المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب حدود المشاعر المقدسةلفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثالث

- ‌تقديم بقلم معالي الأستاذ سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمة معالي د/ بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمة العددلمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمة افتتاح الدورةألقاهامعالي الدكتور ناصر الدين الأسد

- ‌كلمة معالي الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحقلفضيلة الشيخ آدم شيخ عبد الله علي

- ‌توظيف الزكاةفي مشاريع ذات ريع دون تمليك فردي للمستحقلفضيلة الشيخ حسن عبد الله الأمين

- ‌طرق الإنجابفي الطب الحديث وحكمها الشرعيلفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌القضايا الأخلاقيةالناجمة عن التحكم في تقنيات الإنجابالتلقيح الاصطناعيلسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌أجهزة الإنعاش وحقيقة الوفاةبين الفقهاء والأطباءلفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌موت الدماغلسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌نهاية الحياة البشريةللدكتور أحمد شوقي إبراهيم

- ‌متى تنتهي الحياة؟للدكتور حسان حتحوت

- ‌القلب وعلاقته بالحياةمدخل في مناقشة "متى تنتهي الحياة"للدكتور أحمد القاضي

- ‌نهاية الحياة الإنسانيةللدكتور مصطفى صبري أردوغدو

- ‌نهاية الحياة الإنسانيةللدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌نهاية الحياة الإنسانية في ضوء اجتهاداتالعلماء المسلمين والمعطيات الطبيةللدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌نظرة في حديث ابن مسعودللدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌حقيقة الموت والحياةفي القرآن والأحكام الشرعية

- ‌توصياتمؤتمر الطب الإسلامي بالكويت

- ‌دراسةوزارة الصحة بالمملكة العربية السعودية

- ‌ورقة العمل الأردنيةقدمت للمؤتمر العربي الأول للتخدير والإنعاش

- ‌حكم إثبات أول الشهر القمري وتوحيد الرؤيةفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌بحثلفضيلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌بحثفريق علماء جامعة الملك عبد العزيزقسم علوم الفلك

- ‌توحيد بدايات الشهور القمرية(الشمس والقمر بحسبان)لسعادة الدكتور فخر الدين الكراي

- ‌الوثائق المقدمةتوحيد بداية الشهور القمريةلفضيلة الشيخ محمد علي السايس

- ‌المناقشةتوحيد بدايات الشهور القمرية

- ‌من أين يحرم القادمبالطائر جوًا للحج أو العمرة؟لفضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌الإحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرةلفضيلة الشيخ محمد علي عبد الله

- ‌الإحرام للقادم إلى الحج بالطائرة أو الباخرةلفضيلة الشيخ تجاني صابون محمد

- ‌الإحرام من جدة لركاب الطائرات في الفقه الإسلاميلفضيلة الشيخ محيي الدين قادي

- ‌كتاب حدود المشاعر المقدسةلفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌جواز الإحرام من جدة لركاب الطائرات والسفن البحريةلفضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

- ‌حكم الإحرام من جدة للواردين إليها من غيرهاالقرار الثاني لمجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة

- ‌تغيرات النقود والأحكام المتعلقة بها في الفقه الإسلاميلفضيلة الدكتور نزيه كمال حماد

- ‌أحكام أوراق النقود والعملاتلفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملةلفضيلة الشيخ محمد علي عبد الله

- ‌أحكام النقود الورقيةلفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور

- ‌أحكام النقود الورقيةلفضيلة الدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملةفي نظر الشريعة الإسلاميةلفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌النقود الورقيةلفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌الربافضيلة الأستاذ أحمد بازيع الياسين

- ‌أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملةفضيلة الشيخ عبد الله بن بيه

- ‌أحكام النقود واستبدال العملات في الفقه الإسلاميفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌المناقشةأحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة

- ‌كلمة معالي الدكتور بكر عبد الله أبو زيدرئيس مجلس المجمعكلمة معالي الدكتور بكر أبو زيد

- ‌كلمة معاليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجةالأمين العام للمجمع

الفصل: ‌كتاب حدود المشاعر المقدسةلفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الوثائق

‌كتاب حدود المشاعر المقدسة

لفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب حدود المشاعر المقدسة

1103-

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله:

وبعد: فأنا من أكثر من عشرين سنة وأنا حريص على معرفة حدود المشاعر وما قاله العلماء عنها، وأقف عليها مصطحبا معي أهل الخبرة فيها والمعرفة، ومقيدًا كل ما أعثر عليه من علم عنها.

وشاركت في عدة لجان شكلت بأوامر سامية لتحديدها، وأكثر القرارات الصادرة من اللجان أنا الذي أحضر نصوصها وأكتب قراراتها، فصار عندي خبرة جيدة فيها، واجتمع عندي أصول لتلك القرارات التي اعتمدت ونفذ أكثرها.

وعند تأليفي لهذا الكتاب رأيت أن أشرك القراء بالاطلاع عليها.

فمعرفة المواقيت وحدود الحرم وسائر المشاعر المقدسة أمر يهم المسلم؛ لأنه يترتب على ذلك أداء المناسك على الوجه المشروع، ولهذه المشاعر من الأحكام والخصائص ما ليس لغيرها، ولها في صدور المسلمين من المكانة والتعظيم ما يوجبه عليهم دينهم.

قال الله تعالى {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] .

ورأيت أن أفرد تحديد هذه المشاعر وحدها لتأخذ موضوعا واحدًا أمام القراء.

وأسأل الله تعالى أن يجعله عملا خالصا لوجهه الكريم مقربا لديه في جنات النعيم.

ص: 641

موقع مكة المكرمة من العالم

1104-

كتب الأستاذ حسين كمال الدين أحمد بحثا في مجلة البحوث الإسلامية بين فيه أن مكة المكرمة في الإسقاط المساحي المكي هي مركز العالم كله.

نلخص من هذا البحث خلاصة نلحقها في هذا البحث لعلاقته به من حيث جغرافية البلاد، هذا النوع من إسقاط الخرائط هو نوع جديد من جميع الوجوه، ولا يرتبط بنوع من أنواع الإسقاطات الأخرى للخرائط المعروفة بين علماء المساحة أو الجغرافيا.

والغرض من كتابة هذا البحث هو شرح هذا الإسقاط الجديد، ليمكن معرفة موقع مكة المكرمة من القارات السبع.

ولقد أصبح من البديهي الآن أن الأرض جسم كروي، ونظرًا لهذا فإن أي نقطة من سطح الأرض تتميز عن غيرها من النقط السطحية، فلجأنا إلى تصور وجود خطوط وهمية على سطح الكرة الأرضية.

وإذا تصورنا أن الكرة الأرضية تدور حول نفسها دورة منتظمة، فإن ذلك يستوجب فرض محور ثابت داخل هذه الكرة يحدد هاتين النقطتين الثابتتين القطب الشمالي والقطب الجنوبى.

والخط الدائري بين هذين النصفين هو خط الاستواء.

وبعد، فالإسقاط المكي للعالم هو نوع جديد، والذي دفعنا إلى هذا العمل هو البحث عن طريقة خاصة تساعد على اتجاه القبلة والمحافظة على الاتجاه الصحيح بين أي بلد وبين مكة المكرمة.

ص: 642

وبما أن الأرض كرة منتظمة إذن من الممكن الربط بين أي مكانين بعدد كثير من الأقواس، ولكن الاتجاه الصحيح الوحيد بين هذين المكانين هو أقصر هذه الأقواس طولا، فيكون الاتجاه الصحيح للصلاة في أي مدينة هو أقصر قوس يربط بينها وبين مكة المكرمة، وعندما تم توقيع حدود القارات السبع على خريطة الإسقاط، وجدنا أن الحدود الخارجية لهذه القارات يجعلها محيط دائرة واحدة مركزها عند مكة المكرمة أي أن مكة المكرمة تعتبر مركزًا وسطا للأرض اليابسة على سطح الكرة الأرضية.

وكذلك إذا أخذنا في الاعتبار القارات الثلاث أوروبا وآسيا وأفريقيا التي تحتل العالم القديم وقت الرسالة الإسلامية، نجدها كذلك تكاد تحيط بمدينة مكة المكرمة.

فهذا الإسقاط المكي الجديد يعطي مكة المكرمة مركزا خاصا بين جميع أماكن العالم، ولله تعالى في خلقه حكم وأسرار {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191] .

ص: 643

باب المواقيت

1105-

المواقيت: جمع ميقات، وهي زمانية ومكانية.

فالزمانية: أشهر الحج، شوال، وذو القعدة، وعشر ذو الحجة.

والمكانية: ما ذكرتْ في الحديثين الآتيين.

وجعلتْ هذه المواقيت تعظيما للبيت الحرام وتكريما؛ ليأتي إليه الحجاج والزوار من هذه الحدود، معظمين خاضعين خاشعين.

ولذا حرم ما حوله من الصيد وقطع الشجر، لأن في ذلك استخفافا بحرمته، وغضا من كرامته.

والله سبحانه وتعالى جعله مثابة للناس وأمنا، ورزق أهله من الثمرات لعلهم يشكرون.

الأول: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَقّتَ لأهل المدينة " ذا الحليفة " ولآل الشام " الجحفة " ولأهل نجد " قرن المنازل " ولأهل اليمن " يلملم " وقال: ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة)) .

والثانى: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن المنازل)) قال عبد الله: وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ويهل أهل اليمن من يلملم)) .

ذو الحُلَيْفَةَ: بضم الحاء وفتح اللام تصغير الحلفاء: نبت معروف ينبت بتلك المنطقة وتسمى الآن " آبَارُ عَلَيّ "، ويكاد عمران المدينة المنورة – الآن – يصل إليها، وتبلغ المسافة من ضفة وادي الحليفة إلى المسجد النبوي ثلاثة عشر كيلا، ومن تلك الضفة إلى مكة المكرمة عن طريق وادي الجموم أربعمائة وعشرين كيلا، والحليفة ميقات أهل المدينة ومن أتى عن طريقهم.

ص: 644

الجُحْفَة: بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وفتح الفاء بعدها هاء: قرية بينها وبين البحر الأحمر عشرة أكيال، وهي الآن خَرَاب ويحرم الناس من:

رَابغ: مدينة كبيرة فيها الدوائر والمرافق والمدارس الحكومية، وتبعد عن مكة المكرمة عن طريق وادي الجموم مائة وستة وثمانين كيلا، ويحرم من رابغ من لم يمر بالمدينة المنورة من أهل لبنان وسوريا والأردن وفلسطين ومصر والسودان وحكومات المغرب الأربع وبلدان أفريقيا وبعض المنطقة الشمالية في المملكة العربية السعودية.

يَلَمْلَم: بفتح الياء المثناة التحتية فلام فميم فلام أخرى بعدها ميم أخرى ويقال: أَلَمْلَم، وسكان تلك المنطقة الآن يقولون: لَمْلَم، ولما زفلتت حكومتنا الطريق الآتى من ساحل المملكة العربية الجنوبي إلى مكة المكرمة والمار بوادى يلملم من غير مكان الإحرام القديم المسمى "السعدية " كنت أحد أعضاء لجنة شكلت لمعرفة مكان الإحرام مع الطريق الجديد، فذهبنا إليه ومعنا أهل الخبرة والعارفون بالمسيمات، واجتمعنا بأعيان وكبار السن من سكان تلك المنطقة وسألناهم عن مسمى يلملم هل هو جبل أم واد؟ فقالوا: إن يلملم هذا الوادي الذي أمامكم، وإننا لا نعرف جبلا يسمى بهذا الاسم، وإنما الاسم خاص بهذا الوادى وسيوله تنزل من جبال السراة ثم تمده الأودية في جانبيه، وهو يعظم حتى صار هذا الوادي الفحل الذي تشاهدونه، وإن مجراه ممتد من الشرق إلى الغرب حتى يصب في البحر الأحمر عند مكان في الساحل يسمى "المجيرمة ".

