المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كلمة افتتاح الدورةألقاهامعالي الدكتور ناصر الدين الأسد - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثالث

- ‌تقديم بقلم معالي الأستاذ سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمة معالي د/ بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمة العددلمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمة افتتاح الدورةألقاهامعالي الدكتور ناصر الدين الأسد

- ‌كلمة معالي الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحقلفضيلة الشيخ آدم شيخ عبد الله علي

- ‌توظيف الزكاةفي مشاريع ذات ريع دون تمليك فردي للمستحقلفضيلة الشيخ حسن عبد الله الأمين

- ‌طرق الإنجابفي الطب الحديث وحكمها الشرعيلفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌القضايا الأخلاقيةالناجمة عن التحكم في تقنيات الإنجابالتلقيح الاصطناعيلسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌أجهزة الإنعاش وحقيقة الوفاةبين الفقهاء والأطباءلفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌موت الدماغلسعادة الدكتور محمد علي البار

- ‌نهاية الحياة البشريةللدكتور أحمد شوقي إبراهيم

- ‌متى تنتهي الحياة؟للدكتور حسان حتحوت

- ‌القلب وعلاقته بالحياةمدخل في مناقشة "متى تنتهي الحياة"للدكتور أحمد القاضي

- ‌نهاية الحياة الإنسانيةللدكتور مصطفى صبري أردوغدو

- ‌نهاية الحياة الإنسانيةللدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌نهاية الحياة الإنسانية في ضوء اجتهاداتالعلماء المسلمين والمعطيات الطبيةللدكتور محمد نعيم ياسين

- ‌نظرة في حديث ابن مسعودللدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌حقيقة الموت والحياةفي القرآن والأحكام الشرعية

- ‌توصياتمؤتمر الطب الإسلامي بالكويت

- ‌دراسةوزارة الصحة بالمملكة العربية السعودية

- ‌ورقة العمل الأردنيةقدمت للمؤتمر العربي الأول للتخدير والإنعاش

- ‌حكم إثبات أول الشهر القمري وتوحيد الرؤيةفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌بحثلفضيلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌بحثفريق علماء جامعة الملك عبد العزيزقسم علوم الفلك

- ‌توحيد بدايات الشهور القمرية(الشمس والقمر بحسبان)لسعادة الدكتور فخر الدين الكراي

- ‌الوثائق المقدمةتوحيد بداية الشهور القمريةلفضيلة الشيخ محمد علي السايس

- ‌المناقشةتوحيد بدايات الشهور القمرية

- ‌من أين يحرم القادمبالطائر جوًا للحج أو العمرة؟لفضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌الإحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرةلفضيلة الشيخ محمد علي عبد الله

- ‌الإحرام للقادم إلى الحج بالطائرة أو الباخرةلفضيلة الشيخ تجاني صابون محمد

- ‌الإحرام من جدة لركاب الطائرات في الفقه الإسلاميلفضيلة الشيخ محيي الدين قادي

- ‌كتاب حدود المشاعر المقدسةلفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام

- ‌جواز الإحرام من جدة لركاب الطائرات والسفن البحريةلفضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

- ‌حكم الإحرام من جدة للواردين إليها من غيرهاالقرار الثاني لمجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة

- ‌تغيرات النقود والأحكام المتعلقة بها في الفقه الإسلاميلفضيلة الدكتور نزيه كمال حماد

- ‌أحكام أوراق النقود والعملاتلفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملةلفضيلة الشيخ محمد علي عبد الله

- ‌أحكام النقود الورقيةلفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور

- ‌أحكام النقود الورقيةلفضيلة الدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملةفي نظر الشريعة الإسلاميةلفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌النقود الورقيةلفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌الربافضيلة الأستاذ أحمد بازيع الياسين

- ‌أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملةفضيلة الشيخ عبد الله بن بيه

- ‌أحكام النقود واستبدال العملات في الفقه الإسلاميفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌المناقشةأحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة

- ‌كلمة معالي الدكتور بكر عبد الله أبو زيدرئيس مجلس المجمعكلمة معالي الدكتور بكر أبو زيد

- ‌كلمة معاليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجةالأمين العام للمجمع

الفصل: ‌كلمة افتتاح الدورةألقاهامعالي الدكتور ناصر الدين الأسد

‌كلمة افتتاح الدورة

ألقاها

معالي الدكتور ناصر الدين الأسد

وزير التعليم العالي ورئيس مؤسسة آل البيت

بالمملكة الأردنية الهاشمية

بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي صاحب السمو الملكي، نائب جلالة الملك، ولي العهد المعظم.

