نستخلص ما يلي:

1-

أن حقيقة الوفاة هي: مفارقة الروح البدن.

2-

وأن حقيقة المفارقة: خلوص الأعضاء كلها عن الروح، بحيث لا يبقى جهاز من أجهزة البدن فيه صفة حياتية.

أمارات الوفاة عند الفقهاء

ثبت في صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الروح إذا قبض أتبعه البصر)) .

وفي حديث شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح، وقولوا خيرًا؛ فإنه يؤمن على ما يقول أهل الميت)) رواه أحمد.

فشخوص بصر المحتضر علامة ظاهرة على قبض روحه ومفارقتها لجسده.

والفقهاء - رحمهم الله تعالى - يذكرون العلامات والأمارات الظاهرة التي بموجبها يحكم بموت المحتضر كما في: حاشية ابن عابدين 1/ 189، والفتاوى الهندية 1/ 154، ومختصر خليل 1/ 37، وروضة الطالبين: 2/ 98، وشرح المنهاج: 1/ 322، والمغني 2/ 452، ومنتهى الإرادات 1/ 323.

وجماع ما ذكروه من العلامات هي (1)

1-

انقطاع النفس.

2-

استرخاء القدمين مع عدم انتصابهما.

3-

انفصال الكفين.

4-

ميل الأنف.

5-

امتداد جلدة الوجه.

6-

انخساف الصدغين.

7-

تقلص خصيتيه إلى فوق مع تدلي الجلدة.

8-

برودة البدن.

(1) وانظر بحوثا في كتاب: الحياة الإنسانية: 430، 475-476

ص: 150

وبالجملة فالحكم بالموت بانعدام جميع أمارات الحياة.

والملحوظ في هذه الأمارات أنها أدلة وظواهر تدرك بالمشاهدة والحس ويشترك في معرفتها عموم الناس.

تنبيه:

ويضيف النووي في روضة الطالبين 2/98 نصا مهما عند الشك فيقول: "فإن شك بأن لا يكون به علة، واحتمل أن يكون به سكتة، أو ظهرت أمارات فزع أو غيره: أخر إلى اليقين بتغير الرائحة أو غيره" أهـ.

الخلاصة الجامعة للأبحاث المتقدمة:

1-

أن أجهزة الإنعاش: إنجاز طبي مهم في حياة الإنسان.

2-

أن حقيقة الموت عند الأطباء هي: موت جذع الدماغ.

3-

أن حقيقة الموت عند الفقهاء هي: مفارقة الروح البدن.

4-

أن للموت علامات وأمارات عند الفقهاء وأخرى عند الأطباء، وأن هذه العلامات من الجائز تخلفها عند الفقهاء وعند الأطباء.

واعلم أن الأطباء مع الفقهاء في الحكم على عامة الوفيات بالوفاة بمفارقة الروح البدن، والبحث لدى الأطباء بالحكم بنهاية الحياة الإنسانية بموت "جذع الدماغ " هو في الحالات التي تدخل تحت جهاز الإنعاش، لهذا فإن البحث يعني في حدود حالات ضيقة وهي:"ما يدخل تحت جهاز الإنعاش " لا غير، فإلى بيانها:

المبحث الرابع:

حالات المريض تحت جهاز الإنعاش.

ص: 151

قرر الباحثون من الأطباء والعلماء حصر أحوال المريض في: غرفة الإنعاش في صور ثلاث:

الصورة الأولى:

عودة أجهزة المريض من التنفس، وانتظام ضربات القلب و.. إلى حالتها الطبيعية.

وحينئذ يقرر الطبيب: رفع الجهاز، لتحقق السلامة وزوال الخطر.

الصورة الثانية:

التوقف التام للقلب والتنفس، وعدم القابلية لآلة الطبيب.

وحينئذ يقرر الطبيب موت المريض تمامًا بموت أجهزته من الدماغ والقلب، ومفارقة الحياة لهما.

فحينئذ يقرر الطبيب، رفع الجهاز لتحقق الوفاة.

الصورة الثالثة:

فيها قيام علامات موت الدماغ من: الإغماء، وعدم الحركة، وعدم أي نشاط كهربائي في رسم المخ بآلة الطبيب، لكن بواسطة العناية المركزة وقيام أجهزتها عليه: كجهاز التنفس، وجهاز ذبذبات القلب، و.. لا يزال القلب ينبض، والنفس مستمر.

وحينئذ: يقرر الطبيب موت المريض بموت جذع الدماغ مركز الإمداد للقلب، وقرر أنه بمجرد رفع الآلة عن المريض يتوقف القلب والنفس تمامًا.

المبحث الخامس:

التكييف الفقهي لهذه النازلة.

أما في الصورتين الأولى والثانية، فلا ينبغي الخلاف برفع جهاز الإنعاش لسلامة المريض في الأولى، وتحقق موته في الثانية.

ص: 152

وأما في الصورة الثالثة: فهي محل البحث والنظر في هذه النازلة، وعليها ترد الأسئلة الثلاثة الآتية:

1-

ما حكم رفع جهاز الإنعاش؟

2-

ما حكم نزع عضو منه كالقلب ونحوه – وهو تحت الإنعاش - لحي آخر؟

3-

هل تنسحب عليه أحكام الميت من التوارث وغيره، في هذه الصورة التي تحقق فيها موت جذع الدماغ، وقيام نبضات القلب والتنفس تحت الأجهزة الآلية؟

هذه هي الأسئلة الثلاثة الواردة حالًا على هذه النازلة.