ص: 645

وإنه من سفوح جبال السراة حتى مصبه في البحر الأحمر يقدر بنحو مائة وخمسين كيلا، ونحن الآن في السعدية في نحو نصف مجراه، وبعد التجول في المنطقة والمشاهدة وتطبيق كلام العلماء وسؤال أهل الخبرة والسكان تقرر لدينا أن مسمى يلملم الوارد في الحديث الشريف ميقاتا لأهل اليمن ومن أتى عن طريقهم؛ هو كل هذا الوادى المعترض لجميع طرق اليمن الساحلي وساحل المملكة العربية السعودية، وأن الاسم عليه من فروعه في سفوح جبال السراة إلى مصبه في البحر الأحمر، وأنه لا يحل لمن أراد نسكا ومر به أن يتجاوزه بلا إحرام من أي جهة من جهاته وطريق من طرقه.

وقد كان الطريق يمر بالسعدية وهي قرية فيها بئر السعدية، وفيها إمارة ومدرسة ومسجد قديم جدد الآن ينسب إلى معاذ بن جبل، والسعدية تبعد عن مكة المكرمة اثنين وتسعين كيلا، أما الطريق التي زفلتته حكومتنا فهو يقع عن السعدية غربا بنحو عشرين كيلا يمر على وادي يلملم، وعند ممره إلى يلملم يكون وادي يلملم عن مكة مائة وعشرين كيلا، ونحن بيّنا للمسئولين جواز الإحرام من الطريق القديم والطريق الجديد وغيرهما مما يمر في هذا، وذلك في حج عام 1401 هـ، والآن صار طريق الناس من الطريق الجديد وصارت ضفة الوادى الجنوبية قرية يحرم منها الناس.

ص: 646

ويحرم من يلملم أهل اليمن الساحلي وسواحل المملكة العربية السعودية وإندونيسيا وماليزيا والصين والهند وغيرهم من حجاج جنوب آسيا، والآن أصبح الحج غالبه عن طريق الطائرات أو البواخر التي لا ترسو إلا في موانئ جدة.

قَرْنُ الْمَنَازِلِ: بفتح القاف وسكون الراء وقد يقال: قَرْنَ الثَّعَالِبِ لوجود أربع روابي صغار تسكنها الثعالب، وقد أزيلت إحدى تلك الروابي لتوسعة طريق مكة – الطائف وبقى الآن منها ثلاثة، أما الثعالب فمع توسع العمران هربت عن المنطقة، والقرن هو الجبل الصغير.

وهذا الميقات اشتهر اسمه الآن " بالسَّيْلِ الْكَبير " ومسافته من بطن الوادى إلى مكة المكرمة ثمانية وسبعون كيلا، ومن المقاهي والأمكنة التي اعتاد الناس أن يحرموا منها خمسة وسبعين كيلا، والسيل الكبير الآن قرية كبيرة فيها محكمة وإمارة وجميع الدوائر والمرافق والخدمات والمدارس المنوعة.

ويحرم من قرن المنازل أهل نجد وحجاج الشرق كله من أهل الخليج والعراق وإيران وغيرهم.

ص: 647

وَادِي محرم: هذا هو أعلى " قرن المنازل " وهو قرية عامرة فيها مدرسة وكان لا يحرم منه إلا قله حتى فتحت حكومتنا طريق الطائف – مكة المار بالهدا فصار محرما هاما مزدحما، فبنت فيه الحكومة مسجدًا كبيرا جدا له طرقه المزفلته الداخلية والخارجية ومواقف السيارات ومكان الراحة وأمكنة الاغتسال ودورات المياه بأحدث تصميم وبناء لهذا المحرم الهام، وهو لا يعتبر ميقاتا مستقلا من حيث الاسم؛ لأنه هو قرن المنازل، فاسم قرن شامل للوادي كله، سواء من طريق ما يسمى " بالسيل الكبير " أو من طريق ما يسمى " الهدا "، ولذا جاء في الإقناع وغيره: وميقات أهل نجد اليمن وأهل نجد الحجاز وأهل الطائف قرن، فوادي قرن هو الطريق السالك من هذه الجهات الثلاث، وبهذا يكون قرن بمعنى المنصوص عليه.

قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ما خلاصته: لا خلاف بين أهل العلم فيما اقتضته الأحاديث من أن " قرن المنازل " هو ميقات أهل نجد وأهل الطائف وبعد أن سمي في تسهيل طريق كرا وغلب على ظني نجاح ذلك، صرت إلى مزيد من الاحتياط لهذا الميقات المسمى " محرما " فعمدت إلى لجنة علمية مؤلفة من عالمين فاضلين لديهما الملكة العلمية والخبرة الوطنية والفقه والنباهة ما لا يوجد عند كثير من أضرابهما وهما:

ص: 648

الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جاسر رئيس هيئة التمييز للمنطقة الغربية، والشيخ محمد بن على البيز رئيس محكمة الطائف أن يذهبا إلى " وادي محرم " المذكور وينظرا هو أعلى وادي قرن المسمى بالسيل، فذهبا ونظرا وبذلا وسعهما واستصحبا في مسيرهما خبراء من أهل تلك الناحية، وتحصّل لديهما أنه هو أعلى وادي قرن المنازل، وكتبا لنا بذلك كتابة صريحة واضحة بأنه هو أعلى وادي قرن المنازل.

وقد صرحت كثير من وثائق عقارات أهل وادي محرم الموجودة في سجلات محكمة الطائف بما لا يدع للشك مجالا، أن وادي محرم هو وادي قرن، ولا تظن أن تلك العقارات هي في أسفل الوادي المسمى بالسيل، بل كلها أو أكثرها في أعلاه المسمى " وادي محرم " كالدار البيضاء وقرية المشائخ وغيرها.

قلت: ويبعد عن مكة بخمسة وسبعين كيلا، ولولا كثرة تعرجات جبل كرا لكان عن مكة نحو ستين كيلا فقط.

ويحرم منه من يحرم من الميقات الذي في أسفل الوادي ويزيد بحجاج الطائف وحجاج جنوب المملكة الحجازي وحجاج اليمن الحجازي.

ص: 649

تكميل:

ذَاتُ عِرْقٍ: بكسر العين وسكون الراء بعدها قاف سمي بذلك لأن فيه عرقا، وهو الجبل الصغير، ويسمى الآن " الضريبة " قال ياقوت: الضريبة واد حجازي يدفع سيله في ذات عرق.اهـ.

والضَّرِيبَة: بفتح الضاد المعجمة بعدها راء مكسورة، ثم ياء مثناة تحتية، ثم باء موحدة تحتية، ثم هاء، واحدة الضراب، وهي الجبال الصغار، وهذا الميقات لم يرد في حديث الصحيحين ولكن في بعض السنن: أن النبي صلى الله عليه وسلم وَقّتَ لأهل العراق ذات عرق، وقد ضعف بعض أهل العلم هذا الحديث.

قال في فتح الباري: والذي في البخاري عن ابن عمر قال: لما فتحت الكوفةُ والبصرةُ أتوا عمرَ فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّ لأهل نجد قرنا، وهو جور عن طريقنا. قال: فانظروا في طريقكم. فحد لهم ذات عرق ".

قال الشافعي: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حد ذات عرق، وإنما أجمع عليه الناس. هذا يدل على أن ذات عرق ليس منصوصا عليه، وبه قطع الغزالي والرافعي في شرح المسند والنووي في شرح مسلم، وكذا وقع في المدونة لمالك.

وصحح الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية أنه منصوص، وقد وقع ذلك في حديث جابر عند مسلم إلا أنه مشكوك في رفعه، وقد رفع في حديث عائشة وحديث الحارث السهمي، وكلاهما عند أحمد وأبي داود والنسائي، وهذا يدل على أن للحديث أصلا، فلعل من قال: إنه غير منصوص عليه لم يبلغه، أو رأى ضعف الحديث. اهـ، ملخصا من فتح الباري.

قلت: وعلى كل فقد صح توقيته عن عمر رضي الله عنه، فإن كان منصوصا عليه وجهله فهو من موافقاته المعروفة، وإن لم يكن نص عليه فقد قال صلى الله عليه وسلم:((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)) . وقد أجمع المسلمون على أنه أحد مواقيت الحج، ولله الحمد.

ص: 650

وقد قمت بشهر محرم في عام 1402هـ من مكة المكرمة إلى هذا الميقات ومعي الشريف: محمد بن فوزان الحارثي، وهو من العارفين بتلك المنطقة، ومن المطلعين على التاريخ، وقصدي بحث طريق الحج من الضريبة إلى مكة على الإبل، فوجدت الميقات المذكور شِعْبًا بين هضاب، طوله من الشرق إلى الغرب ثلاثة أكيال، وعرضه من الجنوب إلى الشمال نصف الكيل، ويحده من جانبيه الشمالي والجنوبي هضابة، ويحده من الشرق "ريع أنخل "، ويحده من الغرب وادي الضريبة الذي يصب في وادي مر الظهران، ويعتبر هذا الميقات من الحجاز، فلا هو من نجد ولا هو من تهامة، ولكنه حجاز منخفض يكاد يكون حرة، فليس فيه جبال عالية، ويقع عنه شرقا بنحو عشرة أكيال وادي العقيق، ثم يلي العقيق شرقا " صحراء ركبة " الواسعة، حيث تبتدئ بلاد نجد، ويحرم من العقيق الشيعة، والمسافة من ميقات ذات عرق حتى مكة مائة كيل، وأشهر الأمكنة التي يمر بها الطريق مكة - الزقة، وفيها آثار وبركة عظيمة قديمة من آثار بني العباس، ثم وادي نخلة الشامية، ثم المضيق، ثم البرود، ثم شرائع المجاهدية، ثم العدل، وهذا الميقات مهجور الآن، فلا يحرم منه أحد؛ لأن الطرق المزفلتة في نجد وفي الشرق لا تمر عليه، وإنما على الطائف والسيل الكبير " قرن المنازل ".

ص: 651

ملاحظة: جميع مواقيت الإحرام أودية عظام، ولذا فإن الاحتياط أن يحرم الحاج أو المعتمر من الضفة التي لا تلي مكة من الوادي؛ لئلا يعتبر متجاوزا لليمقات.

ومن تجاوز الميقات بلا إحرام يريد نسكا فرضا أو نفلا ولو كان جاهلا أنه الميقات أو حكمه أو ناسيا أو مكرها؛ لزمه أن يرجع إلى الميقات فيحرم منه حيث أمكن كسائر الواجبات، فإن خاف لم يلزمه الرجوع ويحرم من موضعه، فإن رجع إلى الميقات فأحرم منه فلا دم عليه لأنه أتى بالواجب عليه، كما لو لم يجاوزه ابتداء.

وإن أحرم دون الميقات لعذر أو غيره صح وعليه دم وفاقا للأئمة الثلاثة، وإن رجع محرما إلى الميقات لم يسقط عنه الدم برجوعه نص عليه؛ لأنه وجب عليه لتركه إحرامه من ميقاته فلم يسقط، كما لو لم يرجع.

وإذا كان في الطائرة قادما من نجد فميقاته قرن المنازل " السيل الكبير ".

وإذا كانت الطائرة فوقه نوى الإحرام وإن كان عنه يمنة أو يسرة فإذا حاذاه لا يؤخر إحرامه حتى يصل جدة لأن ميقاته هذا.

فبناء عليه فإنه يتأهب للإحرام بخلع المخيط وكشف الرأس فلبس لباس الإحرام إذا كان رجلا قبل وصوله لأنه وهو في الطائرة لا يتمكن من عمل هذا عند محاذاته حتى تكون جاوزته بمسافة بعيدة وهكذا كل من قدم إلى جدة بالطائرة من أي جهة كانت، لأن جدة ليس ميقاتا وإنما هي داخل المواقيت.

ص: 652

الحرم المكي وحدوده

1106-

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد: فهذا تحديد للحرم المكي الشريف يكتب لأول مرة في التاريخ فيما أعلم؛ ذلك أنى اشتركت في تحديده مع هيئتين من أهل العلم ومن أهل الخبرة ومن سكان كل جهة من جهات الحرم.

الهيئة الأولى، قامت بالعمل في عام 1385 هـ واستمر عملها عدة أشهر.

والهيئة الثانية، عملت فيه سنتين في فترات خلال عام 1398 هـ وعام 1400 هـ.

وقد عمدت الهيئتان بأوامر سامية تصدر على رئاسة القضاء ثم على وزارة العدل وعلى وزارة الحج والأوقاف وعلى رئاسة شئون الحرمين، والهيئتان مكونتان من الأعضاء الآتية أسماؤهم:

1-

الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جاسر رئيس هيئة التمييز بمكة المكرمة.