سلام عليكم

وتحية إليك

يعطرهما شذى العرف من الحب الذي يملأ قلوبنا، ونفح الطيب من التقدير الذي يعمر عقولنا. كيف لا، وأنت منا في الذؤابة: نسبا زكيا، وفؤادا ذكيا، وخلقا رضيا، وهي صفات وخصائص عرفها فيك كل من اتصل بك من قريب أو بعيد، وهي وحدها التي تثني عليك، وتستغني بنفسها عن كل ثناء.

وهذا اللقاء الكريم الذي تستضيفه وتفتتحه اليوم هو من بعض ما طمحت إليه همتك، وتوجه إليك عزمك، حين دعوت صاحب السماحة الأخ الجليل، العلامة الفقيه، الدكتور الحبيب ابن الخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي في جدة ليعقد الدورة الثالثة للمجمع في عمان في رحاب آل البيت ومجمعهم الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، امتدادا لجهدك الموصول في تشجيع العلم والعلماء والفكر والمفكرين، والحفاوة بهم، واستضافة مؤتمراتهم ونداوتهم، في ظل وارف من رعاية سيدنا، الملك الهاشمي، الحسين بن طلال، واتساقا مع توجيهاته، وإنفاذا لرغباته السامية.

سيدي صاحب السمو الملكي

سادتي العلماء الأجلاء

إن هذا الموكب من مواكب العلم والنور والهداية – الذي نستقبل الساعة مفتتحه – ليسير في حناياه وعلى جنباته، رجال نذروا أنفسهم لدين الله الحق الذي رضيه تعالى لهم، لا يألونه، بحثا ودرسا وتنقيبا، وتفهما، واستخراجا للأحكام، على قواعد وأصول ومناهج: تضبط الاستنباط، وتحكم الاستقراء، وتوجه القياس.

وقبل هذا الموكب كانت مواكب، توالت على مدى العصور: موكبا إثر موكب، ولكل موكب في كل عصر أئمته: يهدون الطريق، ويسددون الخطى، ويصوبون المسيرة، حتى لا تضل الأفهام، ولا تضطرب المعايير، ولا تتفرق السبل، وحتى لا ينفصل الحاضر – بما يجد فيه – عن الأصول والجذور، ولا ينطلق المستقل منفلتا في متاهات الضياع.

ص: 9

ويناظر مجمع الفقه الإسلامي، ويرفده: المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية: مؤسسة آل البيت، الذي يجمع في عضويته العاملة والمراسلة، وفي نشاط لجانه وكتابة بحوثه، نحو مئتي عالم من جلة علماء المسلمين في مختلف بقاع الأرض، وهو يوجه عنايته إلى البحث العلمي في مختلف ميادين الحضارة الإسلامية وخاصة ما يتصل بأصول هذا البحث ومصادره بتوفير ما يسمى ببنوك المعلومات، وقد أصدر منها حتى الآن عشرة مجلدات من فهارس المخطوطات العربية في العالم، وفي خطته لهذا العام إصدار عشرة مجلدات أخرى، وأصدر أيضا سبعة مجلدات تتضمن كشافات تحليلية للمواضع التي ورد فيها ذكر للاقتصاد وللتربة في الإسلام، في أمهات كتب التراث، وكدنا نستوفي هذه الأمهات وننتقل إلى الكتب الحديثة، فالدوريات، ثم ما صدر باللغات الأجنبية، بحيث تصبح هذه السلاسل من الكشافات والفهارس وبنوك المعلومات، المنهل الذي لا غنى عنه لكل باحث في هذه الميادين. ذلك بالإضافة إلى إصدار ثلاثة مجلدات تتضمن ما يزيد قليلا عن اثني عشر ألفا من رؤوس المواد أو عناوين الموضوعات، أو المداخل، تمهيدا للعمل في موسوعة الحضارة الإسلامية، وقد بدأنا بتنظيم العمل في مجالين من مجالات هذه الموسوعة، ونأمل أن نتمهما خلال العام القادم، ثم نبدأ بنشر الموسوعة وإصدارها، على صورة فصول متفرقة، إن شاء الله تعالى. وقد بدأ المجمع الملكي طباعة البحوث التي أنجزت من موضوعات الخطة المتوسطة المدى، وهي: الشورى، والتربية، والإدارة المالية، ومعاملة غير المسلمين، وسيصدر خلال الشهر القادم مجلدان من مجلدات هذه البحوث. وما هذا كله إلا نماذج وأمثلة، قد يغني ما ذكرت منها عما لم أذكر.