وبعد التصور الطبي لها مستخلصًا من كلام الأطباء الباحثين لها فإن التكييف الفقهي ببيان الحكم التكليفي لهذه الأسئلة الثلاثة هو فرع عن بيان الحكم الشرعي لحقيقة الوفاة عند الأطباء، "موت جذع الدماغ" هل هذه الحقيقة مسلمة شرعًا أم لا؟

وعليه:

فبما أن هذه الحقيقة محل خلاف بين الأطباء، وأن علاماتها أو جلها ظنية ولم تكتسب اليقين بعد، وأن قاعدة الشرع: أن اليقين لا يزول بالشك، ونظرًا لوجود عدة وقائع يقرر فيها: موت الدماغ، ثم تستمر الحياة كما في ص/ 447، 453 من كتاب الحياة الإنسانية، وص/ من بحث: البار، وأن الشرع يتطلع إلى إحياء النفوس وإنقاذها وأن أحكامه لا تبنى على الشك، وأن الشرع يحافظ على البنية الإنسانية بجميع مقوماته ومن أصوله المطهرة المحافظة على: الضروريات الخمس ومنها "المحافظة على النفس"، ولهذا أطبق علماء الشرع على حرمة الجنين من حين نفخ الروح فيه، وبما أن الأصل في الإنسان: الحياة والاستصحاب من مصادر الشرع التبعية إذ جاءت بمراعاته ما لم يقم دليل قاطع على خلافه، ولهذا قالوا في التقعيد "الأصل بقاء ما كان على ما هو عليه حتى يجزم بزواله".

فإنه لهذه التسبيبات فإنه لا يظهر أن موت الدماغ في هذه الصورة الثالثة هو "حقيقة الوفاة" فتنسحب عليه أحكام الأموات، ولكن ليس ثمة ما يمنع من كون هذا الاكتشاف الطبي الباهر: علامة وأمارة على الوفاة لهذا قال الأستاذ الشربيني في: بحثه من كتاب الحياة الإنسانية:

"وقد أوضح بعض الباحثين أننا لسنا بصدد مفهومين للموت: أحدهما توقف الدماغ، والآخر توقف القلب والتنفس، بل هما مجموعتان من الأدلة والظواهر تنتهيان إلى نهاية واحدة هي محل الاعتبار؛ وهي: موت جذع الدماغ في كل الأحوال، إذ إن ذلك هو ما يحدث أيضًا عند التوقف النهائي للقلب والتنفس خلال دقائق إن لم تكن ثوان" أهـ.

ص: 153

فكما لا يسوغ: إعلان الوفاة بمجرد سكوت القلب - كما حرره النووي - لوجود الشك فكذلك لا يسوغ إعلان الوفاة بموت الدماغ مع نبض القلب وتردد التنفس تحت الآلات.

وكما أن مجرد توقف القلب ليس حقيقة للوفاة بل هو من علاماته إذ من الجائز جدًّا توقف القلب ثم تعود الحياة بواسطة الإنعاش أو بدون بذل أي سبب، ومن هنا ندرك معنى ما ألف فيه بعض علماء الإسلام: باسم من عاش بعد الموت، لابن أبي الدنيا وهو مطبوع.

وما يذكره العلماء عَرَضًا في بعض التراجم من أن فلانًا عاش بعد الموت أو تكلم بعد الموت.

وكذلك يقال أيضًا: إن موت الدماغ علامة وأمارة على الوفاة وليس هو كل الوفاة بدليل وجود حالات ووقائع متعددة يقرر الأطباء فيها موت الدماغ ثم يحيا ذلك الإنسان.

فيعود الأمر إذن إلى ما قرره العلماء من أن حقيقة الوفاة هي: مفارقة الروح البدن.

وحينئذ تأتي كلمة الغزالي المهمة في معرفة ذلك فيقول:

"باستعصاء الأعضاء على الروح" أي: حتى لا يبقى جزء في الإنسان مشتبكة به الروح، والله تعالى أعلم.

وبناء على تحرر هذه النتيجة يمكننا الوصول إلى الجواب فقهًا للأسئلة الثلاثة فيقال:

إن رفع آلة الإنعاش في الصورة الثالثة هي: عن عضو مازالت فيه حياة فجائز أن يحيا، وجائز أن يموت، وعلى كلا الحالين استواء الطرفين أو ترجح أحدهما على الآخر:

1-

فإذا قرر الطبيب أن الشخص ميئوس منه: جاز رفع آلة الطبيب لأنه لا يوقف علاجًا يرجى منه شفاء المريض، وإنما يوقف إجراء لا طائل من ورائه في شخص محتضر، بل يتوجه أنه لا ينبغي إبقاء آلة الطبيب والحالة هذه لأنه يطيل عليه ما يؤلمه من حالة النزع والاحتضار.

لكن لا يحكم بالوفاة التي ترتب عليها الأحكام الشرعية كالتوارث ونحوه، أو نزع عضو منه، بمجرد رفع الآلة بل بيقين مفارقة الروح البدن عن جميع الأعضاء، والحكم في هذه الحالة من باب تبعض الأحكام وله نظائر في الشرع كثيرة.

2-

أما إذا قرر الطبيب أن الشخص غير ميئوس منه أو استوى لديه الأمران فالذي يتجه عدم رفع الآلة حتى يصل إلى حد اليأس أو يترقى إلى السلامة.

وهذا إنما أذكره بحثًا، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

بكر بن عبد الله أبو زيد

ص: 154