ص: 653

2-

محرر هذه الأسطر عبد الله بن عبد الرحمن البسام في الأولى قاضي المحكمة المستعجلة الثانية بمكة المكرمة، وفي الثانية قاضي محكمة التمييز بمكة المكرمة.

3-

الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع قاضي محكمة التمييز بمكة المكرمة.

4-

الشيخ محمد بن عبد الله بن سبيل أحد أئمة المسجد الحرام ونائب رئيس رئاسة شئون الحرمين.

5-

الشيخ حسن بابصيل أحد قضاة المحكمة الكبرى بمكة ومندوب عن وزارة الحج والأوقاف.

6-

الشريف شاكر بن هزاع أبو طين قائم قام مكة المكرمة.

7-

الشريف محمد بن فوزان الحارثي عضو هيئة النظر بالمحكمة الكبرى.

8-

عدد كبير من سكان تلك المناطق تستعين الهيئة بخبرتهم بالمسميات لكل جهة، ممن عُرفوا بالخبرة والمعرفة والثقة رافقتنا في هذه المهمة، فعمدة بحثي هذا ومصدره الأمور الآتية:

ص: 654

الأول: الاطلاع على مصادر النصوص من كتب معاجم البلدان وتواريخ مكة وكتب المناسك وكتب الأحكام والتفاسير وشروح الأحاديث وغير ذلك.

الثاني: استصحاب أهل الخبرة والمعرفة وثقات سكان كل منطقة من جهات الحرم ومناقشتهم ومعرفة المسميات والجبال والشعاب والأدوية والبقاع، وتطبيقها على ما ورد في المصادر العلمية.

الثالث: الوقوف على الحدود مع أهل الخبرة والصعود إلى قمم الجبال وسفوحها للبحث عن الأعلام القديمة وآثارها ومعرفة المسافة فيما بين حدٍّ وآخر، وصعودنا تارة طلوعا بالرجال والأخرى بالطائرة العمودية.

والذي يقوم بمعرفة ثقات السكان ويحضرهم هو أميرهم الشريف شاكر ابن هزاع قائم قام العاصمة المقدسة.

وكان أغلب عملنا هو في فصل الشتاء وفصل الربيع.

ص: 655

المقدمة

قال الله تعالى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} [القصص: 57] .

وقال تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67] .

وجاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حرم هذا البلد حرمة الله يوم خلق السموات والأرض فهي حرام بحرمة الله عز وجل إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده)) .

وجاء في الصحيحين أيضًا عن أبي شريح العدوي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتحه مكة يقول: ((إن مكة حرمها الله تعالى ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد شجرة، فليبلغ الشاهد الغائب)) .

وأخرج النسائي والترمذي وابن حبان وغيرهم عن عبد الله بن عدي بن الحمراء أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمكة: ((والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت)) .

وروى صاحب القرى بسنده إلى أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الدجال لا يدخل مكة، على كل نقب من نقابها ملك شاهر سيفه)) .

ولما استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتّاب بن أسيد على أهل مكة قال: ((يا عتاب، أتدري على من استعملتك؟ استعملتك على أهل الله، فاستوص بهم خيرًا. يقولها ثلاثا.))

ص: 656

المسجد الحرام هو الحرم كله

أخرج سعيد بن منصور في سننه عن ابن عباس قال: " الحرم كله المسجد الحرام. وهو قول بعض أهل العلم، ويتأيد بقوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1] وكان ذلك من بيت أمِّ هانئ، وأصرح منه قوله تعالى:{وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ} [البقرة: 217] .

وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أدرك شهر رمضان في مكة فصامه؛ كتب له مائة ألف شهر رمضان فيما سواه)) .

وقال الحسن البصري: " صوم يوم بمكة بمائة ألف، وصدقة درهم بمائة ألف، وكل حسنة بمائة ألف " وقال المحب الطبري: وهذا الحديث يدل على أن المراد بالمسجد الحرام الحرم جميعه؛ لأنه عمم التضعيف في جميع الحرم، وكذلك حديث تضعيف الصوم عممه في جميع مكة وحكم الحرم ومكة في ذلك سواء بالاتفاق ".اهـ. القرى.

ص: 657

وقال ابن القيم في زاد المعاد: قال الشافعي: الحديبية بعضها من الحل وبعضها من الحرم. وروى الإمام أحمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الحرم وهو مضطرب في الحل، وفي هذا كالدلالة على أن مضاعفة الصلاة بمكة تتعلق بجميع الحرم، ولا يُخص بها المسجد الذي هو مكان الطواف، وأن قوله:((صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في مسجدي)) كقوله تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] وقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1] ، وكان الإسراء من بيت أم هانئ.

وذكر أن ابن عمر كان يتنزل في الحل قرب الحرم، فإذا أراد الصلاة دخل حدود الحرم فصلى، قال في الفروع: وظاهر كلام أصحاب أحمد " في المسجد الحرام " أنه نفس المسجد، ومع هذا فالحرم أفضل من الحل، فالصلاة فيه أفضل، ولهذا ذكر في المنتقى قصة الحديبية من رواية أحمد والبخاري:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الحرم وهو مضطرب في الحل ".

وذكر ابن الجوزي: أن الإسراء كان من بيت أم هانئ عند أكثر المفسرين، فعلى هذا المسجد الحرام والحرم كله مسجد.

ص: 658

وذكر القاضي وغيره: مرادهم في التسمية لا في الأحكام.

وقد يتوجه من هذا حصول المضاعفة بالحرم كنفس المسجد، وجزم به صاحب الهدي من أصحابنا، لاسيما عند من جعله كالمسجد في المرور قدّام المصلى وغيره.

أما فضيلة الحرم فلا شك فيها.

وروي في المختار بسنده إلى ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحاج الراكب له بكل خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة، والماشى سبعون حسنة من حسنات الحرم)) قيل: يا رسول الله ما حسنات الحرم؟ قال: ((الحسنة فيها بمائة ألف حسنة)) هـ.

وقال عطاء بن أبي رباح: الحرم كله مسجد.

اختلف العلماء: هل الذي حرّم مكةَ وحَرَمَها – بأمر الله تعالى – هو إبراهيم عليه السلام وكانت قبل دعوته حلالا أم ما زالت حرما؟

فمن رأى أنها حرمت بدعوة إبراهيم استدل بمثل قوله تعالى: {قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا} [إبراهيم: 35] وبما رواه مسلم عن جابر ((إن إبراهيم حَرّمَ مكة، وإني حرمت المدينة)) .

ص: 659

وبما في الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم المدينة ما بين لابتيها)) واللفظ للبخاري.

وأما من يرى أزلية تحريمها قبل إبراهيم فيستدل بما جاء في الصحيحين عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين فتح مكة: ((هذا بلد حرمه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض، وهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة)) وبما جاء في الصحيحين أيضًا عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس)) ، والجمع بين هذه الأدلة أن يقال: إنها كانت محرمة منذ خلق الله السماوات والأرض، وكان تحريمها خفيا مهجورا، فأظهره الله تعالى على لسان رسوله وخليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم.

خصائص الحرم وأحكامه

1107-

أولا – فضله وكرامته وأن العبادة فيه أفضل من العبادة في الحل، وهذا باتفاق العلماء.

ثانيا – مضاعفة الأعمال الصالحة فيه كمضاعفتها بالمسجد الحرام وهذا قول طائفة من أهل العلم.

ص: 660

ثالثا – عظم السيئات وغلظها وشدتها فيه، قال تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] .

قال ابن مسعود: لو أن رجلا أراد فيه بإلحاد بظلم وهو بعدن لأذاقه الله من العذاب الأليم، ولما هَمّ أصحاب الفيل بتخريب البيت أرسل الله عليهم طيرا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، وقد دمرتهم قبل أن يصلوا أو يعلموا. ولقد جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((يغزو هذا البيت جيش، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم)) ، فأمر هذا البيت وحرمه عظيم، رزقنا الله فيه الاستقامة، آمين.

رابعا – تحريم صيده على المحرم والحلال، وهذا بإجماع العلماء.

خامسا – تحريم قطع شجره وحشيشه الأخضرين إلا الإذخر، واستثنى بعض العلماء ما له شوك فلا يحرم، فيقاس على الحيوان المؤذي، ويُستثنى ما أنبته الآدميُّ فلا يحرم.

سادسا – يكره إخراج تراب وحجارة الحرم إلى الحل، كما يكره إدخال حجارة وتراب الحل إلى الحرم، وهذا حكم له وجه صحيح من النظر.

ولذا أرى أن ينبه ولاة الأمور على أصحاب المباني ومقاولي البناء وأصحاب الأعمال والشركات على ذلك، ليحافظوا على هذا الحكم ولو ببعض ما يستطاع كالبطحاء.

سابعا – يحرم أن يدخله الكافر لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] قال عطاء: الحرم كله قبلة ومسجد؛ فينبغى أن يمنعوا من دخول الحرم لقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1] وإنما رفع من بيت أم هانئ.

وله خصائص وأحكام تتعلق بالعبادات والمناسك كثيرة، وهناك خصائص طبيعية لم أتحقق من صحتها تركتها لذلك.

حدود الحرم

1108-

هذا هو البحث الجديد الذي ربما أنه لم يُكتب قبل هذه المرة، وإليك البيان، فالهيئتان ابتدأتا عملهما بالبحث عن حدود الحرم من نَمِرَةَ، وهي بفتح النون وكسر الميم بعدها تاء مربوطة.

ص: 661

هي المنتهى الشرقي لسلسلة جبال فاصلة بين طريق المأزمين وطريق ضب ويذكر الفقهاء أن على جبالها أنصاب الحرم، إلا أننا لم نجد الأنصاب إلا في السهل الواقع على الضفة الغربية لوادي " عرنة " بالنون، ففي سهل نمرة المذكورة وجدنا أربعة أعلام: علمين قديمين متهدمين لم يبق منهما إلا أنصافهما، وعلمين أَجدَّ منهما، ومن المتفق عليه بين المسلمين أن هذه الأعلام هي أعلام الحرم الفاصلة بينه وبين الحل، فما عنهن شَرّقَ فهو عرنة من الحل، وما عنهن غَرّبَ فهو من الحرم.

ويذكر مؤرخو مكة في كتبهم أن المظفر صاحب إربل أمر بعمارة علمين للحرم من جهة عرفة - بالفاء الموحدة - وذلك سنة ست عشرة وستمائة بعد الهجرة.

ثم اتجهنا نحو الشمال الشرقى نسير على الضفة الغربية لوادي عرنة (بالنون) ، فوصلنا إلى مكان يسمى " الخطم " عنده قرية لآل أبي سمن من قريش، ففى الوقوف الأول الذي هو في صباح عشرين شعبان عام 1385 هـ وجدنا علما قديما متهدما لم يبق منه إلا نحو نصف المتر، أسطواني التصميم مبني بالحجارة والنورة، وهو مسامت لأعلام " نَمِرَة "المتقدم ذكرها، ويبعد عنها بنحو كيلوين.

أما في وقوفنا المرة الثانية الموافقة أربعة وعشرين محرم عام 1399 هـ فلم نجد من العلم المذكور إلا أساسه، وأخبرنا المرافقون أنهم أدركوه بطول القامة، ثم اتجهنا شمالا حتى وصلنا جبلا يسمى " ستر " وقال لنا المرافقون: إن سبب التسمية أنه ستر ما يليه من الحرم عن الحل؛ لأنه حد الحرم من الحل فما سال منه غربا فهو في الحرم، وما سال منه شرقا فهو في الحل.

ووجدنا في جانبيه علمين مصممين تصميما أسطوانيا بين أحدهما عن الآخر نحو عشرة أمتار، والعلمان واقعان في عرض الجبل المذكور.

كما وجدنا فوق قمة الجبل علما قائما على شكل أسطواني أيضًا يبعد عن هذين العلمين نحو خمسة عشر مترا، ثم وجدنا في سفح جبل ستر مما يلي الشمال بمسافة تبعد عن الأعلام الثلاثة مائة متر علما في شكل وتصميم الأعلام الثلاثة قد تهدم بعضه وبقي منه نحو ثلاثة أرباع المتر.