سيدي صاحب السمو الملكي

سادتي العلماء الأجلاء:

إن مجمع الفقه الإسلامي في جدة يمثل ظاهرة إسلامية فريدة، إذ أنه يلبي – بطبيعة تكوينه – حاجة المسلمين في هذا العصر إلى الاجتهاد الجماعي – في أوسع نطاق – فيلتقي أهل الحل والعقد من علماء المسلمين من مختلف البلاد والبيئات والمذاهب، لمواجهة القضايا المستجدة على المجتمع الإسلامي في هذا العصر في المجالات المتعددة، وخاصة المجال الاقتصادي والاجتماعي، ثم إن هذا المجمع يسعى بعلمائه الأجلاء إلى تحقيق هدف أساسي آخر، وهو: التيسير على المسلمين بتبسيط معرفة دينهم، وتقريب هذه المعرفة إليهم، من أجل تمكينهم من الالتزام بأحكام هذا الدين التزاما يوحد بين المسلمين عامة، فبارك الله في علمائه، وجزاهم عن الإسلام خير الجزاء كفاء ما يبذلون من جهد.

سيدي صاحب السمو الملكي

الموقف موقفك، والكلمة كلمتك، وهذا الجمع الكريم متشوق إلى سماعك، فلتتفضل مشكورا بافتتاح هذه الدورة الثالثة لمجمع الفقه الإسلامي باسم الله وعلى بركته.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ص: 10

خطاب (1)

صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال

ولي عهد المملكة الأردنية الهاشمية

الحمد لله

والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه.

أصحاب السماحة والفضيلة

أيها السادة الأماثل، أود بادئ ذي بدء أن أرحب بكم وأن أنقل إليكم تحيات جلالة أخي الملك الحسين.

إنها لمناسبة سعيدة حقا تتاح لنا اليوم، لاستقبال أعلام الفقه ورجالات الفكر الإسلامي من أنحاء العالم، ممثلين في أسرة مجمع الفقه الإسلامي، هذا الصرح الفقهي الدولي الإسلامي، الذي نغتبط باستضافة الدورة الثالثة لمؤتمره السنوي في عمان عاصمة الأردن العربي الهاشمي الذي لا يفتأ يناضل من أجل العروبة، وحماية المقدسات وعزة الإسلام، وتجديد مقومات سيادته وبعث حضارته.

وإننا لنرحب أجمل ترحيب بأهل الحل والعقد، وأصحاب النظر والفتوى الوافدين علينا من الأقطار الإسلامية كلها، وبممثلي المؤسسات العديدة العاملة في مجال البحوث الفقهية والدراسات الشرعية بتداخل نظمها ووحدة أهدافها الذين تنتظمهم جميعا عضوية مجمع الفقه الإسلامي، كما نرحب أيضا بأصحاب الفضيلة الأساتذة الخبراء، ذوي الشهرة في ميادين البحث والدراسة للقضايا الاجتماعية، والصحية، والاقتصادية، والشؤون المالية، في العالم الإسلامي.

(1) قرر المجمع اعتبار خطاب سمو الأمير الحسن بن طلال وثيقة أساسية ضمن وثائق المؤتمر، يرجع إليها وتعتمد في سيره مستقبلا

ص: 11

أيها السادة الأفاضل

إن الفقهاء والعلماء في المملكة الأردنية الهاشمية، ليبتهجون بمقدمكم، متخذين من دورتكم هذه – التي تعقدونها بين ظهرانينا – موسما علميا مشهودا، يتطلعون فيه كما نتطلع جميعا في أسرتكم الأردنية إلى الوقوف على ما سيقدم من بحوث ودراسات عن القضايا المعروضة على المجمع في مؤتمره السنوى الثالث وإلى ما سيفضي إليه النقاش والنظر، من مواقف وفتاوى وقرارات علمية ومجمعية لها شأنها في حياة المسلم في كل زمان ومكان، وإن المسلمين كافة ينتظرون الكثير من هذا المجمع الزاهر الذي يعمل جادا لربط ماضي الأمة المجيد بحاضرها المتطور فيرسخ في نفسها الثوابت التي هي مقومات ذاتها وأساس وجودها ويواجه فيها المتغيرات بما تهدي إليه أصول النظر الشرعي ومناهج الفكر الإسلامي في مختلف مجالات الحياة المعاصرة.

وهذا القصد المزدوج السوي أيها الأخوة السادة الأفاضل الذي كان وما يزال بحمد الله شعار أمتنا، هو الذي ينطق به قول الله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} فقد وصفها سبحانه بالعدالة والعزة والخيار، وبتأكد هذه المعاني لديها وصدق هذه النعوت فيها وانطباقها عليها يتم تفضيلها الذي يؤذن به قوله عز وجل {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وهو يرفعها إلى المرتبة السامية.

ولا شك أيها السادة الأفاضل أن للآية الكريمة التي صارت لهذه الأمة شعارا، دلالة على أن الله تعالى أكمل عقول هذه الأمة بما تنشأ عليه من اتباع العقائد السليمة ومجانبة الأوهام الضالة، ومن وجوب تلقي الشريعة من طرق العدول وإثبات أحكامها بالاستدلال استنباطا يقوم به العلماء ليتلقاه العامة فهما وممارسة.

وفي هذا يكمن سر التجدد والخلود لهذه الأمة لأن علماءها والمجتهدين فيها لا تحكمهم الأهواء ولا تلوي أعناقهم الشهوات، ولكنهم – في كل ما يصدر عنهم من اجتهادات وأحكام – آخذون بالقول الفصل والهدي المبين من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومما تلقاه الصحابة رضوان الله عليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيان وحكمة، فذلك هو الأصل والمرجع الذي امتن الله به على عباده في قوله تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} .

ص: 12

ولا بدع – بعد ذلك – أن كان علماء هذه الأمة وفقهاؤها يعكفون على الكتاب والسنة في كل عصر، يدرسون ويتدربون ويفكرون ويبينون حتى نشأت من ذلك علوم القرآن وعلوم السنة، وأحكمت أصول الرواية وقواعد الدراية، ووضعت التفاسير والشروح، وجمعت الأحكام وأصولها من الأدلة التفصيلية في الكتاب والسنة، وأصبح جماع ذلك دليل الإيقان ومبلغ الاطمئنان، لقوله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها وعفا عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تسألوا عنها)) .