ثم اتجهنا نحو الشمال حتى وصلنا إلى ثينة يقال: أنها تسمى " ثينة عبد الله بن كرز " وهي واقعة في سفح جبل الطارقي، فوجدنا فيها علما على شكل الذي تقدّم قبله لم يبق منه إلا أساسه، ويبعد هذا العلم عن أعلام جبل ستر نحو خمسة كيلوات، وهو واقع عنها شمالا.

ص: 662

قال الأزرقي: النبعة بعضها في الحل وبعضها في الحرم، فما سال منه شمالا فهو في الحرم، وما سال منها جنوبا فهو حل، ثم صعدنا جبل الطارقي فوجدنا في شرقيه علما، ثم اتجهنا في أرض مستوية حتى وصلنا إلى علمي طريق نجد والعراق المار بالشرائع، وهما علمان كبيران يمر بهما الطريق العام متجها إلى السيل والطائف والحوية ونجد والعراق وبلاد الشرق، وتقدر المسافة بين هذين العلمين وبين ثينة عبد الله بن كريز بنحو أربعة كيلوات.

ثم اتجهنا إلى جبل " الستار " قال الأزرقي: سمي " الستار" لأنه ستر ما بين الحل والحرم، فوجدنا فيه علما أسطوانيا باقيا لم يندثر إلا قليل من رأسه، وهو في الجانب الشمالي من الجبل، ويبعد جبل الستار عن علمي طريق الشرائع المتجه إلى نجد نحو كيلو ونصف الكيلو، وجبل الستار يقابله شرقا جبل المقطع، ويمر من بينهما حل المستنفرة.

ثم اتجهنا إلى ثينة هي سفح جبل المقطع، وهذه الثينة منتهى الحرم من طريق العراق وسماها الفاكهي " ثينية خل الصفاح " فقال: ثينية خل الصفاح بطرف المقطع منتهى الحرم من طريق العراق.

ثم اتجهنا شمالا مع السفح الغربي لجبل المقطع، حتى وصلنا إلى شعب بين السفح الغربي لجبل المقطع والسفح الغربي لجبل الستار فوجدنا ثلاثة جبال صغار سود يقال لهن:"الغربان"، وتقع شمال جبلي الستار والمقطع، وفي الوسط من هذه الجبال الثلاثة علم قد بني بالحجارة والنورة وهو الآن متهدم.

ثم اتجهنا شمالا إلى ثينة بيضاء، هي الفاصلة بين وادي ثرير وشعب عبد الله بن خالد بن أسيد، فما سال منها شرقا نزل على ملعب لحيان وهو رأس وادي ثرير وهو حِلٌّ، وما نزل منها غربا فهو على شعب عبد الله بن خالد بن أسيد وهو حرم، وتسمى هذه الثينة البيضاء "المستنفرة "قال الأزرقي: المستنفرة ثينة تظهر على حائط " ثرير "، على رأسها أنصاب الحرم، فما سال منها على ثرير فهو حل، وما سال منها على الشعب فهو حرم.

ثم اتجهنا نحو الغرب، فوصلنا إلى ثينية يقال لها:" النقوى "، ونزلنا من هذه الثينة على شعب عبد الله بن خالد بن أسيد، ونحن في هذا السير متجهون نحو الغرب وعلى يميننا سلسلة جبال تحد الشعب المذكور من ضفته الشمالية، فبحثنا في قمم هذه السلسلة فوجدنا فيها أعلاما كثيرة متهدمة، مما يؤكد أن ما سال من السلسلة على شعب عبد الله بن أسيد وهي السفوح الجنوبية فهو حرم، وما سال على السفوح الشمالية فهو حل، فقمم هذه السلسلة سائرة نحو الغرب حتى إلى " التنعيم "، وسنفصلها فيما يلي:

ص: 663

بشم: بالباء الموحدة ثم شين معجمة ثم آخره ميم: ريع ينزل على شعب عبد الله بن أسيد، وجد في القمة إلى الثنية علم كالأعلام السابقة، وقد أكد لنا المرافقون أنهم أدركوه علما قائما.

كما أكدوا أن ما سال من هذه القمة شمالا فهو حل، وما سال منها جنوبا فهو حرم. وبين ريع بشم وبين النقوى المتقدمة نحو أربعة كيلوات.

بغبغة: باء موحدة بعدها غين معجمة، ثم باء موحدة ثم غين معجمة ثم تاء مربوطة: قمة حمراء بينها وبين "بشم" نحو أربعة كيلوات. وفي قمة "بغبغة" علم كالأعلام السابقة.

حجلى: شعب فيه علم كالعلمين في بشم وبغبغة. وبين حجلى وقمة بغبغة نحو خمسة كيلوات.

جبال اليسر: قمم جبال متصل بعضها ببعض تبعد عن قمة حجلى بنحو نصف كيلو. وجدنا فيها ثلاثة أعلام مشابهات للأعلام السابقة.

الشرفة: ثنية تنفذ على "وادي ياج" بالياء المثناه التحتية.

قال لنا المرافقون من السكان وأهل الخبرة: ما سال من هذه الشرفة شمالا فهو على وادي ياج فهو حل، وما سال منها جنوبا فهو حرم. ومن جبال اليسر إلى بشم نحو ثلاثة كيلوات.

ثم اتجهنا إلى التنعيم، والتنعيم يمر به الطريق العام المتجه إلى وادي الجموم "وادي مر الظهران"، وهو طريق المدينة المنورة وتسميه الناس " مساجد عائشة "؛ لأن عائشة رضي الله عنها أحرمت منه لعمرتها عام حجة الوداع، لأنه أقرب الحل إلى المسجد الحرام.

قال مؤرخو مكة ومنهم الفاسي وإبراهيم رفعت وطاهر الكردي وغيرهم: إن العلمين الكبيرين اللذين في التنعيم أمر بعمارتهما الخليفة العباسي الراضي، وذلك في عام خمسة وعشرين وثلاثمائة.

قال الفاسي في شفاء الغرام: واسمه مكتوب عليهما.

قال في المنقور نقلا عن جمع الجوامع لابن عبد الهادي: الأعلام المنصوبة عند مساجد عائشة هما علمان كبيران وأعلام صغار متصلة بالجبلين من الجانبين يسميها العامة "خطوات النبي" أو "خطوات علي".

شرفة شيق: ثم اتجهنا من التنعيم غربا مع شعب يقال له: "ملحة" يمتد إلى "شرفة شيق"، وقد وجدنا علمين مندثرين: أحدهما فوق ربوة يبعد عن أعلام التنعيم نحو ثلاثة كيلوات. والعلم الثانى إلى الشمال بنحو نصف كيلو، ثم يتصل الحد إلى شعب شيق.

ص: 664

ذات الحنظل: قال الأزرقي: شيق طرف بلدح الذي يسلك إلى ذات الحنظل من يمين طريق جدة. وذات الحنظل ثنية في مؤخر هذا الشعب وأنصاب الحرم على رأس الثنية. اهـ. كلام الأزرقي.

قلت: ذات الحنظل هي ما يسمى الآن "أم الجود"، فما سال من رأس الثنية المذكورة شمالا فهو حرم. وكان رأس الثنية هو أحد مدخلي مكة من المدينة المنورة ووادي الجموم. قال الأزرقى: هو طريق المدينة الغربي، والأنصاب على هذه الطريق على رأس الثنية تسمى ذات الحنظل.

والمسافة بين "التنعيم" وبين "ذات الحنظل" تقدر بنحو خمسة كيلوات.

الرحا: ثم يتجه الحد غربا ليتصل "بالرحا" والرحا: ريع يصب من جهته الجنوبية بذات الحنظل وهو حرم، ويصب بجهته الشمالية في وادي سرف وهو حل. ووجدنا في رأس هذا الريع علمين على يمين الريع وعلى يساره كقبضتي الباب.

قال الأزرقي: الرحا في الحرم وهو ما بين أنصاب المصانع إلى ذات الجيش.

والرحا: ثينة ينفذ منها من بين جبال شاهقة، وهذه الثينة هي كانت طريق المدينة المنورة الغربي كما تقدم، ذكر ذلك عند ذات الحنظل. أما الطريق الشرقي فهو الطريق العام الآن والمار بالتنعيم كما تقدم وصفه.

وبناء على أن هذا أحد مدخلي مكة المكرمة من المدينة ومن وادي الجموم، فقد وجدنا أعلاما كثيرة تزيد عن العشرة على قمم تلك الجبال، فكونها طريقا رئيسيا حظيت بالعناية بكثرة الأعلام لتمييز الحل فيها عن الحرم، فسيل هذه الجبال من الجنوب في الحرم وسيلها من الشمال في الحل.

الْمُرَيْر: ومن ثينة الرحال، يتجه الحرم غربا بسلسلة جبال حتى يصل إلى ثينة المرير، تصغير مر، وعلى قمم هذه السلسلة أعلام كثيرة تزيد عن العشرين مندثرة، وباقي مؤنتها من الحجارة والنورة عندها. وما سال من هذه الجبال شمالا فهو في الحل، وما سال منها جنوبا فهو في الحرم.

ثم بعد ثينة المرير تستمر سلسلة جبال متجهة إلى الغرب تطل على وادي "الجوف"، ووجدنا في قسمها أعلاما كثيرة بين كل علم عن الآخر نحو خمسين مترا وهي مهدمة، وآخر علم منها يبعد "ثينة المرير" بنحو كيلو ونصف كيلو.

ص: 665

قال ابن إسحاق في السيرة: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا سلك في ثينة المرار بركت ناقته، فقال الناس: خلأت ناقته، فقال:((ما خلأت وما هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها)) .

قال ياقوت: وثينة المرار مهبط الحديبية.

وبعد سلسلة تلك الجبال تستمر حدود الحرم على الأمكنة الآتية:

الراحة: على يمين الذاهب إلى جدة.

الجفة: ردهة يجتمع فيها الماء يقال لها:

النحاير: وبعض النحاير في الحل وبعضها في الحرم، وهي على يمين الذاهب إلى جدة.

الأعشاش: ردهة تتصل من الشرق بالنحائر ومن الغرب بالحديبية، ويسمى الآن " الشميس " بعض الأعشاش في الحرم وبعضها في الحل، فما أقبل من الأعشاش شمالا فهو حل وسيله يتجه إلى مر الظهران، وما أقبل منه جنوبا فهو حرم؛ لأن سيله يصب في المرير من الحرم.

ص: 666

الحديبة: ثم اتجهنا إلى "أعلام الشميس" الحديبة، وفيها العلمان الكبيران اللذان يمزجهما طريق مكة – جدة القديم المار بجدة ثم بحرة ثم أم السلم.

ولم أعثر على تاريخ هذين العلمين ولا من بناهما، وإنما الذي وجدته للشيخ طاهر الكردى قوله: يوجد علمان عند الشميس المسمى قديما بالحديبة بطريق جدة، وهما يقابلان الكيلو 19، يعني من مكة.

وهذان العلمان قديمان يقعان في الطريق القديم لقافلة الجمال، ثم إنه في جمادى الأولى من سنة (1376 هـ) ست وسبعين وثلاثمائة وألف بني علمان آخران في مقابلة العلمين القديمين، وبنيا في طريق السيارات المزفلت عند الكيلو 19، وكان ذلك بأمر صاحب الجلالة الملك المعظم سعود بن عبد العزيز آل سعود وفقه الله تعالى لكل خير. اهـ.

قال ياقوت الحموي وغيره: الحديبة قرية متوسطة ليست بالكبيرة، سميت ببئر هناك عندها مسجد الشجرة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه تحتها، وبعض الحديبة في الحل وبعضها في الحرم، وهي أبعد الحل من البيت، وليست في طول الحرم ولا في عرضه، بل هي في مثل زاوية الحرم، فلذلك صار بينها وبين المسجد أكثر من يوم ". اهـ. وتسمى الآن الشميس" بسبب أحجار فيها حمر يعمل منها الرحي.

ص: 667

وبئرها المذكور تسمى "الهديبة"، وأخبرني الشيخ محمد حسين نصيف رحمه الله أنه كان يسكن عندها رجل ليس بعربي، وكان يسقى الناس منها ويسميها بلغته "الهديبة"، فنسي الاسم الصحيح وبقي الاسم المحرف.

فتحقق لنا أن في الشميس أربعة أعلام: اثنان قديمان على الطريق الحالي وكان طريق الإبل وغيرها في القديم. والعلمان الآخران بحذوهما من الجنوب أمر ببنائهما الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله.