وقد نبعت من أصول الشريعة أفهام ومدارك، وتبينت أيضا أسرار ومقاصد، واتبعت مناهج وطرائق، وضبطت أصول وقواعد، كانت جميعا مرآة ظهرت عليها أقوال الصحابة والتابعين، وآراء الأئمة والمفتين، وأنظار الفقهاء والمجتهدين، وكان ذلك سببا لغنى الفقه واتساع دائرته وتأصيل نظرياته وتجديد اتجاهاته، في كل المجالات وجميع الشؤون، ولا يمكن لأي عالم أو أي فقيه أن يتنكر لهذا التراث العظيم ولتلك الثروة المميزة من الفقه الإسلامي، لما يقتضيه النظر الدقيق والبحث العلمي من الاستقراء التام للمذاهب والأقوال والاتجاهات والآراء ولما يتطلبه الاجتهاد في كل عصر من عميق التصور لغايات الشارع ومقاصده، ومن كمال الوقوف على الأحوال والملابسات للقضايا والنوازل، عند تطبيق الشريعة عليها وتنزيل الأحكام بها، وهكذا يتوصل إلى الحق ويقام العدل ويعتمد من الأدلة والأحكام ما يكون الأثبت والأقوى حجة وبرهانا والأيسر والأوفق لمصالح الناس، وإن في استيفاء النظر وفي المقارنة بين مذاهب الأئمة وآراء الفقهاء، وفي القيام بعد ذلك بالترجيح والاختيار للنصوص التي ينبغي اعتمادها في القضايا المتداولة - لجهدا تنوء به طاقات الأفراد، ولا يستطيعه إلا مجمع يكون لأعضائه من الإحاطة بمصادر الشريعة والعلم بالفقه الإسلامي، ومن الخبرة بالأصول والأسس والنظريات والقواعد، ومن القدرة على التمييز والتفريق بين الحالات المتشابهة، وعلى البت في القضايا المشكلة ما يعينه على تخريج المناط وتنقيحه وتحقيقه.

ص: 13

وإذا كانت القضايا العادية معروفة أحكامها للناس، في العبادات والأحوال الشخصية والمعاملات والحدود وكل فروع الفقه ومسائله بما يشمل اليوم كل القوانين العامة والخاصة الدولية وغيرها، فإن التطور المادي الحضاري من جهة وما نجم عنه في أطراف العالم الإسلامي من تيارات فكرية جديدة، واكتشافات واختراعات وتقدم علمي وتكنولوجي وتنظيمات وتراتيب وشركات ومؤسسات وأعراف وعادات، يواجه الإسلام والمسلمين بتحدياته ويهدد بتقويض القواعد العظيمة التي قامت عليها معالم الفكر والحضارة الإسلامية، وليس أمام المجمع الذي ينتظم صفوة العلماء في هذا العصر ويستضيف كما ذكرت قبل قليل أصحاب اختصاص في مجالات مختلفة والذي أقيم باتفاق الدول الإسلامية عامة، إلا أن يجتهد ويبذل الوسع من أجل إنارة سبيل المؤمنين ورفع حواجز الغموض والضلال والجهل والضعف من طريقهم ومدهم من جديد بما صلح لآبائهم عند تشييدهم أكمل نظام وتأسيسهم أعظم حضارة، ويصلح لهم اليوم من التعاليم والحكمة التي تأخذ بأيديهم إلى طريق المجد، يستعيدون بها سيادتهم وإدارتهم ويتبوأون بها من جديد مقام الريادة {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}

فعلى أساس هذا الهدي، وما تنبثق منه من أحكام وقواعد وأصول ونظريات يستطيع المجمع أن يحقق حماية المسلمين والحفاظ على توازن المجتمع الإسلامي. ودعم الوحدة الإسلامية بعناصر القوة والمنعة مع التأكيد على الأصول والتشاور المشروع والمحبب بكل موضوعية وعمق، ويتولى دراسة المشكلات التي تعترض سبيل النمو والتقدم في العالم الإسلامي دون تمييز ومواجهة التحديات التي تقهر الإنسان العربي والمسلم وإيقاظ الروح والمنظور الإسلامي في النفوس بعثا لنهضة جديدة.

وهذا الشرف التالد الذي تميزت به الأمة الإسلامية يجعل الله إياها مرجعا لغيرها، ودليلا لسواها على الخير والحق تتمسك به وتلتزمه وتبينه وتدعو إليه، هو الذي يدفع اليوم مجمع الفقه الإسلامي لاستجابة الأمر الإلهي في قوله عز وجل:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وفي قوله سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} .