وبعد أعلام الشميسي اتجهنا جنوبا إلى "أظلم" جبل يمتد من الشمال إلى الجنوب ويقطعه طريق جدة – مكة الجديد السريع، وبين طرفه الشمالي وبين الشميسي نحو ثلاثة كيلوات، أما جبل "أظلم" فيمتد إلى طريق الليث بطول بنحو سبعة كيلوات. ووجدنا عليه سبعة أعلام متهدمة،

وفي الوقوف الأول عام (1385 هـ) لم يكن عند الهيئة تردد في أنه حد للحرم.

أما في هذه المرة عام (1400 هـ) فصار عند الشيخ عبد الله بن منيع والشيخ محمد بن سبيل بعض التردد في كونه حدا، إلا أن المرافقين من السكان وأهل الخبرة لم يترددوا في صحة الحد واعتبارهم إياه حدا يتوارثونه مع وجود الإعلام فيه ومحاذاته لأعلام الشميسي.

الدوقة: ومن سلسلة جبل "أظلم" اتجهنا نحو الشرق مع سهل ممتد، قال المرافقون: إن هذه بلدان لجماعة من الأشراف يقال لهم: العرامطة، يسمى ذلك السهل:"أم هشيم"، حتى وصلنا هضبة تسمى الدومة الجنوبية، ووجدنا فيها علما مندثرا.

ص: 668

البشائم: ثم في نفس الاتجاه ذهبنا إلى "البشائم" قال الأزرقي: البشائم ردهة تمسك الماء فيما بين أضاة لبن، بعضها في الحل وبعضها في الحرم.

أضاة لبن: وبالقرب من البشائم في نفس الاتجاه "أضاة لبن" قال الأزرقي: أضاة لبن في طريق اليمن من جهة تهامة، وأنصاب الحرم على رأس جبل غراب بعضه في الحل وبعضه في الحرم.

وقال ياقوت: أضاة لبن من حدود الحرم على طريق اليمن. اهـ.

وقال الفاكهي: وأما لبن فهو في طرق أضاة لبن، والأضاة هي الأرض، ولبن هو جبل طويل له رأسان، والأضاة من أسفله.

غُرَّاب: بضم الغين المعجمة وتشديد الراء: جبل يلي أضاة لبن في الحل وبعضه في الحرم. قال الأزرقي: غراب جبل بأسفل قرية بعضه في الحل وبعضه في الحرم.

البيبان: على نفس طريق اليمن فيها أكمات بينها منافذ تشبه البيبان، وعلى تلك الأكمات أعلام واضحة هي حدود الحرم.

مهجرة: ويليها من الشرق جبل أسمر يقال له: "مهجرة" وفيه علم قديم. ووضعنا عليه مسار حديد في الوقوف الأول عام 1385 هـ. ووجدناه في الوقوف الثاني عام 1400 هـ.

ص: 669

صيفي: وفي شرق جبل مهجرة قرن صغير أبيض يقال له: "صيفي" عليه علم وهو في سمت مهجرة نحو الشرق.

عارض الحصن: ثم يمتد حد الحرم من القرن المسمى صيفي إلى سلسلة جبال تمتد من الغرب إلى الشرق يقال لها: "عارض الحصن" فما سال من سلسلة تلك الجبال شمالا فهو حرم، وما سال منها جنوبا فهو في الحل.

والحدود الثلاثة مهجرة وصيفي وعارض الحصن في بلدان زراعية تسمى "الحسينية"

قرن العميرية: ومن عارض الحصن يتصل الحد بضفة وادي عرنة الغربية، وهي نهاية حد الحرم من هذه الناحية، وعلى ضفة الوادي جبل يقال له:"قرن العميرية" نسبة إلى بلاد زراعية تحته.

نمرة: ومن قرن العميرية يسامته على ضفة الوادي المذكور جبال نمرة التي هي حد الحرم، والتي كان منها ابتداء التحديد.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

1109 – وقد اختلف المؤرخون في تحديد قدر المسافات التي بين الكعبة المشرفة وحدود الحرم من كل جهة.

ص: 670

ولعل هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف الابتداء من المسجد الحرام إلى تلك الحدود. على أنهم لم يذكروا إلا مسافات الطرق الرئيسية ونحن نذكر تحديداتهم باختصار:

طريق عرفة: قيل: سبعة أميال، وقيل: تسعة أميال، وقيل: ثمان عشرة ميلا، وقيل: أحد عشر ميلا، ولعله أقربهن إلى الصواب.

طريق نجد والعراق: قيل: ستة أميال، وقيل: ثمانية أميال، وقيل: عشرة أميال، وقيل: سبعة أميال، وهو أقربهن إلى الصواب.

طريق الجعرانة: قيل: اثنا عشر ميلا، وقيل: تسعة أميال، وهو أقربهما للصواب.

طريق التنعيم: ثلاثة أميال قريب جدًا.

طريق جدة: قيل: أحد عشر ميلا، وقيل: ثمان عشرة ميلا، وهو أقربهما إلى الصواب.

طريق اليمن: قيل: ستة أميال، وقيل: سبعة أميال، وهو أقربهما إلى الصواب.

وهذا الاختلاف في قدر المسافات إما راجع إلى اختلاف الطرق، وإما إلى تحديد المبدأ، وإما إلى اختلاف في وحدة المقاييس، وإلا فهم متفقون على المنتهى حيث يصلون إلى الأنصاب التي على الطرق الرئيسية.

ص: 671

المحصب

1110 – اختلف العلماء في النزول بالمحصب ليلة الرابع عشر من ذي الحجة بعد النزول من منى، هل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من هذا النزول سُنة ومنسك من مناسك الحج فالأفضل اتباعه فيه، أم أنه منزل عادة نزله لأنه أسهل لخروجه من مكة إلى المدينة؟ فبعض العلماء ذهب إلى هذا، وبعضهم ذهب إلى الآخر.

والمحصب هو جزء من "وادي إبراهيم" الداخل من أعلى مكة والخارج من أسفلها. وحده من "المنحنى" الواقع عند قصر آل الشيبي مقر إمارة مكة المكرمة الآن، حتى الحجون الثنية الصاعدة فيما بين مقابر المعلاة، وقد جعل عليها الآن جسر ومساران، وسمي محصبا لأن فيه حصباء.

أما الآن فأصبح هذا المحصب شارعا مزفلتا تحف به المساكن العالية والأرصفة المبلطة ودكاكين ومعارض البضائع والسلع، وازدحم بالسكان والسيارات والمارة ولم يبق للتحصيب فيه مجال، سواء كان سنة أو منزلا عاديا.

ص: 672

حدود منى

1111 – صدر قرار من وكيل وزارة الحج إلى مدير الإدارة الفنية في وزارة الحج برقم 522/1 وتاريخ 28/1/1393هـ بشأن إنشاء أعلام لحدود مزدلفة ومنى، لتوضيح حدود هذين المشعرين.

وتشكيل لجنة من وزارة العدل والإشراف الديني بالمسجد الحرام والرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف وأمانة العاصمة المقدسة والإدارة الفنية في وزارة الحج.

فشكلت اللجنة المذكورة وقامت بالعمل المذكور وتحقق لديها بموجب قرارها المؤرخ في 25/2/1393 هـ ما يلي:

(أ) ظهر أن مبتدأ منى من جهة مكة المكرمة هو جمرة العقبة، وحدها من جهة مزدلفة ضفة وادي محسر مما يلي منى، ليكون وادي محسر فاصلا بين منى ومزدلفة، وذلك استنادا منا إلى ما جاء عن عالم مكة ومفتيها عطاء بن أبي رباح. قال الأزرقي في أخبار مكة بسنده عن ابن جريح قال: قلت لعطاء بن أبي رباح: أين منى؟ قال: من العقبة إلى محسر. قال: فلا أحب أن ينزل أحد إلا فيما بين العقبة إلى محسر، هذا طولا.

(ب) ظهر أن عرض منى ما بين الجبلين الكبيرين بامتدادهما من العقبة إلى وادي محسر، ليكون ما بينهما من الشعاب والهضاب وما لهما من السفوح والوجوه الموالية لمنى كلها مشعر منى، وليكون كل ما أدخله "وادي محسر" ابتداء من روافده في أصل جبل ثبير حتى يصل إلى حد منى في أصل جبلها الجنوبي بامتداد ضفته الغربية، كل ذلك داخل في حدود منى.

وهذا التحديد استناد إلى ما نص عليه العلماء وطبقناه على الحدود المذكورة بالمشاهدة. قال النووي في المجموع: "واعلم أن منى شعب محدود بين جبلين أحدهما ثبير والآخر الصايح. قال الأصحاب: ما أقبل على منى من الجبال فهو منها وما أدبر فليس منها". اهـ كلامه.

وقد وجدنا أعلاما على ضفة وادي محسر ما بين منى ليست بعيدة العهد، ووجدنا وضعها مقاربا للحد الشرعي فأقريناها وأوصينا أن تجعل الأعلام الجديدة بجانبها، إلا أن تلك الأعلام لم تستوف تمام الحد، فقررنا استيفاء ما بقي منه بالأعلام الجديدة.

ص: 673

حدود مزدلفة

1112 – أما حدود مزدلفة من قرار لجنة وزارة العدل والإشراف الديني وهيئات الأمر بالمعروف ووزارة الحج ومندوب أمانة العاصمة المقدسة المشكلة من قبل وكيل وزارة الحج برقم 522/1 في 28/1/1393 هـ فقرر لحدود مزدلفة بقراره المؤرخ في 25/3/1393 هـ ما يلي:

(جـ) ظهر أن مبتدأ حد مزدلفة مما يلي منى هو ضفة وادي محسر الشرقية ليكون الوادي المذكور فاصلا بينها وبين منى، فإذا وصل الوادي المذكور إلى جبل منى الجنوبي، وتغير اتجاهه من الجنوب إلى الشرق جاعلا الجبل المذكور يمينه ومزدلفة يساره، ثم فاض مع سفح الجبل المسمى "دقم الوبر"، حيث يعتدل اتجاهه إلى الجنوب (كما كان) ، فظهر أن ضفة الوادي الشمالية هي حد مزدلفة من هذه الجهة.

كما ظهر أن حد مزدلفة مما يلي عرفات هو مفيض المأزمين مما يليها (يلي مزدلفة) ، كما أن حدها من طريق ضب ما يسامت مفيض المأزمين، وقد وجدنا أعلاما فأبقيناها، وأوصينا بأن تجعل الأعلام الجديدة بجانبها، هذا هو حد الطول.

أما حد مزدلفة العرضي فما بين هذين الجبلين الكبيرين هو مزدلفة.

فظهر لنا أن ما بين حدي مزدلفة طولا وما بين حديها عرضا من الشعاب والهضاب والقلاع والروابي ووجوه الجبال؛ كلها تابعة لمشعر مزدلفة وداخل في حدودها.

وذلك استنادا إلى النصوص التي قمنا بتطبيقها على الحدود المذكورة حين الوقوف والمشاهدة، ومن تلك النصوص ما يلي:

روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((وقفت هاهنا وجمع كلها موقف)) .

وروى الإمام مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((المزدلفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن محسر)) .

وروى ابن جرير في تفسيره قال: "عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال "ما بين الجبلين اللذين بجمع مشعر".

وقال في المغني "وحد مزدلفة ما بين وادي محسر ومأزمي عرفة إلى قرن محسر، وما على يمين ذلك وشماله من الشعاب ففي أي موضع وقف أجزأ".

ص: 674

وقال الأزرقي: "حد مزدلفة ما بين وادي محسر ومأزمي عرفة، وليس الحدان من المزدلفة، فجميع تلك الشعاب القوابل والظواهر والجبال الداخلة في الحد المذكور".

هذا ما قررناه بخصوص حدود هذين المشعرين العظيمين: منى ومزدلفة. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

بعد هذا أثير موضوع حدي مزدلفة الشمالي الغربي والجنوبي الغربي، ودرس من عدة لجان، وأخيرا درس من هيئة كبار العلماء واشتركت معهم أنا محرر هذه الأسطر (عبد الله بن عبد الرحمن البسام) ، وقائمقام العاصمة المقدسة شاكر بن هزاع، والشريف محمد بن فوزان الحارثي، بصفتهما من أهل البلاد وصاحبا خبرة ودراية بهذه الديار.

وعقد في نفس الحدود مخيم اجتمع غالب أعضاء هيئة كبار العلماء، وأقاموا فيه يومين وقفوا على الحدود ودرسوا الموضوع بما أعد فيه من نصوص وقرارات سابقة وتداولوا الرأي، وذلك برئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.

وبعد هذا صدر من المجلس القرار الذي ننقل منه الغرض المطلوب في الموضوع وهو: استمع المجلس إلى نصوص العلماء في تحديد مزدلفة، ورجع إلى محاضر اللجان السابقة، فاطلع على قرار اللجنة المؤرخ في 25/2/1393 هـ، الموقع من مندوب وزارة العدل ورئاسة الإشراف الديني بالمسجد الحرام والرئاسة العام للهيئات بالحجاز ووزارة الحج وبلدية منى.

ص: 675

واطلع على المحضر المؤرخ في 11/10/1396 هـ الموقع من رئيس المحكمة الكبرى بمكة وعضو هيئة التمييز وقائمقام العاصمة ومندوب إمارة مكة ومندوب أمانة العاصمة الخاص بالحد الجنوبي الغربي لمزدلفة.

واطلع على المحضر الموقع في 3/11/1402 هـ من فضيلة الشيخ سليمان بن عبيد وفضيلة الشيخ عبد الله بن منيع وفضيلة الشيخ عبد الله بن بسام، والخاص بالحدين الشمالي والغربي والجنوبي الغربي لمزدلفة.

وانتهى المجلس بالأكثرية على ما رأته اللجنة السابقة في محضر 11/10/1396 هـ أن الحد للجهة الجنوبية الغربية من هذا المشعر يبتدئ من الجهة الشمالية بالجبل المسمى "بقرن" الواقع شرقي وادي محسر والمقابل لدقم الوبر، فيقع دقم الوبر عنه غربا شمالا ويمتد الحد من جهة الجنوب من قمة القرن المذكور إلى خشم الجبل الذي يقع في نهاية الجبال الممتدة من مزدلفة جهة الجنوب، فكل ما وقع شرقي هذا الحد يعتبر من مشعر مزدلفة، وما كان غربيه فهو خارج عنها، وبهذا يتضح أن جزءا كبيرا من حدائق أمانة العاصمة الموجودة هناك داخل في حدود مزدلفة.

وتقترح اللجنة أن الأعلام الموضوعة في الجانب الشرقي الشمالي من وادي محسر يوضع أعلام مماثلة لها بمحاذاتها حتى تصل إلى خشم الجبل الجنوبي الموضح أعلاه. انتهى ما يتصل بحدود مزدلفة من هذا القرار.

ص: 676

المعارضون

1113 – توقف عن التحديد جملة وتفصيلا بعض الأعضاء وبعضهم غائب، ولكن حصل القرار المذكور بأكثرية المجلس ممن تم بهم النصاب وعارض في الحد الجنوبي الغربي:

1-

الشيخ محمد بن جبير.

2-

الشيخ عبد الله بن منيع.

3-

الشيخ عبد الله بن بسام (محرر هذه الأسطر) .

ويرون أنه – كما نص العلماء – جميع الحد الغربي لمزدلفة هو " وادي محسر " وأن الحد الجنوبي لمزدلفة هو جبالها الجنوبية المنحرفة خشما جبل مزدلفة الجنوبي، فإذا حاذى الوادي خشم الجبل ثم الحد الجنوبي الغربي لمزدلفة بمحاذاة الوادي لخشم الجبل الغربى، وتسمى تلك الجبال الجنوبية لمزدلفة "جبال المريخيات". وبهذا تكون حدائق أمانة العاصمة كلها داخلة في حدود مزدلفة.

هذا ما نقرره ونعتقده ونرى أن النصوص تدل عليه. والله من وراء القصد.

أما الحد الشمالي الغربي لمزدلفة فقد قرر هيئة كبار العلماء عنه قرارا نأخذ منه قدر موضع الحاجة بما يلي:

في الدورة العشرين لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة في الطائف من الخامس والعشرين في شوال حتى السادس من ذي القعدة عام 1402 هـ، نظر المجلس في مزدلفة من الناحية الشمالية الغربية بناء على الأمر السامي رقم 11148 في 12/5/1402 هـ. واستمع المجلس إلى نصوص العلماء في تحديد مزدلفة، ورجع إلى محاضر اللجان السابقة، واطلع المجلس على المحضر المؤرخ في 3/11/1402 هـ والموقع من فضيلة الشيخ سليمان بن عبيد وفضيلة الشيخ عبد الله بن منيع وفضيلة الشيخ عبد الله بن بسام، والخاص بالحدين الشمالي الغربي والجنوبي الغربى.

وفي الدورة الواحدة والعشرين أعاد بحث الموضوع فرأى أن البت فيه ينبغي أن يكون بعد وقوف المجلس على الموقع وتطبيق كلام أهل العلم.

وفي الدورة الاستثنائية السادسة المنعقدة في مكة المكرمة في الفترة من يوم الأربعاء الموافق 3/5/1403 هـ حتى يوم الأحد الموافق 7/5/1403 هـ رجع المجلس إلى كلام أهل العلم مرة أخرى، وإلى محاضر اللجان السابقة، ووقف في المكانين المذكورين عدة مرات واستمع إلى ما لدى كل من فضيلة الشيخ عبد الله ابن بسام والشريف شاكر بن هزاع والشريف محمد بن فوازان الحارثي وانتهى بعد ذلك إلى ما يلي:

ص: 677

نظرا إلى أن العلماء قد نصوا على أن حد منى من الجهة الشرقية وادي محسر وحد مزدلفة من الجهة الغربية الوادى نفسه، ونصوا أيضًا على أن حد مزدلفة شمالا جبل ثبير، وحيث أن جبل ثبير ينعطف شمالا قبل أن يصل إلى وادي محسر، فإن المجلس بالأكثرية يرى أن الحد يمتد غربا من منعطف ثبير مارًّا بجنوبي الجبل المقابل لمنعطف ثبير إلى وادي محسر، فما أقبل من الجبال جنوبا فهو من مزدلفة، وما أدبر شمالا فهو خارج عنها. وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

رقم القرار – 105 – وتاريخه 7/5/1403 هـ.

وسبق قرار الحد الغربي الجنوبي بالقرار رقم 106 في 7/5/1403.اهـ.

وتأكد هذان القراران بالموافقة السامية بخطاب موجه من رئيس مجلس الوزراء إلى وزير الداخلية برقم 4/986/م في 30/4/1404 هـ. وجاء فيه.

نخبركم بموافقتنا على ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء بقراريه رقم 105 – 5/106 في 7/5/1403 هـ بالأكثرية من حيث تحديد مزدلفة من الناحيتين الشمالية الغربية والجنوبية الغربية، وعلى وزارتكم إنفاذ مقتضاه وقد زودنا الجهات المعنية بنسخة من أمرنا هذا للاعتماد فأكملوا ما يلزم بموجبه.

رئيس مجلس الوزراء

ص: 678

حدود عرفات

1114 – في عام 1386 هـ تشكل لجنة لتحديد عرفات بناء على تعميد المقام السامي على رئاسة القضاة.

1-

الشيخ عبد الله بن عمر بن دهيش – رئيس المحكمة الكبرى بمكة المكرمة.

2-

كاتب هذه الأسطر عبد الله بن عبد الرحمن البسام – قاضي المحكمة المستعجلة الثالثة كلاهما مندوبا عن رئاسة القضاة.

3-

الشيخ سيد علوى بن عباس مالكي المدرس بالمسجد الحرام.

4-

الشيخ أحمد العربي مدير أوقاف العاصمة المقدسة.

5-

قائمقام العاصمة الشريف شاكر بن هزاع.

وعدد كبير من أهل الخبرة بالمنطقة من السكان فأحضرنا النصوص من مراجعها من كتب التفسير والحديث والأحكام والمناسك والتواريخ ومعاجم البلدان، وطال ترددنا على مشعر عرفات والوقوف عليه والبحث مع السكان وأهل الخبرة.

وبعد أن قارب الموضوع على أن ينتهي أحيل الشيخ عبد الله بن دهيش على المعاش، ونقلت أنا إلى رئاسة المحكمة الكبرى بالطائف.

فشكلت لجنة أخرى لدراسة الموضوع مرة أخرى وصدر فيها القرار الآتي ما نحتاج إليه منه:

الحمد لله وحده، وبعد؛ فبناء على ما تلقيناه من سماحة رئيس القضاة برقم 3615 في 22/8/1388 هـ نحن عبد الله بن جاسر وسليمان عبيد والسيد علوي مالكي وعبد العزيز بن فوزان، على أمر صاحب الجلالة الملك فيصل بن عبد العزيز بتشكيل هيئة مؤلفة من طلبة العلم ومن سكان عرفات ومن وزارة الحج والأوقاف والشيخ بابصيل والمهندس فؤاد حوارى واستعرضنا النصوص في حدود عرفات ووقفنا على منتهى جميع جهات عرفات لنا بعد الدراسة:

الحد الشمالي: حد موقف عرفة من جهة الشمال الشرقي هو الجبل المشرف على بطن عرفة المسمى "جبل سعد".

ص: 679

الحد الغربي: وحد موقف عرفة من الجهة الغربية وادي عرنة يبتدئ من الجهة الشمالية من ملتقى وادي وصيق بوادي عرنة، وينتهي من جهة الجنوب عندما يحاذي أول سفح الجبل الواقع جنوبي المأزمين وطريق ضب. وتبلغ المساحة لهذا الحد ابتداء من ملتقى وصيق بوادي عرنة من الجهة الشمالية إلى منتهاه من الجهة الجنوبية (خمسة آلاف متر) .

الحد الجنوبي: ويحد موقف عرفات من الجهة الجنوبية الجبال المقابلة للجبل الشمالي ويمتد الحد حتى يلتقي بمجرى وادي عرنة، وبهذا ينتهي الحد من الجهة الجنوبية الغربية.

أما منتهاه الجنوبي الشرقي، فهو من الجهة الجنوبية الشرقية سلسلة الجبال الجنوبية من جهة الشرق التي يخترقها طريق السيارات الذاهبة إلى الطائف.

الحد الشرقى: ويحد موقف عرفات من الجهة الشرقية جبل سعد.

قال محرره: هكذا قالت اللجنة وجبل سعد تقدم أنه حد شمالي ولكن الحد الشرقى لعرفات هو ما ذكره صاحب جغرافية شبه الجزيرة العربية حيث قال: وهناك تحد جبل سعد خلف الوادي "عرفات" وقفله أمامك من الشرق بشكل قوس كبير، وعلى طرف القوس من جهة الجنوب طريق الطائف، فهذا في الحق هو الحد الشرقي لعرفات (1) .

هذا ويعلم أن وجوه الجبال المحيطة بعرفات داخلة في الموقف كما قال ذلك إمام الحرمين، حيث قال:"ويطيف بمنعرجات عرفات جبال وجوهها المقبلة من عرفات. وقال الماوردي عن الشافعي: عرفات حيث وقف الناس من عرفات من جوانبها ونواحيها وجبالها وسهولها وبطاحها وأوديتها". اهـ.

هذا ما ظهر لنا من حدود هذا الموقف العظيم بعد استقصاء للأدلة وتتبع الآثار والمعالم وسؤال أهل الخبرة من سكان تلك الجهة.

هذا ونوصي بأن يوضح على الحدود التي أوضحناها أعلام كبيرة عالية وكتب عليها باللغات المشتهرة بأنها حدود الموقف، وأن يكون بين كل علمين مائتا متر على الحد الأقصى. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(1) هذا قبل أن يحدث الطريق السريع الذي يجعل جميع عرفات عن يساره للذاهب إلى الطائف.اهـ. عبد الله البسام

ص: 680

حدود حمى المشاعر

1115 – الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

وبعد، بناء على أمر المقام السامي رقم 4/4/1155 في 18/5/1401 هـ، المبني على خطاب سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد رقم (473/2) في 7/3/1401 هـ.

المتضمن ما جاء بقرار مجلس هيئة كبار العلماء في الدورتين (السادسة عشرة) و (الخامسة الاستثنائية) حول ما رفع من التعديات على أجزاء من المشاعر المقدسة والطرق المؤدية إليها

إلخ.