ص: 14

ولا يقتصر هذا الواجب الجماعي على المشروعات العلمية المختلفة التي تعدونها، ولا على المؤتمرات واللقاءات التي تقومون بها بل يتجاوز ذلك إلى جملة وظائف، منها:

بيان تعاليم الإسلام السمحة التي يتقوم بها السلوك، وينضبط بها السير وتشد الفرد والجماعة إليها بما فيها من سهولة ويسر.

ومنها: بث القيم والمبادئ التي يعتمدها الإسلام منهجا للحياة وذلك بوسطيته التي تجمع بين جانبي الروح والمادة، وطلب الدنيا والآخرة والقيام بالعبادة مع تحقيق معاني الاستخلاف في الأرض.

ومنها: عرض المتغيرات والقضايا المستجدة على أصول الشريعة الإسلامية التي تدرأ ما خبث وتقبل ما حسن وتوجد لكل أمر فيه رضا الله وصلاح الأمة طريقا عملية ووجهاً شرعيا يرتفع به الحرج عن الناس، وإن في القياس والاستحسان والاستصلاح وتحكيم الأعراف المعتبرة شرعا ما يواجه التحديات وييسر على العباد معاشهم ويحقق لهم مصالحهم، فإن من مقاصد الشارع تحقيق مصالح الخلق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما وميسرا)) . ومن حكمته عليه السلام قوله: ((إن الدين يسر، ولن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا)) ، وقوله:((إن الله شرع الدين فجعله سهلا سمحا واسعا ولم يجعله ضيقا)) .

ومنها: بيان الأوجه العملية والطرق القريبة لمحاربة أسباب التخلف والضعف والوهن في المجتمعات الإسلامية وتجميع أسباب العزة والقوة والمنعة التي بفضلها تعود هذه الأمة من الافتراق إلى الاتفاق، ومن الاختلاف إلى الوحدة، وفي هذا المسمى تكمن أسرار العبادة الخالصة لله التي يجزي سبحانه عنها عباده.

تلك هي الأهداف التي يعمل المجمع من أجل تحقيقها وتلك هي الرسالة التي يجب أن يضطلع العلماء في هذا العصر بها على الوجه الأكمل، وهم قادرون على ذلك، ماضون للوصول إلى ما يؤملون، والله من وراء القصد، وهو ولي التوفيق.

أشكركم مرة ثانية وأذكر بأن حسن الأداء والخروج بقرارات واضحة في هذا اللقاء المبارك لدلالة أخرى على وجود الإرادة الإسلامية في هذا الزمن، وفي كل زمان إن شاء الله مواجهة للتحدي والتحديات.

أرجو المعذرة أن أطلت وإن أفضت ببعض العاطفة التي أشعر بها في مثل هذا الموقف، وأسلم عليكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 15

خطاب (1)

معالي السيد سيد شريف الدين بيرزاده

الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين

صاحب السمو الملكي

أصحاب المعالي

الإخوة الأعزاء

يشرفني أن أتوجه بخطابي هذا إلى الجلسة الافتتاحية للدورة الثالثة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي، وأود أن أعرب عن تقديري وامتناني لجلالة الملك الحسين بن طلال ولحكومة المملكة الأردنية الهاشمية لاستضافة هذا الاجتماع ولصاحب السمو الملكي الأمير حسن لتفضله بافتتاحه.

وإني أرحب بالحقوقيين والعلماء البارزين وممثلي الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي المشاركين في هذه الدورة، وأرجو لهم جميعا طيب الإقامة في هذه المدينة الجميلة، وأتمني لهذه الدورة النجاح.

صاحب السمو

الإخوة الأعزاء

لقد صدر قرار إنشاء مجمع الفقه الإسلامي عن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث التاريخي الذي انعقد في مكة المكرمة، وسوف يتابع المجمع السعي لتحقيق الأهداف الحيوية للوحدة الإسلامية وتقريب المجتمع الإسلامي من الإيمان بالعمل على إيجاد حلول لمشاكل الحياة العصرية والجيل المعاصر وفقا لأحكام الشريعة.