وموافقة المقام السامي الكريم على ما جاء فيه من لجنة مكونة من:

1-

الرئيس العام لشئون الحرمين الشريفين سليمان بن عبيد.

2-

القاضي بمحكمة التمييز عبد الله البسام.

3-

القاضي بمحكمة التمييز عبد الله المنيع.

4-

وكيل إمارة منطقة مكة المكرمة حمد بن محمد الشاوي.

5-

أمين العاصمة المقدسة عبد القادر كوشك.

6-

قائمقام العاصمة المقدسة الشريف شاكر بن هزاع.

7-

مندوب عن وزارة الحج والأوقاف.

ص: 681

للنظر والقيام بما يلي:

وذكر أشياء يهمنا منها هنا ما يلي:

إزالة جميع التعديات التي حدثت على المشاعر وطرقها وما ينبغي أن يكون من مرافقها وحماها، وقد أوصى المجلس اللجنة المذكورة بالاهتمام بالعناية بها والاهتمام بأمر المشاعر والمحافظة عليها في الحاضر والمستقبل، وملاحظة الاحتياط في العمل والإسراع في إنجازه، وبعد ذلك تبدأ اللجنة بكامل أعضائها بدراسة الموضوع.

وقامت بعدة استطلاعات على مشعري عرفة ومزدلفة وما يجب أن يكون حمى لها وبعد تداول الرأي وتبادل المشورة والاستماع إلى وجهات النظر تقرر ما يلي.

ثالثا: فيما يتعلق بحمى المشاعر من طرق ومواقف للسيارات ومرافق عامة، فيكون الحد الغربي لها الطريق العام المسمى شارع مزدلفة الممتد من دقم الوبر جنوبا حتى يصل إلى جسر الشارع العام طريق الطائف السريع، ثم ينعطف شرقا مع الشارع طريق الطائف المذكور ليشكل حدا جنوبيا، حتى يصل إلى جسر مفرق الطريق المؤدي إلى جدة الواقع جنوب شرقي عرفة، ثم ينعطف إلى الشمال مع سلسلة جبال ملحة حتى يتصل بجبل سعد، ويمتد هذا الحد إلى أن يصل إلى ملتقى "وادي وصيق" بوادي عرنة ثم يمتد متجها إلى الجهة الشمالية الغربية مع ضفة "فج الحرمان" الشرقية الشمالية، حتى يصل إلى جبل الطارقي، ثم ينعطف الحد غربا حتى يلتقي بوادي سديرة المشهور بوادي المعيصب، ثم يستمر الحد مع وادي المعيصب حتى يصل إلى سفح الناحية الشرقية من جبل ثبير الواقع شمال منى.

وتوصي اللجنة بأن يعهد إلى جهة الاختصاص فتقوم بوضع أعلام على مرافق المشاعر ومحارمها. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

تواقيع اللجنة التاريخ 9/3/1402 هـ.

بعد هذا صدرت الموافقة السامية بموجب خطاب نائب رئيس مجلس الوزراء إلى وزير الداخلية بخطابه رقم 18366 في 2/8/1402 هـ الذي جاء فيه:

يقوم معالي الرئيس العام لشئون الحرمين الشريفين الشيخ سليمان بن عبيد وفضيلة الشيخ عبد الله بن منيع وفضيلة الشيخ عبد الله بن بسام بالإشراف على تنفيذ ما قررته اللجنة المذكورة ومتابعة العمل ومواصلة الجهود حتى يتم ذلك على الوجه الأكمل. ولموافقتنا على ذلك نرغب إليكم إكمال ما يلزم بموجبه، وقد زودنا كلا من وزارة العدل وأصحاب الفضيلة بنسخة من أمرنا هذا للاعتماد.

نائب رئيس مجلس الوزراء.

ص: 682

الجمرات

1116 – الجمرات جمع جمرة: قال في المصباح: هي مجتمع الحصى بمنى، فكل كومة من الحصى جمرة، والجمع جمرات.

قال الشيخ محمد حسن مكرم في كتابه "غيبة الناسك":

الجمرة: موضع الشاخص لا الشاخص، فإنه علامة الجمرة، فإن وقع الحصى في الشاخص ولم ينزل لا يجزئه.

قال في النخبة: محل الرمي هو الموضع الذي عليه الشاخص وما حوله لا الشاخص، وقدروا مجتمع الحصى بثلاثة أذرع، فلو كان في الشاخص طاق فاستقرت الحصاة فيه لم يجزئ.

وقال الشافعي رحمه الله: الجمرة مجتمع الحصى لا ما سال من الحصى، فمن أصاب مجتمع الحصى بالرمي أجزأه ومن أصاب مسائل الحصى الذي ليس هو مجتمعه لم يجزه. والمراد مجتمع الحصى في موضعه المعروف، والذي هو كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن حجر الهيثمي: حَدَّهُ الجمالُ الطبري بأنه ما كان بينه وبين أصل الجمرة ثلاثة أذرع فقط.

وهذا من تفقهه وكأنه قرر به مجتمع الحصى غير السائل، والمشاهدة تؤيده، فإن مجتمعه غالبا لا ينقص عن ذلك. وقال ابن حجر الهيثمي أيضًا قول النووي: والمراد مجتمع الحصى المعهود الآن بسائر جوانب الجمرتين الأوليين، وتحت شاخص جمرة العقبة هو الذي كان في عهده صلى الله عليه وسلم.

وقال المحب الطبري: وليس للمرمى حد معلوم، غير أن كل جمرة عليها علم، وهو عمود معلق هناك فيرمى تحته وحوله ولا يبعد عنه احتياطا.

وحده بعض المتأخرين بثلاثة أذرع من سائر الجوانب، إلا في جمرة العقبة فليس لها إلا جانب واحد لأنها تحت جبل.

وقال الشيخ منصور البهوتي: فظهر أن موضع الحصى لا ما سال منه ولا الشاخص كما نص عليه الشافعي رحمه الله تعالى.

وقال الشيخ سليمان بن علي: المرمى الذي يترتب عليه الأحكام هو الأرض المحيطة بالميل المبني ولم أقف على حد ذلك هل هو ذراع أو أكثر أو اقل.

فلو طرح الحصاة على رأس البناء لا يعتد بها لأنها لم تحصل بالمرمى، هذا في الجمرتين، أما جمرة العقبة، فالذي يظهر لي والله أعلم أن المرمى منها الأرض التي في أصل البناء مما يلي بطن الوادى فلو رمى ظهرها لم يعتد برميه. اهـ.

ص: 683

قال محرره عبد الله بن بسام: كأن الشيخ سليمان بن علي لم يطلع على أقوال العلماء التي نقلناها وغيرها.

وبعد، فما تقدم من النصوص في بيان وتحديد مكان رمي الجمرات منقول عن علماء مكة المكرمة ويلاحظ منه أمور:

أولا: كان مرمى الجمار الثلاث غير محوط، وكان الناس يرمون الحصى بأصل الشاخص وما قرب منه من الأرض، والعلماء قد اختلفوا في قدر المرمى، فبعضهم يقدره إلى أصل الشاخص بثلاثة أذرع وبعضهم باقل من ذلك والثالث منهم يرون أن الشاخص وأرضه ليسا من المرمى، فلو تعلقت الحصاة في المرمى لم تجز، ولو أزيل الشاخص فرمى مكانه لم يجز، فبينهم في ذلك خلاف طويل جدًا، لاسيما بين علماء الحنفية وعلماء الشافعية. أما الحنابلة فلم نعثر لهم على تقدير وتحديد لموضع المرمى، وإنما يتناقلون عبارة الشافعي المتقدمة.

قال الشيخ محمد شكري إسماعيل حافظ كتب الحرم المكي ؤفى رسالته "الأنهار الأربعة في مرمى جمرة العقبة". الزحمة عند جمرة العقبة يلزم إزالتها بوضع شباك حواليها.

هكذا أفتى كل من العلامة إبراهيم أدهم أفندي قاضي مكة المكرمة، والفاضل إسحاق أفندي قاضي مكة المكرمة، والفاضل إسحاق أفندي قاضي المدينة المنورة، والشيخ الكامل أحمد أفندي الطاغستاني مدرس السليمانية، والفاضل حسن أفندي مدرس الداوودية، والمولوك عبد الحق من أكابر علماء الهند، والفاضل محمد أفندي الشليانى المدرس بالحرم المكي، وغيرهم من العلماء، قال كل منهم: يجب إزالة الزحمة بالشباك، فأحدث في آخر شهر ذي القعدة من شهور السنة إحدى وتسعين ومائتين وألف شباك حديدى، والحامل لهم على ذلك دفع معظم زحمة الرامين لجمرة العقبة، لا لتحديد ذات المرمى، ومساحة يسار العلم إلى جهة منى ما بين ركن العلم والشباك بذراع اليد أربعة أذرع وخمس أصابع ونصف، ويمينه إلى جهة مكة ما بين ركنه والشباك خمسة أذرع، وأما من جهة الوادى ذراع واحد وعشرة أصابع من جهة مكة ومنى وما بين طرفي الشباك مع إدخال مساحة العلم فيه ثلاثة عشر ذراعا وعشر أصابع ونصف. فهذه حدود العلم إلى الشباك.

قال محرره عبد الله بن عبد الرحمن البسام: وقد اعترض على أحداث هذه الشباك بعض العلماء، وأشدهم إنكارا له الشيخ على باصرين عالم مدينة جدة في زمنه، فقال في رسالة له: أن المقصود من وضع ذلك الشباك رفع معظم زحمة الرامين وهو حسن، غير أنه بالتحويط بذلك الشباك وعلى ما يعتبر فيه الرمي وما لا يعتبر؛ يحصل إيهام العوام، فيتوهمون أن جميع ما أحاط به ذلك مرمى، وليس الأمر كذلك.

ص: 684

ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فكان يتعين على فاعلي ذلك بالقصد الحسن أن يتداركوا رفع إيهام المفسدة الشرعية بأحد أمرين:

أحدهما: إحداث شباك ثان من حديد يكون بقدر منصوص المرمى المتفق عليه في عرض أساس العلم المبني والثلاثة الأذرع معتبرة من أساس ظاهر العلم إلى جهة الوادي.

الثانى: وضع دكة مرتفعة من حجر على المرمى المذكور بخصوصه ليميز من غيره مما أحاط به الشباك الحادث من الأرض التي لا يجزئ الرمي فيها.

وأما بإزالة هذا الشباك الحادث الموهم. وإذا لم يفعل شباك ثان يحيط بالمرمى المتفق عليه فقط لم يخل بقاؤه على هذه الهيئة من إيهام ما لا ينبغى، فحينئذ يجب أن يفعل شباك ثان ليتميز عن غيره ويندفع ما يخشى من إيهام الشباك الأول.

قال محرره عبد الله بن عبد الرحمن البسام: بعد مناقشة حول وضع هذا الشباك والتحقق أن وجوده يوهم بأن ما حواه كله مرمى أزيل، وأحدث بدله بناء أحواض حول الجمار الثلاثة، وذلك في السنة التي بعدها وهي سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف. ويظهر لى من الرسالة والبحث والمناقشة أن أحواض الجمار لما ثبت عام (1392 هـ) بنيت بشكل واسع ثم اختصرت أحواضها على ما هي عليه الآن.

ص: 685

وأرى أن الواجب هو إبقاء المشاعر على ما هي عليه بلا إحداثات فيها.

وكلمة الإمام مالك رضي الله عنه للخليفة كلمة جيدة حينما قال: يا أمير المؤمنين، أخشى أن تتخذ الملوك بيت الله ملعبة.

فالأحداث في المشاعر سبب لاتخاذها من الولاة ملعبة. نسأل الله تعالى أن يحفظ دينه ومشاعره ومقدساته، آمين.

ثانيا: أن الشاخص الذي على الجمرات الثلاث كان موجودا زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقبله.

قال أبو طالب في قصيدته اللامية وهو يعد المشاعر المقدسة ويعظمها:

وبالجمرة الكبرى إذا صمدوا لها

يؤمون قذفا رأسها بالجنادل

ثالثا: تقدير المرمى بثلاث أذرع.

أما علماء القرن الرابع عشر الهجري فذكروا وجود هذا الحائط بالمدار على المرمى لأنهم ألفوا كتبهم بعد بنائه.