ويشكل قرار القمة الإسلامية الثالثة تطورا مهما في تاريخ جهودنا الرامية إلى تحقيق أهدافنا المشتركة، وباتخاذها هذا القرار صممت الدول الإسلامية الواقعة في مختلف بقاع الأرض وذات الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتباينة، على إنشاء مؤسسة تعمل على إبراز وحدة العالم الإسلامي وتقويته في ميدان الفقه والتشريع.

وأكد إنشاء مجمع الفقه إجماع الأمة الإسلامية على الحاجة إلى جهود نظامية يقوم بها أفراد أكفاء ومؤسسات مؤهلة للنظر في مختلف جوانب هذا العصر وتهدف إلى تمكين المسلمين من تكييف حياتهم مع القواعد والتعاليم الأساسية لديننا الحنيف، وليس هذا أمرا سهلا أية حال من الأحوال، ولكنه شرط مسبق لازم للجهود الإسلامية المقررة لضمان مطابقة عملهم الفردي والجماعي لتعاليم الإسلام.

(1) ألقي الخطاب نيابة عن معالي الأمين العام، سعادة الأستاذ فؤاد الخطيب الأمين العام المساعد بمنظمة المؤتمر الإسلامي

ص: 16

صاحب السمو

الإخوة الأعزاء

إن من دواعي سرورنا أن نلاحظ ما وصل إليه مجمع الفقه الإسلامي برئاسة فضيلة الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة أمينه العام الفذ، من تقدم كبير خلال فترة وجيزة من الزمن، والمجمع يتلقى دعما فعالا لنشاطاته من عدد كبير من العلماء المسلمين البارزين، والواقع أن المجمع أصبح مركزا لالتقاء علمائنا الأفاضل ومنبرا لهم، وقد بادر المجمع إلى النظر بتعمق في عدد من المسائل التي شغلت بال الحقوقيين منذ عشرات السنين، وتشمل هذه المسائل مختلف جوانب الاقتصاد الحديث مثل الصناعة المصرفية والفوائد المصرفية والتأمين وإعادة التأمين وجمع الزكاة وتوزيعها الخ

ونحن نتطلع إلى اليوم الذي يتطور فيه هذا المجمع الإسلامي ليصبح مركزا رئيسيا تلتف حوله الهيئات الفقهية الحالية المتعددة، وأنا واثق من أن المجمع سوف يعمل على تشجيع التعاون والتنسيق بصورة أفضل بين هذه الهيئات على أسس خطط مدروسة وعملية.

الإخوة المحترمون:

إن أهمية الفقه الإسلامي تتمثل في حقيقة أنه يرشد أفراد المجتمع إلى كل ما يهمهم في أمور حياتهم، كما أنه يشمل العلاقة بين المسلمين والدولة الإسلامية وكذلك أبناء الأقليات المسلمة في المجتمعات غير الإسلامية.

وقد استجابت الشريعة للحاجات التشريعية للدولة الإسلامية على مر العصور وأمدتها بالمبادئ والقواعد المتعلقة بأعمالها ومسؤولياتها والتزاماتها.

منذ البداية قام أفراد مستنيرون كرسوا حياتهم لدراسة القرآن الكريم وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام بتفسير الشريعة، وذلك عمل جليل، وحاول الفقهاء والعلماء المسلمون تحديد قواعد الفقه بدقة وتجميعها وتصنيفها ونقلها إلى الأجيال القادمة. نتيجة لذلك تجمعت لدينا ثروة فقهية عظيمة من المؤلفات والدراسات والبحوث، كما أن عددا من معاهد الفقه في العديد من الدول الإسلامية نشرت كتبا في الفقه.

ولذلك توفر لمجمع الفقه الإسلامي مصدر ضخم مما خلفه العلماء والفقهاء المسلمون، ومن واجبنا أن ننتفع من تراث أسلافنا وأن نبدأ من حيث انتهوا لنزيد في إثرائه. والمجمع مدعو إلى المحافظة على هذا التراث وإلى العمل على تطوير الفقه الإسلامي.

ص: 17