قال إبراهيم رفعت في كتابه "مكة الحرمين":

الجمار: هي حائط من الحجر ارتفاعه نحو ثلاثة أمتار في عرض نحو مترين، أقيم على منطقة صخرية مرتفعة عن الأرض بنحو متر ونصف، ومن أسفل هذا الحائط حوض من البناء تسقط إليه حجارة الرجم. اهـ.

وقال الشيخ عبده بن علي العمري الحضرمي في منسكه "دليل الطريق لحجاج بيت الله العتيق" الذي ألف كتابه عام 1355 هـ:

"المرمى: هو المحل المبني فيه العلم - أي العمود - وضبط بثلاثة اذرع من مجموع جوانبه، وقد حوط الآن على هذا المقدار بجدار قصير فالمرمى يكون داخله.

وهذا في غير جمرة العقبة أما هي فلها جهة واحدة وعليه دائرة أمامها، فالمرمى يكون في وسط الدائرة تحتها " اهـ.

قلت أنا محرر هذه الأسطر عبد الله بن بسام: وقد أدركت جمرة العقبة وهي في سفح العقبة المذكورة والجمرة في جهتها الغربية الجنوبية وقد أزيلت العقبة المذكورة وجعل وراء الجمرة ما يلي الشمال الشرقي قاعدة بناء لمنع الرمى من خلفها.

ص: 686

قال العالم المعاصر الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جاسر:

قولهم: ترمى جمرة العقبة من فوقها، وذلك أن هناك عقبة معتلية في جانب الجمرة، وقد أزيلت العقبة في زمننا هذا.

فما ذكره العلماء من رمي جمرة العقبة من فوقها إنما كان ذلك قبل إزالة العقبة التي في ظهر الجمرة المذكورة شمالا شرقا. وكان إزالة العقبة في جمادى الأولى سنة ست وسبعين وثلاثمائة وألف هجري.

وإزالة العقبة لصالح توسعة شوارع، وذلك بموجب خطاب من رئيس القضاة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ جاء فيه:

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم رئيس الديوان العام الموقر.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

بالإشارة إلى خطابكم رقم 15/5/3175 وتاريخ 11/8/1375 هـ حول توسيع ما حول جمرة العقبة نفيدكم أنه جرى الاطلاع على قرار رئيس المحكمة الكبرى بمكة بهذا الخصوص، ونرى الموافقة عليه على أساس أن يكون الأخذ من الجبل المذكور الذي تستند إليه جمرة العقبة بطريقة التسهيل فقط، على أساس أن لا يمس الشاخص والحوض وما يليه، ويكون الوصول إلى المرمى من تلك الجهة سهلا وتبقى الجهة التي فوق المشعر المذكور مع العلم أن التسامح في التسهيل المذكور نظرا للحالة الحاضرة ووجود الزحام الذي ينشأ عنه ما ينشأ من أضرار ولولا ذلك بقي كل شيء على ما كان عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تاريخ 1/9/1375 هـ.

ص: 687

قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رئيس القضاة في خطاب له وجهه إلى أمير مكة المكرمة بتاريخ 2/7/1383 هـ عند الكلام على جمرة العقبة:

يتعين إبقاء المرمى – وهو الحوض – على ما كان عليه فلا يزداد فيه ولا ينقص منه بل يبقى حسب حالته السابقة كنصف دائرة والشاخص في جانبها الشمالي.

أما الشاخص فيبقى على حالته قائما ملاصقا لجدار الجمرة الشمالي

، وينبغى أن يكون إصلاح ما ذكر بحضرة مندوب من قبلنا لإيضاح معنى ما قررناه وتطبيق ما تضمنته الفتوى. والسلام عليكم.

1117 – وقد بحث موضوع أحواض الجمرات في مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية أصدر فيه القرار الآتي:

قرار رقم (127) في 29/6/1405 هـ

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. وبعد فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الخامسة والعشرين المنعقدة بمدينة الرياض في الفترة من 18/6/1405 هـ إلى 29/6/1405 هـ.

قد نظر في موضوع توسعة حواف دوائر الرجم العلوية في الجمرات وإنشاء مستودعات أرضية لاستيعاب الحصى، وذلك بناء على كتاب المقام السامى رقم 4/237/م في 14/2/1405 هـ، وقد اطلعت الهيئة على البحث الذي سبق أن أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في موضوع الجمرات، وعلى قرار المجلس رقم (12) في 16/4/1393 هـ وبعد المناقشة وتداول الرأى، قرر المجلس بالأكثرية إبقاء ما كان على ما كان وعدم أحداث شيء مما ذكر، سواء عمل مستودعات لحصى الجمار تحت حوض كل جمرة أو توسعة حواف جدار دوائر الرجم من اعلى. ومعلوم أن الحصى متى وصل إلى الحوض أجزأ ولو لم يستقر فيه، وتدحرج وسقط خارجه، وفي الإمكان تخفيف حصى الجمار المتجمع في الاحواض وحولها في جزء من آخر الليل لقلة الناس في ذلك الوقت. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

هيئة كبار العلماء

ص: 688

1118 – من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك سعود ابن عبد العزيز حفظه الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد، اطلعت على خطاب الشيخ حمود التويجرى لجلالتكم المؤرخ في 9/11/1376 هـ المتضمن النصيحة حول البناء في منى.

والحقيقة – حفظكم الله – أن ما ذكره هو عين الصواب.

وكما أن المسجد الحرام لا يجوز لأحد أن يبني فيه منزلا فهذا المشعر كذلك، ومن استولى على شيء منه تملكا وصلى فيه فصلاته غير صحيحة؛ لأنه صلى في مكان غصب، فالله الله يا إمام المسلمين في كف هذه الأيدى الغاصبة عن هذا المشعر الذي هو موضع العبادة الخاصة إلى يوم القيامة، واغتصاب شيء منه أعظم من اغتصاب أملاك المسلمين المحترمة.

وبعد أن كثر الحجاج واشتد الزحام على الجمرات فكر المسئولون بإنشاء دورتين للجمرات. فسئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رئيس القضاة عن ذلك فأجاب بما يلي:

1119 – من محمد بن إبراهيم إلى حضرة معالى وزير الحج والأوقاف:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد، اطلعنا على خطابكم رقم 1667/1 في 11/4/1382 هـ حول إنشاء دورتين للجمار الثلاث، كما اطلعنا على صورة الخرائط والمواصفات التي وضعت لهذا المشروع. ونفيدكم أننا لا نرى مانعا من ذلك بشرط الإتيان على الغرض المقصود، والخلو من أي محذور شرعى. وفق الله الجميع، وجعل هذا العمل نافعا. والسلام عليكم.

التاريخ 25/6/1382 هـ.

مقام إبراهيم

1120 – قال الشيخ محمد بن إبراهيم: مقام إبراهيم عليه السلام كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وبعض خلافة عمر رضي الله عنهما في سقع البيت. ثم أخره عمر أول مرة مخافة التشويش على الطائفين، ورده المرة الثانية حين حمله السيل إلى ذلك الموضع الذي وضعه فيه أول مرة.

ص: 689

وما دام الأمر كذلك فلا مانع من تأخير المقام اليوم عن ذلك الموضع إلى موضع آخر في المسجد الحرام يحاذيه ويقرب منه، نظرًا إلى ما ترتب اليوم على استمراره في ذلك الموضع من حرج أشد على الطائفين من مجرد التشويش عليهم الذي حمل ذلك الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أن يؤخره من الموضع الذي كان فيه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وصدر خلافة عمر.

وبتأخيره نكون مقتدين بعمر بن الخطاب المأمورين بالاقتداء به، ونرفع الحرج من ناحية أخرى عن الأمة المحمدية التي دلت النصوص القطعية على رفع الحرج عنها.

قال العلماء الآتية أسماؤهم: أما تنحية مقام إبراهيم عن موضعه الآن شرقا مسمتا ليتسع المطاف، فحيث توقف بعض المشايخ في ذلك اتفق الرأى من الجميع على اختصار هذا الهيكل الذي على المقام الآن بجعله مترا في متر فقط، والباقي يبقى توسعة في المطاف، فيكون من المطاف من وجه وزيادة في مصلى الركعتين من وجه خر، إذا فقدت الزحمة صارت صلاة الركعتين فيه وفيما خلفه من المصلى الأول، وإذا وجدت الزحمة انشغل هذا الزائد بالطائفين وصلى المصلون ركعتي الطواف خلفه:

محمد بن إبراهيم آل الشيخ – عبد الملك بن إبراهيم آل الشيخ – عبد العزيز باز – عبد الله بن عبد الرحمن بن جاسر – عبد الله بن عمر بن دهيش – حسن بن عبد الله آل الشيخ – عبد العزيز بن ناصر بن رشيد – علوي عباس مالكي – محمد بن علي الحركان – عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ – أمين كتبي – محمد يحيى أمان.

تاريخ الخطاب المرفق بهذا القرار في 2/1/1380 هـ.

1121 – هذه فقرات مقتطفة من قرار الهيئة العلمية الآتية أسماؤهم:

جرى البحث فيما يتعلق بتحديد عرض المسعى، فجرت مراجعة كلام العلماء لم نجد للحنابلة تحديدا لعرض المسعى.

وقال النووي في المجموع: قال الشافعي والأصحاب: لا يجوز السعي في غير موضع السعى، لو مر وراء موضع السعي لم يصح سعيه؛ لأن السعي مختص بمكان فلا يجوز فعله في غيره كالطواف.

قال الشافعي في القديم: فإن التوى يسيرا أجزأه، وإن عدل حتى يفارق الوادي المؤدي إلى زقاق العطارين لم يجز.

ص: 690

وقال الرفاعي: أن التوى في السعى يسيرا جاز، وإن دخل المسجد أو زقاق العطارين فلا. والله أعلم.

وقال الرملي الشافعى: لم أر في كلامهم ضبط عرض المسعى وسكوتهم عنه لعدم الاحتياج إليه، فإن الواجب استبعاد المسافة التي بين الصفا والمروة كلها، ولو التوى في سعيه عن محل السعي يسيرا لم يضر، كما نص عليه الشافعي رضي الله عنه.

وقال في تحفة المحتاج: الظاهر أن التقدير لعرضه بخمسة وثلاثين أو نحوها على الترتيب، إذ لا نص يحفظ من السنة فلا يضر الالتواء اليسير بخلاف الكثير فإنه بخرج عن تقدير العرض ولو على التقريب.

وقال الأزرقي: وذرع ما بين العلم الذي على جانب باب المسجد إلى العلم الذي بحذائه على باب دار العباس بن عبد المطلب وبينهما عرض المسعى خمسة وثلاثون ذراعا ونصف ذراع.

وحيث أن الحال ما ذكر بعاليه ونظرا إلى أنه في أوقات الزحمة عندما ينصرف بعض الجهال من أهل البوادي ونحوهم من الصفا قاصدا المروة يلتوي كثيرا حتى يسقط في الشارع العام، فيخرج من حد الطول من ناحية "باب الصفا" والعرض معا، ويخالف المقصود من البينية بين الصفا والمروة، وحيث أن الأصل في السعي عدم وجود بناء وأن البناء حادث قديما وحديثا، وأن مكان السعي تعبدي وأن الالتواء اليسير لا يضر؛ لأن التحديد المذكور بعاليه تقريبي بخلاف الالتواء الكثير، كما تقدمت الإشارة إليه في كلامهم فإننا نقرر ما يلي:

أولا: لا بأس ببقاء العلم الأخضر الذي بين دار الشيبي ومحل الأغوات، ولا بأس من السعي في موضع دار الشيبي؛ لأن مساحتها في بطن الوادي بين الصفا والمروة، على أن لا يتجاوز الساعي ما كان بين الميل والمسجد مما يلي الشارع العام وذلك للاحتياط والتقريب.

ثانيا: إننا نرى عرض كل ما ذكرناه على سماحة المفتي الأكبر الشيخ محمد بن إبراهيم حفظه الله.

الهيئة

علوي بن عباس مالكي – عبد الملك بن إبراهيم – عبد الله بن دهيش.

جلالة الملك المعظم – من خصوص قرار الهيئة في حدود المسعى قد اطلعنا عليه فوجدناه صوابا حفظكم الله.

محمد بن إبراهيم في 23/10/1374 هـ.

ص: 691